روحاني في دافوس.. علاقات تحكمها المصالح الاقتصادية
عبد الامير رويح
2016-02-04 04:37
يسعى الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني، الذي استطاع تحقيق بعض الانجازات المهمة في الفترة السابقة التي أعقبت المحادثات النووية و رفع العقوبات الاقتصادية، الى فتح فصل جديد في العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية و إرسال رسائل تطمين إضافية، من اجل إنهاء حالة التوتر والقطيعة وتغير صورة ايران السابقة كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان روحاني يبذل أقصى ما بوسعه من أجل الاستفادة من المتغيرات الحالية وتوظيفها لصالح إيران، التي تعد الآن لاعب قوى ومهم في عدد كبير من الملفات الإقليمية والدولية، هو ما أدركته الدول العظمى التي سعت الى تخفيف الضغوط وتقديم بعض التنازلات.
ولعل التحركات والزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني الى بعض الدول أثبتت ان روحاني دبلوماسي كبير ومؤثر يستطيع استقطاب حتى الخصوم و الوصول الى ما يريد، لكن وعلى الرغم مما تقدم فأن هناك تحديات كبيرة قد تواجه روحاني، خصوصا وان تحركاته قد أتت في وقت حساسا جدا قد تفاقم الخلافات والمشكلات الداخلية بين الإصلاحيين والمحافظين التيار الأقوى، خصوصا وان بعض القادة المتشددين يخشى ان تسهم هذه التحركات في تقوض نفوذهم داخل المؤسسة السياسية الإيرانية، يضاف الى ذلك التحديات الخارجية الأخرى، المتمثلة بمخاوف بعض الدول والحكومات التي ستعمد الى عرقلة تلك الجهود من اجل تحجيم دور إيران.
ايطاليا
وفيما يخص بعض اخر التطورات فقد قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن تحقيق نمو اقتصادي في الشرق الأوسط أساسي للتغلب على التطرف مروجا لبلاده كمحور تجاري إقليمي وأحد دعائم الاستقرار. ويسعى روحاني من خلال زيارة لإعادة العلاقات مع الغرب بعد رفع العقوبات المفروضة على طهران. وأعلنت إيطاليا اتفاقات تجارية حجمها نحو 17 مليار يورو (18.4 مليار دولار) مع إيران. وهناك عقود ضخمة أخرى مع فرنسا ما يعكس حرص دول الاتحاد الأوروبي على الاستفادة من تحسن العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية.
وفي إشارة إلى تحسن العلاقات المتزايد توقع روحاني أن يزور رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي إيران خلال الشهور المقبلة للمساعدة في تعزيز التحالفات الاقتصادية الثنائية. وقال روحاني في منتدى لرجال الأعمال في روما "نحن نرحب بالاستثمار وبالتكنولوجيا وبتأسيس سوق جديدة للتصدير" مضيفا أن إيران لديها طموحات لتطوير اقتصادها بعد أعوام من القيود والمصاعب. وتابع "بمقتضى الشروط الجديدة نريد أن نصدر 30 بالمئة مما ننتجه في إيران."
وتابع "وفقا للظروف الجديدة نريد أن نصدر 30 بالمئة مما ننتجه في إيران" داعيا إلى الاستثمار السريع "في الدولة الأكثر أمنا واستقرارا في المنطقة." وفي وقت لاحق خلال اجتماع استمر 40 دقيقة في مكتب البابا فرنسيس طلب البابا من روحاني أن يعمل مع دول الشرق الأوسط الأخرى لإحلال السلام ووقف انتشار العنف وتهريب السلاح في المنطقة.
ونظمت إيطاليا استقبالا رسميا لروحاني ووفده المؤلف من 120 من رجال الأعمال والوزراء وتعتبر طهران شريكا محتملا في المعركة ضد تنظيم داعش المتشدد. وقال روحاني "إذا أردنا محاربة التطرف في العالم ومحاربة الإرهاب فأن أحد الطرق أمامنا تتمثل في تحقيق نمو وتوفير وظائف. عدم تحقق نمو يهيئ الأجواء للإرهاب. البطالة توفر جنودا للإرهابيين."
وتتهم العديد من الدول الغربية إيران بتمويل جماعات متشددة مختلفة مدرجة على قوائم الإرهاب الخاصة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ورغم اتفاق إيران مع القوى العالمية على الحد من أنشطة برنامجها النووي فإن الولايات المتحدة تبقي على عقوبات مالية تفرضها على طهران بسبب صلاتها بتنظيمات مثل حزب الله اللبناني. وسعت السعودية الخصم الرئيسي لإيران في المنطقة إلى التقليل من شأن الآمال المعقودة على إيران لتكون منجما للمستثمرين الأجانب.
وقال الأمير تركي الفيصل -الذي شغل في السابق منصب رئيس المخابرات والسفير السعودي الى واشنطن- إن الجميع يتطلعون إلى المكاسب لدى الحديث عن الفرص التجارية في ايران ولكن على كل من يريد عقد صفقات في ايران أن يفعل ذلك بأمواله وليس بالأموال الإيرانية. ولم تُسمع مثل هذه الانتقادات في روما إذ أن الحكومة الإيطالية حريصة على الترحيب بإيران كقوة إيجابية محتملة في الشرق الأوسط. بحسب رويترز.
وقال باولو جنتيلوني وزير الخارجية الإيطالي في مؤتمر رجال الأعمال "نحن لا نسعى لمجرد تنشيط تعاوننا مع إيران وإنما لإطلاق تحالف استراتيجي شامل." وكان وفدان كبيران من رجال الأعمال الإيطاليين توجها إلى طهران بعد وقت قصير من إبرام الاتفاق النووي العام الماضي ومن المقرر أن يزور وفد كبير آخر إيران في الفترة القريبة.
فرنسا
من جانب اخر أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال مؤتمر صحفي عقده مع الرئيس الإيراني حسن روحاني عن فتح فصل جديد في العلاقات الدبلوماسية الفرنسية الإيرانية بعد سنوات من التوتر والقطيعة. وقال هولاند "هذا فصل جديد في علاقاتنا يفتح اليوم". وكان روحاني صرح في لقاء شارك فيه رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس وحضره أصحاب مؤسسات إيرانيون وفرنسيون "نحن مستعدون لطي الصفحة من أجل بدء علاقة جديدة بين بلدينا"، داعيا إلى اغتنام "الجو الإيجابي" في أعقاب رفع العقوبات. ومنذ الثورة الإسلامية في العام 1979، مرت العلاقات بين البلدين بأزمات عدة وصولا إلى التهدئة بعد توقيع اتفاق تاريخي في تموز/يوليو حول البرنامج النووي الإيراني. وبعد عزلة استمرت عشرات السنين وانتهت مع بدء تطبيق الاتفاق النووي في كانون الثاني/يناير ورفع العقوبات الدولية، تفتح إيران البالغ عدد سكانها 79 مليون نسمة أسواقها أمام الصناعات الغربية وهي فرصة لا تريد فرنسا تفويتها.
وفي هذا السياق، قال رئيس منظمة أصحاب العمل الفرنسيين بيار غاتاز "علينا نحن الفرنسيين أن نندفع (إلى إيران) وألا نضيع الوقت". ووقعت إيران بروتوكول اتفاق للحصول على 118 طائرة إيرباص للرحلات المتوسطة والبعيدة بقيمة تناهز 25 مليار دولار. وأعلنت شركة "توتال" النفطية العملاقة توقيع عقد لشراء "ما بين 150 و200 ألف برميل يوميا" من النفط الخام في طهران.
وأيضا، وقعت المجموعة الفرنسية لتصنيع السيارات "بي اس آ بيجو-ستروين" عقدا بقيمة 400 مليون يورو على مدى خمس سنوات مع طهران، في ما يشكل عودة رسمية لهذه المجموعة إلى إيران. ووقع عملاقا البناء "بويغ" و"فينشي"، بالإضافة إلى شركة "باريس أ دي بي" لإدارة المطارات، بروتوكولات اتفاقات لتطوير ثلاثة مطارات في إيران. من جانبها، وقعت الجمعية الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية وشركة السكك الحديدية الإيرانية بروتوكول للتعاون في أربعة مجالات تشمل تطوير المحطات والخطوط عالية السرعة.
وكانت مسألة حقوق الإنسان حاضرة خلال اللقاءات، خصوصا أن العاصمة باريس شهدت تظاهرات محدودة في هذا الشأن. وأعلن هولاند أنه "ذكر" نظيره الإيراني بـ"تمسك فرنسا بحقوق الإنسان". وأضاف "لقد تحدثنا في كل شيء، لأن هذه هي القاعدة دائما في السلوك الفرنسي". وتقول منظمة العفو الدولية أن إيران هي البلد الذي يعدم العدد الأكبر من القاصرين. ونددت منظمة مراسلون بلا حدود بإيران معتبرة أنها "أحد أكبر السجون الخمسة في العالم بالنسبة للصحافيين".
ولمناسبة الزيارة الأولى لرئيس إيراني منذ زيارة محمد خاتمي في 1999، والأولى التي تشمل بلدين أوروبيين، إيطاليا وفرنسا، حظي روحاني بتشريفات إضافية بينها مراسم عسكرية. وأفاد مصدر دبلوماسي أن "هذه الزيارة تفتتح مرحلة للمباحثات لمواكبة إيران في عودتها على الساحة الدولية بحيث تؤدي دورا إيجابيا خصوصا في ما يتعلق بالملف السوري". وأعلن هولاند فيما يتعلق بالأزمة السورية أنه "من الملح اتخاذ إجراءات إنسانية والتفاوض على انتقال سياسي. إنه أمر ممكن". بحسب فرانس برس.
من جهته، شدد الرئيس الإيراني على ضرورة أن تتصدى البلدان لـ"التعصب والإرهاب والتطرف" وخصوصا عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية. وتحدث روحاني عن "المشاكل الأمنية في منطقة" الشرق الأوسط، وقال "علينا تكثيف الجهود في هذه المجالات عبر تبادل معلوماتنا على مستوى الاستخبارات". ودعا هولاند إلى "خفض حدة التوتر" بين إيران والسعودية اللتين قطعتا العلاقات الدبلوماسية بينهما مطلع كانون الثاني/يناير إثر إعدام السلطات السعودية رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر وتعرض سفارتها في طهران لهجوم احتجاجا على ذلك.
البابا و روحاني
على صعيد متصل دعا البابا فرنسيس الرئيس الإيراني خلال زيارته إلى الفاتيكان في إطار جولته الأوروبية، لدعم جهود السلام في الشرق الأوسط، ومواجهة انتشار الإرهاب وتهريب الأسلحة. وتأتي زيارة روحاني إلى إيطاليا وفرنسا التي تستغرق خمسة أيام بعيد خروج الجمهورية الإسلامية من عزلتها الدولية. وخلال لقاء استمر 40 دقيقة في الفاتيكان، حث البابا فرنسيس الرئيس الإيراني حسن روحاني على الاضطلاع بدور لدعم جهود السلام في الشرق الأوسط ومواجهة انتشار الإرهاب وتهريب الأسلحة.
كما عبر البابا للرئيس الإيراني عن أمله بالسلام في الشرق الأوسط قائلا بالإيطالية "أشكركم كثيرا على الزيارة وآمل في السلام". ورد روحاني بالفارسية عند خروجه من المكتبة البابوية "سرني كثيرا لقائي بك وأتمنى لك التوفيق". ويشيد الفاتيكان بالنهج المعتدل في إيران منذ انتخاب روحاني ورحب بالاتفاق بين القوى الكبرى والجمهورية الإسلامية حول الملف النووي الإيراني. بحسب فرانس برس.
وقدم الرئيس الإيراني للبابا سجادة صغيرة رمز صناعة مدينة قم في جنوب طهران وكتابا كبيرا عن الرسم الإيراني. من جانبه، قدم البابا لضيفه ميدالية للقديس مارتن (317-397) المعروف بأعماله الخيرية مع المحرومين. وقال لروحاني "إنها تمثل مارتن الذي نزع معطفه وألبسه لرجل فقير. إنها رمز للأخوة بلا مقابل". وقدم إليه أيضا نسختين من رسالته العامة "كن مسبحا" حول العناية بالبيت المشترك باللغتين الإنكليزية والعربية نظرا لعدم وجود نسخة بالفارسية.
انتقادات وتظاهرات
في السياق ذاته تعرض رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي لانتقادات علنية بعد تغطية تماثيل أثرية عارية في متحف كابيتوليني لتفادي أي إهانة محتملة للرئيس الإيراني الزائر حسن روحاني. وقال السياسيون من أحزاب تنتمي لليمين واليسار إن رينتسي لم يتغاض فقط عن ذكر سجل ايران في مجال حقوق الانسان خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع روحاني بل تخلى أيضا عن الهوية الثقافية للبلاد عندما غطى تماثيل النساء العارية.
وقال لوكا سكويري وهو نائب عن حزب فورتسا إيطاليا الذي ينتمي ليمين الوسط الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني "إن احترام الثقافات الأخرى لا يعني ولا يجب أن يعني إنكار ثقافتنا. هذا ليس احتراما. إنه إلغاء للاختلافات ونوع من الخضوع." وقالت نائبة رئيس حزب الاتحاد الشمالي باربرا سالتامارتيني إن اخفاء التماثيل وراء ألواح بيضاء كان فعلا ينم عن "استكانة" في حين وصف رئيس الحزب ماتيو سالفيني الاجراء على حسابه على فيسبوك بأنه "جنوني". بحسب رويترز.
ودعا جيانلوكا بيكيولا من حزب اليسار والحرية والبيئة رينتسي لتقديم تفسير "للقرار المشين الذي يعتبر إهانة للفن والثقافة باعتبارهما قيما سامية." وواجه رينتسي (41 عاما) انتقادات مماثلة العام الماضي عندما غطى لوحات تصور أشخاصا عراة في مبنى بلدية فلورنسا الذي يعود لعصر النهضة بمناسبة زيارة ولي عهد الإمارات.
من جانب اخر تظاهر مئات الاشخاص في باريس احتجاجا على زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني منددين بانتهاكات حقوق الانسان وعقوبة الاعدام المطبقة في ايران. كما دعا حوالى 60 نائبا في مقالة نشرت على الانترنت الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى "الطلب" من نظيره الايراني "الافراج عن السجناء السياسيين".
وجمعت التظاهرة الاكبر حوالى 800 شخص، في مسيرة نظمت بدعوة من المجلس الوطني للمقاومة الايرانية الذي يجمع جهات معارضة في المنفى ابرزها حركة مجاهدي الشعب. وسار المتظاهرون من ساحة دانفير-روشرو جنوب العاصمة الى انفاليد وسطها حيث جرت مراسم تكريم عسكرية صباحا على شرف الرئيس الايراني. وصرحت رئيسة المجلس مريم رجوي "بصفته مسؤولا كبيرا طوال 37 عاما من الديكتاتورية الدينية في ايران، فان روحاني ضالع في جميع فظاعات هذا النظام".
كما تحدثت عن الفي عقوبة اعدام نفذت في الجمهورية الاسلامية منذ وصول روحاني الى الرئاسة في 2013 منددة "بواجهة الاعتدال" التي يبديها معتبرة انها "خدعة كبرى تهدف الى جذب المساعدات الغربية" لطهران. وصرح النائب الاوروبي المدافع عن البيئة الفرنسي جوزيه بوفيه "كيف يمكن فرش السجاد الاحمر في سبيل الحصول على عقود واسواق لمن يضع عقوبة الاعدام في قمة عمله السياسي؟ ارى ذلك غير مقبول تماما". وعلى جسر باريسي قريب من برج ايفل علقت ناشطات منظمة فيمين لافتة بالانكليزية تقول "اهلا روحاني، جلاد الحرية".
وقرب مقر الجمعية الوطنية تجمع حوالى 50 شخصا بدعوة من عدد من المنظمات اليهودية. ونشر المتظاهرون الذين حمل بعضهم العلم الاسرائيلي لافتة كبرى بدا عليها السجاد الاحمر لمدخل الاليزيه كانه يتحول الى بقعة دم الى جانب عبارة "سجاد دم احمر لروحاني، لا تضعوا حقوق الانسان تحت السجادة". وافادت منظمة العفو الدولية ان ايران هي البلد الذي ينفذ اكبر عدد اعدامات بحق قاصرين في العالم، فيما نددت مراسلون بلا حدود ببلد تحول الى "احد اكبر سجون العالم الخمسة للصحافيين".