تفاهمات جديدة تغير وجه الشرق الأوسط

وكالات

2023-05-23 07:17

تعد دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة للجامعة العربية في السعودية جزءا من توجه أوسع في الشرق الأوسط حيث يتخذ الخصوم خطوات لإصلاح العلاقات المتوترة بسبب سنوات من الصراع والتنافس.

وتسارعت وتيرة التحول منذ أن اتفقت إيران والسعودية على إعادة العلاقات الدبلوماسية في اتفاق توسطت فيه الصين في مارس آذار.

وفيما يلي مسار تشكل التفاهمات:

حراك جديد

ما زال برنامج إيران النووي مصدرا للتوتر، ويتصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واندلع صراع جديد في السودان، وخففت الدبلوماسية من حدة عدد من الخصومات في المنطقة.

ويُنظر إلى التوجه على أنه انعكاس لجهود تعزيز التنمية الاقتصادية والتحولات الجيوسياسية في وقت يشكك فيه حلفاء الولايات المتحدة في مدى التزام واشنطن طويل الأجل تجاه المنطقة على الرغم من التطمينات التي تقدمها. ويأتي أيضا في وقت تسعى فيه قوى أخرى، وتحديدا الصين، لتوسيع نفودها.

وقال ولي نصر من كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن "يحاول العرب والإيرانيون والأتراك إنشاء منطقة رمادية يمكنهم فيها التعايش معا، بدلا من منطقة فيها أسود وأبيض فقط".

وأضاف أن بعض حلفاء الولايات المتحدة خلصوا إلى أن مصالحهم لا يخدمها شرق أوسط شديد الاستقطاب، موضحا أن "هناك حراكا في المنطقة يدفع الجميع نحو الوسط".

السعودية-إيران

اتفقت السعودية وإيران على إعادة العلاقات في صفقة توسطت فيها الصين. وقد ينزع الاتفاق فتيل توترات وصراعات منها حرب اليمن.

وتبرز الصفقة رغبة السعودية في الأمن في وقت يركز فيه ولي العهد محمد بن سلمان على توسيع وتنويع الاقتصاد. ولجأت السعودية إلى الصين في وقت يتوتر فيه تحالفها مع الولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي تقيد فيه العقوبات الأمريكية اقتصادها، تسعى إيران إلى تقويض الجهود الغربية لعزلها. والصين شريك تجاري كبير لكل من السعودية وإيران.

الإمارات-إيران

بدافع من مصالحها الاقتصادية التي تعتمد على سمعتها كملاذ آمن للأعمال، تحركت الإمارات للتواصل مع طهران في عام 2019، وطورت العلاقات الدبلوماسية معها في أغسطس آب. وعينت إيران سفيرا في دولة الإمارات لأول مرة منذ عام 2016.

تركيا-السعودية ومصر والإمارات

توترت العلاقات بين تركيا والسعودية ومصر والإمارات بعد انتفاضات عام 2011 حين دعمت تركيا الإسلاميين الذين شكلوا تحديا لشكل الحكم في دول الربيع العربي.

وساءت علاقات أنقرة بالرياض في 2018 حين قتلت فرقة اغتيال سعودية الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول. واتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "أعلى المستويات" في الحكومة السعودية بإصدار الأوامر.

ودشنت تركيا حملة دبلوماسية في 2021 تمخضت عنها زيارات رسمية وصفقات استثمارية في وقت أزمة عميقة للاقتصاد التركي. ووافقت السعودية في مارس آذار على إيداع خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي.

وتتحسن العلاقات أيضا بين مصر وتركيا التي عارضت إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013. وفي مارس آذار، زار وزير الخارجية التركي القاهرة للمرة الأولى منذ عقد.

وتجلى تحسن العلاقات بوضوح في ليبيا التي تدعم فيها تركيا حكومة طرابلس بينما تدعم مصر والإمارات الفصائل المتمركزة في الشرق. ويقول دبلوماسيون إن العلاقات الدافئة جعلت من السهل على الأطراف الليبية المتحاربة الالتزام بوقف إطلاق النار.

قطر-الإمارات ومصر والسعودية

قطعت مصر والإمارات والبحرين والسعودية العلاقات مع قطر في 2017 متهمة إياها بدعم الإرهاب، في إشارة عامة إلى الحركات الإسلامية، وهو الاتهام الذي نفته الدوحة.

وتولت السعودية زمام المبادرة في إعادة بناء العلاقات في 2021، معلنة إنهاء مقاطعة قطر. وعينت الرياض والقاهرة سفيرين، بينما لم تقدم أبو ظبي والمنامة بعد على هذه الخطوة. وأعادت جميع هذه الدول باستثناء البحرين روابط السفر والتجارة.

إسرائيل-الإمارات والبحرين والمغرب والسودان

تعززت علاقات إسرائيل مع العالم العربي كثيرا في 2020 بفضل ما أُطلق عليه "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي توسطت فيها الولايات المتحدة. وكانت الإمارات والبحرين أول من قام بتطبيع العلاقات نتيجة القلق من إيران وتبعهما المغرب.

وأعلن السودان وإسرائيل التوصل لاتفاق لتطبيع العلاقات في فبراير شباط. لكن مصير الاتفاق الذي كان من المقرر توقيعه بعد نقل السلطة من الجيش إلى الحكومة المدنية أصبح موضع شك بسبب الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتأمل إسرائيل في تطبيع علاقاتها مع السعودية أيضا.

صحيح أن الرياض أبدت دعمها الضمني للاتفاقيات الإبراهيمية بسماحها لشركات طيران إسرائيلية بالتحليق في مجالها الجوي، لكنها تقول إن أي تطبيع سيتطلب تقدما في سعي الفلسطينيين المتعثر منذ فترة طويلة لإقامة دولة.

واستأنفت تركيا وإسرائيل العلاقات أيضا في العام الماضي بعد توتر لأكثر من عقد.

الحكومة السورية-الدول العربية وتركيا

أعادت الدول العربية، التي دعمت في السابق المعارضين المسلحين المناهضين للأسد، العلاقات مع دمشق على الرغم من اعتراضات واشنطن.

وأخذت الإمارات زمام المبادرة بزيارة وزير خارجيتها لدمشق في 2021. وتسارعت العملية بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا في فبراير شباط، وتدفق الدعم العربي، وازدادت الوتيرة بعد الاتفاق الذي أعاد العلاقات السعودية الإيرانية.

وبعد الزلزال، زار وزيرا خارجية الأردن ومصر دمشق لأول مرة منذ بدء الحرب. وزار وزير الخارجية السعودي دمشق في أبريل نيسان.

ويقول محللون إن الدوافع وراء التقارب تشمل محاولة مواجهة نفوذ إيران الذي ساعد الأسد على استعادة معظم مناطق سوريا. وتريد الدول العربية من الأسد منع إنتاج وتصدير المخدرات من سوريا إلى جميع أنحاء المنطقة.

وأعادت تركيا التي تدعم المعارضين المسلحين السوريين منذ فترة طويلة الاتصالات مع الأسد بتشجيع من روسيا. ورفض الأسد أي لقاء مع أردوغان ما لم تنسحب القوات التركية من شمال سوريا.

قطر تفقد نفوذها الدبلوماسي

يسلط ترحيب جامعة الدول العربية بعودة الرئيس السوري بشار الأسد الضوء على الانتكاسة التي مُنيت بها مساعي قطر لتكون صوتا دبلوماسيا له ثقله في الشرق الأوسط.

ففي وقت سابق هذا الشهر، سحبت قطر على مضض معارضتها لمبادرة السعودية لإعادة سوريا إلى صفوف الجامعة العربية. وأوضحت أنها تعارض عودة العلاقات إلى طبيعتها مع دمشق لكنها لن تقف في طريق الإجماع العربي.

كان الاستياء الذي أصاب البعثة الدبلوماسية لجماعة سورية معارضة في الدوحة، والتي تعتبرها قطر السفارة الرسمية لسوريا لديها، تذكيرا واضحا بتغير التوجهات.

وقال بلال تركية القائم بالأعمال لدى البعثة لرويترز "قطر لم تقبل هذا القرار لكنها لم تقف في طريقهم".

يرى محللون أن التغير في موقف الدوحة بشأن سوريا مؤشر على تراجع محتمل عن سياستها الخارجية الإقليمية، التي اتسمت بالطموح ذات يوم، لتجنب إثارة حفيظة أقوى جيرانها.

ومن المتوقع أن يحضر الأسد قمة الجامعة العربية في جدة يوم الجمعة للمرة الأولى منذ 12 عاما، في دلالة قوية على انتهاء العزلة الإقليمية التي فُرضت عليه بسبب الحرب الأهلية.

ويرى جورجيو كافيرو الرئيس التنفيذي لمؤسسة (جلف ستيت أنالاتيكس) أن المملكة استخدمت نفوذها لدفع الدول الأعضاء بالجامعة العربية لإعادة سوريا إلى المنظمة.

وقال "قطر لا ترغب في لعب أي دور معوق من شأنه أن يجازف بإغضاب القيادة في الرياض والعواصم العربية الأخرى".

وتعمل قطر على إصلاح العلاقات مع السعودية ومصر والإمارات والبحرين.

وفي أوائل عام 2021، اتفقت تلك الدول على إنهاء مقاطعتها لقطر التي استمرت ثلاثة أعوام ونصف العام بسبب اتهامات بدعم الإرهاب -في إشارة إلى الحركات الإسلامية- وهو ما تنفيه الدوحة.

وثار غضب جيران قطر نتيجة دعمها للحركات المؤيدة للديمقراطية والمعارضة في سوريا وكذلك في مصر وليبيا في أعقاب انتفاضات الربيع العربي عام 2011.

وبفضل ثرواتها من الغاز الطبيعي، لعبت دورا كبيرا في الشؤون العالمية.

وتستضيف الدوحة قوات أمريكية وتمول شبكة الجزيرة الإخبارية ذات التأثير الكبير وتتوسط في نزاعات.

وكان يُنظر إلى بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها العام الماضي على أنها استعراض للقوة الناعمة.

لكن في الأسابيع الماضية، لم يكن لقطر دور يُذكر في محادثات السلام بين جماعة الحوثي اليمنية والسعودية أو في السعي لإنهاء القتال بين طرفي الصراع في السودان.

وقال دبلوماسي غربي في الدوحة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الدولة الخليجية تعطي الأولوية لعلاقات طيبة مع جيرانها لا سيما السعودية.

وأضاف الدبلوماسي "هذا يجعلهم حريصين على تجنب التورط في مواجهات إقليمية، وهذا هو السبب وراء تراجع مشاركتهم سواء في اليمن أو في السودان".

وقال مسؤول قطري لرويترز إن سياسة بلاده الخارجية "مستقلة تماما" وإنها تسعى جاهدة "لبناء توافق في (الخليج) والمنطقة العربية من خلال حوار بناء دون مساس بسياستنا الخارجية".

وتابع قائلا "لهذا السبب، قررت قطر عدم عرقلة عودة سوريا إلى الجامعة العربية لكنها لم تستأنف العلاقات مع النظام السوري".

دعم تغيير النظام

عندما سمحت قطر للمعارضة بفتح سفارة لديها في عام 2013، كانت الدوحة المخطط الرئيسي للتوافق العربي المتزايد الذي أدى إلى عزل الأسد وتعزيز الدعم لخصومه.

ويقول جوشوا لانديس الخبير في الشؤون السورية ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما إن الدوحة وواشنطن عملتا معا في مسعى لتنظيم جهود دولية مناهضة للأسد وتقديم بديل له.

واعتبرت قطر الائتلاف الوطني السوري حكومة في المنفى، ومنحته مقعد سوريا في الجامعة العربية وفتحت بعثة دبلوماسية في الدوحة في فيلا قريبة من السفارات الأخرى.

وأوضح لانديس أن قناة الجزيرة دقت "طبول تغيير النظام" ببث مجموعة من مقاطع الفيديو لقوات الأمن التابعة للأسد وهي تهاجم المتظاهرين.

وبدأت عدة دول خليجية من بينها قطر والسعودية والإمارات في دعم جماعات معارضة تقاتل للإطاحة بالأسد.

وقال مهران كامرافا الأستاذ في جامعة جورجتاون في قطر "افترضت قطر أن الحرب الأهلية ستؤدي إلى الإطاحة بأسرة الأسد، وهو ما لم يحدث".

واستعاد الأسد السيطرة على جزء كبير من سوريا بمساعدة إيران وروسيا لكن مئات الآلاف قُتلوا في الحرب وفر الملايين من البلاد ولا تزال البلاد ممزقة واقتصادها في حالة يرثى لها.

وقال كامرافا إنه مع خسارة المعارضة لأراض في سوريا "غيرت السعودية والإمارات سياساتهما بشكل كبير، لكن قطر لم تفعل ذلك".

وعارضت قطر في البداية جهود السعودية هذا الربيع لحشد الدعم لإعادة قبول سوريا في الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها عام 2011.

وقال تركية "ما زالوا يرون الأسد مجرم حرب ويجب أن يكون مكانه في المحاكم".

لكن بعد ثلاثة أسابيع، وافقت قطر على قرار الجامعة بعودة سوريا لشغل مقعدها. وقالت وزارة الخارجية إنها لا تريد أن تكون عائقا في سبيل الإجماع العربي.

وأوضحت قطر أنها لن تعيد العلاقات مع حكومة الأسد، وهي خطوة تقول إنها مرتبطة بتحقيق تقدم في الحل السياسي.

لكن محللين يتساءلون إلى متى يمكن للدوحة أن تظل على موقفها.

وأشار لانديس إلى أن قطر "تدرك جيدا أنها خسرت، لكنها تريد أن تكون آخر دولة تطبع العلاقات مع سوريا".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي