مركز الامام الشيرازي ناقش الانتخابات في العراق بين شرعية المقاطعة ومسؤولية المواطن
مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
2025-11-05 05:08
تحرير: محمد علاء الصافي
عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث ملتقاه الفكري في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام تحت عنوان "الانتخابات البرلمانية في العراق بين شرعية المقاطعة ومسؤولية المواطن"، بمشاركة عدد من مدراء مراكز دراسات بحثية، وأكاديميين، وإعلاميين، قدم الورقة البحثية الباحث في المركز الاستاذ محمد علاء الصافي وابتدأ حديثه قائلا:
لا يمكن أن يكون نظام الحكم جيداً في شكله وممارساته، ولا يمكن اعتباره نظاما شرعياً؛ إلاّ إذا كانت السلطة فيه منبثقة من إرادة الأمة؛ لان السلطة قبل كل شيء، تعتمد في وجودها، وفي شرعية تصرفاتها، على رضى الجماهير وقبولهم لها.
ولا يحصل رضى الجماهير وقبولها بالسلطة من الناحية الفعلية دون اعتماد السلطة على وسيلة فعالة، يعبر بها الشعب عن إرادته في إضفاء الشرعية عليها. وهذه الوسيلة هي الانتخابات الحرة النزيهة، حيث يدلي كل مواطن برأيه حسب قناعته واختياره.
وتحظى الانتخابات من منظور مدرسة المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي بأهمية كبيرة، وذلك لكونها تمثل وسيلة فعالة من وسائل إدارة الأمة بالطرق السلمية المقبولة عرفا وشرعا. حيث أن الانتخابات لا تقتصر على اختيار قيادة السلطة وحسب، بل تتعداها إلى كل إدارة شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والإدارية...
وقد أكد هذا المعنى الإمام الشيرازي بقوله: يجب أن يكون الحاكم.. منتخبا بانتخابات حرة، وهذا هو المتعارف عليه الآن في البلاد الديمقراطية، ولذا نرى لزوم إجراء الانتخابات في إدارة كل شيء حتى في معمل أو شركة صغيرة أو ما شابه ذلك، فأنه يشمله قوله سبحانه (وأمرهم شورى بينهم)، لان الشورى؛ إنما هي نتيجة الانتخابات، أو أن الانتخابات هي نتيجتها.
إنَّ شعور المواطن بالإقصاء والتهمیش وعدم مشاركته في إبداء رأیه في تحديد قضایاه الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة، تدفعه إلى العزلة السياسية وتجعل منه شخص لا یبالي بالواقع السياسي؛ وذلك لوصوله إلى قناعة بأن اختياراته أو مشاركته الانتخابية لا يمكنها أن تؤثر في رسم السیاسات العامة أو تطوير الاداء الحكومي واداء الاحزاب السياسية، وتضعه أمام حالة أقرب إلى حالة "الاغتراب السياسي"، سواء فيما يتعلق بحقوقه كمواطن أو واجباته العامة. وهذه الظاهرة أصبحت تشهد اتساعًا، واخذت تستفحل بين المجتمعات أو الدول، ولاسيما في الدول ذات الانظمة السياسية الهجينة، أو تلك الانظمة التي تجمع بين النظامين "الديمقراطي والسلطوي" وهي الانظمة التي تأخذ بممارساتها وادواتها الديمقراطية من النظام الأرستقراطي، وتكون فيها نتائج الانتخابات في الغالب غير مؤثرة في عملية تشكيل الحكومات، إذ تبقى التوازنات والتوافقات السياسية والمحاصصة هي الفيصل في تشكل الحكومات. وأن صنع القرار، والتأثير السياسي، يبقى مرهونًا بيد القوى السياسية الكبيرة أو التقليدية، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، وكأن الانتخابات، تأتي لتجديد الشرعية لتلك الاحزاب والقوى السياسية، وأن دور المواطن يقتصر على الانتخاب فقط من دون التغيير، وأن فرصته في التغيير تكاد تكون معدومة، سواء من خلال التمثيل او من خلال الانتخاب.
إذ تعكس التجربة السياسية العراقية بعد عام 2003، وطبيعة النظام السياسي القائم، حالة تلك الانظمة السياسية الهجينة إلى حد بعيد. فقد شهد العراق خمس دورات تشريعية نيابية، فضلًا عن انتخابات مجالس المحافظات والاستفتاء على الدستور العراقي لعام 2005، وقد تباينت نسب المشاركة السياسية في جميعها، وأخذت بمنحى تنازلي، ولاسيما إذا ما قارنا اول دورتين انتخابيتين بآخر دورتين انتخابيتين؛ لذا تشير التوقعات بأن الانتخابات التشريعية المقبلة، ستشهد نسب مشاركة متدنية جدًا، ولاسيما أن الانتخابات القادمة، ربما تختلف عن الانتخابات التشريعية السابقة؛ ليس لأنها محكومة بظاهرة العزوف الانتخابي –الظاهرة التي كانت بمثابة القاسم المشترك بين كل الدورات الانتخابية– وإنما لكونها محكومة بثنائية العزوف الانتخابي والمقاطعة، ولاسيما مقاطعة التيار الصدري وغيره من القوى السياسية.
بالتالي، ستكون هناك نتائج وتداعيات، من شأنها أن تؤثر على مستقبل النظام السياسي، والعملية السياسية الجارية في البلاد منذ عام 2003 بشكل عام، ولاسيما مع استمرار مقاطعة التيار الصدري – التيار الأكثر جماهيرية وتنظيم – في البيئة الشيعية. وسياسيًا يمثل توازنًا أمام القوى التقليدية الحاكمة، وأن غيابه قد يؤدي إلى اختلال في ميزان القوى داخل البرلمان، وبالتالي فقدان المعارضة بشكل مؤثر، أو أن تكون السلطة التشريعية مختلة وغير قادرة على اخذ دورها التشريعي والرقابي بشكل حقيقي، كما هو الحال في الدورة التشريعية الحالية التي شهدت تخادم شبه تام بين السلطة التشريعية والتنفيذية الا في حالات قليلة ونادرة من تجربة النواب المستقلين والكتل السياسية الجديدة التي ظهرت بعد احتجاجات تشرين 2019. هذا الاختلال العام في النظام السياسي وسلطاته وادواته الانتخابية، قد يترتب عليه تداعيات من شأنها أن تلقي بضلالها على الوضع العام في البلاد، حتى وأن تم تجاوز الانتخابات وتنظيمها. ولعل من أبرز تلك التداعيات، التي من شأنها أن تهدد النظام السياسي، هي الشرعية المنقوصة، الناتجة عن مقاطعة الانتخابات والعزوف السياسي.
فهناك مؤشرات يمكن من شأنها أن تعطي الشرعية لأي نظام سياسي، كالمشاركة السياسية الفاعلة ودورها في إرساء البناء المؤسساتي للدولة، وهي بذات الوقت تعد عائقًا حقیقیًا أمام عملیة التنمیة السیاسیة. وأنَّ ضعف المشاركة السياسية أو تدنيها قد يضعف شرعية النظام السياسي (محليًا وخارجيًا)، وغياب الشعور بالمواطنة. ولترسيخ النظام أو البناء الديمقراطي في العراق یحتاج إلى تحولات عمیقة، ومن أهمها تثبیت مبدأ المواطنة بكل دلالاتها كحق لأفراد المجتمع؛ مما یمكنهم من المشاركة في العملیة السیاسیة، وبالتالي فإن غیاب هذا المبدأ أو محاولة تغیيبه وتهميشه، سوف ینعكس سلبًا على أي محاولة لبناء نظام دیمقراطي أكثر استقرارًا. فضلًا عن الاغتراب السياسي، الذي يعد من اهم الآثار المترتبة على العزوف الانتخابي، إذ يتولد شعور لدى اغلب المواطنين، ولاسيما عند فئة الشباب، حالة من اليأس وفقدان الأمل من القدرة على احداث تغيير سياسي أو حكومي أو في نتائج الانتخابات؛ نتيجة انعدام فرص حالة التغيير السياسي من خلال المشاركة في الانتخابات. لذا فأن الانتخابات القادمة، ستكون محكومة بهذا الثنائية، وستؤثر على نتائجها أيضًا.
المشكلة في كل دورة انتخابية هو القانون الانتخابي، لكن لم يتم اعداد قانون انتخابي ناضج ناتج عن حوارات عراقية معمقة بين الأطياف السياسية والمجتمعية العراقية، دائما كان هنالك جهة تحاول توظيف القانون لصالحها. وبصراحة قانون الانتخابات المعدل أبان احتجاجات تشرين 2019 كان فيه تغييرات جذرية تختلف عن كل القوانين السابقة، وهي كلها كانت نتيجة مطالب الاحتجاجات، والمؤيدة بخطب المرجعية الدينية في النجف الاشرف، كما طالبوا حينها بحل مفوضية الانتخابات والحكومة والبرلمان وتشريع قانون انتخابات منصف وعادل.
في الانتخابات البرلمانية الاولى في 2005 كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة وأعتمد نظام القائمة الانتخابية المغلقة، بينما أصبح في الانتخابات البرلمانية الثانية في 2010، 18 دائرة انتخابية والقائمة شبه مفتوحة تسمح بالتصويت للكتلة أو للمرشح داخل الكتلة، حيث كانت في انتخابات 2010 نسبة التصويت للاحزاب 18% وللأشخاص 82%، وهي كانت تعكس مدى اختيار المواطن العراقي للأحزاب أو للأشخاص.
من المؤسف أن القوانين المتعلقة بالانتخابات في العراق لا تطبق بكل حذافيرها، لأن في العراق دائما الاتفاقيات السياسية هي أعلى من القانون والدستور، وهذه معضلة كبيرة تواجه الديموقراطية في العراق، سواء على مستوى قانون الانتخابات او قانون الاحزاب. ومنها الكثير من المواد المتعلقة بالأحزاب السياسية، حيث تطرقت هذه الفقرات إلى مواضيع مثل إئتلاف الأحزاب واندماجها بشكل بسيط ومبهم وغير واضح. وهو ما يعطي المفوضية لإمكانية اصدار أنظمة جديدة حول تسجيل الكيانات وتسجيل الناخبين والمرشحين وشكاوي الطعون الانتخابية لأن قانون الانتخابات لا يفصلها بالشكل المطلوب. وعندما نتصفح قانون الانتخابات الجديد المعدل خلال هذه الدورة نرى أنه لا يجوز استخدام أموال ومؤسسات وسيارات الدولة والأوقاف الدينية في الدعاية الانتخابية، ولكن هذا يحصل في كل انتخابات بدون عقوبات وبدون تحميل المسؤولية لأي طرف، وحتى لو تم اصدار عقوبات فهي تكون شكلية لا تتعدى الغرامات المالية البسيطة وليس استبعاد المرشح أو حزبه لمدة معينة او حرمانه دورتين أو اكثر.
لذلك نقول دائماً أنه لا يجب ان تجلس الهيئة التشريعية لوحدها لصياغة القانون، ويجب جمع الشركاء معاً عند صياغة القوانين، السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين وحتى وسائل الإعلام. علينا ان نتعلم من تجارب الانتخابات السابقة للوصول إلى قانون انتخابات أفضل واكثر وضوحاً وشمولية وعدالة وانصاف يحقق تكافؤ الفرص بين المتنافسين كما تؤكد المواد الدستورية، ويكون ذلك من خلال جمع كل شركاء العملية السياسية، بالإضافة إلى المختصين، للوصول إلى تعزيز نجاح القانون، وتفادي الاخطاء والمشاكل التي تحصل كل دورة انتخابية عندما يتم تغيير القانون. قانون الدوائر المتعددة على سبيل المثال هو قانون ممتاز تم الغاءه والالتفاف عليه من قبل الاحزاب الخاسرة في انتخابات 2021 والتي استعادت زخمها وتأثيرها بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان وهو في اسوأ الاحوال برأيي كان يصلح لانتخابات مجالس المحافظات وربما لا يصلح للبرلمان وكان يحتاج تعديلات اهمها الترشيح الفردي وتعزيز المناطقية وينتج لنا مجلس نواب عشائري مناطقي، وليس مجلس نواب يضم كفاءات عراقية في أعلى سلطة تشريعية في البلد.
ان اهم سبب ادى الى سقوط النظام الملكي في العراق قبل ما يقارب من سبعين عام، كان القانون الانتخابي غير المنصف الذي لا يؤدي إلى تمثيل واسع لأغلبية الشعب، رغم أنه كانت هناك انتخابات وكان هناك نوعًا ما حرية مشاركة سياسية وحرية أحزاب، لكن لم يكن تمثيل حقيقي. كما ان أغلب أعضاء مجلس الأمة والاعيان كانوا من شيوخ العشائر أو شيوخ الألوية الكبار، وكان هذا تقريبًا محكوم بأشخاص محددين يمثلون مناطقهم كل دورة نيابية في العراق تقريبا، بعد عام 2003 تغيرت الدولة كثيرا لكن لا زالت تعاني من عدم تكافؤ الفرص للقوى والشخصيات السياسية.
القضية بدأت من 2005 بقانون الدائرة الواحدة أو القائمة المغلقة كانت يعني كانت التجربة الأولى وبعدين تم موضوع أنه صارت قوائم مفتوحة ومرشحين انتخابات 2009 و 2010 و 2021 تم تغيير جذري للقانون، كان هذا نتيجة الاحتجاجات التي حدثت في تشرين، وكذلك أيدتها المرجعية الدينية من خلال خطبها وطالبت بأكثر من خطبة وأكثر من بيان لها بتعديل القانون وتحقيق قانون انتخابي منصف وعادل يوفر تكافؤ الفرص الذي أكد عليه الدستور بالمشاركة السياسية حتى يحقق التغيير الذي على أساسه يتم تغيير المنهجية في الحكم بالعراق.
بالنسبة للتغييرات في قانون الانتخابات، لدينا قانون انتخابي ودستور يعالج القضايا الانتخابية، لكن قانون الأحزاب والانتخابات والمفوضية بحاجة إلى مراجعة شاملة من جميع الاطياف السياسية والمنظمات والاكاديميين والخبراء. حول الايجابيات والسلبيات، لا يوجد قانون انتخابي شامل 100% وينال موافقة الجميع من سياسيين وناشطين ومنظمات ومختصين. الانتخابات فيها ايجابيات كثيرة، لكنها غالبا تنتج برلمان فيه انقسام كبير، وقد ننتظر 6 شهور أو سنة لتشكيل الحكومة الجديدة. كما يجب الاعتماد على المختصين بشكل اكبر في صياغة وشرح طريقة العمل على قانون الانتخاب، خصوصاً في الجوانب الفنية والتقنية.
يجب تشديد شروط الترشيح ووضع فلاتر اولية لضمان ترشيح أفضل الشخصيات وتسهيل شروط المشاركة على المواطنين لضمان مشاركة انتخابية واسعة وتمثيل سياسي حقيقي للشعب العراقي.
الاحزاب التقليدية التي فشلت سياسياً قامت بالاعتماد على العشائرية للحصول على الأصوات.
أن الانتخابات السابقة حصلت بدون احصاء سكاني لكل دائرة انتخابية، وفي هذه الانتخابات رغم اجراء الاحصاء السكاني تم تجاهل مخرجاته وهذا ظلم كبير لمحافظات استقطبت ملايين السكان دون تمثيل حقيقي ومخصصات مالية تخدم ساكنيها.
انتخابات بلا برامج...
ترتكز الانتخابات في أي بلد يعتمد مبادئ الديمقراطية على أسس صحيحة وبرامج انتخابية واقعية ينفذها المرشح بعد فوزه بالانتخابات، وتكون هذه البرامج الانتخابية هي المعيار الوطني والقانوني والاخلاقي بصعود كفة هذا المرشح أو هذه الكتلة أو تلك، إضافة إلى عناصر المهنية والكفاءة والنزاهة في شخص المرشح وكتلته الانتخابية، وبالتالي فإن دعم المرشح من قبل الناس يكون على ما جاء في برنامجه الانتخابي وسلوكه السياسي وكفاءته، وهذه إحدى دعائم العملية الديمقراطية، يكون التنافس على أساس البرامج وليس لمحددات أخرى.
تشير التقارير إلى أن الانتخابات في العراق، بدأت تغيب عنها البرامج السياسية وتصعد مؤشرات أخرى منها ما يتعلق بشراء الذمم بفعل المال السياسي المستشري بين الأحزاب والكتل السياسية أو بفعل العنف والضغوط أو استغلال المواقع التنفيذية والبرلمانية من قبل المرشحين أو بفعل التركيز على عوامل التحشيد عبر استحضار الطائفة او الدين او الشخصيات السياسية او اللجوء إلى أبناء العشيرة من باب "الفزعة" في إشارة إلى النصرة او الحماية التي ينتدبها أبناء العشائر في نصرة بعضهم بعضا في كثير من المناسبات بغض النظر عن معايير العدالة او الحق، إذ يرى مراقبون في شؤون الانتخابات أن البلدان العربية ذات النزعة العشائرية برز معها ما يمكن أن نسميه بشكلانية الديمقراطية.
إن البرامج الانتخابية لعديد كبير من المرشحين يغيب عنها الاحتكام لخطط العمل والأفكار الجادة فيما يحاول المرشحون محاكاة الناخبون عبر التركيز على محددات النخوة العشائرية والفزعة.. الخ، وقد تدخل الدائرة الواحدة حرب باردة بين العشائر ذاتها إذا ما كان هناك مرشحون من قبائل أخرى فيكون الفيصل فيما بينهم هو أبناء العشيرة وتشير التقارير إلى أن الاصطفافات العشائرية باتت سمة أساسية في الانتخابات النيابية في العراق، حيث يحتكم المرشح وبعد ذلك الناخب للفزعة العشائرية فقط في عملية الانتخابات بغض النظر عن مؤهلاته وكفاءته وهو بكل تأكيد لا يخدم العملية الانتخابية وإفرازاتها في انتخاب مشرعين يصلحون واقع البلد ومشاكله الكثيرة.
في ضوء هذه المشاكل فإن قبل كل دورة انتخابية تقع المهمة الأساسية في وصول الأكفأ والأفضل والاصلح وانتخاب المرشحين على أساس البرامج الانتخابية الواقعية وليس لاعتبارات ضيقة او لمنطلقات حزبية او فزعوية، من هنا يفضل للناخبين تحديد عملية اصلاح الواقع السياسي عبر الخطوات الاتية:
- المشاركة في الانتخابات والتصويت على أساس المرشح الأكفأ، وأن يكون الحكم في الانتخاب العقل والاعتبارات الوطنية وليس العاطفة او الاعتبارات الضيقة.
- الانتخاب على أساس البرامج لا على أساس اعتبارات مصلحية او طائفية او عرقية محددة، وهذا ما أشارت إليه المرجعية الدينية من ضرورة انتخاب الاصلح من بين المرشحين لتكوين دولة قائمة على أساس المواطنة ومصلحة الدولة العليا.
- أفضل معاقبة للمرشحين الفاسدين او الذين يستغلون الدين او الطائفة او العشيرة هو بانتخاب الأفضل والأكفأ بغض النظر عن عشيرته او حزبه السياسي او منطقته السكنية وان يكون الانتخاب للأفضل من الدائرة الانتخابية الذي تتوفر فيه العدالة والنزاهة وأن لا يكون اساء استخدام السلطة او اسرف على حساب المال العام.
هل مقاطعة الانتخابات تحقق التغيير؟
مسألة المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات تُعد من أبرز أدوات الشعوب للتأثير على الأنظمة، لكن نتائجها تختلف باختلاف الظروف السياسية، طبيعة النظام، وحجم التفاعل الشعبي.
العراق في عام (2005)، جزء من المكوّن السني قاطع الانتخابات، فكانت النتيجة إقصاء نفسه سياسيًا لفترة طويلة، وأعطى القوى الأخرى فرصة للهيمنة على المؤسسات، كما قاطع التيار الصدري الانتخابات وتعرض لاحقا لحملات الملاحقة لعناصره المسلحة في عمليات صولة الفرسان.
المقاطعة تنجح عندما تكون جماهيرية واسعة، وتُرفق بأدوات ضغط أخرى (احتجاجات، دعم دولي، بدائل سياسية واضحة)، لكنها تفشل وتخدم الاستبداد إذا تركت الساحة فارغة للسلطة كي تملأ المؤسسات برجالها دون مقاومة وتكون بلا مشروع سياسي واضح كما في العراق.
أحيانًا المشاركة مع كشف التزوير أفضل من الانسحاب، وأحيانًا المقاطعة الشاملة تكون أقوى سلاح لنزع الشرعية، رغم ان الوضع العراقي مثلا لا يحدد نسبة مشاركة شعبية معينة تبطل شرعية الانتخابات وتفشلها.
الخلاصة أن المقاطعة: غالبًا ما أدت إلى إفراغ المؤسسات لصالح السلطة، وأضعاف المعارضة.
المشاركة: منحت المعارضة منصة سياسية وأحيانًا نفوذًا فعلياً، لكنها عرّضتها أيضًا للتدجين من قبل الأنظمة، وحتى في العراق ربما نستطيع اضافة ان الاحزاب والشخصيات التي رفعت شعارات المعارضة بعد احتجاجات تشرين نجدها اليوم شريكة مع قوى الاطار التنسيقي التي احتجوا ضدها قبل سنوات وربما يبقى الضغط واللوم كله مسلّط على المواطن وحسن الاختيار.
في العالم العربي، الأنظمة عادةً تستفيد أكثر من المقاطعة، لأنها تُبقي الساحة فارغة، بينما المشاركة –حتى لو كانت محدودة– تعطي المعارضة أدوات للتأثير وكشف التزوير وعرض ذلك على الرأي العام.
للاستزادة اكثر عن الموضوع نطرح على حضراتكم السؤالين الآتيين:
السؤال الأول: هل أسهمت تجارب مقاطعة الانتخابات بصنع التغيير أم انها عززت الاستبداد؟
السؤال الثاني: هل بالإمكان استثمار الانتخابات العراقية القادمة لتغيير الخارطة السياسية مع وجود نظام سانت ليغو المعدل؟
المداخلات
استثمار الانتخابات وتغيير الخارطة السياسية
- الدكتور محمد جاسم الخفاجي، عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي:
إنني أعتبر مجلس النواب المؤسسة الوحيدة التي كسبناها بعد التغيير عام 2003 حتى الآن. ولكن، ماذا كسب الشعب بالفعل؟ أنت كمواطن قد تكون مستاءً من الحكومة ومن الوضع العام، وتستخدم ببساطة حقك في الانتخاب لتغيير ذلك، هذا هو الكلام النظري. ولكن على أرض الواقع، ماذا يحدث؟ الأسباب والتحديات كثيرة، وللأسف الشديد، بدأ هذا المكسب يندثر حقيقةً. لذلك، لا بد من الدفاع عن هذا التغيير وعن هذا النظام السياسي. قد يتبادر إلى ذهنك الأشخاص المتصدون والفساد ومشاكلهم، ولكن لا، لا أبدًا. يجب الدفاع عن النظام، لأن البعض حتى في حرب داعش ذكر: أين يذهبون دفاعًا عن النظام؟ دفاعًا عن هؤلاء؟ دع داعش تُنقذنا منهم. هذه هي المفاهيم المغلوطة حول النظام السياسي والوضع الحالي الذي أنت على أساسه تعيش وتمارس مهامك وعملك، مع وجود المشاكل والإخفاقات وليس بشخوصها أبدًا. فلذلك، تعد الانتخابات البرلمانية حقيقةً مهمة جداً، ومما يستغربه البعض هو وضع النظام القانوني الحالي والنظام الانتخابي الحالي.
كنا سابقًا نفهم كيف ندعو للمقاطعة وفق فهمنا للنظام الانتخابي وقانون الانتخابات ونسب المشاركة وآلية إسقاط الانتخابات. ولكن، هل هناك آلية فعلية لإسقاط الانتخابات؟ هل توجد آلية شرعية تُضاف إلى فعل المقاطعة؟ لا توجد. هناك فقط شرعية تُضاف إلى سخطك على الطبقة السياسية وسخطك على هذا الوضع برمّته. هل تتجسد المقاطعة أو تتبلور أو تكون نموذجًا للحل على كل هذا الواقع الذي تعيشه وتتمناه؟ لا يوجد خيار آخر غير المشاركة في الانتخابات. قد تشارك على مضض أو باندفاع، مقتنعًا بأنك ترى الوضع جيدًا وترغب في تجديد الثقة لأشخاص أو أفراد أو مجاميع أو غيرهم. جيد. أو قد لا تبدو مقتنعًا فترغب في عدم المشاركة. لا يمكن أن نصل إلى مرحلة "لا فائدة ولا حل ولا نموذج"، لذا كان اعتراضنا.
كنا في ندوة أخرى، اعترضنا على أحد الإخوة الذي قال: أنت تقول "شارك وانتخب أقل الأسوأين"، أو استخدم عبارة مثل "انتخب شخصاً فاسدًا بنسبة أربعين بالمئة". قلت له إن هذا كلام خطير، إذ لا بد من وجود شخصيات جيدة، ولا يمكن أن تخلو الساحة من الجيدين. يوجد كثيرون ليسوا جيدين وبعضهم جيدون قليلًا، ويوجد أشخاص محترمون. يجب البحث عنهم على الرغم من كثرة وتشابك الكيانات السياسية والمرشحين.
هناك إشكالية أخرى تُطرح، وهي: هذا المرشح جيد لكن قائمته ضعيفة، أو ماذا سيفعل هؤلاء وسط ركام الفساد؟ أنا الآن عضو مجلس نواب، وممكن أن تكون لدي أخطاء. أنا سأستفيد من تجربتي، وكذلك من الأذى والأسى الذي تتعرض له أنت في عملك وتجربتك. هذا كله ليس مجرد كلام في التنظير، بل هو فعلاً تجربة واقعية من حياتنا.
أنا كنت ناخبًا، وربما كنت أستفيد من أخطائي وأصحح خياراتي؛ أنا لم أترك أي انتخابات. هذه هي التجربة الخامسة التي صعدنا إليها والسادسة كمشارك. لم يُرَوَّج لي للمقاطعة في جلسة خاصة، ولا كانت لدي خيارات في ذلك الوقت ربما تكون غير جيدة. أنا الآن لا، بل متأكد. يعني، مثلاً في انتخابات 2006 أو ما بعدها، انتخبنا ربما شخصيات فشلت الآن. ببساطة أتوقف عن دعمها وأبدأ من جديد.
ماذا لو كان في قانون الانتخابات نسبة مشاركة تُبطل العملية برمتها؟ هل تكون المقاطعة حلًا إذا ما وضع المشرع نسبة للمشاركة في الانتخابات لا تقل عن أربعين بالمئة مثلاً؟ ببساطة جدًا، يجب ألا تقل عن أربعين بالمئة لكي تكون الانتخابات شرعية. هنا أستطيع أن أرفض المشاركة لأُعطي رسالة قوية للآخرين بأنني رافض لهم ولسلوكهم السياسي، مع وجود رأي عام واسع يؤيد موقفي. وإلا فإن الانتخابات تمضي. مثلاً، عام 2025، نسبة المشاركة عشرون بالمئة، وعشرون بالمئة غير كافية، فالمشاركون يريدونها. فبالتالي، المقاطعة أمر مفروغ منه، لا يوجد حل أو جدوى منها حاليًا.
يمكن استثمار الانتخابات وتغيير الخارطة السياسية. نعم، هذا ممكن بصعوبة جدًا مع وجود صيغة سانت ليغو، التي تُعد عقبة أمام الناخب الشريف، وأمام المواطن الشريف، وأمام المواطن الذي يعاني من الوضع السياسي الحالي. العقبة الوحيدة هي سانت ليغو.
في تاريخ مجلس النواب، لم يُلغَ قانون انتخاب بالكامل، وإنما أُلغي بعد تشريعه بسنة، وهو قانون رقم 20 لسنة 2019، قانون الانتخابات الذي، كما تفضل الباحث في ورقته، شُرِّع بعد المظاهرات وهذا الحراك الشعبي القوي. كان قانونًا محترمًا مع وجود ملاحظات. ولكن ثقوا، لا تتوقعوا أن قانونًا بتلك المميزات كان مقصلة. ومع ذلك، لا أقول لكم إننا استثمرناه بالشكل الصحيح. أنا ربما قد استفدت من هذا القانون الذي ساهم في صعود بعض القوى المعارضة والقوى الخيّرة في القضية.
فكيف نستثمرها؟ نستطيع، لكن بصعوبة جدًا جدًا مع وجود سانت ليغو. لذا، يحتاج الأمر إلى تكاتف حقيقي. يعني، أقول له: إذا أصبحت نسبة المشاركة الفاعلة والواعية سبعين بالمئة، هل يمكن لأحد أن يثبت لي أنها لم تتأثر؟ لا يمكن. سبعون إلى ثمانون بالمئة مشاركة محترمة، مقابل عشرين بالمئة غير محترمة مثلاً، يعني نسبة محترمة، حتماً سيحدث تغيير كبير.
أنا أقولها باعتباري عضو لجنة قانونية: الصوت يصل إلى من تريد، وهذه حقيقة موجودة فنيًا وفق القانون وبشكل شفاف، وباعتباري معنيًّا بمهمة المفوضية إلى حدٍ ما. الصوت يصل إلى تجاوز العتبة.
نزاهة الانتخابات حاصلة، أي نزاهة التصويت. لا تتوقع أن صوتك يُسرَق ويذهب لشخص آخر أبدًا. هذا صحيح. لكن الفكرة تكمن في أنني حتى عندما أنتخب شخصًا، هنا يظهر العذر عذرًا، وإن قام هذا الشخص بالتضليل والخداع واستغفال الناس، فهذا ليس له علاقة بعملية التصويت. أو أن الناخب قبل المال مقابل صوتي، وهذا فرق.
لذلك، هل أنت تعترض على أموال واستغلال أموال الدولة؟ نعم، كل هذا صحيح. الناخب الواعي يقول: الناخب يستثمر أموال الدولة وبنايات الدولة ومواردها وسيارات الدولة. الناخب بدأ يشخّص الموضوع. الحل: إذا كنت غير راضٍ، فاختر غيرهم.
صوتك مضمون ونزيه وصولاً إلى العملية. العملية الانتخابية ونزاهة التصويت قد تواجه أخطاء فنية، وقد تحدث. كما أنه من الواجب الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة. في انتخابات مجالس المحافظات مثلاً، كان لدينا كتلة ولم تحصل على مقعد. لا أسمح لنفسي بالطعن في العملية الانتخابية، قد أكون مخطئًا، فالناس اختاروا، قد أكون أنا المخطئ في العملية.
العملية الانتخابية مهمة جدًا لكي تصل للناس، لتنتخب شخصًا من الشارع ليكون حراكًا. هذا تشخيصك يتحول إلى عمل، وانتخب غير الذي تعتقد أنه فاسد أو بوق للسلطة.
المفوضية، كما ذكر الباحث، ليس دفاعًا عنها، هناك أخطاء طبعًا، وبالتأكيد عملها لا يرتقي إلى مستوى الحدث. والدعوى التي تقام هي ملايين الدنانير كغرامة عن دعاية انتخابية، وبالتأكيد ليس رادعًا عن التمويل الانتخابي الرهيب الذي يحدث. هذه الغرامة ليست رادعة، لكن هنا يأتي الدور لتعديل هذه القوانين.
عمومًا، أهم مسؤولية لمجلس النواب بصراحة هي هذه: هذه هي مسؤولية المجلس، تعديل وضعها، تكتيكها، أن تكون قضاةً وقضاةً. يعني مشاكل كثيرة. لكن أكرر وأؤكد حتى أختم حديثي أن هذا المكسب هو أن مجلس النواب سيطر عليه القابضون على السلطة ومن لا يريدون الخير لهذا البلد. فبالتالي، كل المخرجات أصبحت غير مقبولة وغير مرضية للناس. سيطروا على المخرجات، سواء كانت المفوضية، مخرجات الحكومة، كل شيء، بعد تشكيل الحكومة وعملية المراقبة على أدائها والتشريع النيابي الصحيح وكل شيء.
وكذلك، مخرجات مجلس النواب، وحتى من هم خارج المجلس، يُشرِّعون قانونًا ينظم عمل السلطة القضائية. فكل شيء يتبع مخرجات مجلس النواب، ولهذا سيطروا عليه، والآن أصبح مُباحًا لهم كل شيء، مع الأسف الشديد، وعلى جميع السلطات.
بقيت الرقابة الشعبية لها دور، يكون ضعيفًا تارةً وقويًّا أحيانًا. وهذه الكتل السياسية الناشئة والمعارضة، التي سمّاها الباحث في مقابل الموالاة، لا تزال بذرة وتحتاج ربما إلى تحالفات وعمل مشترك.
هل المقاطعة هي الحل؟
- الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
الموضوع يثير هواجسنا جميعًا، فهو يتعلق بمستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا جميعًا.
فعدم المشاركة يُقارن بالحصول على البطاقة البايومترية، وهذا إجراء قانوني. نعم، فهذا إجراء متبع في معظم الدول. لاحظوا أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي يحق لها المشاركة في الانتخابات، يصل عدد من يشاركون إلى نحو 250-260 مليونًا، لكن من هم مؤهلون فعليًا قانونًا يقدرون بنحو 160 مليونًا، وهذا إجراء قانوني مُتبَع. وهذا في الدول الأخرى أيضًا، وليس بالعراق وحده، لا يعني أن الدولة تحرم الناخبين ممن يحق لهم التصويت وهذا أمر طبيعي، ولا يعني التعسف من الدولة. نحن ناقشنا ذلك في إطار الوطنية. غير أننا حين نتحدث عن المقاطعة، يجب أن ننظر إليها بعناية. فبعض القوى السياسية تريد مقاطعة العملية الانتخابية حفاظًا على التنافس السياسي في إطاره الشريف والنزيه. كما أنها ليست جريمة من القوى التي لا تريد المشاركة، وفي المقابل فالقوى التي ستشارك لا تعني أنها تخضع تمامًا للقانون. كلاهما موقف سياسي، وبالنهاية هي ليست مسألة حلال وحرام كما يصورها بعض جمهورنا، بل هي مسألة سياسية، ولكل طرف موقفه السياسي الذي يسعى من خلاله لتحقيق تطلعاته وأهدافه.
وينبغي أن لا نحصر القضية في الحلال والحرام، فالمقاطعة ليست حلالاً ولا حرامًا بذاتها. إذا قال المقاطعون إن المشاركة حرام وقال المؤيدون إنها حلال، فهنا سيدرك المجتمع وجود خندق قد يتسع مستقبلًا، فينقسم المجتمع حسب الانتماءات السياسية، وهو ما قد تكون له مخاطر جسيمة وعواقب وخيمة على المجتمع. المقاربة الصحيحة أن لا تُعامل حرية الانتخابات كقضية دينية مقدّسة، وإنما كمسألة سياسية. أسباب المقاطعة اليوم قد تبدو مبررة؛ إذ يشعر كثير من الناس بالإحباط من الأداء السياسي اليوم. حتى السيد النائب، من خلال كلامه، يبدو أنه يعاني إحباطًا من الأداء السياسي للسلطة التشريعية، وهذا مبرر. كما أن الفساد وغيره من العوامل تلعب دورًا كبيرًا، واليوم يرى المواطن أن هناك فرقًا واضحًا بين من يطبق عليه القانون ومن ينهب الثروات. كذلك فشل القوى السياسية في كسب ثقة الناس مؤشرٌ على ضعفها. هذه الأسباب تبدو مشروعة ومبررة.
هل المقاطعة هي الحل؟ لننظر إلى مخاطر المقاطعة:
أرى أن المقاطعة إذا حدثت ستكون مؤشرًا على تراجع الثقة في التجربة الديمقراطية. فالتجربة الديمقراطية في العراق قد تنجح عندما تكون هناك مقاطعة واسعة تعكس ثقة المجتمع في النظام. إن المقاطعة الواسعة قد تعني أن تجربة الديمقراطية في خطر جسيم. كما أن الأحزاب التقليدية التي ننتقدها ستفوز، إذ لن يتحقق لها زوالٌ من السلطة بمجرد المقاطعة؛ فقيادات الأحزاب التقليدية ستستمر في طريقها إلى السلطة. وهذا ينعكس في ضعف الثقة المحلية والدولية بمؤسساتنا الدستورية، حتى تُرى هذه المؤسسات كمؤسسات فاشلة، مما يؤثر في قدرتها على تشريع القوانين وخدمة المواطن. وكذلك ستتراجع المحاسبة والمساءلة، لأن المساءلة كمبدأ للسلطة التشريعية ستصاب بالارتخاء، وستتراجع عمليات تشريع القوانين التي تخدم المواطن، وتُدار القوانين من قبل أحزاب السلطة وفق رغباتها. كما أن الدعم الدولي للحكومة والدولة في العراق قد يتراجع بعدما تُظهر الانتخابات فشل النظام.
من جهة أخرى، قد تتصاعد الاحتجاجات الشعبية بعد الانتخابات إذا كان هناك مقاطعة كبيرة، فالمقاطعة من دون وجود قوى معارضة فاعلة قد لا تؤدي إلى إسقاط القوى السياسية المنافسة فحسب، بل ستؤدي إلى فرز القوى وتعبئة الشارع ضد أحزاب السلطة في سياقات مختلفة. في النهاية، المقاطعة يمكن أن تُمهد لاحتجاجات شعبية أوسع قد تتطور إلى صدامات شعبية كما حدث في انتخابات 2018. وهذا سيثير مخاطر النظام في مناطق مثل الموصل وأماكن أخرى.
الخلاصة: عندما تتراجع الوسائل الديمقراطية عن الاستجابة للمطالب الشعبية والمصالح السياسية، فإن ذلك يفتح المجال أمام وسائل غير ديمقراطية.
ونخلص إلى أن المقاطعة ليست العامل الوحيد المحدد لمسار الأمور، وإنما هي تعبير عن أزمة ثقة عميقة في النظام السياسي وإطار المؤسسات الدستورية. التفكير في آليات تعزيز الثقة، وتغيير أساليب العمل داخل المؤسسات، وإصلاح النظام الانتخابي لضمان نزاهة وفاعلية، هو ما يُسهم في استعادة الثقة وبناء مسار ديمقراطي مستقر.
دور النواب بتثقيف المجتمع
- الدكتور خالد الاسدي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان المجتمع إلى الآن يحتاج إلى تثقيف لعمل مجلس النواب وتثقيف لعمل النائب. الناس في الغالب يرون النائب هو عبارة عن معقب ومدير بلدية إلى الآن. يعني قبل أيام كنت مشارك بأحد الندوات لأحد النواب، أحد الأشخاص قال له نحن نحتاج محولة كهرباء هل ستوفرها لنا أم نطلب من النائب الفلاني؟ هو اجابهم بأنه سيوفرها وبقي النقاش حول من سيوفرها بشكل اسرع من خلال تأثيرهم على وزارة الكهرباء!! حقيقة الناس ينظرون إلى النائب عبارة عن مدير بلدية ومعقب معاملات فيحتاج إلى تثقيف هذا الناخب بأن مجلس النواب هو مشرع للقوانين ومراقب عليها، وكذلك هذا دور النواب بتثقيف المجتمع حول عمل النائب الحقيقي والفصل بين عمل السلطة التشريعية والتنفيذية.
دعم الاصلاحيين
- باسم الزيدي، مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان مؤسسات السلطة أو البرلمان بصورة عامة في خلال هذه الفترة، لم تستطع أن تعزز الديمقراطية في العراق، ولا استطاعت المقاطعة أن تحدث عملية التغيير. يعني كلا الأمرين لم تؤتي أكلها. لذلك المواطن وقف أمام كفتي ميزان، إن المشاركة لا ترسخ الديمقراطية والمقاطعة لا تحدث عملية التغيير. ويمكن أن نستشهد بقوله تعالى: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا). يعني نحن إذا جئنا نشخص لحالتين إذا تساوت كفتي ميزان عندنا ونرجح الأكثر عقلاً أو منطقية ونقيّم من مساوءه أكثر. يعني بالتأكيد كفة الميزان ستتجه صوب المقاطعة لتكون أكثر ضررًا على المواطن وعلى العملية الديمقراطية وإن كانت صورية، على اعتبار إن المقاطعة ستضعف أصوات الإصلاحيين الذين هم بأمس الحاجة إلى الصوت الواحد، باعتبار أنه مثل ما تفضل الباحث أن الجمهور موجود للطرف الآخر، الإصلاحيين يحتاجون للاصوات لتعزيز موقفهم. هذا أولاً.
ثانيًا المقاطعة ستعزز سلطة الأحزاب المهيمنة صاحبة المال والقرار والسلطة. وستقدم لهم هدية بالسيطرة على نفس عدد المقاعد أو أكثر. المسألة الثالثة نحن إذا بحثنا عن جدوى المقاطعة في العراق، حتى الآن لا تعدو كونها مجرد احتجاج سيولد فراغ وهذا الفراغ ستستفيد منه الأحزاب الحاكمة فقط.
حقيقة أثناء الحديث ورد في ذهني أنه على اعتبار أنه دائمًا نكرر عبارة أن الأحزاب المهيمنة لديهم جماهير موجودة. السؤال هنا.. ما دام لديهم جمهور خاص بهم، الإصلاحيين أو من يحاولون التغيير. لماذا لا يسعون إلى خلق جمهور خاص بهم حتى يكون الند بالند؟، قد يبرز سؤال ما هو الجمهور الواجب استقطابه؟ السيد الإمام محمد الشيرازي دائمًا ما كان يشخص مشاكل الأمة التي تقع في أخطاء أو تتكرر تجاربها الفاشلة. يقول الأساس في مشكلتين تواجه هذه الأمم. أولاً قلة الوعي عند الجمهور. وثانيًا الاستبداد. لذلك دائمًا ما كان يدعم الكفوئين والإصلاحيين والذين يسعون في عملية التغيير يقول لهم ابحثوا عن الكفاءات، في الأمة تيارات كفوءة. يعني أنا مثلاً أستطيع ان أطرق أبواب المؤسسة الدينية والمؤسسة الدينية أتصور من الصعب جدا أن تبيع صوتها. وعندهم أيضًا وعي وعندهم جمهور تابع لها لا يستهان به بمختلف انتماءاتها. مثلاً أقدر أطرق أبواب الأكاديميين الأكاديمي. إنسان مثقف واعي من الصعب أنه يبيع صوته. ممكن أطرق أبواب المثقفين والأدباء وهذه الطبقات التي تعتبر طبقات مثقفة وواعية. ويحدث تواصل ومشاركة ومراقبة وتقويم للعمل بين الإصلاحيين وبين هذه الطبقات.
المشاركة من اجل التصويت العقابي
- الشيخ مرتضى معاش:
هناك نقطة ذكرها الباحث تحتاج إلى التفاتة مهمة في دراسة ظاهرة الانتخابات في المجتمع وهو العزوف والمقاطعة اذ هناك فرق بينهما. العزوف وهو ان المقاطع اصلا لا يؤمن بالانتخابات والنظام السياسي والعملية السياسية كلها، بل قد لايعترف بالديمقراطية من الاساس. ويمكن أن نسمي ذلك بالعدمية السياسية، التي تعني الذهاب نحو تدمير كل شيء، ومنها النظام السياسي ولو كان يتم ذلك بانقلاب عسكري أو بحاكم مستبد، وبعض الأحيان يغلفوه بمفهوم عجيب غريب يطلقون عليه المستبد العادل أو الرجل القوي وحتى النظام الرئاسي والمطالبة به هو شكل من العدمية السياسية البسيطة. فالعزوف معروف أن هذا المواطن يتخلى عن مواطنته وفك ارتباطه بالعقد الاجتماعي الموجود من خلال التخلي عن صوته الانتخابي، هذا مشكلة المواطن العدمي يستفيد من أموال الدولة إمكانيات الوطن، ولكنه يتخلى عن مسؤولياته في عملية ترصين النظام السياسي، في المشاركة بالانتخابات والمراقبة والمحاسبة.
هذا من ناحية العزوف، أما من ناحية المقاطعة، فإنها أسوأ من العزوف، لأن المقاطعة من هذه الجهة انه يؤمن بالديمقراطية والنظام السياسي ولكنه يقاطع. وشاهدنا نموذج من ذلك ان المقاطعة هي أوصلت الى السلطة من شرع قانو سانت ليغو الانتخابي، والغاء القانون الانتخابي السابق، المقاطعة التي كانت من داخل النظام السياسي كانت لها آثارا سلبية.
وفي مقارنة بين مختلف دول العالم نجد ان معظم الأنظمة تتشابه في مخرجات ومدخلات العملية الانتخابية، حيث يتشاركون في انطباعاتهم حول فساد البرلمان والسياسيين، حتى في اكثر الدول ديمقراطية مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا، وهذا الامر ظهر في صعود ظاهرة الشعبوية التي تعبر عن نقمة شعبية على الأحزاب الحاكمة والنظام السياسي والمؤسسات الدستورية، ولكن الفرق بيننا وبينهم أنهم يؤمنون بأهمية صوت المواطن في المشاركة في الانتخابات، ولا اقصد أنه ينتخب حزب معين او شخص معين، بل ينتخب من اجل إسقاط ذلك الحزب أو ذلك الشخص، أي يعاقب الأحزاب الحاكمة هدفه الأساسي، وهذا ما يسمى بالتصويت العقابي، فالذين انتخبوا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دورتين ليس حبا به وانما بغضا وعقابا للحزب الديمقراطي الذي تخلى عن دعم العمال لصالح الأيديولوجية الجندرية.
ويمكن للناخب العراقي ان يكون لديه هذا الوعي ويستخدمه في عقاب الكتل السياسية الحاكمة، فهذه الكتل لم تستطع الهيمنة وتغيير القانون الانتخابي لولا المقاطعة التي حدثت.
لدينا هذا الوعي ولابد إن نستخدمه في عملية إسقاط هؤلاء الذين تمكنوا بسبب المقاطعة، فغيروا القانون الانتخابي وسيطروا على الحكومة.
ان المشاركة في الانتخابات لو تصاعدت ولو بنسب بسيطة قد تؤدي الى التغيير واسقاط القوائم الحاكمة، هذا مع افتراض نظام انتخابي عادل، بل حتى مع نظام سانت ليغو فإن المشاركة الشعبية القوية ان يتحول الى أداة عقابية. لذلك نرى ان التحالف الحاكم يشجع على مقاطعة الانتخابات بصورة خفية، لأنه قد ضمن طبقة ثابتة من الأصوات يعاد انتاجها، وان المشاركين غير المحتملين قد يغيرون المعادلة، وهم الأغلبية الصامتة العازفين الذين تدفعهم أدوات واجندات اعلامية وتثقيفية للمقاطعة.
وأخيرا فإن المواطن الذي يريد العيش في نظام مستقر يجب ان لا يتخلى عن مسؤوليته بالتصويت والمراقبة وهو ملزم بحكم المواطنة بالمشاركة، وبالنتيجة فالأضرار التي تحدث بالبلد من الناحية الاقتصادية السياسية الاجتماعية ومنها تغول الفساد وصعود الفاسدين قد يكون أحد اسبابها المواطن الذي عزف عن الانتخابات أو الذي قاطعها.
إلزامية المشاركة في الانتخابات
- الدكتور محمد مسلم الحسيني، باحث اكاديمي:
إحجام الناخب العراقي عن التصويت في الانتخابات البرلمانية العامة بشكل متتالي ومتكرر له دلالات ومعاني لا يغفل المراقب للأوضاع حيثياتها.
أبرز الدواعي والأسباب التي حجمت الكثيرين عن التوجه للتصويت في صناديق الاقتراع هي خيبات الأمل المنبعثة من عدم القناعة والرضا في أداء المسؤول السياسي العراقي. لا يتوقع الناخب في كثير من الأحيان بأن من رشحه للمسؤولية السياسية ينفذ واجباته المنوطة به بشكل مرضي أو يوفى بما وعد به في حملاته الإنتخابية بالشكل المطلوب وكما ينبغي. في غالب الأحيان تكون وعود المرشح السياسي الإنتخابية قبل تسنمه السلطة لا تنسجم مع أدائه الحقيقي ولا تفي بسداد ما يتأمله الناخب ويطمح له.
تراكم التجارب بهذا النحو ولد احباطا تراكميا لدى الكثيرين من أبناء المجتمع العراقي وربما خلق حالة من الرفض للعملية السياسية برمتها وبعث تساؤلا مؤلما عن جدوى هذه العملية وعن الفائدة الحقيقية المرجوة منها!
رغم التفهم المعقول لردة فعل الناخب العراقي وتصرفه بمقاطعة صناديق الاقتراع، غير أن ردة الفعل هذه قد لا تبرر العزوف الكامل والمستمر عن المشاركة الفعلية في الإنتخابات والتخلي عن مسؤولية اختيار المرشح الصالح الذي يرتقي كشخص مناسب في المكان المناسب.
الإمتناع عن التصويت الإنتخابي له مردودات سلبية واضحة لا نستطيع غض البصر عنها، فهو يكرس سلطة من بيدهم السلطة ويعمق لهم أسس التشبث بهذه السلطة، وهذا يعني بقاء المعاناة واستمرار عدم الرضا، مما يخلق حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار السياسي، بل يصنع حالة احتقان عاطفي نفسي لدى الناس قد يؤدي مع مرور الوقت إلى مضاعفات وردود أفعال لا تحمد عقباها.
الأحجام عن التصويت إذن لا يمكن أن يعتبر وسيلة خلاص ناجعة من ابتلاء بل هو نمط لابتلاء آخر وكما يقول المثل "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، فهو استمرارية لحالة رفض مزمنة لا مخرج منها. الأسلوب الأصح والاصلح بالتفاعل أمام هذه الحالة هو إجراء "الفعل المعاكس"، وأعني المشاركة المجتمعية الساحقة في العملية الإنتخابية حيث يبادر كل من له حق انتخابي في المشاركة واعطاء صوته الإنتخابي لمن يراه صالحاً للمسؤولية وتبعاتها.
قد لا يتم تنفيذ هذا الواقع الجديد بطرق التوعية المعهودة وببث ثقافة الديمقراطية فقط للوصول إلى الهدف المرتقب وهو المشاركة الجماعية في الإنتخابات. إنما يتم ذلك حتماً بعد سن وتشريع قانون انتخابي يلزم كل مواطن مؤهل للتصويت أن يدلي بصوته الإنتخابي إجباريا لا طوعيا. يشرع القانون الانتخابي الإلزامي أو الإجباري بجعل الإنتخابات واجبة لا مستحبة، حيث يعاقب المتخلف عنها بعقوبات مادية أو إدارية مؤثرة أو بكليهما. هذا القانون الإنتخابي الإلزامي هو ليس حالة خاصة تخص حالة العراق فقط، إنما هو تشريع انتخابي تلتزم به كثير من الدول الأخرى مثل استراليا، الارجنتين، البرازيل، اليونان، تركيا، بلجيكا ولوكسمبورغ وغيرها.
نستطيع بهذا الصدد أن نتوقف على بعض العوامل والأسباب التي تستدعي تشريع قانون انتخابات برلمانية إلزامية في العراق والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
أولا/ منع حالة احتكار السلطة: خروج الناخبين العراقيين لصناديق الاقتراع بالكم الأكبر والزخم الاعلى سوف يغلق باب احتكار السلطة بيد الأحزاب السياسية التقليدية التي قد تتربع على منصات إدارة البلد لفترة طويلة. هذه الممارسة قد تجلب الأمل في استبدال الوجوه وتغيير المسارات القديمة التي يرفضها الناخب ويتحفظ منها.
ثانيا/ تعزيز الثقة في العملية الديمقراطية: المشاركة الواسعة في الإنتخابات توطد الثقة في العملية الديمقراطية على النحو الخاص والعام. فهي تخلق قناعة شخصية بأن المرشح الصاعد في الإنتخابات هو حصيلة خيار شعبي حقيقي قررته أغلبية ناخبة وبطريقة ديمقراطية صحيحة أقرتها الجموع الزاحفة لصناديق الاقتراع. هذا الأمر يغلق أبواب التحجج وعدم القناعة في تقبل نتائج الإنتخابات سواء أكان ذلك على صعيد المجتمع العراقي نفسه أو على صعيد الجهات والدول التي تشكك بالخيار الديمقراطي العراقي.
ثالثاً/ بنية المجتمع العراقي: المجتمع العراقي موزائيك متباين في نسيجه والوانه واطيافه العرقية واللغوية والدينية والطائفية والثقافية وغيرها. هذه الحقيقة تحتم تشريع قانون انتخابي إجباري كي تحفظ حقوق الأقليات من أجل تمثيلها في منصات السلطة وخلق حالة من الإنصاف والمساواة في الحقوق والواجبات. المشاركة الإنتخابية الإلزامية تلغي أو على الأقل تخفف من أساليب التخويف أو الاستدراج لشرائح معينة من أبناء المجتمع خلال العملية الانتخابية، كما أنها ترسخ حق كل مواطن في الانتساب للوطن والمساهمة في بنائه وتدعيم أركانه.
رابعاً/ خلق إستقرار سياسي إجتماعي: تشريع قانون الانتخابات البرلمانية الإلزامية قد يزيد الفوارق في الأرقام والنسب في عدد الأصوات الممنوحة للمرشحين ويقلص التقارب بينها، مما يزيل بعض الاشكالات الناتجة عن التقارب في نسب الاصوات الممنوحة للمرشحين، وهذا ما قد يسمح بصناعة كتل انتخابية كبيرة تستطيع لوحدها التفرد في إدارة أمور الدولة دون اللجوء إلى تحالفات قد تتضارب معها بالاتجاه والرأي. فوق هذا وذاك فالزيادة الحاصلة في الكثافة الإنتخابية تمنح القناعة في التساوي الإجتماعي في إختيار المسؤول وتلغي إلى حد ما الشعور بالعزلة او الاستثنائية في الحركة الديمقراطية وحق تقرير المصير سواء أكان ذلك على الصعيد الشخصي أو على صعيد الشرائح الاجتماعية المتباينة.
خامساً/ الاستئناس بتجربة إصلاحية جديدة: جعل الإنتخابات إلزامية في العراق ستكون تجربة جديدة لها روادها بين المختصين وأهل الرأي والتجربة، وقد تأتي بفوائدها في حل الإشكالات التي تتعرض لها العملية الانتخابية في العراق. الناخب يسعى دائما لإصلاح مالم يتم إصلاحه بعد، من تردي الخدمات والفساد المالي والإداري وهشاشة البنية التحتية وخلو الشخص المناسب من المكان المناسب ومشكلة البطالة وغيرها. لتكن التجربة الجديدة في رفع عدد الناخبين ومضاعفتهم هي الثورة الحقيقية التي تقلب الحالة وتغير موازينها!
طبقا لما تبين أعلاه فقد يرى المحلل السياسي بضرورة تغيير القانون الإنتخابي من طوعي اختياري إلى الزامي اجباري من أجل تخطي ظاهرة مقاطعة الإنتخابات وما يتبعها من خلل يؤثر على روح الديمقراطية وعلى مساراتها ومن أجل إلا تسيطر طبقة محدودة من السياسيين لا تمثل الشعب كله على شؤون الشعب كله!.
الوعي الجماهيري والعقل الجمعي
- الاستاذ حسين العطار، باحث واكاديمي:
هناك مسألة جدًا مهمة هي النظام البرلماني بصورة عامة تقريبًا عديم أو نسبة المعارضة لهذا النظام بصورة عامة ضعيفة. لو نطبق ذلك على الواقع العراقي لا توجد معارضة حقيقية منظمة لهذا النظام سوى بقايا حزب البعث. أما من داخل النظام فشبه معدومة. فالنظام البرلماني يكون متعدد الوجوه وبالتالي تغييره يكون صعب، لماذا؟ لأنه جاء بتمثيل شعبي. النظام البرلماني هو انت شعب تستطيع المشاركة وتغييره داخليا من خلال الصندوق الانتخابي. فنسبة التغيير بداخل النظام الديمقراطي نوعًا ما أسهل تكون مقارنة بباقي الأنظمة. مثلاً نذكر مثال في مصر زمن الحزب الوطني كانت المعارضة هم الاخوان المسلمين وبنفس الوقت عندهم مشاركة في الانتخابات. فمن الممكن ان البرلمان يستطيع ان يقدم شيء للمواطن لكن لا يستطيع ان يؤثر على القرارات السياسية. الآن في العراق نستطيع تغيير رئيس حكومة، رغم ان ذلك تحقق نتيجة احتجاجات شعبية واسعة وهذا يثبت اهمية المشاركة الجماهيرية.
هل تسهم المقاطعة بالتغيير؟ بالتأكيد المقاطعة ستغير لكن بالشكل السلبي لا الإيجابي والدليل شاهدنا المقاطعة التي تحققت في 2018، وأعتقد بنسبة تجاوزت 70 بالمئة وأكثر انتخابات شهدت مقاطعة واسعة كان الشعب ناقم لكن ما حدث بعده أنه أنتج برلمان لم يقدم شيء وأنتج حكومة ادعت انها تكنوقراط لكن سرعان ما اسقطت الحكومة بعد عام واحد. بالتالي كان هناك مشاكل وبحر من الدم والفوضى وتعطلت مؤسسات الدولة. إذا نفترض ما تفضل به أستاذنا دكتور خالد بأنه قد تكون هذه مقاطعة ممهدة لاحتجاجات فهذه مشكلة. لنكن واقعيين، الاحتجاجات لم تنتج شيء سوى ضغط جماهيري بتغيير قانون الانتخابات. وهذا الضغط الجماهيري ممكن يتحقق ليس بمظاهرات عارمة تدعو لإسقاط النظام، ولا تنتج قرارات حقيقية وإنما شعبوية، وأكيد الأحزاب ستخترقها وسيتحول الموقف الى ازمات اقتصادية وتعطيل المؤسسات الحكومية لا أكثر وينتج عنه شخصيات شعبوية أكثر وردة فعل عند الشباب أكثر.
مع الأسف الوعي الجماهيري غائب وبعض المواطنين يبيع صوته ولا يميز ما هو دور النائب الحقيقي وهذا هو العقل الجمعي. المرشح يفترض ان يكون مثال حتى المجتمع يقتدي به. بالعكس المواطن يريد المرشح على مزاجه، مثلا المواطن اراد قوانين تتجه نحو مجتمع يعترف بالمثليين هل يجب على المرشح ان يتفق معهم؟!، مشكلة إذا ينسحب لوعي الجماهير وجهلهم. للاسف لدينا مرشحين عندهم غياب رؤية واضح جدًا. كأنما موسم رياضي وانتقال من نادي إلى نادي. وهذه مشكلة ترى مرشح كل دورة انتخابية يرشح مع حزب ولا يملك أي رؤية ولا خطط واضحة وهؤلاء يسببون عزوف الكثير من الناخبين.
الانسحاب من المواجهة
- الاستاذ علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
في السبعينيات كما أتذكر أيها الأحبة الكرام خاض المنتخب العراقي الوطني لكرة القدم مباراة مع الفريق الهندي وتغلب عليه أكثر من 15 أو 14 هدف، الفريق الهندي لم يعلن انسحابه من المباراة، لكن بقي الفريق الهندي في الملعب. وقلص الفارق من 15 إلى 3، 1 أو 4، 1 أو كذا في سنوات لاحقة. في السبعينيات أيضًا في إحدى بطولات الخليج العربي العراق فاز على قطر وعلى ما أعتقد الإمارات أكثر من سبع أهداف، لكن الآن العقبة الوحيدة أمام الفريق العراقي هو منتخب قطر. هل هذا يعني أن الانسحاب من الساحة ومن حلبة المواجهة يؤدي إلى خسارة الكثير للمنتخب؟ الكثير من الأشياء. يعني أبسط الأشياء هو يتعلم من الأخطاء التي يرتكبها. ولذلك يعني أنا أجزم بأن الانسحاب من المواجهة ومن خوض المنافسة لا يؤدي إلى نتيجة مطلقًا. بل يضر بمن ينسحب ويفقد فرص التعلم فرص التفوق فرص كيفية المواجهة.
ان الفرص قليلة التي يحصل عليها الشعب العراقي ولكن نحن لا يوجد أمامنا إلا أن نواصل الطريق. طريق الانتخابات والمشاركة فيها وعلى طريقة الفريق الهندي والقطري والاماراتي.
المسؤولية يتحملها المواطن
- الاستاذ احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:
أولاً الانتخابات هي حق وليس واجب. من حق كل مواطن يتخلى عن حقه وهذا يقول له انت إذا تخليت عن حقك ممكن أنه تنفذ من عندك حقوق أخرى بالمستقبل. من قبل الكتل الفاسدة وغيرها. لكن أنا اليوم أريد أقاطع معترض على كتل فاسدة مثلاً. أقول لهم يعني قطاع كبير من الجمهور يطالب بمطالب وبرامج ويعرضها على الاحزاب ويقول نحن ننتخب على أساس هذه الشروط إذا ما تحققت الشروط اترك الكتل الكبيرة تتصدى وهي تتحمل مسؤولية أي إخفاق بالبلد وتتحمل مسؤوليتها. جميعنا شاهد في الانتخابات الماضية التيار الصدري حصد تقريبًا ثلاثة وسبعين مقعد كأكبر كتلة برلمانية ولم يصل لعتبة تشكيل حكومة بعدها انسحب وشكل الحكومة الإطار التنسيقي وإذ نلحظ المنتقد الأول لهذه الحكومة هو الإطار التنسيقي ويمكن يحمل إخفاقاتها على التيار الصدري، فأعتقد هناك مفارقات كبيرة حتى بعقلية المواطن العراقي المحترم. المواطن العراقي دائمًا ازدواجي، مقاطع بالموقف وقد يشارك بأي لحظة وينتخب نفس الاحزاب التي كان ينتقدها ويشتمها حتى، فالقضية كلها المسؤولية الأولى والأخيرة يتحملها المواطن العراقي.
أنه لا توجد وسيلة أخرى للتغيير
- الدكتور منتصر العوادي، باحث اكاديمي:
في الوقت الذي يتطلع فيه المواطن العراقي إلى بصيص أمل من خلال هذه الفسحة الديمقراطية للتغيير وهي الانتخابات، نجد أن المواطن يصطدم بعقبات كثيرة ترجعه إلى ما قبل 2003. إلى عصر الاستبداد والديكتاتورية وأماله وتطلعاته كلها تتهشم على هذه النكبات وعلى هذه الإخفاقات. ومرد ذلك طبعًا الى هيمنة الأحزاب السياسية وإدارتها لملف الانتخابات إن صح التعبير، بمعنى أنه في كل انتخابات تقوم هذه الأحزاب بتسييس القوانين وتجييرها لصالحها بما يخدم وصولها وهيمنتها على مراكز القرار في السلطة. ورأينا في انتخابات كثيرة جرى فيها التلاعب بنتيجة الانتخابات أو سرقة الأصوات أو سرقة صناديق الاقتراع أو إخفائها، إلى غير ذلك، بحجج واهية وأعذار كثيرة الغاية منها هي إسكات المواطنين وعدم قبول اعتراضهم على هذه الإجراءات. وأيضًا هناك ما يخص وصول بعض الشخصيات النزيهة أو المصلحة أو الكفوءة أو المستقلة إن صح التعبير، نجد أن وصولها إلى السلطة أيضًا إلى سلطة البرلمان لم يحدث تغيير، وذلك بسبب خنقها من قبل الأحزاب أو عدم إعطائها الفسحة الكاملة لإجراء التغيير بمعنى محاربتها بشكل أو بآخر إما بالتهديد ويخرج النائب علنًا. النائب النزيه المصلح الذي يريد التغيير على وسائل الإعلام ويقول هددت من قبل الأحزاب بالتصفية إن لم أسكت. وكانت نتيجة هذه الضغوطات أن انسحب أو لا يشارك. وجدنا أيضًا مع من يدعي أو من يطالب بالإصلاح. وأيضًا وصل إلى السلطة ونال على مقاعد كثيرة في البرلمان. ولكنه اصطدم بعقبة صعوبة التغيير. وبالتالي اضطر إلى أن ينسحب من العملية السياسية وترك المجال للأحزاب الحاكمة أن تأخذ مكانه وتهيمن على السلطة أو على قبة البرلمان. كثير من الإخفاقات هذه ولدت عند المواطن العراقي شعور بالإحباط، فبالتالي المواطن العراقي يذهب إلى الانتخابات وأمامه هذه الصور المشوهة للعملية الديمقراطية فنجد له بعض العذر في أن يكون مقاطعًا أو عازفًا عن الانتخابات. لكن هذا العذر ليس في محله، بمعنى أنه لا توجد وسيلة أخرى للتغيير سوى صناديق الاقتراع. إلا اللهم إذا كان هناك تغيير عسكري وهذا طريق استبدادي. نعم. وأقول لك أن هناك طريقين: أما الطريقة الديمقراطية التي أصيبت بالإحباط ووجدنا فيها الكثير من الإحباطات أنه لم تؤتي أكلها في كل دورة انتخابية. وأما التغيير العسكري كما حدث في 2003 وإن كان فيه ديكتاتورية الآن الناس تتمنى الديمقراطية. هذا صعب وسيكرر تجربة السودان. الكثير من الشعب اصبح يتمنى السلطة الديكتاتورية والنظام الرئاسي وترك النظام البرلماني لإنه حتى البرلمان في وقتنا الحاضر هو برلمان أعرج. بمعنى أنه لم يشرع القوانين التي تخدم البلد. لا قانون الانتخابات ولا قانون النفط والغاز. لا القوانين المهمة التي تخدم البلد. المشاركة الصحيحة. هم موجودين في البرلمان والحكومة وينادون بالإصلاح وينادون بالتغيير ويقولون سيكون هذا العام هو عام التغيير للتنمية والإعمار والخدمات إلى غيرها من الشعارات التي ترفع من قبل الكتل نفسها التي حكمت البلاد منذ أكثر من ربع قرن، بالتالي يعني أن البرلمان هو أصلاً عاجز عن إحداث التغيير، سواء كان فيه شخوص مصلحة نزيهة كفوءة أو السلطة الحاكمة التي هي موجودة في وقتنا الحاضر.
انتكاسة ديمقراطية
- الدكتور لطيف القصاب، كاتب وباحث:
أنا مثل الكثيرين قلبًا وقالبًا مع الديمقراطية، ومعلوم أن الانتخابات هي آلية مهمة من آليات النظام الديمقراطي، الديمقراطية أحيانًا تحتاج في بلد يعاني ثلاثة قرون حتى تنضج وأحيانًا أقل من ذلك، بعض الديمقراطيات أنجزت ما عليها أو جزء كبير مما يترتب عليها في غضون قرن أو أقل من قرن. جهود الشباب المحتج الذين ذهبوا إلى رحمة الله أثمر عن قانون انتخابي جيد إلى حد ما ولكن سرعان ما انقلبوا عليه والكل كان مشدوه أو مرحب أو مصفق بالخفاء. هذه انتكاسة ديمقراطية كبيرة بسبب المقاطعة.
المقاطعة الشاملة
- الباحث حسين علي حسين عبيد، مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية:
الموضوع لو أردت أن آخذه في جانبين، الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية. المقاطعة في النموذج العراقي إذا كانت تريد أن تنفعنا يجب أن تكون بنسبة مئة بالمئة. أن يكون مثلاً الشعب كله مقاطع حتى يستطيع أن يغير، والسبب إنه بنسبة 15 بالمئة و 20 بالمئة من المشاركة أدى إلى وجود انتخابات واستمرار الحكومة فالمقاطعة إما ان تكون كاملة وإما لاتوجد فائدة منها. الجانب الثاني قضية المشاركة. هناك حديث مروي أو مقولة تقول الساكت عن الحق شيطان أخرس. وكذلك أقدر أثبته بقضية أخرى ان أحد الأشخاص ذهب للإمام علي(ع) في معركة الجمل قال له يا أمير المؤمنين أنا لم أحارب ضدك ولم أكن معك في المعركة فما حكمي؟ قال له انت كنت موقف المحايد أي أنك لم تنصر الحق ولكنك لم تخذل الباطل. القضية الأخرى التي نقدر نتحدث عنها أنه لو اردنا ان نغير من خلال هذا النظام ومن خلال الانتخابات لا بد ان تكون مشاركة عالية. الوعي يجب ان يكون مستمر وذاتيًا فحالة الانتخابات الحالية مستحيل إن يحدث فيها تغيير بسبب قلة الوعي ونتمنى في المستقبل من خلال الناس الواعية. الناس التي ممكن صوتها يحقق التغيير المنشود.
المقاطعة واجب وطني
- الباحث حيدر الاجودي، مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
الديمقراطية ليست مجرد صندوق انتخابات وباقة ورقة اقتراع توضع فيها، بل هي منظومة قيم وضمانات تُبنى على أساس عدة أسس وتصل إلى مرحلة الانتخابات. فالانتخابات التي تأتي بنفس الوجوه القديمة وتدار بذات القوى التقليدية تطرح سؤال المشاركة أو المقاطعة، وهو سؤال سياسي محض بعيدًا عن كونه مسألة أخلاقية. أما فيما يتعلق بالتجارب الانتخابية في العراق، فالتجربة لعام 2018 تشكل شاهدًا حيًا ومثالًا واقعيًا على امتعاض المواطن الناخب من الانتخابات نتيجة للأسباب التي ذكرها الإخوة، وما جعل الناخب العراقي لا يؤمن بقضية التغيير عن طريق الانتخابات بسبب الأنظمة وبسبب القوانين التي تعدل بين فترة وأخرى. أما قضية سانت ليغو فاستثمارها الحقيقي هو أن التعديل جاء من أجل فرض القوى الكبيرة على حساب القوى الصغيرة وتحييد المستقلين وتحييد الصغار من الكتل وجعل الخارطة السياسية بيد القوى التقليدية نفسها. وهنا يطرح السؤال: ما الداعي؟ أو ما الغاية من الدخول في لعبة معلومة النتائج سلفًا؟ هل هو إسهام في التغيير أم إضفاء شرعية لنظام مغلق؟ أعتقد أن من هذه الزاوية، قد تكون المقاطعة واجبًا وطنيًا من هذا الجانب؛ حتى تعري النظام وتفضح العملية. القائمون بالعملية السياسية يفضحهم، وربما تقودهم إلى زاوية تصلح من الأخطاء التي وجهوها. من هذه الزاوية تكون المقاطعة ربما دافعًا وطنيًا من هذا الجانب.
المقاطعة لا تكفي لإصلاح نظام
- الاستاذ انور الجاف:
إن طرح موضوع (الانتخابات البرلمانية بين شرعية المقاطعة ومسؤولية المواطن) يعيد النقاش إلى جوهر الديمقراطية بوصفها عقدًا اجتماعيًا يقوم على المشاركة والرقابة الشعبية.
أولًا: عن أثر المقاطعة: الواقع العراقي منذ 2005 حتى اليوم يُظهر أن المقاطعة لم تؤدِّ إلى تغييرٍ ديمقراطي إيجابي، بل غالبًا ما منحت القوى المتنفذة قدرةً أكبر على احتكار البرلمان والحكومة، فالشرع والعقل يقضيان بأن الأصل في الأمة هو المشاركة في اختيار من يمثّلها، كما أنّ القاعدة القانونية المستقرة هي أن “السلطة تُستمد من إرادة الشعب المعبَّر عنها بالاقتراع الحر”.
المقاطعة قد تكون موقفًا احتجاجيًا مشروعًا حين تُغلق أبواب الإصلاح أو يُزوّر الاقتراع، لكن التجربة العراقية دلّت أن المقاطعة الجزئية أو غير المنظمة أضعفت أصوات الإصلاحيين، وخفّضت نسبة المشاركة، فأصبحت القوى التقليدية تُعيد إنتاج نفسها بأقل الأصوات وأكثر المقاعد. من ثمّ، فإن المقاطعة في التجارب الماضية مع ما تحمله من مشروعية احتجاجية، عمليًا لم تُغيّر موازين القوى، بل أضعفت التمثيل الشعبي وكرّست حالة الجمود.
ثانيًا: عن إمكان التغيير في ظل سانت ليغو المعدّل: قانون سانت ليغو المعدل بنسخته الأخيرة (1.7) يميل إلى تمكين الكتل الكبيرة ويصعّب وصول القوى المستقلة والصغيرة. لكنه لا يلغي فرص التغيير كليًا، بل يجعلها مرهونة بثلاثة عوامل:
1- توحيد القوى الإصلاحية والمستقلة في قوائم انتخابية مشتركة أو تحالفات انتخابية قادرة على تجاوز العتبة الانتخابية.
2- رفع نسبة المشاركة الشعبية، إذ كلما ارتفعت نسبة التصويت، تقلص وزن الأصوات المضمونة للكتل التقليدية.
3. إدارة الحملات الانتخابية بذكاء قانوني وسياسي يستثمر أدوات المراقبة ويقلّل من تأثير المال السياسي والسلاح غير الشرعي.
شرعًا، الانتخابات واجب كفائي لتحقيق مصلحة الأمة بدفع الفساد واستجلاب الأصلح. وقانونًا، المشاركة هي الوسيلة المشروعة لتغيير الخارطة السياسية ضمن النظام الدستوري القائم. وسياسيًا، الامتناع عن التصويت في ظل نظام انتخابي قائم—مهما كانت عليه الملاحظات—يترك الساحة خالية لمن يُراد تغييرهم.
الدرس الأكبر أن المقاطعة لا تكفي لإصلاح نظام، بل المشاركة المنظمة الواعية هي السبيل الأجدى. أما التغيير الجذري فلا يتحقق إلا بتراكم الإرادة الشعبية داخل المؤسسات لا خارجها.
استثمار الانتخابات القادمة
- اوس ستار الغانمي – صحفي في شبكة النبأ المعلوماتية:
أرى أن تجارب مقاطعة الانتخابات في بعض الحالات لم تحقق التغيير المرجو، بل أعطت فرصة أوسع لقوى الاستبداد لتعزيز مواقعها، لذلك فإن المشاركة الفاعلة تبقى أهم وسيلة لمساءلة المسؤولين وإحداث التغيير.
مع وجود نظام سانت ليغو المعدل، يمكن استثمار الانتخابات القادمة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية بطريقة أكثر تمثيلًا للشعب، شرط أن يكون هناك وعي جماهيري ورصد دقيق لعملية التصويت لضمان نزاهة النتائج.
سلاح الفاشلين
- الاستاذ صادق الطائي:
المقاطعة شعار ونقطة تهديد ليس امرا عمليا يفيد عمليات المساهمة الفعلية للجماهير في الانتخابات، هو سلاح الفاشلين مثلا يدخل ثلاثة اعضاء يشهد كل الأعضاء باستقامة وقدرة وسلامة الافراد ووطنيتهم و حرصهم على الإخلاص وتنفيذ الاعمال بدقة وقدرة وهمة عالية تجعل الاخرين معجبين بهم وموقع تفاخر، عكس المقاطعة اكثر من (50) فرد تم سحبهم من المجلس، هل تغيرت تصرفات الحكومة ؟ هل تغيرت نسبة الفساد في مراكز الدولة والعمل مع الناس ؟ لا نكذب مع الجماهير وانفسنا، المطلوب نكون صرحين واقوياء في حل المشكلة، الحل في رفع نسبة الوعي والادراك والحس الوطني لا المقاطعة والنزول الى الشارع او التهديد كما يفعل الاخرين، نقول مرة اخرى الوعي يغير الاستبداد ويعزز الحس الوطني، الولايات المتحدة الامريكية هي التي جلبت هذا القانون، حيث الاحزاب الكبيرة هي المستفيدة فقط من هذا قانون سانت ليغو (سيئ الصيت) يذكرون في عام (2013) فقط (17) نائب فقط كسبو الاصوات التي ترشحهم للفوز والباقي أضيفت لهم أصوات حتى يفوزوا في الانتخابات، السؤال لماذا امريكا قبلت بقانون (سانت ليغو) دون القوانين التي تعمل بها الانظمة الأخرى هو خوفها من تنظيمات ثورية لها عضو او اكثر يحملون (حصانة) ولهم القدرة على الاعلام والتأثير في المجتمع، قانون سانت ليغو يخدم فقط التنظيمات الكبيرة والمعروف اتجاهاتها ولاتشكل خوفا او خطراً على امريكا، في رأيي الانتخابات القادمة لاتغير الخارطة السياسية بل ترسخها كما هي بسبب الوجود الامريكي.
غياب البديل السياسي
- الاستاذ جواد العطار: عضو برلماني سابق:
ليس من المعقول ان تحقق الديمقراطية طفرات نوعية في المجتمعات حديثة العهد بها... لذلك من المتعارف عليه ان تحقق الديمقراطية خطوات تغييرية بشكل جزئي وعلى مراحل ان سارت ضمن اطارها وسياقها من الشفافية والموضوعية والنزاهة والوضوح، لكنها باي حال من الأحوال لن تنتج دكتاتورية واستبداد.
اما بالنسبة للعراق فإننا ومع الاسف لا نسير بالاتجاه الصحيح من خمول البرلمان اولا؛ وتقاعسه عن أداء واجباته الدستورية. وعزوف المواطن ثانيا؛ وتراجع نسب مشاركته. وغياب البديل السياسي ثالثا؛ مع تكرار نفس الوجوه. لذلك ووفقا للمعطيات الحالية لا نتأمل بتغيير واسع من الانتخابات التشريعية المقبلة، بقدر قناعتنا بان الامل بالمستقبل، وان التغيير عبر صناديق الاقتراع هو الطريق الامثل في اية ديمقراطية مهما حدثت فيها من اختلالات مرحلية.