لماذا تصر تركيا على افتعال الازمات في العراق؟
عبد الامير رويح
2016-01-11 09:43
الازمة الجديدة بين العراق وتركيا والتي تفاقمت بسبب التدخل السافر وارسال قوات عسكرية الى منطقة بعشيقة شمال الموصل تحت ذريعة تدريب قوات البيشمركة الكردية، بدون إذن رسمي من بغداد التي اعتبرته اعتداء صارخ على سيادة العراق يمكن ان يسهم بتعقيد الامور في هذا الوقت بذات، خصوصا مع عدم وجود تعاون من قبل السلطات التركية التي عمدت الى انتهاك الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية.
ويرى بعض الخبراء ان تركيا وبعد التدخل العسكري الروسي في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي وفشلها في إيجاد منطقة عازلة في الشمال السوري، سعت الى اعتماد خطط واساليب اخرى من اجل قلب الموازين وتحقيق مكاسب اضافية، من خلال خلق ازمات ومشاكل جديدة لاستخدامها كورقة ضغط في سبيل تمرير قراراتها ومتطلباتها، يضاف الى ذلك ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اكد بأنه لن يقبل بسحب القوات التركية من العراق وكما تنقل بعض المصادر، ربما يسعى وفي ظل تصاعد الانقسامات بين القوى الشيعية والكردية والسنية في العراق، الى نقل المعركة مع الاكراد على الأراضي العراقية وفتح بوابه جديدة من جهة العراق لدعم داعش وبقية التنظيمات الإرهابية، التي منيت بخسائر كبيرة في الفترة الاخيرة، مؤكدين في الوقت ذاته على ان أردوغان سيعمد الى خلط الاوراق وفبركة الاحداث في سبيل تنفيذ ما يريد، وهو ما قد يؤدي الى خلق كارثه جديد في المنطقة خصوصا وان العديد من الاطراف العراقية قد اكدت أن على استعداد لدخول في مواجه عسكرية مع تركيا لدفاع عن السيادة الوطنية.
مزاعم تركية
في هذا الشأن فندت قيادة العمليات المشتركة العراقية مزاعم تركية جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفادها أن جنودا أتراكا كانوا متمركزين في معسكر "بعشيقة" شمال العراق قرب الموصل قتلوا 18 جهاديا إثر تعرضهم إلى هجوم من قبل تنظيم "داعش". ونفت هذه القوات في بيان "وقوع أي اشتباك بين القوات التركية المتوغلة داخل الأراضي العراقية وعناصر داعش الإرهابية سواء في بعشيقة أو غيرها من المناطق".
ويطالب العراق بسحب هذه القوات التركية من أراضيه ويعتبر توغلها انتهاكا لسيادته. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام صحفيين في إسطنبول أن عناصر من تنظيم "داعش "حاولوا التسلل إلى معسكر بعشيقة وأن الجنود الأتراك تصدوا للهجوم وقتلوا "18 عنصرا في تنظيم داعش الإرهابي".
من جانبه، نفى عقيد في قوات البشمركة الكردية التي تسيطر على المنطقة تعرض القاعدة التي تضم جنودا أتراكا إلى هجوم. وأوضح أن تنظيم "داعش" يطلق بعض قذائف الهاون على المنطقة وليس على القاعدة بشكل محدد، والرد على هذه الهجمات تتولاها قوات البشمركة بشكل روتيني. ونشرت تركيا بداية شهر كانون الأول/ديسمبر كتيبة من 150 إلى 300 جندي وعشرين آلية مدرعة في معسكر بعشيقة بشمال العراق قالت إنها لضمان حماية المستشارين العسكريين الأتراك المكلفين تدريب مقاتلين عراقيين في التصدي للتنظيم. بحسب فرانس برس.
وأثار دخول القوات التركية توترا حادا مع الحكومة العراقية التي طالبت بسحب هذه القوات ورفعت رسالة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي. وتسيطر قوات البشمركة الكردية التي تقيم علاقات جيدة مع أنقرة على خطوط التماس مع مدينة الموصل التي تخضع بشكل كامل لسيطرة تنظيم "داعش. وتقع بلدة بعشيقة تحت سيطرة قوات البشمركة، لكنها ليس جزءا من حدودها الرسمية الخاصة بإقليم كردستان.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن هجوما التنظيم على قاعدة عسكرية في شمال العراق يظهر أن قرار تركيا نشر قوات هناك له ما يبرره ملمحا إلى أن روسيا هي التي تثير خلافا بشأن هذا الموضوع. وقال قائد المجموعات السنية المسلحة إن مقاتليه والقوات التركية شنوا "هجوما استباقيا" مشتركا على داعش على بعد عشرة كيلومترات جنوبي القاعدة لأن المتشددين كانوا يعتزمون إطلاق الصواريخ عليها.
وقال أثيل النجيفي وهو المحافظ السابق لمحافظة نينوى التي تقع بها مدينة الموصل إن القوات تمكنت من تحديد موقع الصواريخ وشنت ضربة استباقية. وأضاف "انتهت هذه العملية من دون إطلاق صاروخ واحد على المعسكر." وقال إردوغان "تظهر هذه الواقعة كم كانت الخطوة المتعلقة ببعشيقة صحيحة. من الواضح أنه بوجود قواتنا هناك فإن ضباطنا الذي يتولون التدريب جاهزين لأي شيء في أي وقت." واتهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنقرة بعدم احترام اتفاق لسحب قواتها في حين قال وزير الخارجية إن بغداد ستلجأ إلى عمل عسكري إذا ما وجدت ضرورة لذلك. وقال إردوغان إن الخلاف بشأن القاعدة بدأ في أعقاب تدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة إثر إسقاط طائرة روسية فوق سوريا في نوفمبر تشرين الثاني. بحسب رويترز.
وقال إردوغان "طلبوا منا (العراق) أن ندرب جنودهم وقدموا لنا هذه القاعدة كمكان لذلك. ولكن كما شهدنا بعد ذلك ما إن وقعت تلك المشاكل بين تركيا وروسيا... بدأت هذه التطورات السلبية تظهر" مشددا على أن تركيا تتصرف وفقا للقانون الدولي. وقال النجيفي إن التحالف الدولي الذي يضرب أهدافا لتنظيم داعش في العراق وسوريا وفر غطاء جويا للعمليات العسكرية البرية. وأكد التحالف شن أربع غارات على مقربة من مدينة الموصل لكن المتحدث باسمه قال إنها لم تكن دعما للعملية العسكرية العراقية - التركية في بعشيقة.
وعود وتحديات
الى جانب ذلك قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن تركيا لم تحترم تعهدا بسحب قواتها من شمال العراق حيث تقوم بتدريب جماعة مسلحة سنية تقاتل تنظيم داعش. وقال وزير الخارجية العراقي إن بلاده قد تلجأ إلى العمل العسكري إذا لزم الأمر للدفاع عن سيادتها. وقال بيان للمكتب الإعلامي للعبادي إنه أبلغ نظيره التركي في اتصال أن وفدا تركيا كان قد وعد بسحب القوات "إلا أن الحكومة التركية لم تلتزم بالاتفاق ونحن نطلب من الحكومة التركية أن تعلن فورا أنها ستنسحب من الأراضي العراقية وأن تحترم السيادة العراقية وتسحب قواتها بالفعل."
وأقرت أنقرة بأنه كان هناك خلل في التواصل مع بغداد بخصوص نشر القوات.
وسحبت لاحقا بعض القوات إلى قاعدة أخرى داخل إقليم كردستان شبه المستقل وقالت إنها ستواصل سحب القوات من نينوى. لكن الرئيس التركي طيب اردوغان قال إن الانسحاب الكامل غير وارد وكرر العبادي لنظيره التركي أحمد داود أوغلو القول إن بغداد لم توافق على نشر القوات. وقال العبادي "ما من سبب يجعل الحكومة التركية ترسل مدربيها إلى مناطق عميقة داخل الحدود العراقية مثل الموصل لكي تعرض مدربيها للخطر" مضيفا أن تنظيم داعش لا يشكل خطرا على تركيا من داخل العراق. ويقع بعشيقة على بعد 90 كيلومترا تقريبا من الحدود التركية.
وقال مكتب داود أوغلو في بيان إنه اتصل بالعبادي ليؤكد على أن البلدين "سيواصلان العمل معا وبتنسيق كامل" ضد التنظيم. وهنأ داود أوغلو العبادي أيضا على استعادة القوات العراقية لوسط مدينة الرمادي. وفي وقت سابق قال وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري إن حكومته ملتزمة باستنفاد كل السبل السلمية لتجنب حدوث أزمة مع تركيا. وأضاف "لكن إذا لم يكن إلا هذا الحل فنعتمد هذا الحل. إذا فرض علينا القتال للدفاع عن سيادتنا وثروتنا فسنضطر إلى ذلك." وفيما يبدو انه رد على تصريحات الجعفري قال داود أوغلو في وقت لاحق إنه إذا أراد العراق استخدام القوة فينبغي أن يكون ذلك ضد تنظيم داعش مشيرا إلى أن بغداد لا تسيطر على ثلث الأراضي العراقية.
واتهم الجعفري تركيا "بالالتفاف" على مطلب سحب القوات بإعادة نشرها في مناطق أخرى. وقال "حتى الآن لا يوجد تجاوب من تركيا للمطلب العراقي بسحب القوات بل هناك التفاف بالقول إنهم سيعيدون انتشار القوات. ما الذي يعنيه نقل القوات من مكان بالعراق إلى مكان آخر بالعراق؟ السيادة واحدة والأرض واحدة والانتهاك واحد." وأضاف "أتمنى أن تتحلى تركيا بالحكمة والعقلانية وألا ترتكب هذا الخطأ. لكن عندما ترتكب هذا الخطأ فالشعب لن يسكت ولا الدولة. إذا فرض القتال فرجال العراق أشاوس وأبطال. إذا فرضت علينا الحرب سنواجه الحرب بالحرب. من يفرض الحرب هو الطرف المقابل بعدم استجابته لمطلب العراق."
كما بدا الجعفري وكأنه يطالب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في قتال تنظيم داعش بمساندته في موقفه. وقال "العراق أيضا عنده تحالفات مشروعة مع دول التحالف وإذا لم يرق (التحالف) الآن لمسؤوليته فإنه يؤثر على نفسه." وأكد الجعفري وجود تعاون "معلوماتي" مع روسيا لكنه نفى وجود أي تحالف عسكري مع الروس. وقال "روسيا وجهت ضربات قصمت الظهر إلى مناطق متعددة في سوريا. إذا كان هذا هو مفهوم التدخل الروسي فلا وجود له بالعراق." بحسب رويترز.
وأضاف "إذا كان هناك تعاون للحصول على معلومات.. نعم نحن نستفيد من المعلومات. الحرب على الإرهاب تعتمد بصورة كبيرة على المعلومات المخابراتية. "لكن لا يوجد تحالف عسكري بيننا وبين روسيا. إذا طلبت روسيا تعاونا أكبر من العراق (كاستخدام المجال الجوي) فسينظر في ذلك مع الحفاظ على سيادة العراق مع مراعاة الدستور العراقي ومع مراعاة التزامنا تجاه التحالف الدولي".
موقف جامعة الدول العربية
في السياق ذاته طالبت الدول العربية تركيا بسحب قواتها من شمال العراق دون قيد أو شرط ووصفت التدخل التركي بأنه "اعتداء على السيادة العراقية وتهديد للأمن القومي العربي". وقال أحمد بن حلي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية إن وزراء الخارجية العرب قرروا في اجتماع طارئ لهم عقد بمقر الجامعة بالقاهرة "مطالبة الحكومة التركية بسحب قواتها فورا دون شرط أو قيد." وأضاف أن الوزراء طالبوا تركيا أيضا "الالتزام بعدم تكرار انتهاك السيادة العراقية مستقبلا مهما كانت الذرائع."
كما اعتبر الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي توغل قوات تركية في شمال العراق "انتهاكا واضحا" للقانون الدولي "وسيادة العراق وحرمة اراضيه" مطالبا انقرة بسحب قواتها. واضاف العربي ان "تأييد الطلب العراقي جاء سريعا وقويا من ثماني دول عربية... هذا التأييد يعكس حجم التضامن العربي الواضح مع العراق ووقوف الدول العربية الى جانبها في المطالبة بانسحاب القوات التركية الى الحدود الدولية المعترف بها بين الدولتين". بحسب رويترز.
واعتبر العربي ان التوغل التركي يشكل "انتهاكا سافرا لاهم احكام ومبادئ ميثاق الامم المتحدة والجامعة العربية الخاص باحترام السيادة وحسن الجوار". وعبر العربي عن دعم الجامعة العربية الكامل" للجهود الدبلوماسية التي تبذلها العراق لاحتواء الموقف بالطرق الدبلوماسية والمباحثات الثنائية من اجل اقناع تركيا بسحب قواتها من الاراضي العراقية". وابدى العربي امله ان "تقوم الحكومة التركية بالاستجابة الفورية للمساعي العراقية في هذا الشان (انسحاب القوات العسكرية) وعدم تكرار تلك الخروقات والافعال الاحادية الجانب التي تمس السيادة العراقية وتعرض الامن القومي العربي لمخاطر كبيرة". واضاف العربي ان "اي اعتداء مسلح على اي دولة عربية او اكثر او على قواتها اعتداء عليها جميعا" مقتبسا من قرار سابق لمجلس وزراء خارجية الجامعة العربية في العام الفائت.