الغرق في المتوسط امامكم والفقر واليأس من ورائكم

وكالات

2022-04-27 03:32

من البحر المتوسط، والمحيط الأطلسي، وبحر أندامان إلى الصحراء الكبرى، وعلى طول ممرات الهجرة في الأميركيتين، أصبح موت أو اختفاء المهاجرين متكررا للغاية. وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، مات أكثر من 47,000 شخص على طول هذه الطرق وغيرها، حول العالم. لكن البحر المتوسط قصته مختلفة فقد أصبح مقبرة كبيرة للغرقى من المهاجرين والهاربين من الفقر والعنف والفساد.

لبنان.. الهروب من الموت الى الموت

شيعت عائلات المهاجرين الذين لقوا حتفهم عندما غرقت سفينتهم قبالة الساحل الشمالي للبنان إلى مثواهم الأخير في مدينة طرابلس الساحلية يوم الاثنين بينما استمرت الجهود من أجل العثور على العشرات الذين ما زالوا مفقودين.

وغرقت سفينة صغيرة كانت تحمل مهاجرين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين في ساعة متأخرة من مساء السبت قبالة الساحل قرب طرابلس عندما اصطدمت القوات البحرية بالسفينة بينما كان المهرب يحاول الإفلات من اعتقاله.

وتقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن المركب كان يحمل 80 شخصا وقت انقلابه. وتقول السلطات إنه تم إنقاذ 47 شخصا ومازال نحو عشرين مفقودين.

وقال رئيس هيئة ميناء طرابلس لرويترز إنه تم العثور على جثة سابعة صباح يوم الاثنين.

وأدى الانهيار المالي في لبنان إلى وقوع أكثر من ثلاثة أرباع السكان في براثن الفقر، مما أثار موجة من الهجرة، بما في ذلك الهجرة من خلال رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا على متن مراكب مكتظة بالركاب.

وتجمعت حشود ضخمة في حي باب التبانة بطرابلس لتشييع الضحايا ومن بينهم صبي وشاب من عائلة الدندشي التي دفنت ذويها في الوقت الذي تنتظر فيه بلهفة معرفة مصير ثمانية آخرين ما زالوا مفقودين، من بينهم أطفال.

وقال عميد الدندشي (38 سنة) إنه وزوجته نجيا بأعجوبة من حطام السفينة. ومن المحتمل أن أطفالهما لم ينجوا.

وقال لرويترز "حاولت أن أمسك بابني لكنني حصلت على بطانية بدلا من ذلك. أخذته المياه مني".

وما زال شقيقه بلال ينتظر معرفة مصير طفليه وزوجته الذين يشتبه بأن جثثهم عالقة في المركب الغارق.

وفي نفس الحي شيعت جنازتا ضحيتين أخريين وهما فتاة وامرأة من عائلة السماك.

تحقيق شفاف

قال الجيش في مؤتمر صحفي إن القوات البحرية اصطدمت بالمركب أثناء محاولة المهرب المسؤول عنه الهروب من الجيش. وسبق أن قال الجيش إن المركب غادر الساحل اللبناني بشكل غير قانوني.

وقال بلال الدندشي (47 عاما) وهو ينفجر في البكاء إن القوات البحرية اللبنانية لم تفعل ما يكفي لإنقاذ من غرقوا.

وأضاف "أنا طلبي واحد بس من قيادة الجيش - هو تحقيق شفاف. انا حق ولادي وولاد اخي وولاد هاي الناس يللي طلعت لمين تاركينا. نحن شو عملنا للجيش؟"

وتقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنه بالإضافة إلى المركب الغارق فقد غادرت لبنان هذا العام ثلاثة مراكب تحمل في المجمل 64 مهاجرا تم اعتراض اثنين منها.

وأبلغ أحمد تامر رئيس مرفأ طرابلس رويترز بأن عمليات البحث مستمرة.

وقال تامر إن عمليات الإنقاذ استمرت طيلة الليل وتمكن الجيش من العثور على جثة امرأة، ليرتفع العدد الإجمالي للضحايا إلى سبعة.

وقال الجيش إن المركب انقلب لأنه كان يحمل أكثر من طاقته.

لكن أحد الناجين قال إن القارب غرق بعد أن طارده الجيش.

وصرّح لوكالة فرانس برس في ميناء طرابلس أن "زورق دورية اصطدم بقاربنا مرتين"، قبل ان تطلب منه عائلات ناجين الصمت وتقتاده بعيدا.

وتسببت الأزمة الاقتصادية في لبنان في فقد العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها ودفعت موجات من اللاجئين اللبنانيين والسوريين إلى محاولة السفر إلى أوروبا على متن قوارب صغيرة.

وتجمع أقارب الضحايا خلال عطلة نهاية الأسبوع خارج المستشفيات في طرابلس حيث كان الجرحى يتلقون العلاج.

وانتظر عدد قليل من الرجال خارج الميناء على أمل العثور على أحبائهم المفقودين.

تزايدت عمليات الهجرة غير النظامية بحرا من لبنان الذي يعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة. لكن غرق قوارب الهجرة نادر الحدوث.

بسبب السياسيين

بالإضافة إلى ذلك، قال الجيش إنه تم إلقاء القبض على رجل يشتبه في تورطه في نقل مهاجرين غير نظاميين.

وأغلق الجيش الميناء وسمح فقط لسيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر اللبناني بالدخول والمغادرة.

وزار حمية الميناء بعد الحادث وأعرب عن أسفه "للفاجعة الكبرى التي أصابت لبنان بأكمله".

كما انتشرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للتظاهر أمام منزل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في طرابلس.

وقال رجل ينتظر أنباء عن قريب له خارج الميناء "حدث هذا بسبب السياسيين الذين أجبروا اللبنانيين العاطلين عن العمل على مغادرة البلاد".

يشهد لبنان الذي يناهز عدد سكانه ستة ملايين نسمة أزمة مالية خطرة، إذ فقدت الليرة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها وبات غالبية السكان يعيشون تحت خط الفقر.

يلقي الكثير من السكان، فضلا عن منظمات دولية وحكومات أجنبية، باللوم في الأزمة على الطبقة السياسية اللبنانية التي ظلت على حالها لعقود في ظل اتهامات لها بالفساد وعدم الكفاءة.

من المقرر مبدئياً إجراء انتخابات تشريعية في 15 أيار/مايو في البلد حيث يمارس حزب الله المسلح الموالي لإيران نفوذاً كبيراً.

وقال قريب لأحد ركاب القارب عند مدخل ميناء طرابلس "كان ابن أخي، الذي لديه خمسة أطفال وزوجة حامل، يحاول الهروب... من الفقر".

وكانت اثنتان من بنات عم نسرين مرعب على متن القارب مع أطفالهما.

وكتبت نسرين عبر صفحتها على فيسبوك "أهل طرابلس قدرهم (أن) يموتوا".

وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن ما لا يقل عن 1570 شخصا، من بينهم 186 لبنانيا، غادروا لبنان أو حاولوا المغادرة بشكل غير نظامي عن طريق البحر بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر 2021.

ويتجه أغلب المهاجرين غير النظاميين إلى جزيرة قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي التي تبعد 175 كيلومترا عن سواحل لبنان.

وبلغ عدد هؤلاء المهاجرين عام 2019 نحو 270 بينهم 40 لبنانيا.

معظم الذين يحاولون مغادرة لبنان عن طريق البحر هم من اللاجئين السوريين، لكن أعداد اللبنانيين بينهم في تزايد.

وشهدت طرابلس حالة من التوتر يوم الأحد بعد أن تجمع أقارب المصابين في حشود غاضبة خارج المستشفيات التي يتلقون العلاج فيها.

وقال محمد ضناوي وهو لبناني نجا من حادث الغرق إنه لا يعرف ما إذا كانت زوجته وابنه من الناجين. وأضاف أنه كان معهما وأنه تمكن من الخروج من المركب.

وأعلن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الحداد الرسمي يوم الاثنين.

وأصدرت جماعة حزب الله بيانا قدمت فيه تعازيها داعية إلى الهدوء. وقالت في البيان "ندعو الجميع الى التحلي بروح الصبر والمسؤولية الوطنية والابتعاد عن أعمال العنف والتخريب والإضرار بالأمن والاستقرار الداخلي".

وقال مواطن لبناني يدعى قاسم الزؤيبي، الذي نجا أقاربه من الحادث، لرويترز إنهم حاولوا الفرار من لبنان بدافع اليأس. وتساءل عن السبب في أنهم اختاروا هذا الطريق، وأضاف لأنهم لم يجدوا أمامهم غيره.

وقدمت نجاة رشدي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان تعازيها وقالت إن وكالات الأمم المتحدة موجودة على الأرض لتقديم المساعدة.

وكتبت في حسابها على تويتر "إنه لأمر مروع أن نرى الحرمان ما زال يدفع الناس للقيام برحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحار والتضحية بحياتهم وحياة أطفالهم بحثا عن حياة كريمة".

وطرابلس هي ثاني كبرى مدن لبنان والأفقر على البحر المتوسط، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل).

سواحل تونس مقبرة للمهاجرين

قال مسؤول قضائي إن عدد الوفيات جراء غرق قوارب مهاجرين أفارقة قبالة سواحل تونس مطلع الأسبوع ارتفع إلى 20 يوم الاثنين، وذلك في أحدث وقائع غرق قوارب المهاجرين قبالة تونس.

وقال مراد تركي المتحدث باسم محاكم صفاقس إن خفر السواحل عثر على ثلاث جثث أخرى.

كان خفر السواحل التونسي قد قال السبت إن أربعة زوارق تقل 120 مهاجرا أفريقيا كانت متوجهة إلى إيطاليا غرقت قبالة الساحل قرب مدينة صفاقس.

كان مطلع الأسبوع قد شهد انتشال 17 جثة بعد انقلاب أربعة قوارب تحمل 120 مهاجرا أفريقيا إلى إيطاليا قبالة سواحل مدينة صفاقس التونسية.

وقال المقدم علي العياري المتحدث باسم إقليم الحرس البحري بالوسط إن قوات خفر السواحل بصفاقس تمكنت من إنقاذ 98 كانوا على متن هذه الزوارق.

وأصبحت سواحل صفاقس نقطة انطلاق رئيسية للأشخاص الفارين من الصراع والفقر في أفريقيا والشرق الأوسط بحثا عن حياة أفضل في أوروبا.

والاسبوع الماضي، قالت وزارة الداخلية التونسية إنها أوقفت أكثر من 20 ألف مهاجر قبالة ساحلها العام الماضي كانوا يحاولون الوصول لاوروبا في مراكب.

ووصل ما لا يقل عن 15 ألفا إلى ساحل إيطاليا في عام 2021.

وفي الأشهر الأخيرة لقي عشرات الأشخاص حتفهم غرقا قبالة السواحل التونسية مع تزايد وتيرة محاولات العبور من تونس وليبيا باتجاه إيطاليا.

وقال المتحدث باسم محاكم مدينة صفاقس مراد التركي لوكالة فرانس برس إن "القوارب المتداعية للغاية غادرت الساحل بالقرب من صفاقس ليل 22 إلى 23 نيسان/ابريل".

وأضاف المتحدث أن "سيدة نُقلت على وجه السرعة إلى المستشفى لكنها توفيت في سيارة الإسعاف ومن بين الضحايا رضيع واحد على الأقل".

وأفاد التركي بأن الحصيلة الأولية للضحايا بلغت 17 قتيلا انتشلت جثث كثير منهم من البحر، ولم يستبعد العثور على جثث أخرى في الأيام القادمة لأنه وفق شهادات مهاجرين تم إنقاذهم "كان هناك ما بين 30 و32 شخصا في كل قارب".

وأوضح المتحدث باسم محاكم صفاقس أن غالبية هؤلاء المهاجرين يتحدرون من ساحل العاج ومالي والصومال ونيجيريا، وأعرب عن خشيته من مغادرة قوارب أخرى في الأيام المقبلة "بسبب تحسن الأحوال الجوية".

يصل مئات المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس بهدف المرور إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وغالبا ما يستقلون قوارب متداعية.

وإيطاليا إحدى نقاط الدخول الرئيسية إلى أوروبا للمهاجرين من شمال إفريقيا الذين يصلون أساسا من تونس وليبيا اللتين زاد عدد المغادرين منهما بشكل كبير عام 2021.

وتمكن 15671 مهاجرا بينهم 584 امرأة من الوصول إلى التراب الإيطالي من السواحل التونسية عام 2021، مقارنة ب12883 بينهم 353 امرأة عام 2020، وفق أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

في المجموع، وصل أكثر من 123 ألف مهاجر إلى إيطاليا عام 2021، مقارنة بنحو 95 ألفا في العام السابق، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.

وهناك نحو ألفي مهاجر في عداد المفقودين أو غرقوا في البحر الأبيض المتوسط في العام نفسه مقارنة ب1401 عام 2020، وفق المنظمة الدولية للهجرة.

وقبل أيام من هذا الحادث عثرت السلطات التونسية على جثث 13 مهاجرا أغلبها لنساء وأطفال قبالة سواحل البلاد بعد غرق قاربين كانا متجهين إلى أوروبا.

وقال المتحدث باسم محاكم مدينة صفاقس (وسط شرق) مراد التركي لوكالة فرانس برس إن تسع جثث، أربع منها لنساء وأربع لأطفال، جرفتها المياه قبالة سواحل صفاقس الجمعة بعد غرق قاربهم.

كما تم إنقاذ 18 مهاجرا ولا يزال اثنان آخران مفقودين، وفق التركي.

وجرى انتشال أربع جثث أخرى (امرأتان وطفلان) قبالة سواحل صفاقس بعد غرق قاربهم الذي كان متوجها إلى السواحل الأوروبية وعلى متنه نحو ثلاثين مهاجرا.

وأوضح مراد التركي أنه تم إنقاذ 19 مهاجرا على الأقل وما زال عشرة آخرون مفقودين.

ويتحدر كل هؤلاء المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

الموت في سواحل ليبيا

وقبل أيام أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أنه تم العثور على جثث ستة مهاجرين فيما افترضت وفاة 29 آخرين لا يزالون في عداد المفقودين بعد غرق قاربهم قبالة سواحل ليبيا.

وقال مكتب المنظمة في ليبيا عبر تويتر "انقلب قارب خشبي صغير يحمل نحو 35 مهاجرا أمس قبالة صبراتة (غرب). تم العثور على جثث ستة أشخاص بينما هناك 29 آخرون في عداد المفقودين ويفترض أنهم لقوا حتفهم".

وقالت الوكالة التابعة للأمم المتحدة "تم الإبلاغ عن مقتل أو فقدان ما لا يقل عن 53 مهاجرا قبالة السواحل الليبية هذا الأسبوع وحده".

تعد الدولة الواقعة في شمال إفريقيا نقطة عبور مهمة لعشرات الآلاف من المهاجرين الذين يسعون كل عام للوصول إلى أوروبا عن طريق السواحل الإيطالية الواقعة على بعد حوالي 300 كيلومتر.

يتحدر معظم المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وغالبا ما يقعون فريسة للمتاجرين بالبشر.

تتعرض ليبيا الغارقة في أزمة سياسية كبيرة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، لانتقادات مستمرة بسبب سوء معاملة المهاجرين، لا سيما في مراكز الاحتجاز.

ومنذ بداية العام "لقي ما لا يقل عن 475 شخصا حتفهم أثناء محاولتهم عبور وسط البحر الأبيض المتوسط"، وفق تقرير لمنظمة الهجرة الدولية بتاريخ 11 نيسان/أبريل.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي