نظريات المؤامرة وسيناريو خسارة ترامب الانتخابات
شبكة النبأ
2024-10-30 05:55
ينصب الجزء الأكبر من تركيز العالم خلال انتخابات 2024 في الولايات المتحدة على الوضع في حال فاز دونالد ترامب، لكن البعض، وبينهم أشد معارضيه، يتخوفون من تداعيات هزيمته.
رفض الرئيس السابق الجمهوري الذي تتقارب النتائج بشكل كبير بينه وبين منافسته الديموقراطية كامالا هاريس في السباق إلى البيت الأبيض، الإقرار بأي من هزائمه الانتخابية، وخصوصا انتخابات العام 2020 الرئاسية.
وأحدث إنكاره هذه الهزيمة استقطابا عميقا في البلاد بينما أثارت محاولاته المتكررة لزرع الشكوك في النظام الديموقراطي الأميركي، مخاوف من تكرار مشاهد العنف عام 2021 عندما اقتحم انصاره مبنى الكابيتول.
وقال المحلل السياسي لدى جامعة بينغهامتون في ولاية نيويورك دونالد نيمان “إذا خسر هذه السنة، فلا شك لدي بأنه سيدّعي وجود تزوير وسيقوم بكل ما في وسعه لتغيير النتائج وسيرفض حضور مراسم تنصيب هاريس”.
وأضاف “هو شخص لا يتقبل الخسارة بصدر رحب، لا بل لا يقر إطلاقا بهزيمته”.
وترامب مدان بـ34 تهمة جنائية على خلفية فضيحة مرتبطة بمبالغ مالية دفعها لإسكات نجمة أفلام إباحية خوفا من إمكان تأثيرها على حملته عام 2016 عبر الحديث عن علاقة جنسية أقامتها معه.
كذلك، وجّهت له التهم مرّتين للاشتباه في أنه حاول قلب نتيجة انتخابات 2020 التي لم يقر بعد بخسارته فيها.
وقبل أربع سنوات، أصر ترامب وحلفاؤه على أنه تم تزوير الانتخابات.
ويخشى معارضو ترامب من تكرار أعمال العنف التي نجمت عن هذه الاتهامات. في 2021، ارتكبت جماعات من مؤيديه هاجمت مبنى الكابيتول أعمال شغب قاتلة بعدما دعا ترامب أنصاره للقدوم إلى واشنطن، على خلفية اتهاماته بشأن تزوير الانتخابات.
ويبدو أن الرئيس السابق عاد ليكرر الخطاب نفسه.
وقال أثناء تجمّع انتخابي في ميشيغن الشهر الماضي “إذا خسرت، فسيكون ذلك بسبب تزويرهم (النتائج). هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستؤدي إلى خسارتنا، كونهم يغشون”.
ويكرر ترامب المخاوف ذاتها التي لا أساس لها بشأن مدى شرعية تعداد الأصوات وتصويت الأجانب وإمكانية الاعتماد على الأصوات التي تصل عبر البريد وغير ذلك.
مهّد الرئيس السابق وحلفاؤه لأعمال شغب العام 2021 بالوسائل القانونية إذ رُفعت أكثر من 60 دعوى قضائية احتجاجا على الطريقة التي بدّلت سلطات الولايات والسلطات المحلية من خلالها قواعد التصويت لأخذ تفشي وباء كوفيد بالاعتبار.
لكنهم خسروا إذ حكم القضاة بأنه كان يتعيّن رفع أي دعاوى للاعتراض على تنظيم الانتخابات قبل وقت طويل من الإدلاء بأولى الأصوات.
واستبق الجمهوريون الأمور هذه المرة فرفعوا أكثر من 100 دعوى قضائية قبل بدء التصويت المبكر بشأن كل جانب من جوانب الانتخابات، انطلاقا من كيفية تسجيل الأميركيين أنفسهم وإدلائهم بأصواتهم وصولا إلى من يحق له التصويت.
وتسعى الكثير من الدعاوى للحد من إمكان وصول ناخبين إلى صناديق الاقتراع ولم يبت بالجزء الأكبر منها قبل موعد الانتخابات، لكن الخبراء يرون أن ذلك يزيد من عدم الثقة حيال عد الأصوات، وهي مسألة أمضى ترامب وغيره سنوات في الحديث عنها.
وقال المحلل السياسي أدرين أوثي، مؤسس شركة “كرونوس” في يوتا المخصصة للعلاقات العامة، إن “المناوشات القانونية قد تتواصل لأسابيع وبناء على حدتها، يمكن أن تؤدي إلى احتجاجات أو حتى أعمال عنف متفرقة في أماكن معينة”.
ويتوقع نحو ثلثي الأميركيين وقوع أعمال عنف بعد الانتخابات، وفق استطلاع لـ”سكريبس نيوز/إبسوس” صدر الخميس ويؤيّد معظمهم الاستعانة بالجيش لمنع أي اضطرابات بعد بدء الانتخابات في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر.
ويعتقد أكثر من ربع المستطلعين بأن حربا أهلية قد تندلع، بحسب استطلاع جديد لـ”يوغوف”، وقال 12 في المئة إنهم يعرفون شخصا قد يحمل السلاح إذا ظن أن ترامب تعرّض لعملية غش.
وعبّرت أوساط الاستخبارات عن مخاوف من احتمال وقوع ضحايا في تقرير بشأن التهديدات المرتبطة بالانتخابات من قبل أطراف خارجية نزع مكتب مدير المخابرات الوطنية السريّة عنه وقام بتنقيحه ونشره الأسبوع الماضي.
وقال إن “الأصوات المدفوعة من الخارج أو الاحتجاجات العنيفة المضخّمة من الخارج والعنف أو التهديدات الجسدية.. قد تشكّل تحديا لقدرة مسؤولي الولايات والمسؤولين المحليين على القيام بجوانب من عملية المصادقة على عمل المجمع الانتخابي”.
وتم تعزيز الإجراءات الأمنية في واشنطن تحسبا لأي اضطرابات محتملة، رغم أن محللين تواصلت معهم فرانس برس رأوا أن تكرار أحداث 2021 في العاصمة أمر مستبعد، نظرا إلى وجود مئات الملاحقات القانونية القائمة في هذا الصدد.
لكنهم حذّروا من احتمال وقوع أعمال عنف في الولايات الحاسمة لنتيجة الانتخابات، أثناء الاقتراع وبعده.
وقال نيمان “أخشى خصوصا من أعمال عنف في ماديسون في ويسكنسن ولانسينغ في ميشيغن أو هاريسبرغ في بنسلفانيا من قبل أنصار ترامب لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم”.
ترامب يحشد قاعدته الأكثر تطرفا
وفي هذا السياق كتب دونالد ترامب خلال شهر ما يزيد عن ألف منشور على موقعه للتواصل الاجتماعي “تروث سوشال”، هاجم في أكثر من ثلثها كامالا هاريس، ويرى باحثون أن فيها قدرا كبيرا من التضليل وتغذيّ غضب قاعدته الأكثر تطرفا.
وعدد متابعي المرشح الرئاسي الجمهوري لانتخابات 5 تشرين الثاني/نوفمبر أقل بكثير من متابعيه على حسابه في منصة تويتر التي أصبحت تسمى “إكس”، والذي تم منعه من استخدامه موقتا بعد هجوم أنصار له على مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير 2021 لمنع اقرار نتائج الانتخابات التي فاز بها الديموقراطي جو بايدن.
لكن وتيرة نشره للتدوينات لا تزال منتظمة، بأكثر من 30 مرة يوميا كمعدل خلال أيلول/سبتمبر، وغالبا ما تنشر في وقت متأخر من الليل، وفق تحليل أجرته وكالة فرانس برس.
ويمكن قراءة تدوينات تصف كامالا هاريس بأنها “مذنبة بارتكاب جرائم” و”يجب طردها أو محاكمتها”، مع الحفاظ على منسوب العنف المرتفع الذي يظهره في خطاباته واجتماعاته.
لا يتردد دونالد ترامب في وصف منافسته بأنها “مجنونة” أو “متخلفة عقليّا” أو أنها تدفع مقابلا لمؤيديها.
كما يعد أنصاره في حال فوزه بأن “يعاقب” بشدة من “غشوا” في انتخابات 2020 التي لم يعترف بنتائجها قطّ كما يواصل تشكيكه في إجراءات تنظيم انتخابات 2024.
ويرى خبراء أنه بهذا السلوك يحشد قاعدته الأكثر تطرفا ويضع مؤشرات لرفض محتمل لنتائج انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر من خلال مواصلة إطلاق التحذيرات من احتمال حدوث تزوير.
ولم يستجب فريق حملة دونالد ترامب لطلب وكالة فرانس برس الرد على استفساراتها في هذا الصدد.
يؤكد المحلل من جامعة فيرجينيا لاري ساباتو أن قاعدة ترامب “تحب هذا الهراء”، مضيفا “لكن هناك الملايين من الأشخاص الآخرين، يقتربون من (قرار) التصويت لصالحه، لكونهم ربما أصبحوا يشعرون بالرعب”.
ويتابع “قد يشعر الناس وكأنهم مرغمون على قراءة منشوراته عند الاستيقاظ صباحا”.
في حين تتجاوز بعض المنشورات الحد الأقصى المسموح به على “تروث سوشال” وهو ألف حرف، يأتي بعضها موجزا.
وكتب مرة “أنا أكره تايلور سويفت”، في انتقاد لنجمة موسيقى البوب التي تدعم كامالا هاريس بشكل علني.
ويعج حسابه باستطلاعات رأي تمنحه تقدما، وبروابط لمواقع وسائل إعلام محافظة وكذلك بمعلومات كاذبة حول ملفات مثل الإجهاض والهجرة.
كما يحمّل في منشوراته كامالا هاريس المسؤولية عن الهجرة غير النظامية عبر الحدود مع المكسيك، ويستخدم في كثير من الأحيان إحصاءات قديمة أو مضلّلة حول الجريمة بين صفوف المهاجرين.
وبينما تتجاهل المرشحة الديموقراطية معظم هذه الإهانات والهجمات وتفضل استفزاز غرور خصمها من خلال وصفه بـ”غريب الأطوار” أو التشكيك في عدد المؤيدين الحاضرين في اجتماعاته الانتخابية.
لكن حملتها لا تتردد في الإشارة إلى كل معلومة كاذبة ينشرها دونالد ترامب، وإن كان ذلك لا يوقف انتشارها.
ويرى أستاذ علم النفس والسياسة في جامعة نيويورك جون جوست أن “ترامب رجل يائس ومستعد لقول أو فعل أي شيء، بغض النظر عن الحقيقة”، معتبرا أن سلوكه يغلب عليه “الخوف الكلي والقلق الشديد والكراهية” حينما يتعلق الأمر باحتمال خسارة الانتخابات.
بعد تعرضه لانتقادات بسبب إعادة نشره تدوينة جاء فيها أن كامالا هاريس حصلت على امتيازات سياسية مقابل “خدمات” جنسية، أكد دونالد ترامب مؤخرا في برنامج بودكاست أن “إعادة مشاركة (المنشورات) يخلق الأعداء”.
لكن ذلك لم يمنعه من مشاركة ونشر نظريات مؤامرة أو نظريات عنصرية فجّة.
إثر اعتقال مغني الراب “باف ديدي” بتهم الاتجار بالجنس، شارك دونالد ترامب صورة مفبركة تظهر كامالا هاريس بجانب هذا المغني الشهير.
ويقول الباحث لاري ساباتو “بالنسبة لي، وأنا أتابع ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي منذ تسع سنوات، فإن هذا الأمر صادم”، معتبرا أنه في السابق “لم يكن لأي مترشح أن ينال ترشيح حزبه لو نشر هكذا تعليق أخرق”.
شارك دونالد ترامب أيضا على نطاق واسع في نشر الاتهامات الكاذبة لمهاجرين هايتيين في ولاية أوهايو بسرقة حيوانات أليفة لأكلها، ما أثار جدلا ألقى بظلاله على الحملة الانتخابية لفترة طويلة.
ونتيجة للاتهامات، أصبح المهاجرون الهايتيون عرضة للتهديدات في هذه الولاية الواقعة شمال شرق البلاد.
ويشير جاريد هولت من “معهد الحوار الاستراتيجي” إلى أن “منشوراته تشجع وتطبّع وتنشر الأيديولوجيات المتطرفة”، معبرا عن خشيته من أن يحمس ذلك “الأطراف الأكثر تطرفا في الحركة المحافظة الحديثة”.
نظريات المؤامرة والنظام الانتخابي
حظيت سيندي إيلغان على مدى عقدين بثقة جيرانها لإدارة الانتخابات في منطقتها الصغيرة في نيفادا. لكن اليوم، يعتقد هؤلاء الجيران بأنها جزء من مؤامرة لحرمان دونالد ترامب من الفوز في الانتخابات الرئاسية.
وذلك على الرغم من أن المرشح الجمهوري حصل في عام 2020 على 82% من الأصوات في مقاطعة إزميرالدا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 700 نسمة مما يجعلها واحدة من أقل المقاطعات سكانا في الولايات المتحدة.
وتصر ماري جاين زاكاس، وهي معلمة متقاعدة تدعم الجهود الرامية إلى إبعاد إيلغان عن منصب مسؤولة المقاطعة، “لا أثق في نتائج انتخابات 2020”.
وتصر زاكاس التي تردد نظرية يكررها المحافظون كثيرا أن المشكلة تكمن في استخدام آلات التصويت بدلا من بطاقات الاقتراع.
وتوضح “كما أشار مايك ليندل، هناك العديد من الطرق للغش”، في إشارة إلى رجل الأعمال الجمهوري الذي يقوم غالبا بالتشكيك في نزاهة الانتخابات.
وتشير إلى أنه “هناك معادلات رياضية يمكنها أن تغير تصويتك. هناك أشياء يمكن أن تقلبه”.
وتعرف إيلغان تقريبا كافة الناخبين المسجلين البالغ عددهم 600 في إزميرالدا، وهي منطقة صحراوية.
وتتذكر أنه في السابق، كان الجميع راضيا دائما بالطريقة التي يتم فيها تنظيم الانتخابات.
لكن عندما رفض ترامب قبول خسارته أمام جو بايدن في عام 2020، ساءت الأمور.
وقالت لوكالة فرانس برس في مكتبها في غولدفيلد “يتأثر البعض كثيرا بهذه المسألة، ولا يمكنني أن ألومهم على شغفهم ببلدهم”.
وتضيف “قد لا أتفق مع بعض الأشياء التي يفعلونها أو يقولونها أو لا يقولونها، لكنني أتفهم”.
تظهر استطلاعات الرأي أن أكثر من ثلث الأميركيين يشككون في نزاهة النظام الانتخابي.
وقالت كلير وودال من معهد أبحاث “إيشيو وان” إن هناك تيارا من عدم الثقة منذ فترة طويلة. لكن رفض ترامب الإقرار بالهزيمة في عام 2020 جعل الأمور أكثر تعقيدا.
وتوضح “بدأنا بالفعل في رؤية التشكيك، خاصة حول إدارة الانتخابات”.
وتشير إلى أنه بعيدا عن الضجة التي تثيرها المسألة على المستوى الوطني، فإن تداعياتها في المجتمعات الأصغر مثل غولدفيلد تكون خطيرة مع تلقي المسؤولين الانتخابيين تهديدات ومضايقات وهجمات تجبر العديد منهم على ترك مناصبهم.
ويعد معدل تبدّل المسؤولين الانتخابيين المحليين كبيرا بشكل خاص في الولايات التي تتقارب فيها نتيجة الانتخابات الرئاسية عادة، مثل ولاية أريزونا التي فاز فيها بايدن ب 0,3 نقطة مئوية عام 2020، ونيفادا التي كان فيها الهامش 2,4 نقطة مئوية، بحسب تقرير صادر عن معهد “إيشو وان”.
وتبدو إيمي بورغانز التي تدير الانتخابات في مقاطعة دوغلاس التي تعد 50 ألف نسمة وتقع في غرب نيفادا، مثالا على ذلك.
وتوضح “أنا في هذا المنصب منذ أربع سنوات فقط، ومع ذلك فأنا واحدة من أقدم المسؤولين في الولاية”.
وتشعر بورغانز، وهي جمهورية، بالإحباط حيال المعلومات المضللة الصادرة عن حزبها بشأن نزاهة الانتخابات.
وقالت إن الأكاذيب والمؤامرات تدفع المسؤولين النزيهين لمغادرة مناصبهم.
وتؤكد أنه بذلك “نخسر المعرفة المؤسسية التي يكتسبها المسؤولون الذين كانوا يقومون بهذه المهام منذ سنوات”.
وتتابع “لا يساعد ذلك على تأمين الانتخابات أكثر، بل يضر بها”.
وتواصلت فرانس برس مع العديد من مسؤولي الانتخابات السابقين في نيفادا الذين رفضوا التحدث علنا.
وقال أحدهم “لا أريد تعريض عائلتي للخطر مرة اخرى”.
وأفاد ربع مسؤولي الانتخابات أنهم تعرضوا للإساءة أو التهديدات بين عامي 2020 و2022، وفقا لمسح أجراه مركز معلومات الانتخابات والتصويت غير الحزبي.
وبورغانز واحدة منهم إذ تلقت تهديدات بالقتل في عام 2022.
وتقول تامي باتريك من الرابطة الوطنية لمسؤولي الانتخابات إن التوتر المتزايد أدى إلى اعتماد تدابير أمنية غير مسبوقة، مثل السترات الواقية من الرصاص وكاميرات المراقبة وحتى القناصة المتمركزين فوق المباني بالقرب من مراكز الاقتراع.
في لوس انجليس، تتعاون مكاتب الانتخابات مع وكالات إنفاذ القانون لفحص بطاقات الاقتراع التي تصل عن طريق البريد بواسطة الكلاب البوليسية.
وتوضح باتريك “في مناطق مختلفة في جميع أنحاء البلاد (..) تلقوا (مسؤولو الانتخابات) بريدا يحتوي على مواد مختلفة. كان بعضها فنتانيل (..) وواحد منها كان ميثامفيتامين”.
وتفيد بورغانز بأنها تقوم وفريقها بحمل عقار ناركان- وهو ترياق للتسمم بالأفيون – في حال تلقيهم بطاقة اقتراع ملوثة.
وتقضي وقتها الآن في شرح عملية التصويت للعامة وطمأنتهم بأنها آمنة.
وأضافت “في الغالب، أعتقد أن الناس على استعداد للتحدث”.
لكن البعض لا يمكن إقناعه.
وتوضح “بغض النظر عن مدى محاولتي لإخبارهم بالحقائق (..) فإنهم ما زالوا يريدون تصديق المعلومات المضللة التي قُدِّمَت لهم”.
أخطاء استطلاعات الرأي الأميركية
من جهة أخرى وبعدما أخفقت معاهد استطلاعات الرأي في توقع فوز دونالد ترامب بالرئاسة عام 2016 وبالغت في تقدير هامش فوز جو بايدن في 2020، هل تعلمت من أخطائها بما يجعل تكهناتها أكثر دقة في الانتخابات الرئاسية الحالية؟
تشير استطلاعات الرأي في الوقت الحاضر إلى اشتداد المنافسة بين المرشحة الديموقراطية للبيت الأبيض كامالا هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب. لكن إن كانت تسيء مرة جديدة تقدير حجم التصويت لصالح الرئيس السابق، فقد يكون هو الفائز في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر.
والمشكلة الأساسية التي تواجهها هذه المعاهد منذ دخول ترامب الصاخب المعترك السياسي، تكمن في أن شريحة من قاعدته الانتخابية ترفض المشاركة في استطلاعات الرأي. وقالت كورتني كينيدي مسؤولة المنهجية في مركز بيو للأبحاث بهذا الصدد “لم نجد صيغة سحرية” لمعالجة هذه الصعوبة.
وفي هذه الأثناء يتخذ كل معهد استطلاع الخطوات التي يراها مناسبة لتصحيح هذا الخطأ، من غير أن تكون هناك منهجية عامة.
وأوضح دون ليفي مدير معهد الأبحاث في جامعة سيينا والذي ينشر مع صحيفة نيويورك تايمز تحقيقات تلقى متابعة واسعة، أن الكثير من الناخبين الذين كان يتم الاتصال بهم عام 2020 للمشاركة في استطلاع للرأي “كانوا يصيحون لنا +ترامب+ ويقفلون الخط” من غير أن يتم الأخذ بإجابتهم.
وسعيا للأخذ بالاعتبار بصورة أفضل هؤلاء الناخبين المحافظين الذين يبدون ريبة حيال المعاهد، بات معهد جامعة سيينا يدرج هذه الفئة من المستطلعين في نتائج تحقيقاته، حتى لو أنهم لم يجيبوا على الأسئلة الأخرى.
كذلك، يعمد المعهد إلى معاودة الاتصال مرارا بالأشخاص الذين لا يجيبون على الاتصال الأول، بدل الانتقال إلى رقم هاتفي آخر، وذلك من أجل الوصول إلى “المزيد من ناخبي ترامب المحتملين”، وفق ما قال دون ليفي لفرانس برس.
أما معهد بيو، فيعرض على المستطلعين أن يجيبوا إما عبر الإنترنت أو عبر الهاتف، من أجل الوصول بصورة أفضل إلى الشباب بالنسبة للإنترنت، وإلى الأكبر سنا والمحافظين بالنسبة للهاتف.
وبعد جمع الأجوبة، يمكن للمستطلِعين استخدام تقنيه تعرف بالتقويم. فإن كانت شريحة معينة من السكان غير ممثلة بصورة كافية ضمن مجموعة المستطلعين، على غرار جمهوريي المناطق الريفية على سبيل المثال، يمكن تقويم هذه المجموعة من خلال إعطائها وزنا أكبر في النتائج النهائية للتعويض عن الثغرات في تركيبة العينة وصفتها التمثيلية.
وأوضح دون ليفي أن الاستطلاع الذي أجراه معهد جامعة سيينا ونيويورك تايمز جرى تقويمه بهذه الطريقة مع اعتماد نقطة مرجعية هي تصوّرهم لما ستكون تركيبة الناخبين في 2024 استنادا إلى الانتخابات السابقة، إضافة إلى عدد من العوامل الأخرى.
وحذر جوشوا كلينتون استاذ العلوم السياسية في جامعة فاندربيلت والخبير في استطلاعات الرأي من أن “هذا يبدو فكرة جيدة، لكنها في الحقيقة لن تكون مجدية لأن هذا يفترض أن ناخبي 2024 شبيهون بناخبي 2020″، وهذه لن تكون الحال برأيه.
والواقع أن معهد سيينا يبني استطلاعاته على متغيرات كثيرة، منها الأصل الإثني والعمر واحتمال التصويت. ويصور هذا التباين الخلافات في وجهات النظر بين معاهد الاستطلاعات حول النهج الواجب اتباعه.
كذلك حذر جوشوا كلينتون من أمر آخر، موضحا “إذا نظرنا إلى 2016 و2020، نميل إلى الاستخلاص بأن استطلاعات الرأي تقلل دائما من تقديرها للجمهوريين، لكن هذا غير صحيح”.
وذكر بأنه في انتخابات منتصف الولاية في 2022 “قللت استطلاعات الرأي في ولاية ميشيغن الحاسمة من تقدير (التصويت) الديموقراطي … وبالتالي من يمكن أن يعرف ما سيحصل في 2024؟”
من جانبه، أشار دون ليفي كذلك إلى عامل آخر محتمل هو “ناخبون متحفظون لصالح هاريس”، وهو يعني بذلك ناخبين محاطين بجمهوريين لا يريدون أن يفصحوا لأقربائهم وللمستطلِعين بأنهم يعتزمون التصويت للمرشحة الديموقراطية.
غير أن كورتني كينيدي لا تؤمن كثيرا بأن هناك سوء تقدير لحجم التصويت الديموقراطي وقالت “رأيت ما يكفي من المعطيات للاستخلاص بأنه من الصعب جدا لاستطلاعات الرأي أن تصل إلى عدد كاف من مؤيدي ترامب للقيام بتقديرات دقيقة وصائبة”.
وفي مطلق الاحوال، لفت جوشوا كلينتون إلى أنه في ظل التقارب الكبير بين المرشحين والذي يبقى ضمن هامش الخطأ، “من المستحيل استخدام استطلاع للرأي للفصل” بينهما.