صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم: كيف تفتك بالبيئة والمناخ؟
موقع الطاقة
2023-08-20 08:05
بقلم: أسماء السعداوي
مثل كل مرة، لا تلقي فنزويلا -صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم- بالًا للدعوات العالمية لإنقاذ البشر والشجر والحجر من كابوس تلوث البيئة من جراء تسرب النفط وحرق الغاز في مواقع الإنتاج، آخر تلك الحوادث كان في حزيران المنصرم 2023، عندما تسرَّب أكثر من ألف برميل من النفط يوميًا في بحيرة ماراكايبو، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
حينها تعهدت الحكومة بتنظيف البحيرة، وألقى رئيس البلاد نيكولاس مادورو باللوم على التدفق النفطي الزائد، إلّا أن الوضع على الأرض يكشف عن فشل شركة النفط الوطنية "بي دي في إس إيه" في التحرك لاحتواء مخاوف المدافعين عن البيئة، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز.
ولعل أبرز الأسباب وراء ذلك يكمن في نقص الموظفين وتعطّل حركة الاستثمارات في أعقاب الأزمة الاقتصادية والعقوبات الأميركية على فنزويلا.
ويقول محللون وخبراء في شؤون الطاقة والبيئة، إن تلك الأسباب لم يتضرر منها قطاع النفط والغاز وعوائدهما فحسب، بل كان له بالغ الأثر في البيئة والسكان المقيمين بجوار مواقع الإنتاج في فنزويلا.
إمكانات النفط في فنزويلا
تمتلك فنزويلا نحو 303.5 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، بحسب أحدث البيانات التي رصدتها بيانات "أويل آند غاز" حتى نهاية العام الماضي (2022)؛ ما أهّلها لتكون صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم.
وتشكّل فنزويلا نحو 24.77% من إجمالي احتياطيات منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك)، كما تفوق تلك الاحتياطيات نظيرتها في المملكة العربية السعودية 267.2 مليار برميل.
إلّا أن الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية لم تُحسن استغلال مواردها النفطية؛ نتيجة لتعاقب الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، ثم العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ثم انتشار فيروس كورونا.
وتقول شركة النفط الوطنية "بي دي في إس إيه"، إنها تستهدف زيادة إنتاج النفط في فنزويلا خلال هذا العام 2023 إلى مليون برميل يوميًا، إلّا أنها لم تضع أيّ خطط لحماية البيئة ومنع تسرّب النفط.
إهمال حكومي
ندّد السكان المحلّيون والمدافعون عن البيئة بأسوأ تسرب نفطي في بحيرة ماراكايبو وزيادة معدلات حرق الغاز في ولاية موناغاز، وهو ما تضررت منه صحة الإنسان والحياة البرية والنظام البيئي عمومًا.
من جانبها، تعهدت الحكومة وشركة النفط الحكومية ببذل جهود أكبر لحماية البيئة ومنع تسرب النفط وحرق الغاز، ومنها خطة لزراعة 5 ملايين شجرة كاجو في مناطق صناعة النفط، إلّا أن كل تلك الخطط تفتقر الاستثمارات والجداول الزمنية المحددة.
وتعليقًا على ذلك، يقول محلل شؤون البيئة أوبيرتو كويرو، إن الحكومة تطلق الخطط، لكن لا تنفّذها في نهاية الأمر، أو تنفّذها لمدة قصيرة ثم تنساها.
من جانبه، يقول المحلل نيلسون هيرنانديز، إن إصلاح أنابيب النفط القديمة والمعدّات الأخرى المتسببة بتسرب النفط الخام في بحيرة ماراكايبو، وتركيب تقنيات لخفض معدلات حرق الغاز في موناغاز، ستكلّف الدولة أكثر من 3 مليارات دولار.
بدوره، نفى وزير النفط رئيس شركة النفط الوطنية بدرو تيليشيا حدوث تسريبات نفطية جديدة، قائلًا، إن أيّ تسريبات جديدة في البحيرة كانت بسبب حوادث سابقة، كما يجري إصلاح الأنابيب القديمة واستبدالها.
ويقول المدير السابق لشركة النفط الحكومية سيزار رودريغيز، إن تراجع إنتاج النفط في فنزويلا سيرفع عدد حوادث التسرب بصورة أكبر.
كما تشير تقديرات الشركة التي نقلها موظفون سابقون وتقارير محلية ومقاطع مصورة بمواقع التواصل الاجتماعي إلى أن ما لا يقلّ عن 200 ألف برميل من النفط الخام سُرِّبَ في فنزويلا خلال السنوات الأخيرة.
وبالإضافة إلى أن تلك التقديرات قد تكون أقلّ من الحقيقة، فإن الأكاديمية الفنزويلية للعلوم تقول، إن خطة شركة النفط لإزالة بقع التسرب النفطي "لم تُنفَّذ بطريقة صحيحة".
أرقام صادمة
توقفت فنزويلا عن كشف بيانات التسرب النفطي منذ عام 2016، إلّا أن العديد من المنظمات البيئية نشرَ تقارير صادمة في هذا الصدد.
وتضم بحيرة ماراكايبو في باطنها نحو 28 ألف كيلومتر من خطوط أنابيب النقط التي تربط مصافي التكرير ومراكز التخزين في ولايتي زوليا وفالكون على خليج فنزويلا، إلّا أن 22 ألف كيلومتر من تلك الأنابيب خرجت من الخدمة، وبعضها تآكل؛ ما تسبَّب في حوادث التسرب.
وفي أغسطس/آب 2023، قال المرصد الفنزويلي لحقوق الإنسان البيئية، إن نحو ألف برميل من النفط الخام تتسرب يوميًا في البحيرة من خطوط الأنابيب المتآكلة، وصهاريج التخزين، والبنية الأساسية التالفة.
وسجّل المرصد 199 حادثة تسرب نفطي بين عامي 2016 و2021، في حين رصدت منظمة بيئية أخرى 86 حادثة تسريب عام 2022 المنصرم.
كما كشفت دراسة أجرتها الأكاديمية الفنزويلية للعلوم أن قرابة 200 ألف برميل من النفط تسربت للأراضي والمياه بين عامي 2020 و2021، ووقعت معظم تلك التسريبات في بحيرة ماراكايبو.
وتقع بحيرة ماراكايبو على مساحة 13 ألف كيلومتر مربع، وهي الأكبر في أميركا الجنوبية، وتحتضن في مياهها نحو 145 فصيلة من الأسماك، و200 كيلومتر من شجر المانغروف على ضفافها.
وبالقرب من البحيرة، توجد إحدى أهم مناطق إنتاج النفط في فنزويلا التي تحتوي على نحو 15% من احتياطي الخام.
ونشرت شركة النفط الوطنية في يوليو/تموز 2023 تقريرًا عبر موقعها الإلكتروني، يقول، إن 11 ألفًا و492 حادثة تسرب نفطي وقعت في عام 2017، لكن سرعان ما حذفت الشركة الوثيقة.
حرق الغاز
في ولاية موناغاز، تحرق شركة النفط الحكومية نحو 1.7 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميًا، وفق بيانات شركة الاستشارات "غاز إنرجي لاتين أميركا".
وتفتقر الشركة الحكومية لتقنيات احتجاز الغاز أو معالجته؛ ولذلك تشعل النار فيه بموقع الإنتاج؛ وهو ما يؤدي لإطلاق مزيج من الأبخرة الكيميائية مثل تلك المسبّبة للاحتباس الحراري.
كما كشف مصدر مطّلع أن مصفاة أمواي -أكبر مصفاة نفط في فنزويلا في ولاية فالوكون- تحرق 24 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا؛ بسبب خروج وحدات احتجاز الغاز من الخدمة.
واحتلّت فنزويلا في عام 2022 المركز الـ17 عالميًا بين قائمة أكبر البلدان إطلاقًا لغاز الميثان الناتج عن حرق الغاز وتسرّب النفط.
ويُعدّ غاز الميثان أحد مسببات الاحتباس الحراري، ويحذّر العلماء منه بوصفه أخطر من ثاني أكسيد الكربون، ووفق تقديرات البنك الدولي، فدول روسيا، وفنزويلا، والولايات المتحدة، والمكسيك تمثّل نحو 3 أرباع إجمالي حرق الغاز عالميًا.