عودة توني بلير المشكوكة والإدارة الاقطاعية لقطاع غزة

شبكة النبأ

2025-10-02 01:32

عندما كُلف توني بلير لأول مرة بمهمة التوصل إلى سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين في 2007، نبه البيت الأبيض إلى أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ليس "بطلا خارقا" ولا "يملك عصا سحرية".

وبعد إخفاقه في تحقيق إنجاز يذكر في ذلك الدور، يستعد بلير مرة أخرى لمعالجة أحد أكثر الصراعات المستعصية في العالم بعد موافقته على العمل في لجنة يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإدارة شؤون قطاع غزة.

وأثار إدراج بلير في "مجلس السلام" المزمع عدم تصديق الساسة والمحللين الفلسطينيين، إلى جانب عدد من الحاضرين في المؤتمر السنوي لحزب العمال البريطاني الذي ينتمي إليه- فقد تلطخت سمعته إلى الأبد بسبب قراره دعم غزو جورج بوش الابن للعراق في 2003.

إلا أن تعيينه المحتمل -إذا مضت الخطة قدما- لاقى ترحيبا من بعض الدبلوماسيين والزملاء السابقين الذين قالوا إن بلير كان موضع ثقة الولايات المتحدة والإسرائيليين والعديد من دول الخليج، وإنه من الصعب العثور على شخص يمكنه توحيد جميع الأطراف.

وأشار بعض الذين يؤيدونه لهذا الدور إلى أنه عندما كان رئيسا لوزراء بريطانيا لعب أيضا دورا رئيسيا في إحلال السلام في أيرلندا الشمالية، بعد عنف طائفي هناك على مدى 30 عاما.

ورفض طاهر النونو القيادي في حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) أي دور لبلير، قائلا "لا نقبل أن يتم فرض وصاية أجنبية على شعبنا".

وأضاف "شعبنا أقدر على إدارة شؤونه بنفسه".

وتشمل خطة ترامب للسلام في غزة المكونة من 20 نقطة لإنهاء الحرب بين إسرائيل ومسلحي حماس "مجلس سلام" من المشرفين الدوليين الذين سيضطلعون بدور في هذا الصدد، بقيادة ترامب، وتم إدراج بلير في دور لم يُكشف عنه بعد.

وقال ترامب إن بلير طلب الانضمام إلى المجلس ووصفه بأنه "رجل جيد جدا".

وأحجم مكتب بلير عن الإدلاء بتعليقات أخرى عن دوره، لكنه أصدر بيانا قال فيه إن الاقتراح "خطة جريئة وذكية" توفر أفضل فرصة لإنهاء الحرب.

أمضى بلير البالغ من العمر 72 عاما 10 سنوات رئيسا لوزراء بريطانيا، وبعد ساعات من استقالته في 2007، عُين مبعوثا للشرق الأوسط لتمثيل الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومكلفا ببناء المؤسسات الفلسطينية وتعزيز التنمية الاقتصادية.

لكن هدفه المعلن المتمثل في التوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض لم يحرز أي تقدم وانهارت محادثات السلام المتعثرة في 2014. ولا يزال الكثير من الفلسطينيين ينظرون إليه بعين الريبة بسبب دور الوساطة الذي رأوا فيه محاباة لإسرائيل.

وبعد تنحيه عن منصبه في 2015، أطلق معهد توني بلير الذي يقدم المشورة للحكومات وكان لاري إليسون مؤسس شركة أوراكل أحد الداعمين الماليين له. ويعمل بلير أيضا مستشارا لدى بنك (جيه.بي مورجان) منذ2008، وهو عضو في المجلس الدولي لأكبر بنك أمريكي يقدم المشورة في المجال الجيوسياسي.

انتقادات لبلير بسبب العراق وقربه الشديد من إسرائيل

قال هاني المصري، وهو معلق مختص بالشؤون السياسية الفلسطينية في رام الله، إن سجل بلير السابق ربما يثير غضب الفلسطينيين الذين يعتبرونه منحازا للولايات المتحدة وإسرائيل، ويرون مثل كثير من العرب أن غزو العراق جريمة حرب.

وأضاف "توني بلير من الأشياء التي تثير السخرية، فهو سجله مع الفلسطينيين أسود جدا".

وقال دبلوماسي من إحدى دول الشرق الأوسط يحضر مؤتمر حزب العمال وهو يضحك بصوت عال عند سؤاله عن دور بلير "سام للغاية" لكن أحد السفراء البريطانيين السابقين الذين عملوا في عهد بلير في المنطقة قال إن من الخطأ النظر إلى بلير على أنه منحاز لإسرائيل، بل كان يدرك فقط أن الحلول ينبغي أن تكون مقبولة لدى القادة المنتخبين في إسرائيل.

وأضاف "هو يدرك أن إسرائيل، رغم كل عيوبها، دولة ديمقراطية. عليك أن تعمل مع إسرائيل، خيرا كان ذلك أم شرا —وفي السنوات القليلة الماضية الأمر يسير للأسوأ— لكنه مستعد للقيام بذلك".

قدرة بلير على مد الجسور

قال توم كيلي، المتحدث باسم بلير عندما كان رئيسا للوزراء، إن من يبحث عن شخصية تحظى بشعبية عالمية في الشرق الأوسط سيظل "يبحث لوقت طويل.. طويل جدا"، وأشار إلى أن بلير لديه القدرة على فهم جميع وجهات النظر ورسم صورة لمستقبل أفضل.

وقال ميران حسن، مدير مجلس حزب العمال للشرق الأوسط والذي جاء إلى بريطانيا لاجئا من العراق عام 1999، لرويترز إن رأيه ربما لن يحظى بقبول كبير، لكنه يعتقد أن بلير قد يكون خيارا جيدا.

وأضاف "لديه قدرة على مد الجسور في العلاقات الدبلوماسية على مستويات عالية للغاية حيث يمكن اتخاذ القرارات... أعتقد أن ذلك سيكون مفيدا".

إلا أن عددا من المشرعين والمؤيدين داخل حزب العمال المنتمي ليسار الوسط والذي كان يقوده بلير في السابق لا يستطيعون تجاوز دور بلير في العراق.

وقالت كيم جونسون، عضو البرلمان عن حزب العمال، لرويترز إنها تعتقد أن مشاركته "فاضحة ومقززة. إنه الشخص الخطأ تماما لدور يتمحور حول محاولة تحقيق السلام".

تاريخ مثير للجدل

بعد عام واحد فقط من توليه منصب رئيس الوزراء عام 1998، أبرم بلير، بوساطة أمريكية، أحد أهم إنجازاته في منصبه، "اتفاقية الجمعة العظيمة"، التي جلبت السلام إلى إيرلندا الشمالية. وكان عمره آنذاك 43 عامًا، ما جعله أصغر رئيس وزراء بريطاني سنا منذ عام 1812.

وقبل 8 سنوات، سُئل بلير الغامض عن سبب دخوله عالم السياسة. فقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق حينها: "تنظر إلى العالم من حولك، وتعتقد أن الأمور على غير ما يرام. وتريد تغييرها".

لم تكن لبلير قط عقيدة أو فلسفة حكم، على عكس سلفه، مارغريت تاتشر. لكنه ظل في منصبه حتى عام 2007، ونشط في الدبلوماسية والاستثمار الدولي منذ ذلك الحين.

ومع ذلك، لم يخلُ تعيينه الجديد في غزة من الجدل. إذ قاد بلير المملكة المتحدة إلى حرب العراق دعماً للرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن عام 2003. وقد شوّه ذلك إرثه وأدى إلى احتجاجات شعبية ودبلوماسية. 

وكتب أكثر من 50 دبلوماسياً بريطانياً سابقاً رفيع المستوى رسالة مفتوحة في إبريل/نيسان 2004 ينتقدون فيها دعمه الثابت للسياسات التي تقودها الولايات المتحدة في كل من العراق والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ووصفوه بأنه "محكوم عليه بالفشل".

وخلص تحقيق مستقل حول دعم بلير لغزو العراق لاحقاً إلى أنه بالغ في تبرير الحرب، وأنه لم يكن هناك تهديد وشيك من نظام صدام حسين في ذلك الحين. 

وغزت الولايات المتحدة العراق بهدف معلن هو البحث عن أسلحة دمار شامل مخفية، لكن لم يكن هناك أي منها.

وفي منصبه السياسي اللاحق كمبعوث للشرق الأوسط لما كان يُعرف باللجنة الرباعية الدولية، لم يكن محبوبًا لدى الفلسطينيين لموقفه المؤيد لإسرائيل.

وضمت اللجنة الرباعية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة، وعيّنت بلير مبعوثًا لها عام 2007 بهدف المساعدة في تطوير الاقتصاد والمؤسسات الفلسطينية. وأمضى 8 سنوات في هذا المنصب قبل استقالته عام 2015، وفي تلك المرحلة كانت المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين متعثرة، وأصبح حل الدولتين حلمًا يتضاءل.

ووسط تزايد الانتقادات في السنوات الأخيرة من ولاية بلير، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين السابق، نبيل شعث، إنه "لم يحقق سوى القليل جدًا بسبب جهوده الحثيثة لإرضاء الإسرائيليين".

 وأضاف شعث: "لقد قلّص دوره تدريجيًا إلى مجرد مطالبة الإسرائيليين بإزالة حاجز هنا أو حاجز هناك".

ولم تتحسن صورة بلير في الضفة الغربية كثيرًا منذ ذلك الحين. إذ صرّح مصطفى البرغوثي، من المبادرة الوطنية الفلسطينية، لشبكة CNN الاثنين قائلا: "لقد ادّعى وجود أسلحة دمار شامل (في العراق)، وتبيّن أنها كذبة كبيرة". 

وأضاف البرغوثي: "أعتقد أنه من الأفضل أن يبقى في بلده ويترك الفلسطينيين يحكمون أنفسهم. والأهم من ذلك، أن يُجري الفلسطينيون انتخابات ديمقراطية حرة لانتخاب قادتهم بحرية وديمقراطية، بدلًا من إخضاعنا لحكم استعماري آخر". ولم تُجرِ السلطة الفلسطينية، التي تحكم الضفة الغربية المحتلة، انتخابات رئاسية أو برلمانية منذ ما يقرب من عقدين.

وخلال فترة عمله مبعوثًا للجنة الرباعية، ردّ مكتب بلير على مزاعم إنجازه "الضئيل" بالإصرار على أنه "يؤمن إيمانًا راسخًا بحل الدولتين، ولكنه يعتقد أيضًا أنه لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التفاوض مع إسرائيل".

ولكن في الأيام الأخيرة، برز عدم دعم بلير لحكومة حزب العمال الحالية في اعترافها بدولة فلسطينية. وعندما سُئل عما إذا كانت المملكة المتحدة تدعم دوره، تجنب مكتب رئيس الوزراء الإجابة، قائلاً فقط: "ينصبّ تركيزنا على محادثات السلام، التي من الواضح أننا نلعب دورًا فاعلًا فيها".

ومع ذلك، يُنظر إلى بلير على أنه مناسب لهذا الدور في غزة. إذ أمضى معهد توني بلير للتغيير العالمي (TBI)، بالتعاون الوثيق مع إدارة ترامب، أشهرًا في استكشاف سيناريوهات "اليوم التالي" لإعادة إعمار غزة. 

وقد أثارت بعض هذه السيناريوهات جدلًا واسعًا. فقد كشف تحقيقٌ أجرته صحيفة "فاينانشال تايمز" هذا العام أن موظفين من المعهد شاركوا في دراسةٍ تصوّر إعادة إعمار غزة، والتي كانت ستشمل دفع أموالٍ للفلسطينيين لمغادرة أراضيهم.

وردّ المعهد بأن خطط بلير "لم تكن يومًا تتعلق بنقل سكان غزة، وهو اقتراح لم يُعِده أو يُطوّره أو يُصادق عليه المعهد".

وفي أغسطس/آب، التقى بلير في البيت الأبيض بصهر الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنر، ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لمناقشة أفكار إعادة الإعمار. 

لا شك أنه يحظى باهتمام إدارة ترامب، ومن خلال شركته الاستشارية السابقة كانت تربطه علاقات وثيقة بالإمارات العربية المتحدة. هذه العلاقات تُتيح لبلير بالفعل علاقات باثنتين من أهم الدول التي ستشارك في تكوين مستقبل غزة بعد الحرب، ولكن فقط في حال التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.

ولطالما حظي بحفاوة بالغة واحترام كبير في إسرائيل. لكن بصفته مبعوث اللجنة الرباعية، نادرًا ما زار غزة.

وخلال فترة عمله مبعوثا للشرق الأوسط، توترت علاقة بلير بالسلطة الفلسطينية. وأصبح بلير شخصية غير محبوبة، وكاد أن يتم إعلانه شخصا غير مرغوب فيه في مدينة رام الله بالضفة الغربية، بسبب ما اعتبرته السلطة الفلسطينية تحيزًا لإسرائيل.

وصرح عضو المكتب السياسي لحماس، حسام بدران، لقناة الجزيرة بأن بلير "شخصية غير مرغوب فيها في السياق الفلسطيني، وربط أي خطة به نذير شؤم على الشعب الفلسطيني". 

وأضاف بدران أن بلير لعب "دورًا إجراميًا ومدمرًا منذ حرب العراق".

ورحّب بلير نفسه بخطة السلام المكونة من عشرين نقطة التي طرحها ترامب، واصفًا إياها بأنها "جريئة وذكية"، قائلًا إنها تَعِد "بفرصة مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا لشعب غزة، مع ضمان أمن إسرائيل المطلق والدائم". 

والجدير بالذكر أنه تحدث عن "إمكانية قيام تحالف إقليمي وعالمي أوسع لمواجهة قوى التطرف"، وهي قضية ركّز عليها هو ومعهده.

إن بلير، المفاوض الذي يعترف المنتقدون بقدر ما يعترف المؤيدون بذكائه وفهمه للتفاصيل، سوف يحتاج إلى كل خبرته وقدرته على الإقناع في دوره الجديد، إذا ما نجح.

تولي إدارة سلطة غزة بعد الحرب

وسبق أن أجرى توني بلير مباحثات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن خطط ما بعد الصراع في غزة. وناقش ترامب المقترحات الأخيرة في اجتماعه مع القادة العرب في الأمم المتحدة، وفقا لوسائل إعلام بريطانية.

ومن بين مقترحات ترامب، خطة لإنشاء لجنة فلسطينية لإدارة قطاع غزة، إلى جانب مجلس إشراف دولي يشرف عليها، وفق ما نقلت صحيفة فاينانشال تايمز عن أشخاص مطلعين على الخطط.

وأفاد مصدران إسرائيليان لشبكة CNN بأن ترامب يهدف إلى تكليف بلير بإدارة غزة مؤقتا.

وأفادت BBC أيضا أنها تعلم أن فكرة قيادة بلير لسلطة انتقالية قد تحظى بالدعم في واشنطن العاصمة.

ولم يتم الكشف عن محتوى هذا الاجتماع، رغم أن ستيف ويتكوف مبعوث ترامب قال لشبكة "فوكس نيوز" قبل انعقاده إنه سيركز على "الخطة الشاملة" للإدارة الأمريكية بشأن غزة بعد انتهاء الحرب.

وفي ذلك الوقت، قال معهد توني بلير لشبكة CNN إنه يتحدث إلى العديد من المجموعات والمنظمات المختلفة التي لديها خطط لما بعد الحرب بشأن غزة. ولم يعلق المتحدث باسم المعهد في أغسطس/آب على حضور بلير اجتماع البيت الأبيض، واكتفى بتسليط الضوء على أن المعهد "كان دائما مشغولا ببناء غزة أفضل لسكان القطاع".

وقد يكون حضور بلير مفاجئًا للمراقب العادي، فرغم أنه زعيم عالمي سابق يتمتع بخبرة في شؤون الشرق الأوسط، إلا أن أنشطته الرسمية في المنطقة خلال العقد الماضي اقتصرت في الغالب على مشاريع تجارية خاصة وظهور إعلامي متقطع.

وبحلول الوقت الذي استقال فيه بلير من منصبه في 2015، كانت الرباعية تُعتبر إلى حد كبير هيئة غير فعّالة بلا سلطة حقيقية.

ولم يُحظَ سجل بلير كمبعوث بالإشادة الكافية. 

ففي حين رحّبت السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاءً من الضفة الغربية المحتلة، بتعيينه في البداية، إلا أن علاقتهما توترت بسرعة.

وقال شبلي تلحمي، الأستاذ بجامعة ميريلاند والزميل الأول غير المقيم في معهد بروكينغز، لشبكة CNN، إنه على الرغم من أن حضور بلير في الاجتماع قد يساعد ترامب على جذب انتباه المانحين الأثرياء، إلا أنه سيضر بالرأي العام في الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي.

وأضاف تلحمي: "إرث بلير في دعم حرب العراق وعلاقاته المالية والسياسية مع حكام الشرق الأوسط قوضت سمعته في الشرق الأوسط وخارجه".

ويشعر الفلسطينيون بالفعل بعدم ثقة عميقة بإدارة ترامب وخططها لمستقبل غزة، ومن غير المرجح أن يُخفف مشاركة بلير في المناقشات من مخاوفهم.

"ريفييرا" غزة

وسبق أن طرح ترامب فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة، والتي ستشمل إجلاء سكانها وإعادة تطوير هذا الشريط الضيق المدمر بالكامل وتحويله إلى ما وُصف بـ"ريفييرا الشرق الأوسط".

وفي وقت سابق من هذا العام، ذهب الرئيس الأمريكي إلى حد نشر فيديو منتج بالذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الاجتماعي، يُروّج لتحويل غزة إلى منتجع ساحلي أشبه بمنتجع خليجي، يضم تمثالًا ذهبيًا له.

ويُعد جاريد كوشنر، صهر ترامب، أحد أكبر مؤيدي هذه الخطة.

 ومثل بلير، لا يشغل كوشنر أي منصب رسمي، ومثل بلير، حضر أيضًا الاجتماع.

ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، الذي تربطه علاقات وثيقة بكل من كوشنر وبلير، كان موجود أيضًا في واشنطن خلال الاجتماع.

وبصفته سفيرًا لإسرائيل لدى الولايات المتحدة آنذاك، لعب ديرمر دورًا محوريًا في التفاوض على اتفاقيات إبراهيم في 2020، والتي شهدت تطبيع إسرائيل للعلاقات مع العديد من دول الخليج.

وقاد كوشنر هذه الاتفاقيات، واعتُبرت نجاحًا رئيسيًا لإدارة ترامب الأولى.

وعمل ديرمر مع بلير في الماضي، ويُقال إنهما يعرفان بعضهما البعض جيدًا.

وذكر تلحمي لـ CNN أنه بينما كان ديرمر يُنسق مع بلير وفريق ترامب بشأن غزة، لم يحضر أي ممثل عربي الاجتماع.

وقال: "لا يوجد تمثيل عربي ذو وزن كبير في الاجتماع، على الرغم من أن العرب سيتأثرون بشدة بأي نتيجة تتعلق بغزة، وخاصة جيران إسرائيل، ومن المتوقع أن تتحمل الدول العربية الغنية جزءًا كبيرًا من التكلفة".

وأُدين اقتراح "ريفييرا" غزة، الذي طرحه ترامب لأول مرة خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، على نطاق واسع، حيث وصفته السلطة الفلسطينية بأنه "انتهاك خطير للقانون الدولي"، واعتبره القادة الأوروبيون "غير مقبول".

لكن تلحمي قال إن حضور بلير في الاجتماع قد يُعزز خطة ترامب، وقال: "قد يُعطي بلير انطباعًا بأنه يُوسّع دائرة مستشاري ترامب، التي تضم ويتكوف وكوشنر، نظرًا لشهرة بلير وحضوره الدولي".

وأضاف أن خطة ترامب لإعادة الإعمار- إذا ما تحققت- ستتطلب "مبالغ طائلة"، وأن علاقات بلير المالية والسياسية الوثيقة بدول الخليج الغنية قد تكون مفيدة لترامب.

وفي حين اعتُبرت الخطة في البداية تصريحًا مرتجلًا من ترامب، فقد بدأت عجلة العمل تتحرك.

وفقًا لتقرير صحيفة "فاينانشال تايمز"، أُعدّت دراسة تتخيل إعادة تطوير غزة، والتي ستشمل دفع أموال للفلسطينيين لمغادرة أراضيهم، وقُدّمت في النهاية إلى إدارة ترامب.

وكشفت الصحيفة لاحقًا أنه بينما قاد المشروع رجال أعمال إسرائيليون واستخدم نماذج مالية طورتها مجموعة بوسطن الاستشارية، شارك موظفون من معهد توني بلير للتغيير العالمي، وهو مركز أبحاث تابع لبلير، في مناقشات حوله.

وفي مذكرة قُدّمت إلى البرلمان البريطاني، أكدت مجموعة بوسطن الاستشارية أن أحد كبار شركائها، الذي تصرف بشكل مخالف لقواعد الشركة وأوامرها المباشرة، شكّل فريقًا لنمذجة وتحليل سيناريوهات إعادة الإعمار في غزة بعد الحرب، وأن هذا الفريق "تفاعل خلال هذا العمل" مع معهد توني بلير للتغيير العالمي.

وذكر المعهد لشبكة CNN أنه يتحدث إلى العديد من المجموعات والمنظمات المختلفة التي لديها خطط لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، لكنه أكد أنه لم يشارك في وضع الخطة المعنية.

ولم يُعلّق متحدث باسم المعهد على حضور بلير الاجتماع، مُسلّطًا الضوء فقط على أن المعهد "لطالما كرّس نفسه لبناء غزة أفضل لأهلها".

وقال المتحدث: "لقد عمل توني بلير على هذا منذ ترك منصبه، ولم يكن الأمر يتعلق بنقل سكان غزة، وهو اقتراح لم يُعِده أو يُطوّره أو يُؤيّده المعهد قط".

وبينما ينتظر سكان القطاع المُدمّر معرفة المزيد عن خطة ترامب لغزة، يأملون أن يكون بلير قد نقل هذه المواقف إلى الحضور في البيت الأبيض بوضوح كما فعل معهده.

ويركز معهد توني بلير على السياسة رفيعة المستوى، فيما يعمل آخرون باسمه لتقديم المشورة للحكومات والقصور الملكية ورؤساء شركات التكنولوجيا في كل شيء، من فوائد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا إلى إستراتيجيات المناخ والطاقة التي توازن بين الطموح والواقعية الاقتصادية، وكيفية تشغيل تطبيق "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" بنجاح.

ويضم المعهد عدداً من كبار موظفيه الذين جاؤوا من الفريق الأقرب إليه خلال أعوام رئاسته للوزراء، ومنهم جولي كراولي البسيطة في تعاملها التي يقول ممازحاً إنها "تدير حياته"، وكاثرين ريمر التي كانت تحضره لجلسات مساءلة رئيس الوزراء.

ويعمل في المعهد حالياً أكثر من 900 موظف حول العالم، وقد وسّع مكاتبه لتشمل الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى جانب نيويورك وله ممثلون في الشرق الأوسط، ومن أبرز المانحين لاري إليسون، مؤسس شركة "أوراكل" عملاق الذكاء الاصطناعي، الذي قدم أكثر من 50 مليون دولار للمعهد، وتعهد بتقديم مزيد هذا العام وما بعده، وفي مقابلة مع مجلة "فانيتي فير" قبل عقد من الزمن، تناولت تساؤلات حول معاييره الأخلاقية في اختيار البلدان التي يعمل معها عندما تتاح له فرصة استشارية مربحة أو مثيرة للاهتمام، أجاب بلير "إن امتنعنا من العمل في أي بلد يعاني مشكلات في حقوق الإنسان فستكون القائمة صغيرة جداً، بالنسبة إليّ يبقى التحدي دائماً: 'هل تحاول القيادة القيام بأشياء نعتقد أنها مفيدة وذات قيمة؟' إن كان الأمر كذلك فسوف ندعمها".

هذه هي الفلسفة نفسها التي تجعله الآن يجلس بكل ارتياح مع ترمب وعائلته، فالضيف البريطاني يشعر في نواحٍ عدة بأنه أكثر انسجاماً مع النهج الأميركي القائم على التقدم الدائم بلا توقف، مستنداً إلى قناعة راسخة بأنه قادر على جعل العالم مكاناً أفضل.

بلير، السفير البريطاني غير الرسمي لشتى القضايا، سيكون حيث يحب أن يكون دائماً في الغرف التي تُمارس فيها السلطة ويقرر فيها مصير كثيرين آخرين.

* المصدر: وكالات+رويترز+سي ان ان

ذات صلة

خدمتكَ للآخرين تفتح لك أبواب الجنةماذا خسر العالم بتنحية الوصي (ع).. وهل من خطوات نحو المدينة الفاضلة؟خطاب نتنياهو وعزلة إسرائيل.. هل تفرض انهاء الحرب على غزة؟أحسنوا اختيار رئيس الجمهوريةقراءة في نهضة فكرية عابرة للمناطقية والقومية والمذهبية