زينب وحيدر طفلان غادرا العراق بحثا عن الأمل... وعادا اليه في نعشين
وكالات
2015-09-09 04:08
بغداد (أ ف ب) - قضى موج البحر الفاصل بين تركيا واليونان، على الأمل بحياة افضل للطفلة زينب وشقيقها حيدر اللذين دفنا الاربعاء في العراق بعد ايام من غرق المركب الذي سرق حياتهما وحياة آخرين بينهم الطفل ألان الكردي.
وشيعت زينب (12 عاما) وحيدر (ثمانية اعوام) اليوم في مدينة كربلاء بجنوب العراق. ووصل النعشان صباحا الى بغداد، بعد قرابة عشرة ايام من غرق المركب الذي كان ينقلهما من مدينة بودروم التركية باتجاه اليونان.
واثارت صورة الطفل السوري الغريق ألان الكردي (ثلاثة اعوام) ممدا على وجهه عند شاطئ بودروم بعدما قذفه البحر، صدمة وتعاطفا عالميين، وتناقلتها كبريات الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي. وسلطت الصورة الضوء على الاعداد المتزايدة لآلاف اللاجئين الذين يخاطرون بحياتهم في الاسابيع الماضية للانتقال الى اوروبا بحثا عن حياة افضل.
وكانت زينب عباس غادرت مع زوجها واولادهما الثلاثة العراق جوا نحو اسطنبول، لينتقلوا بعدها الى مدينة بودروم الساحلية حيث امضوا قرابة اسبوعين محاولين الاتفاق مع مهرب لنقلهم الى اليونان.
وفي موقف السيارات المجاور لمطار بغداد الدولي، جلست عباس في المقعد الامامي لسيارة احد اقاربها، تنتظر وصول الجثمانين، متشحة بحجاب وعباءة سوداويين، وواضعة امامها صورة لكل من زينب وحيدر.
وقالت وهي تتأمل الصورتين وتبكي "الناس كلها كانت تحكي بهذا الطريق (للهجرة). لهذا قررنا ان نطلع، لنوفر لهم حياة افضل من هنا".
اضافت "والدهم مصاب بالسكري. قلنا نخرج لنؤمن لهم مستقبلا افضل (...) خفنا عليهم. هنا لا يوجد امان، لا توجد حقوق. قلنا نخلصهم".
وتدفع اسباب عدة العراقيين للهجرة، منها تردي الاوضاع الامنية والخدمات العامة والفساد والظروف الاقتصادية الصعبة. وعلى رغم ان الحكومة اعلنت في الاسابيع الماضية اجراءات اصلاحية على وقع تظاهرات شعبية، الا ان العديد من العراقيين باتوا يائسين من مستقبلهم في البلاد.
وبحسب منظمة الهجرة الدولية، فان اكثر من تسعة آلاف عراقي عبروا الى اوروبا من اليونان ما بين كانون الثاني/يناير وآب/اغسطس 2015، ما يجعل منهم خامس اكبر مجموعة بحسب الجنسية.
الا ان الرحلة البحرية محفوفة بالمخاطر والمشقات. وبحسب المنظمة نفسها، قضى اكثر من 2700 شخص في البحر المتوسط خلال هذه السنة، بينهم 315 من الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
ولم تكن رحلة زينب عباس وعائلتها والآخرين على القارب، اكثر يسرا.
فبعد ايام من الانتظار، قدم المهرب الى العائلة بعيد الساعة العاشرة ليلا، بعدما كان يعدهم تكرارا منذ الصباح بقرب موعد المغادرة.
وقالت عباس "سألته (هل سنعبر على متن) يخت؟ قال +لا، أكثر أمانا من اليخت+"، مشيرة الى انهم نقلوا الى الشاطئ في سيارة بيضاء اللون قاد سائقها بسرعة طوال الطريق، محذرا الركاب مرارا من الشرطة.
وبعيد الوصول الى الشاطىء، "انزلونا (المهربون ومعاونوهم) واجلسونا" قرب البحر، قبل ان "يرموننا رميا في المركب"، بحسب عباس التي اكدت ان المهربين لم يقدموا للركاب العدد الكافي من سترات النجاة.
وبعد دقائق معدودة على الانطلاق، تعطل محرك المركب. وبعد اعادة تشغيله، بدأت المياه بالتسرب اليه، ليتابع ربانه الابحار ويرتطم بموجة عالية قذفت بعض من كانوا على متنه في المياه، قبل ان ينقلب بالكامل.
وادى انقلاب المركب الى احتجاز زينب وحيدر اسفله، بحسب عباس.
اضافت "كان المركب فوق رأسيهما يحول دون خروجهما. بقيت اتقلب في المياه. لمست يدها (طفلتها) يدي (...) صحت باسماء اولادي لكن لم اسمع صوتهم"، وذلك قبل ان تبدأ بفقدان الوعي تدريجا.
وتابعت "لم اشعر سوى بالموج يقذفني خارج المركب المقلوب".
وتمكن خفر السواحل التركي من انقاذ عباس وزوجها وطفلتهما. وتسلمت العائلة الجثتين في اليوم التالي، في احد مستشفيات بودروم.
وكان من بين الناجين عبدالله والد ألان، والذي كان اكد في اتصال هاتفي مع فرانس برس ان عائلة عراقية من خمسة اشخاص كانت على متن المركب نفسه، وانها فقدت طفلين في حادث غرق المركب.
وفقد عبدالله في الحادث نفسه زوجته وشقيقا لألان يبلغ من العمر اربعة اعوام. وعاد عبدالله قبل ايام الى مدينة كوباني (عين العرب) الكردية في شمال سوريا، حيث دفن عائلته.
اما حيدر وزينب فعادا الاربعاء برفقة والدهما، ووريا في الثرى في مدينة كربلاء المقدسة، بحضور جمع من الاقارب الذين بدا عليهم الحزن.
وكان الجثمانان وصلا صباح الاربعاء الى مطار بغداد على متن رحلة للخطوط الجوية التركية، في نعشين خشبيين مغلفين بغطاء بلاستيكي. ونقل النعشان في شاحنة صغيرة من نوع "بيك اب" من مبنى المطار الى موقف السيارات، حيث كانت عباس تنتظرهما شبه منهارة.
ورددت الوالدة وهي تجهش بالبكاء ورأسها على احد النعشين "انا السبب (...) تمنيت لكما حياة كريمة وسعيدة، وها انا اليوم استقبلكما في نعشين".