أطفال ومهاجرون قصّر: هل أصبحت الهجرة مشروعاً عائلياً؟
DW عربية
2022-11-10 07:26
تشير تقارير حديثة بالإضافة إلى عدة وقائع إلى تصاعد ملفت في أعداد الأطفال والقصر الذين يقصدون السواحل الأوروبية من غير ذويهم. فما أسباب ذلك؟ وما هي دلالات تلك الوقائع؟ وما الذي يجعل الأسر تقدم على المخاطرة بأبنائها؟
أثار وصول طفلة تونسية تبلغ 4 سنوات من دون ذويها إلى السواحل الايطالية جدلاً شديداً على مستويات متعددة. الطفلة وصلت في قارب يضم مهاجرين غير نظاميين، على ما أفادت السلطات التونسية، فيما فتحت النيابة التونسية تحقيقاً وقرّرت التحفظ على الأب والأمّ وووجهت اتهامات لهم.
وكان من المفترض أن تشارك العائلة - المؤلفة من الأب والأمّ وابن يبلغ سبع سنوات فضلاً عن الطفلة - في عملية الهجرة التي انطلقت من سواحل منطقة "صيّادة" الساحلية شرق تونس، لكن "الأب سلّم الطفلة لأحد المهربين على متن القارب وعاد ليساعد زوجته وابنه غير أن القارب انطلق ووصل إلى جزيرة لامبيدوزا"، بحسب ما أكد "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، المنظمة التي تتابع ملف الهجرة في تونس.
الهجرة .. كمشروع عائلي
والدا الطفلة يعملان بائعين متجولين في مناطق الساحل التونسي (شرق) ودفعا مبلغاً يقدر ب 24 ألف دينار (نحو 7500 يورو) للمهرّب مقابل المشاركة في عملية العبور.
وقال متحدث باسم الحرس الوطني التونسي حسام الجبابلي إن والدي الطفلة سلما ابنتهما إلى وسيط منظم للرحلة مع مبلغ مالي على أن يلحقا بها إلى إيطاليا. وأضاف الجبابلي في تصريحات صحفية: "تم الاحتفاظ بالزوجين. هما لا يتعاونان للوصول إلى من استفاد ومن نظم ومن نفذ العملية".
فما الذي يدفع عائلة لأن تترك أطفالها - وخصوصاً القصر منهم - يواجهون أمواج البحر الأبيض المتوسط ويخوضون مخاطرة الوصول إلى السواحل الأوروبية في رحلة مرعبة؟
بحسب قوانين لم الشمل في ألمانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، فإن معظم المهاجرين القاصرين بدون ذوويهم (تحت سن الـ18) بإمكانهم لمّ شمل عائلاتهم (الأم والأب). هذه الإمكانية ربما تدفع الكثير من الأهل للتفكير بإرسال أولادهم إلى أوروبا بمفردهم.
وفي حديثه لموقع مهاجر نيوز يؤكد د ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر أنه: "عندما نقوم بملاحظة تجربة الهجرة غير النظامية وخصوصاً في جنوب المتوسط سنلاحظ أن مسألة الهجرة تحولت مع الوقت من مشروع فردي كان يقوم به الشباب عادة - وخصوصاً الذكور وغالباً دون علم العائلة - إلى مشروع عائلي لم يعد يقتصر على الشباب، خاصة مع تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها من المتغيرات التي تتحكم في موضوع الهجرة"، بحسب ما قال في حوار هاتفي مع مهاجر نيوز.
أضاف أستاذ علم الاجتماع: "عندما نسمع المقابلات التي أجريت مع من هاجروا من بيروت أو تونس مثلاً نسمع أن الناس لديها إصرار شديد على الهجرة، بل إن بعضهم قال إنه حتى لو مات واحد من الأبناء فإن الباقي سيصل إلى أوروبا، ما يجعلنا نقول إن مشروع الهجرة أصبح مشروعاً جماعياً سيستمر حتى ولو كانت هناك تضحيات مؤلمة".
فقدان الأمل في المستقبل
وبسبب الأزمة الاقتصادية التي تحاصر تونس تخاطر عائلات بأكملها بالهجرة عبر قوارب صغيرة. الأمر نفسه حدث في لبنان ومؤخراً بدأت تظهر مصر على خارطة الأزمة رغم غيابها عنها لفترة طويلة.
يقول الدكتور د ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر إن الكثير من مواطني الضفة الجنوبية للبحر المتوسط لا يثقون في المستقبل بالنسبة لعائلاتهم، "فعدد غير قليل من أرباب الأسر يقول: نحن اليوم تقدمنا في السن وليس لنا أمل في تحسين وضعنا الاقتصادي أو الاجتماعي لكن لا يجب أن نضيع أبناءنا، لذلك علينا بذل ما نستطيع لتحسين وضعهم وأن نفعل أي شيء في هذا الإطار"، وبما أن عمل شيء ما لتغيير هذا الواقع أصبح غير ممكن في هذه البلدان، صارت الهجرة وإرسال الأبناء إلى أوروبا هي الحل، حتى وإن كانوا قصر أو صغار".
ويرى خبير علم الاجتماع أن ما يحدث من تصاعد لعدد المهاجرين من الشباب والقصر يدل على وجود أزمة كبيرة تعيشها دول جنوب المتوسط، "فخلال فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات كان لدى مواطني هذه الدول أمل في تحسن الأحوال في المستقبل من خلال التعليم والعمل والحصول على تدريبات نوعية، لكن مع الوقت ضعف هذا الأمل بشدة لدى هذه الأجيال، بل وانتقل ذلك للأجيال الجديدة".
وأشار خبير علم الاجتماع إلى أن حالة فقدان الأمل يمكن لمسها بالنظر إلى أحوال الشعوب في مصر وليبيا والجزائر ولبنان وتونس وغيرها "وكأن دائرة فقدان الأمل تتسع بشكل كبير لتضم العديد من دول المنطقة مع تراجع إحساس الناس بإمكانية تحسين أوضاعها في مجتمعاتها بالتالي أصبح الحل الأخير بالنسبة لها هو الهجرة".
وقال جابي إن "ذلك يأتي في الوقت الذي حدث فيه تغير كبير على مستوى العقليات، فهذه الأجيال الصغيرة في السن تعدت حدود الدولة الوطنية، وما كان محترماً من أفكار في العقود السابقة لم يعد يحظى بهذا الاحترام من جانب الأجيال الصغيرة التي قرر بعضها الهجرة إلى أي مكان تجد فيه ظروف عمل وحياة أفضل ومستقبل أكثر استقراراً، على ما في قرار الهجرة من مصاعب ومخاطر".
نقص في الإمكانيات.. أم غض للطرف؟
وتشير التقارير إلى أن السلطات في عدة دول جنوب البحر المتوسط تجد صعوبات في عمليات اعتراض المهاجرين أو إنقاذهم بسبب نقص المعدات. ومع تحسّن الأحوال الجوية تتزايد وتيرة محاولات الهجرة غير النظامية انطلاقاً من السواحل التونسية والليبية واللبنانية نحو إيطاليا وتنتهي أحياناً بحوادث غرق.
ويؤكد الدكتور ناصر جابي خبير علم الاجتماع على هذا الأمر قائلاً إن "دول المنطقة لديها إمكانيات ضعيفة كما أن قدرتها على التحكم في مثل هذه الظاهرة ضعيفة خاصة مع تحسن الأجواء في البحر المتوسط في هذه الأوقات وأيضاً لوجود تنظيمات شبه دولية للهجرة".
يضيف الدكتور جابي قائلاً إن "عملية عبور البحر المتوسط أصبحت عملية اقتصادية كبيرة ولم تعد مجرد عمليات هجرة يقوم بها شباب معزولون هنا أو هناك، بل أصبحت ما فوق وطنية، فالمصري يهاجر من سواحل ليبيا والجزائري يهاجر من تونس والتونسي قد يهاجر من دولة أخرى وهكذا".
ويشير خبير علم الاجتماع إلى أن تخوف الدول في الأساس من الهجرة ليس من تصاعد عدد الشباب الذين يقدمون على الأمر، "وإنما أن ترتبط الهجرة بالإرهاب بأي شكل أو بتهريب السلاح أو المخدرات، هنا سيكون الموقف مختلف تماماً، لكن إذا توقف الأمر على الهروب من البلدان لتحسين الأحوال الاقتصادية أو الهروب من المشكلات السياسية والاجتماعية فإمكانيات الدول لا تساعدها على التحكم في كل شيء".
ويرى الخبير الجزائري أن الدول الأوروبية "مهمومة للغاية بقضية الهجرة لأنه لو ضعفت دول جنوب المتوسط بشكل متزايد كما هو حاصل في ليبيا مثلاً وكما يمكن أن يحدث في بلدان أخرى فمن الممكن أن يهدد ذلك استقرار الدول الأوروبية بشدة، خاصة وأن بعض دول جنوب المتوسط تمارس عملية ابتزاز سياسي مستغلة في ذلك ورقة المهاجرين".
مخاوف أوروبية.. وأرقام مقلقة
وتثير قضية هجرة الأطفال والقصر غير المصحوبين بذويهم قلقاً متصاعداً في دول الاتحاد الأوربي، خاصة مع تصاعد أرقام الأطفال الوافدين إلى الاتحاد، إلى جانب الوفيات المتزايدة التي تحدث بينهم، إضافة إلى شكاوى من منظمات حقوقية مختلفة تتحدث عن وجود مخالفات متعددة بحقهم منها استضافة بعضهم في أماكن مخصصة للكبار فقط وتزايد احتمالات تعرضهم للعنف والمخاطر الشديدة سواء من جانب المهربين وتجار البشر أو السلطات الأمنية بالدول التي تستقبلهم.
وتشهد تونس أزمة سياسية واقتصادية حادة، إذ يزداد الفقر في أوساط سكانها البالغ عددهم نحو 12 مليون نسمة.
وتظهر إحصاءات المنتدى التونسي أنه منذ مطلع العام الحالي وحتى آب/أغسطس الماضي، تمكن 2635 قاصراً من بينهم 1832 من دون مرافقة عائلية من الوصول إلى السواحل الإيطالية. وفي الأيام الأخيرة تم توقيف 1366 مهرّباً من بينهم تونسيون وأجانب، وفقاً لوزارة الداخلية.
وقدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، الذي يعنى بالهجرة، هجرة حوالي 500 عائلة تونسية إلى السواحل الإيطالية هذا العام. كما أحصى أكثر من 13 الفا و500 مهاجر غير نظامي تونسي غادروا انطلاقاً من السواحل التونسية من بينهم قرابة 2600 قاصر و640 إمرأة بينما عُدّ حوالي 600 شخص من المفقودين.
وتكشف أحدث الأرقام الرسمية اعتراض أكثر من 22500 مهاجر قبالة السواحل التونسية منذ بداية العام الحالي، بينهم نحو 11 ألفًا من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ومطلع أيلول/سبتمبر الماضي، لقي 12 تونسياً حتفهم إثر غرق مركبهم قبالة السواحل الشرقية للبلاد. وتقوم السلطات الأمنية والعسكرية يومياً بانقاذ واعتراض عشرات من المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية في قوارب غالباً ما تكون متهالكة.
وكشف تقرير نشرته منظمة "أنقذوا الأطفال" عن أن "الشرطة والمهربين يسيئون معاملة القصر المهاجرين وغيرهم من البالغين أثناء سفرهم عبر طريق البلقان في أوروبا، وأن غالبيتهم إما كانوا شهوداً على تلك الأعمال أو عرضة اعتداء جنسي شخصي". وندد التقرير، بارتكاب هذه الانتهاكات، مؤكداً أن "هناك نقصا حادا في حماية الأطفال المهاجرين في جميع أنحاء أوروبا".
كما جاء في التقرير أيضاً أنه "وفقا لروايات الأطفال أنفسهم، فقد أصبح العنف الآن جزءا لا يتجزأ، ولا مفر منه، من تجربتهم في الهجرة، ويعتقد واحد من بين كل ثلاثة أطفال الآن أنه يمكن لشخص ما أن يساعدهم في رحلتهم، بينما يعتقد البعض أنهم غير قادرين على مساعدة أنفسهم".
وأكدت المنظمة في تقريرها، أن الأطفال المهاجرين معرضون بشدة لخطر العنف الجنسي، لاسيما أولئك الذين يسافرون بمفردهم. وأشار التقرير إلى وقوع القصر عرضة الاستغلال أثناء الرحلة، بما في ذلك تجنيدهم من قبل المهربين لارتكاب أفعال إجرامية أو جنسية، حيث سجل نحو ثلثي الأطفال الذين تمت مقابلتهم حادثة واحدة أو أكثر عندما تعرفوا على اعتداء جنسي على طفل أو شهدوا عليه.
وأظهر العديد من الأطفال - لاسيما غير المصحوبين بذويهم - علامات إيذاء للنفس ومحاولات للانتحار وتعاطي للكحول والمخدرات، وتم استخدام هذه الاستراتيجيات السلبية لمواجهة الإجهاد والمشقة، بينما سعى بعض الأطفال إلى الحماية من خلال المشاركة في أنشطة إجرامية وجنسية مع المهربين وغيرهم من البالغين.