بريطانيا والاتحاد الأوروبي.. من الخاسر الاكبر!

عبد الامير رويح

2015-08-25 06:32

قرار الاستفتاء الذي أعلنت عنه الحكومة البريطانية بخصوص عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي، لايزال محط اهتمام واسع داخل وخارج بريطانيا، وقد وعد ديفيد كاميرون المواطنين البريطانيين بمنحهم حق التصويت على عضوية البلاد في التكتل المكون من 28 دولة بنهاية عام 2017 على أقصى تقدير.

هذا الأمر وكما يقول بعض المراقبين أثار حالة من القلق والخوف لدى الكثير من البريطانيين والأوروبيين إزاء التأثيرات السلبية المحتمل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يعاني أصلا من مشكلات وأزمات كبيرة قد تتفاقم في حالة خروج هذه الدولة المهمة والتي قد تكون اكبر المتضررين، فالخروج المحتمل لبريطانيا من مظلة الاتحاد الأوروبي وكما تفيد بعض الدراسات، من الممكن أن يكبد اقتصادها الوطني خسائر بقيمة 224 مليار جنيه إسترليني في الوقت الذي ستعاني فيه الدول الأخرى في الاتحاد من خسائر اقتصادية أيضا، وبحسب أرت دي جيوس، رئيس "برتلسمان ستيفتونج"، فالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي هو لعبة خاسرة لجميع الأطراف في القارة العجوز من منظور اقتصادي، ولاسيما للمملكة المتحدة ذاتها، لكن بصرف النظر عن التداعيات الاقتصادية، سوف تمثل المسألة انتكاسة كبيرة للتكامل الأوروبي ناهيك عن تقزم الدول الحيوي الذي تمارسه أوروبا في العالم. وتابع: بوجه عام، انفصال بريطانيا سيقوض حتماً الاتحاد الأوروبي.

وكان زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار المعارض، نيك كليج، قد حذر من أن الاقتصاد البريطاني قد "يؤذي نفسه" إذا انفصلت بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وأن الخطوة قد تهدد تعافي الاقتصاد. وأضاف كليج أن الكثير من أعضاء حزب المحافظين وحزب الاستقلال البريطاني يسعون إلى فصل إنجلترا عن "أكبر سوق في العالم". وأشار إلى أن أعضاء حزبه لا يخفون دعمهم للاتحاد الأوروبي، لكنهم يتمسكون بإجراء استفتاء على كل انتقال كبير في السلطات.

وقال: لدينا آراء تختلف تماماً عن المحافظين، إن الكثيرين من أعضاء حزب المحافظين يسعون للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وهو أمر شديد السوء بالنسبة للاقتصاد البريطاني. وأضاف أنه لا يتفق مع حزب العمال وفشله في إحداث توازن في الميزانية، وأفزعتني حاجة حزب العمال لاقتراض 70 مليار جنيه إسترليني، ونرى أنها أكثر من الحاجة. يذكر أن بريطانيا أصبحت عضواً في الاتحاد الأوروبي عام 1973م، إلا أنها حافظت على عملتها (الجنيه الإسترليني) مقابل اليورو المستخدم في دول الاتحاد. من جانب أخر يرى بعض الخبراء ان التحركات الجديدة التي تقوم بها الحكومة البريطانية، ربما تكون ورقة ضغط جديدة في سبيل الحصول على تنازلات تخص بعض المطالب والإصلاحات والتعديلات التي تخص بعض الأمور المهمة.

منتصف 2016

وفي هذا الشأن فقد ذكرت صحيفة "ذي اندبندنت اون صنداي" ان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يعتزم اجراء استفتاء على بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الاوروبي في منتصف 2016. وقالت الصحيفة نقلا عن مصدر لم تسمه ان "ذي اندبندنت اون صنداي علمت ان كاميرون قرر اجراء الاستفتاء في حزيران/يونيو من العام المقبل".

ورفض متحدث باسم مكتب رئاسة الوزراء التعليق على هذه المعلومات، مشيرا الى ان كاميرون سيعلن عن موعد الاستفتاء في تشرين الاول/اكتوبر خلال المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الذي يتزعمه. وتعذر الحصول على تعليق من حزب المحافظين. وكان كاميرون وعد باعادة التفاوض على شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي قبل اجراء استفتاء بحلول نهاية 2017. بحسب فرانس برس.

ولكن الازمة الاخيرة التي عصفت باليونان وكاد معها هذا البلدان يخرج من الاتحاد الاوروبي عززت فرص اجراء الاستفتاء في بريطانيا في وقت ابكر كي لا يعود هذا الاستفتاء موضوعا يستغل في الانتخابات التي ستجري في 2017 في كل من فرنسا والمانيا، بحسب الصحيفة. وكان كاميرون وعد بدعوة الناخبين للتصويت لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي، ولكنه يحاول تحسين شروط بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد ولا سيما لجهة حقوق مواطني دول الاتحاد في الاستفادة من التقديمات الاجتماعية في بلاده ومنح لندن مزيدا من السلطات والاستقلالية ازاء بروكسل.وكان مجلس العموم اقر مشروع قانون يمهد الطريق امام اجراء هذا الاستفتاء ويتعين الآن على مجلس اللوردات ان يحذو حذوه في اقرار المشروع.

من جانب اخر دعت ملكة بريطانيا اوروبا الى تفادي الانقسام في القارة اثناء مأدبة رسمية في برلين حيث أعلن الرئيس الالماني ان "الاتحاد الاوروبي يحتاج بريطانيا العظمى". وقالت الملكة اليزابيث الثانية انها والرئيس الالماني يواخيم جاوك شاهدا "الاسوأ لكنهما شاهدا أيضا الافضل" في أوروبا خلال حياتهما. واضاف قائلة "يجب ان نعمل بجد للحفاظ على الفوائد التي جناها العالم بعد الحرب".

وعاشت الملكة التي تبلغ الان 89 عاما وتعتلي العرش منذ 63 عاما في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية. وقالت الملكة "نعلم ان الانقسام في أوروبا خطير واننا يجب ان نحتاط من ذلك في الغرب وفي شرق قارتنا. يبقى ذلك مسعى مشتركا." وألقت الملكة كلمتها بينما تذكي الازمة الاوكرانية توترات مع روسيا في شرق أوروبا وتختبر ديون اليونان تماسك قلب القارة وبينما تسعى بريطانيا الى اعادة التفاوض على وضعها في الاتحاد الاوروبي.

عواقب خروج بريطانيا

في السياق ذاته كشف بنك انكلترا انه يدرس حاليا المخاطر الاقتصادية التي قد تنجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. وقد تؤثر الدراسة التي يجريها المصرف المركزي البريطاني بشكل كبير على المناقشات الجارية حول مستقبل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي. وكان يفترض ان تبقى سرية لكن بعض العناصر فيها ارسلت عرضا الى صحافي في صحيفة الغارديان. وقال بنك انكلترا في بيان " وصلت معلومات متعلقة بعمل مبرمج وسري للبنك حول النتائج الممكنة لاعادة تفاوض واستفتاء وطني حول انتماء بريطانيا الى الاتحاد الاوروبي الى الجمهور". واضاف "يجب الا يعتبر قيام البنك بعمل كهذا حول سياسة معلنة للحكومة مفاجئا".

وتابع ان "هناك سلسلة من القضايا الاقتصادية والمالية التي تظهر في اطار اعادة التفاوض والاستفتاء الوطني"، مؤكدا انها "واحدة من مسؤوليات البنك تقييم مثل هذه القضايا المرتبطة باهدافه". وقال المصرف المركزي البريطاني انه "ليس ملزما" مناقشة هذه المسألة علنا لكنه اكد انه سينشر معلومات اخرى عن العمل الجاري حاليا "في الوقت المناسب".

على صعيد متصل ذكرت صحيفة صنداي تايمز إن العديد من مديري أكبر الصناديق التي يوجد مقرها في لندن يعدون خططا لنقل أرصدة يبلغ حجمها تريليونات الجنيهات وآلاف الوظائف إلى خارج بريطانيا إذا صوتت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي خلال استفتاء من المقرر اجراؤه بحلول نهاية 2017. وقالت صنداي تايمز إن عدة صناديق رئيسية قالت شريطة عدم الكشف عنها إنها شكلت لجان للإعداد لتحرك محتمل مع احتمال أن تكون لوكسمبورج من بين الدول التي قد تنتقل إليها هذه الصناديق.

وقالت الصحيفة إنها تحدثت مع مديري الصناديق الذين يعتقدون إنهم قد يُضطرون للرحيل بسبب قوانين الاتحاد الأوروبي التي تسمح فقط ببيع منتجات الاستثمار في الاتحاد عندما يكون المقر الأوروبي الرئيسي للصندوق موجودا في دولة عضو. وقالت مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية إن بريطانيا تواجه احتمالا متزايدا بفقدان التصنيف الممتاز ‭AAA‬ بسبب قرار كاميرون إجراء استفتاء على عضويتها في الاتحاد الأوروبي. بحسب رويترز.

وقالت ستاندرد آند بورز - وهي مؤسسة التصنيف الائتماني الكبرى الوحيدة التي ما زالت تمنح بريطانيا التصنيف الممتاز - إنها خفضت توقعاتها لتصنيف ديون الحكومة البريطانية إلى "سلبية" من "مستقرة". وأضافت في بيان "قرار حكومة المملكة المتحدة إجراء استفتاء بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي يشير إلى أن عملية صنع السياسة الاقتصادية قد تكون مهددة بالتأثر بالسياسات الحزبية بدرجة أكبر مما توقعناه في السابق."

55 % يؤيدون البقاء

الى جانب ذلك ذكر مسح أجراه مركز بيو للأبحاث أن نسبة تأييد البريطانيين للبقاء في الاتحاد الأوروبي ارتفعت إلى 55 في المئة في زيادة تسع نقاط مئوية عما كانت عليه قبل عامين. وقال بيو إن نسبة تأييد البريطانيين للبقاء في الاتحاد ارتفعت إلى 55 في المئة بعد أن كانت 50 في المئة قبل عام و46 في المئة في 2013. وأضاف أن 36 في المئة من البريطانيين يرغبون في الخروج من الاتحاد.

وفي مسح أجري عام 2013 انقسمت آراء البريطانيين بالتساوي إذ عبر 46 في المئة منهم عن الرغبة في البقاء وقالت نسبة متماثلة إنها تريد الرحيل. وبلغ تأييد البريطانيين للبقاء في الاتحاد الأوروبي ذروته بين الشبان من سن 18 إلى 29 عاما فقال 69 في المئة منهم إنهم يؤيدون استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد فيما قالت نسبة 25 في المئة منهم إنهم يريدون أن تنتهي.

وأثار خطر خروج بريطانيا من الاتحاد قلق بعض المستثمرين وأصحاب الأعمال والحلفاء العسكريين لها. وأظهر الاستطلاع أن 51 في المئة من البريطانيين ينظرون إلى الاتحاد نظرة إيجابية فيما بلغت النسبة 55 في المئة في فرنسا و58 في المئة في ألمانيا.

وقال بيو إن 6028 شخصا شاركوا في الاستطلاع في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا واسبانيا. وانتقد زيجمار جابرييل نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خطط كاميرون لإصلاح الاتحاد وقال إن رؤيته لأوروبا تصلح لمصالح الشركات وليس الناس. وقال جابرييل وهو وزير الاقتصاد أيضا في الحكومة الألمانية الائتلافية بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إليه وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه ميركل "فكرتنا عن أوروبا هي عكس فكرة السيد كاميرون تماما. يريد السيد كاميرون أن تعود أوروبا سوقا واحدة."

من جهة اخرى اعلنت الحكومة البريطانية ان غالبية مواطني الاتحاد الاوروبي المقيمين في بريطانيا لن يتمكنوا من المشاركة في الاستفتاء الذي تنوي لندن اجراءه حول عضوية البلاد في الاتحاد الاوروبي. وقال مكتب كاميرون في بيان ان القوائم الانتخابية للاستفتاء ستستند "الى قوائم الانتخابات التشريعية" التي جرت لتوها، ما يعني ان معظم مواطني الدول الاخرى في الاتحاد الاوروبي المقيمين في بريطانيا لن يتمكنوا من التصويت.

وعلى غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية، ستتم دعوة المقيمين من مواطني ايرلندا او مجموعة كومنولث التي تضم 53 بلدا بينها اثنان فقط يشغلان عضوية الاتحاد هما مالطا وقبرص. وقال مصدر في مكتب رئيس الوزراء ان اعلان موقف من مسالة العضوية في الاتحاد الاوروبي "هو قرار كبير بالنسبة الى بلادنا، قرار يرتبط بمستقبل المملكة المتحدة". واضاف المصدر "لذا، نعتقد ان من المهم ان يحظى المواطنون البريطانيون والايرلنديون و(مواطنو) كومنولث بحق اتخاذ القرار". وايد النائب المحافظ ليام فوكس هذا الاجراء، وقال في بيان "انه رد فعل مناسب من الحكومة. ان السماح لمواطني الاتحاد الاوروبي بالتصويت في استفتائنا كان سيكون تذويبا غير مقبول لصوت الشعب البريطاني".

الى جانب ذلك كشف استطلاع للرأى، عن أن غالبية البريطانيين لا يعتقدون بأن الاستفتاء سيؤدى إلى قطع علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد، حتى إذا كانت النتيجة لصالح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى. وطبقا لاستطلاع مركز "يو جوف"، فإن أربعة من بين عشرة ناخبين يعتقدون أن التصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبى من شأنه أن يؤدى ببساطة إلى أن تجرى الحكومة استفتاء ثانيا، فى حين قال 10% من الناخبين إن بريطانيا ستبقى عضوة فى الاتحاد الأوروبى حتى مع تصويت حاسم للمغادرة، بينما قال ناخب واحد بين كل أربعة بنسبة (25%) إنهم يعتقدون أن التصويت بـ"لا" سيؤدى إلى مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبى.

يأتى ذلك بعد أن كشف تقرير مؤخرا عن أن الآلاف يسعون حاليا للتقدم بطلبات للحصول على جنسيات دول أوروبية أخرى وسط مخاوف من انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبى. وتطلب لندن من بروكسل استثناء المملكة المتحدة من أى اتحاد أو اندماج سياسى كبير للاتحاد الأوروبى مستقبلا، ومنع مواطنى الاتحاد الأوروبى من الاستفادة من أى ضمانات اجتماعية فى بريطانيا لمدة أربع سنوات متتالية، وكذلك حماية المركز المالي لبريطانيا في وقت يتوجه فيه الاتحاد الأوروبى نحو اندماج نقدى ومالى وطيد. ويعتبر الاتحاد الأوروبى هذه المطالب تنازلات يصعب الموافقة عليها، فهى تعنى إعادة النظر فيما تم الاتفاق عليه سابقا ويعطى مزايا خاصة لبريطانيا على حساب أعضائه من الدول الأخرى.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي