مركز الامام الشيرازي ناقش إستراتيجيات التغيير بالتربية في سيرة رسول الله (ص)
مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
2025-09-30 01:58
تحرير: عصام حاكم
عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث ضمن نشاطاته الفكرية الشهرية حلقة حوارية موسومة تحت عنوان (إستراتيجيات التغيير بالتربية في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله) بحضور شخصيات أكاديمية وقانونية وإعلامية، في ملتقى النبأ الأسبوعي، اعد الورقة البحثية الاستاذ الدكتور محمد حسين عبود الطائي عميد كلية العلوم الاسلامية في جامعة كربلاء، وابتدأ حديثه:
بداية لابد ان نمر على مفردتين مهمتين وهما الاستراتيجية والتربية، الاستراتيجية هي مفردة يونانية تعني (البراعة العسكرية)، اما التربية تعني(النماء)، وهذه التربية قائمة على جملة من الخطوات تستند على العادات والتقاليد والصبغة الدينية، هذين العنصرين الاساسيين يتحدان فيشكلان المنظومة التربوية للفرد والمجتمع في العالم الاسلامي على وجه الخصوص.
بطبيعة الحال المجتمعات الاخرى ليست استثناء فالقانون يلعب دورا كبيرا في تربية افراد هذا المجتمع، بعيدا عن نمطية العادات والتقاليد ووجود الصبغة الدينية، التي تكون في المجتمعات الغربية اقل وطأة، وهذا عكس ما تفصح عنه الثقافة العراقية المتأثرة بثلاث قواعد اهمها العادات والتقاليد، والقوانين الوضعية، والحلقة الاضعف هي القانون الالهي، نستشف من خلال ذلك ان العادات والتقاليد لها مساحة اكبر في وجدان السلوك الشعبي.
لذلك لا بد ان نذكر الفرد المسلم والمجتمع على حد سواء بأصل واصل المنظومة التربوية الاسلامية، لا سيما تلك النصوص القرآنية ذات الدلالات التربوية..
اولا: التربية بالموعظة: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)، هذا المعيار التربوي يلعب دورا كبيرا في تشكيل الشخصية المسلمة، خاصة عندما نجعل من قصص الانبياء كقصة يوسف، قصة سليمان، قصة الخضر، قصة اهل الكهف، هذه القصص على اختلاف تمثلاتها النحوية والبلاغية هي ترسم حدود التربية الاسلامية الواعية والناضجة.
ثانيا: القدوة الحسنة: هي لون من الوان التربية القرآنية وهذا ما اورده القران الكريم (كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ)، وهذا ما يفضح اشكالية الاعتراض على فكرة الاهتداء والاقتداء بالسلوك المحمدي، بالتالي اذا لم نستطيع التأسي بأخلاق الرسول الكريم(ص)، فكيف يكلفنا الله سبحانه وتعالى بذلك.
ثالثا: التربية بالترغيب والترهيب، هناك العديد من الآيات القرآنية التي تنص على مبدأ الثواب والعقاب من مثل (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)، هذه الآية تعطيك انطباع كامل عن اهوال يوم الحساب، في مقابل ذلك هناك آيات تختص بالترغيب على امل تعزيز السلوك التربوي لدى الانسان المسلم.
رابعا: سنة التدرج القرآني، لاسيما فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي لون من الوان التربية، بل هي في حقيقة الامر فن ورسالة عظيمة يستبطن منها الدعوة الحسنة والصفح الجميل.
لذلك الرسول الكريم(ص) مع ما يمتلك من اسباب العلو والسمو، يوسم باللين والسماحة وبطيب القلب، هذه دعوة صريحة الى تجنب الغضاضة والفضاضة في الدعوة لله سبحانه وتعالى، خاصة من قبل الاساتذة المختصين وطلبة العلوم الدينية، الذين يتحملون مسؤولية مواجهة التيارات المدنية التي تريد ان تظلل الشباب المسلم وتستقطبهم الى حيث يريدون، بالتالي ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عبارة عن مراحل تبدأ باللسان، اليد، القلب.
خامسا: ضرب الامثال، هو شكل من الاشكال التربوية التي يحتاج لها الانسان، اذ القرآن الكريم له اساليبه الخاصة، التي يمكن من خلالها تربية الفرد المسلم.
لو اردنا ان ننحاز قليلا نحو تربية الاطفال في المنظور القرآني فنجد قوله تعالى (يأَ ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، القرآن هنا يستعرض اشكالية ضبط النفس اولا قبل كل شيء، ومورد اخر يؤكد القرآن الكريم على اقامة الصلاة وليس اداء الصلاة، وما بين هذين المعنيين فارق كبير وهنا، كما هو الحال مع فكرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يتسبب من ضرر، هذه الثلاثة هي مرتكز حقيقي لبناء الشخصية الاسلامية.
الى جانب ذلك ان التربية الاسلامية تتدرج من الايام الاولى للطفل حتى عمر 21 عام، وهذا ما يحسب للعقيدة المحمدية التي تصف بكاء الطفل في الاربع اشهر الاولى توحيد، وفي الاربع الثانية نبوة، وفي الاربع الثالثة ولاية، يعني ايها الاب يجب عليك ان تدع الطفل يبكي البكاء الذي يستحق خلال هذه السنة، وهو شكل من اشكال العبادة لله سبحانه وتعالى.
بالنتيجة ان المنظومة الاسلامية تعطي للسلوك الانساني بعد اخروي، وهذا مما يعطي للعمل قيمة مضافة، ايضا (مرض الطفل هو كفارة لذنوب ابويه)، حسب وصف الامام علي(ع)، بالتالي هو نوع من انواع التربية، ونوع من انواع الرضى، مورد اخر (إذا نظر الوالد إلى ولده فسره كان للوالد عتق نسمة).
ايضا من قبل ولده له حسنة، هذه انعطافه مهمة في التاريخ الجاهلي والقبلي والبدوي، بل ان فكرة التقبيل بحد ذاتها ليس لها مقبولية في ثقافة الجزيرة العربية، التي لا تستسيغ فكرة تقبيل الاولاد، في خمسينيات القرن اذا حمل الرجل ابنه يعتبر عار ومنقصة، فما بالك برسول الله(ص) قبل 14 قرن وهو يحنو على الحسنين عليهما السلام ويداعبهم.
هذا السلوك الرسالي والتربوي خلق فارقا عظيما في المنظومة التربوية، ليخلق من خلال ذلك مجتمعا متآلفا ومنسجما على مستوى النشأ الجديد، والا كيف تفسر قول الرسول الكريم(ص) (من قبل ولده كان له حسنة، ومن فرحه فرحه الله يوم القيام).
الى جانب ذلك الاحاديث النبوية ذهبت الى اكثر من ذلك خاصة في مجال تكريم الانثى على الذكر، فعلى سبيل المثال رُوِيَ عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنهُ قَالَ: برّوا أولادكم وأحسنوا إليهم، فإنّهم يظنّون أنّكم ترزقونهم.
هذه المزايا الالهية تعطينا فضاءات واسعة في خلق منظومة تربوية سليمة، لأنها تزرع فينا حالة القبول والاذعان والتسليم للفطرة السليمة، واساس تسورها في محيط التوحيد والنبوة والامامة، وهو على النقيض تماما مع البيئة التي لا تحترم الطفل، عنداك سيتشكل لدينا طفل معاق نفسيا، وتسيء له.
وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده، هذا المعنى يشكل حافزا مهما في زرع اسباب الامان والحب في نفس الطفل، هذا الطاقة الايجابية من منظور طبي تقوي الجهاز المناعي لدى الطفل، ايضا عن المعصومين (ارحموا اطفالكم واحبوهم واذا وعدتموهم شيئا ففوا لهم فانهم ﻻيرونكم اﻻ انكم ترزقونهم).
نستخلص من خلال هذا القول ان الوفاء يخلق حالة من حالات الاطمئنان والثقة تجاهك، وانك قدوة حسنة له، وانه يحبك، وانه يحتاج اليك، هذه المعاني بالمجمل اسس رصينة في عالم التربية السليمة، الامر الاخر ان الوفاء له يزرع في نفسه بشكل عملي قيمة الوفاء بالوعد، خلاف ما ينتج عن عدم الالتزام بالوعد.
بالنتيجة ان المنظومة التربوية هي وحدة متكاملة ركنها الاساس الاب، لذلك عندما يختل البناء التربوي الصادر من جهة الاب، عندها من الطبيعي ان تنصهر كل العناصر التربوية تحت وطأة قسوة الاب، وهي خلاف منطق النبل والرجولة والقوامة على النساء والاطفال.
يضاف الى ما تقدم حديث ينسب للأمام جعفر الصادق عليه السلام (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين)، هذه الجزئية تحدد مراحل تربية الأبناء، حيث يسمح للطفل باللعب في السنوات السبع الأولى، ثم يتعلم الأدب والتأديب في السبع سنوات التالية، وأخيرا يرافق ويتابع بحزم في السبع سنوات الأخيرة.
ختاما ان المنظومة التربوية مهما كانت لا بد ان تكون منسجمة مع التعاليم الالهية روحا ومضمونا.
ولإثراء الموضوع أكثر تم طرح السؤالين التاليين:
السؤال الأول: ما هي آثار المناهج والاساليب التربوية في تماسك أو هشاشة البناء الاجتماعي؟
السؤال الثاني: كيف نستفيد من سيرة رسول الله (ص) كأسوة تربوية في تحقيق التغيير الثقافي والتقدم الاجتماعي؟
المداخلات
الاباء أولى بالتأسي
- الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للدراسات والتنمية الاستراتيجية:
ان المنظومة الاجتماعية لم تستلهم من سيرة الرسول الكريم وال البيت الطيبين الطاهرين في مجتمعاتنا، والسبب لأننا لم نجعل من الاسوة الحسنة معيار للكبار، وذلك من اجل ان يعلمون الصغار، للأسف الشديد في منظومتنا الاخلاقية في الجانب الاقتصادي السياسي الاداري الاجتماعي، لم نستلهم سيرة الرسول وال بيته.
لذلك عندما فرطنا في سيرتهم في ادارة شؤوننا العامة، واجهنا المشاكل في شؤوننا الخاصة، وعلى الرغم من اننا مقتنعين تماما بان المنظومة الاسلامية في التربية والتنشئة منظومة راقية للغايةن ولكن هذا لا يمنع من ان المنظومات الاخرى التي توصل اليها النظام الدولي في مدارس التنشئة والتربية والتعليم، وهي ذات علاقة بالمواثيق الدولية التي تنص على حقوق الطفل، لربما الاختلاف بيننا وبينهم في حجم الحرية وفي طريقة التربية هنا او هناك، لكن بالنتيجة هي مدارس علمية مختصة في مجال تربية الاطفال ونشأتهم.
نحن اليوم لا نستعمل الاسس الصحيحة والمناهج الصحيحة في التربية والتنشئة للأطفال، ابتداء من الاسرة وصولا الى الجامعة، اليوم نحن نواجه مشكلة في طريقة اختيار الزوج لزوجته، وفي طريقة تعامل الزوج مع زوجته، وفي طريقة تعامل الاباء مع الابناء.
يستمر الحال على ما هو عليه حتى عندما ندخلهم الى المدارس ايضا نواجه مشكلة في تنظيم الصفوف، وحتى في طريقة اختيار المعلمين، وفي اداء الادارة، وفي التواصل الذي يغيب عنه الباحث الاجتماعي في المدارس، هذه الاشياء وفق المعيار العلمي يتم مراعاتها في الدول الاخرى.
في تلك المجتمعات حتى لون الجدار له خصوصية، الكرسي الذي يجلس عليه الطفل، الالعاب التي يهتمون بها اولئك الاطفال، لذلك نحن نواجه مشكلة كبيرة في تكييف الاحكام والقيم، التي تقوم عليها المنظومة التربوية، هذه الاحكام تحتاج ان تكون في اليات عملية، التي هي تسمى اليوم مناهج التربية والتعليم.
بالنتيجة اصبح الطفل المسلم يخرج من الاسرة غير مهيئ، والمدارس غير مهيأة، ثم يصلون الى الجامعة ويكررون نفس عادات وتقاليد ابائهم السيئة، وهذا يطلق عليه (التأثير الاجوائي)، لذلك نحن نحتاج ان نستلهم سيرة الرسول(ص) واهل بيته الطيبين الطاهرين بالكامل، ولكن هل وفقنا لذلك؟، وهل حولنا هذه السيرة الى واقع عملي؟، الجواب كلا.
ختاما اعتقد ان الاباء معنين قبل غيرهم في التأسي بسيرة الرسول وان نطبقها في تعاملاتنا اليومية، ثم بعد ذلك ننقل هذا التأسي الى اطفالنا.
أثار المناهج التربوية المستوردة
- محمد علي جواد تقي، اعلامي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
المناهج التربوية الوافدة والمستوردة من الخارج هي ذات اثار سلبية مباشرة على المجتمع والاسرة على حد سواء، لكن في مقابل ذلك هناك مناهج تربوية نابعة من التراث والهوية المجتمعية، تكون اكثر ايجابية واكثر تأثيرا.
ايضا من مقاييس النجاح والفشل ينحاز الانسان المعاصر للتجربة اليابانية والصينية على سبيل المثال من خلال ما يسجله من مشاهدات متلفزة لأسلوب التربية والتعليم في تلك البلدان، وهذا بطبيعة الحال يشكل انتكاسة مهمة في تاريخ التمسك بالقيم التربوية التي نص عليها الاسلام.
ختاما ان المجتمع اليوم غارق في المشاكل بسبب عدم اكتراثه بالمشروع التربوي الاسلامي وبسيرة الرسول الكريم(ص).
ضبط ايقاع حركة الاخلاق والسلوك التربوي
- الدكتور علاء الكاظمي؛ باحث واكاديمي:
الجوانب الأخلاقية لها تأثير أكثر بكثير من القضايا العلمية التي كان النبي صلى الله عليه وآله يذّكر بها أو حتى في قضية إعجاز القرآن عادة الناس تتأثر بالموقف الأخلاقي أكثر من تأثرها بموقف أن قلتم قلنا وأعطيكم دليل واعطوني لي دليل في قضية أخلاقية لفتة أخلاقية قد تغير سلوكيات واعتقادات وأخلاقيات أمة كاملة بلفتة أخلاقية بسيطة.
ان الجوانب الاخلاقية التي اتسم بها نبينا الكريم (ص) لديها مساحة اكبر في التأثير، لا سيما ذلك الشخص اليهودي الذي طالما اذى رسول الله (ص)، ولكن ما ان مرض عاده في منزله، هذا مما ترك اثارا بليغة في نفس ذلك اليهودي الذي اسلم على يد رسول الله (ص).
نستشف من خلال تلك الحادثة ان الالتفاتات الاخلاقية هي من تحدث التغيير، لذلك لا بد ان نتمسك بالأليات الدينية التي جاء بها رسول الله(ص)، وذلك من اجل ضبط ايقاع حركة الاخلاق والسلوك التربوي.
كل الحزم في اللين وكل اللين في الحزم
- الشيخ مرتضى معاش:
ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو النموذج الاعلى للتربية، وهو مرجعية كاملة، بالتالي لا بد ان نرفع شعار تربية الامة، وألا نقف عند حدود تربية الاطفال، او تربية الاسرة، بل نحن ازاء قضية اهم واكبر وهي تربية الامة بالكامل.
الله سبحانه وتعالى قال "وإنك لعلى خلق عظيم"، وهذا بحد ذاته يعني المرجعية الكاملة والمطلقة، وهناك بحث لي عن "وإنك لعلى خلق عظيم"، باللغة وجدت تقريباً (11) تأكيد موجود في هذه العبارة، فهناك تأكيد كبير على أنه هو النموذج الأعظم، وعلى ضوء ذلك نضع منهاج كامل لتربية الأمة، وليس فقط تربية الأطفال والأسرة، فلا يمكن أن تجزأ التربية إلى أجزاء متعددة وإنما هي برنامج واحد شامل ومنظومة متكاملة.
من أهم قواعد هذا المنهاج هو التربية باللين "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"، فاللين هو محور العملية التربوية، لذلك لا يمكن لأي قوة أو ضغط أو عامل خارجي قسري أن يؤدي إلى تربية الإنسان، بل قد يؤدي إلى تدمير الإنسان، وهذا ما تؤكد عليه الآية القرآنية: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، فاللين لا يتعارض مع الحزم بل كل الحزم في اللين وكل اللين في الحزم، و"ولو كنت فظاً غليظ القلب" في مقابل الخشونة هناك النعومة، التربية لا يمكن تتلائم مطلقا مع الخشونة ومع القوة أو التأديب بالضرب.
والثاني هو التربية بالأسوة، والفرق بين الأسوة والقدوة، أن الأسوة هو النموذج الأعلى الذي يرجع له إليه في كل شيء وهو رسول الله صلى الله عليه وآله، والقدوة هو الذي يقتدي بالأسوة ويسير على نهجه.
وحول ذلك هناك أحاديث عن الإمام الصادق (ع) " كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زينا ولا تكونوا شينا"، وكونوا لنا دعاة صامتين"، ويدل على ذلك الآية القرآنية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا"، والآية القرآنية " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"، وهي تدل على ان نجاح التربية أو فشلها هو في نجاح القدوة او فشله، فإذا نجحت القدوة تنجح التربية وإذا فشلت القدوة تفشل التربية، ولذلك نلاحظ أن الأزمات التربوية والاجتماعية والسياسية هي نتيجة للقدوة الفاشلة التي بالنتيجة تؤدي إلى تدمير الإيمان والثقة بالآخرين عند الإنسان، كما يؤدي فشل القدوة الى تدمير السلوك الإيجابي وظهور نزعات نفسية مريضة قوامها الشك وسوء الظن والتمرد والاحتقار، فالقدوة سواء كانت فاشلة او ناجحة هي التي تشكل مرآة الفرد التي ينظر بها إلى الواقع الخارجي.
ومن قواعد المنهاج التربوي، التربية بالصبر، الصبر هو المحور والأساس في كل شيء وخصوصاً التربية لأنها عملية تحتاج إلى تحمل شديد وصمود قوي في التعامل مع الأخرين، حيث يربي نفسه كيف يتحكم ويسيطر على انفعالاته، فلا يتخذ رد فعل قوي خصوصا في مجال تربية الأطفال، لأن الانفعال خارج اطار الصبر والتحمل يولد السلوك العشوائي الاستفزازي المدمر للشخصية، وفي الآية القرآنية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" فالاستعانة بهما يجعل الإنسان في قوة قادرة على الصمود الذي هو أهم عامل في بناء المرونة والتكيف، وسبب فشل الإنسان في الاستجابة للاعتلالات الخارجية هو عدم وجود مرونة وقدرة على التكيف مع كل الأوضاع، فالصبر المعتضد بالصلاة يؤدي إلى بناء الصمود عند الإنسان بحيث يستطيع ان يستوعب الأزمات ويديرها بطريقة ايجابية، فيجد الحلول المناسبة لها.
ومن قواعد المنهاج التربوي هو الاهتمام وهو ما يمكن ان نلاحظه في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الاهتمام المتزايد "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم"، " من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، فكيف لا يهتم بأطفاله وإخوانه وعائلته، فالإهـمال المتغلغل في المجتمعات وخصوصا العائلة تعبير عن الابتعاد عن الاسلام، لذلك لا بد على كل أب ان يخصص وقتا جزيلا لأولاده ولا يقول لا املك الوقت، فهو يعمل من الصباح للمساء حتى يوفر لهم الأكل والملبس وأن يعيشوا حياة كريمة ولكن في نفس الوقت يهمل أهم شيء وهو البناء الذاتي المعنوي الأخلاقي السلوكي الترشيدي لهذا الطفل، فالاهتمام مطلوب دائم سواء كان بالأسرة أو الأطفال أو حتى الاهتمام بالعامل الخارجي وهو المجتمع توجيها ونصيحة وتربية، فقد كان رسول الله يهتم بكل شخص لوحده مفرداً ونجد لذلك قصصا في احواله مع الناس، وفي ذلك دلالة على الاهتمام حيث أنه كان يجلس مع كل فرد فيتأثر به ذلك الفرد كأسوة للدور الكبير في عنصر الاهتمام وعدم الشعور بالتهميش، الإنسان الذي لا يهتم به ويترك ويهمل يشعر بالتهميش والحرمان والنقص، وبالتالي تترسخ في ذهنه عدم أهمية وجوده وجدواه في المجتمع، بل ان الاهتمام يؤدي الى وجود شخصية تشعر بأهمية الاحترام في داخله وتزايد الثقة بنفسه، وبالنتيجة يتحول الى إنسان صالح في المجتمع.
مجتمع لين ورحيم
- الأستاذ احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
استهل كلامه بالآية القرآنية..( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، ورد في النص صفتان مهمتان وهما الرأفة والرحمة، بالنتيجة ان التربية والاخلاق هي القمة، وما عداها لا يملك الانسان أي شيء، بمعنى مع وجود الاخلاق هو يملك كل شيء.
تلك السيرة العطرة استمرت لأئمة اهل البيت عليهم السلام، لانهم هم من حملوا الرسالة بعد رسول الله (ص) وصبروا، نستنتج من خلال ذلك ان رسول الله (ص) عظيم، لأنه استطاع ان يحول ذلك المجتمع الجاهلي والقبلي، الى مجتمع لين ورحيم ومتحاب ومتالف، تلك السلوكيات النبيلة كان يجسدها خاتم الانبياء بأفعاله قبل اقواله.
لذلك نحن نحتاج لهذا الطرح كي نترجمها لأفعال داخل الاسرة وفي المجتمع والاعتبار بها.
الافعال تتقدم على الاقوال
- علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
يعتبر ان التربية العملية تتقدم على كل انواع التربية الاخرى، وهي لا تقاس بالتعليم والوعظ والارشاد، والسبب لان مستوى الافعال تتقدم دائما على الاقوال، وهذا ما تربينا عليه ونحن ننحدر من اسر لا تحييد عن فعل كل ما هو صواب وغير مؤذي، ففي تلك الاسرة البسيطة والمتواضعة لا مجال للكذب.
وهن عظيم في التربية
- الدكتور منتصر العوادي، اكاديمي وباحث:
ان موضوعة التربية فيها الكثير من المصاديق خاصة على مستوى المادة الاخلاقية، التي تعتبر بداية التربية او مفتاح التربية، فعلى سبيل المثال في اليابان يتعامل مع المرحلة الابتدائية على انها مكرسة على الجانب الاخلاقي فقط، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التعليم، وهذا خلاف ما معمول به في العراق، الذي اصيب بوهن عظيم في التربية، خاصة وان مسار النضج الشعبي قائم على النجاح العلمي.
على الجانب الاخر نجد الانسان الخلوق والمؤدب اصبح عملة نادرة، بل يتم التنمر عليه والنيل منهم بشتى الطرق، على الرغم من اننا مجتمع اسلامي.
ترجمة الاقوال النبوية الى افعال
- الدكتور لطيف القصاب، إعلامي وباحث سياسي:
تطرق الى التراتبية التي تأثر في المجتمع، اولا القانون الوضعي، ثم العرفي، ثم القانون الشرعي، هذا التسلسل واقعا يحتاج الى وقفة جادة، كي ندقق في حيثيات وتفاصيل هذا التدرج الظالم والمجحف اتجاه العرف الديني، منذ 1400 عام والقوة العرفية تتقدم على القوة الشرعية، هذا سؤال مهم جدا؟، وهو من المسكوت عنه؟.
الرسول الكريم عليه افضل الصلوات واتم التسليم قدم على انه داعية، فقيه، قائد، لم يقدم بعنوان المعلم، المربي، الاليات التي استند اليها نبي الرحمة هي اليات ماهرة وذكية في التربية، الشاهد على ذلك تلك الواقعة التي استعرض فيها اسماء اصحابه ليستبدلها بأسماء حسنة ومحببه.
الاعظم من ذلك ان الرسول الكريم جعل من تلك النفوس القاسية مرنة ودودة، بالنتيجة نحن في امس الحاجة الى ترجمة تلك الاقوال النبوية الى افعال وسلوكيات حياتية.
البناء التربوي والاخلاقي
- الباحث حسين علي حسين عبيد، مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
في النص القرآني انحياز كبير للجانب الاخلاقي، وذلك على اعتبار المرتكز الحقيقي لبناء الشخصية الاسلامية واساس نضوجها، الامر الاخر ان البناء التربوي الاخلاقي يتأثر بالأفعال قبل الاقوال وليس العكس.
التربية بمفهوم عام
- الأستاذ حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
يستفسر اولا عن مصدر الاخلاق هل هو ديني إلهي أم هو مصدر ارضي؟، بالنتيجة عندما نحدد الوجهة التي نريد ان نصل اليها، عنداك ستتضح الصورة، البعض يرى ان الاخلاق ذات جنبة دينية، البعض الاخر يرى انها ذات جنبة اخلاقية عقلية، فعلى سبيل المثال في الدول التي تدين بالديانة البوذية تعتبر ان الاخلاق حالة انسانية بغض النظر عن الثواب والعقاب، كما يفهم من ذلك في الوعي الاسلامي.
التربية بمفهوم العام تتعلق بالجوانب التربوية وليس الاعتقادية، فالصدق على سبيل المثال وبغض النظر عن المعطى الديني هي حالة انسانية وحياتية سامية، وهذا ما لا يتسع له المقام في مجتمعنا الذي يركز على الجانب اللوجستي بعيدا عن القيمي والاخلاقي.
زرع الرحمة والرأفة
- الأستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
ينطلق من منطلقات النشأة الاولى التي تربى فيها رسول الله صل الله عليه وسلم، واهوال تلك الحقبة الزمنية الغليظة التي لا ترعى لليتم مكان، في تلك الفترة كان وأد البنات حالة منطقية قائمة على القهر القسوة والبطش، الا ان رسول الله (ص) استطاع ان يزعزع تلك الثقافات وزرع بدلا عنها الرحمة والرأفة، لذلك ما احوجنا اليوم الى ذلك النهج القويم.
اساليب التربية المتغيرة
- محمد علاء الصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان اساليب التربية في الوقت الحاضر كثيرة جدا، الموبايل على سبيل الشاهد هو وسيلة من وسائل التربية، غوغل هو مربي، هذه المواقع الالكترونية اصبحت تستوعب ملايين ومليارات المستخدمين، وتنقل لهم الافكار والمعلومات المفيدة والضارة على حد سواء، تقلب الحق الى باطل والباطل الى حق، وممكن ان تربي وممكن ان تهدم.
بالنتيجة ان اساليب التربية قد تغيرت، وهي ليست محصورة فقط بالأب وإلام، الاطفال اليوم يعيشون كلَّ في عالمه الخاص وله حواس منشغلة في عالم اخرى ومواقع اخرى، بالتالي ان الاساليب حصل عليها طارئ، كذلك الجوانب الاخرى التي اصبحت مهمشة في الجانب السلوكي كرياض الاطفال والمدرسة.
لذلك هناك اهمال تربوي شديد من قبل وزارة التربية، وعدم توفير البيئة التربوية الصحيحة، هذا ايضا يشكل عبء اضافي على الوالدين لانهم منشغلين في توفير لقمة العيش، فالأب والام في سنة 1970 يختلفون عن الاب والام في سنة (2025)، بالنتيجة هذه العناصر تنعكس على سلوكيات الاولاد ونشأتهم، ختاما يمكن الدمج بين النظريات الحديثة والسيرة الاسلامية العطرة.
التربية بصناعة الوعي
- الاستاذ باسم الزيدي، مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
لماذا تؤدي المناهج والاساليب التربوية في مجتمعات معينة الى هشاشة هذا البناء؟، وفي مجتمعات اخرى تكون متماسكة؟، الامر هنا بطبيعة الحال محصور بالأساليب والمناهج التربوية المستخدمة، فاذا كان مجرد وسيلة لنقل المعرفة ستؤدي حتما الى هشاشة هذا المجتمع، والسبب لان اليات النقل غير منظمة وغير مدروسة.
على الجانب الاخر يصبح البناء متماسك عندما تكون المناهج والاساليب التربوية واعية وتعتمد على عملية صناعة الوعي، هذه العملية لا يكتب لها النجاح ما لم تستند على منظومة فكرية واخلاقية وتربوية متكاملة، لذلك عندما جاء الاسلام كان يحمل منظومة متكاملة وزاخرة بكل الفضائل.
هذا يقودنا الى اصل تشكل النموذج المثالي والقدوة الحسنة، لذلك كان رسول الله صل الله عليه وسلم حاضرا في ادق التفاصيل، السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره) تكلم عن السلام وعن عظمة السلام واهم تجلياته، فالسلام ورد السلام هي ليست اخلاق، انما هي تجارة اخذ وعطاء.
الخلق الحقيقي ان تبادر للسلام، لذلك كان الرسول الكريم(ص) يبادر في السلام قبل الاخرين، بالنتيجة ان عملية المبادرة بالسلام تستبطن الخلق العالي، اضف الى ذلك ان التربية في القدرة هي عنصر فعال جدا، لأنه يستحضر الفعل المباشر قبل القبول، ايضا من فواعل التربية المهمة هي التغيير التدريجي والمتسلسل، هذا مما يقطع الطريق امام التغيير دفعة واحدة فتتسبب بالنفور.
ايضا التعامل اللين والسلس هو شكل من اشكال التربية، يضاف اليها حضور العقل وتعزيز الجانب العلمي، كل هذه الفعاليات الحية هي تسعى في سبيل نقل المجتمع من حالة الجمود والبداوة الى الابداع والتطور.
ايضا تأتيك حالة تعزيز الهوية وخلق روابط الاخوة، وهي عناصر جامعة ومانعة، خاصة اذا ما تعلق هذا الامر بالمرأة والسهر على تربيتها ونشاتها، لأنها عماد هذا المجتمع وقطب الرحى، ختاما ان حالات الطلاق التي تعم المجتمع العراقي هي تقوم على تحرر المرأة، وهذا جرس انذار من اجل ايقاظ الاسرة والمجتمع والسهر على تربيتهم من جميع النواحي.