ربيع عمالي غير مسبوق في تركيا
وكالات
2022-03-22 02:05
يجري إردم يلماظ حساباته: من الكفالة إلى رسوم وكالة الايجار بما في ذلك كلفة نقل السكن، يترتب على الرجل البالغ 30 عاما دفع ما يعادل راتب شهرين ونصف شهر لتغيير مكان إقامته في اسطنبول بعدما طرده مالك المنزل في منتصف الشتاء، هذا الأب لطفل في الثانية من العمر، ليس الوحيد في هذه الحالة، فالخلافات بين المالكين والمستأجرين تزايدت بقوة في الأشهر الماضية في تركيا تحت تأثير التضخم الذي يرتفع بانتظام سنويا، بلغ 54,4% في شباط/فبراير بحسب الرقم الرسمي. وفقا لفرانس برس.
في الفترة نفسها، ارتفعت الإيجارات بنسبة 85% في اسطنبول و69% على المستوى الوطني وفقا لحسابات جامعة بهتشه شهير، بشكل أعلى بكثير من الرواتب التي ارتفعت من 30% الى 50% كمعدل وسطي في 1 كانون الثاني/يناير.
وقال إردم يلماظ، "لم يكن يجب أن نرحل"، ويشعر بالغضب الشديد من مالكه السابق الذي أكد أنه يريد استعادة الشقة لكي يسكن ابنه فيها. وأضاف "كان يضايقنا. لم تنعم عائلتي بالسلام"، يشعر إردم يلماظ بالمرارة لأن ابن المالك لم ينتقل إلى المسكن قائلا "لقد رأيت إعلانا (للشقة) على الانترنت بعد أسبوع على مغادرتنا" وهو يعرض صورة الإعلان. بات الإيجار الآن 2600 ليرة تركية (170 يورو) مقابل 1100 ليرة (70 يورو) حين كان يسكن فيها، ما يزيد من معاناته، أن المسكن الجديد يكلفه ألفي ليرة تركية في الشهر، أي نصف راتبه وتقع في "منطقة نائية، في مبنى قديم بدون تدفئة ولا مصعد".
القضية تتوقف هنا، لكن الخلافات بين المستأجرين والمالكين هي الآن أكثر القضايا المطروحة أمام المحاكم التركية بحسب صحيفة "دنيا"، وباتت تشكل 20% من القضايا مقابل 10% قبل سنة.
جمعت وكالة فرانس برس عشرات الشهادات من مستأجرين أجبروا بالطريقة نفسها على مغادرة سكنهم أو الذين عانوا من زيادات في الإيجار بنسبة فاقت 100%، أي خمسة أضعاف الحد القانوني.
ينص القانون التركي على أن المستأجر الذي تم تجديد عقد إيجاره في شباط/فبراير لا يمكن أن يرفع إيجاره باكثر من 22,6%. كما ان عمليات الطرد تخضع لأطر معينة، لكن عددا من المستأجرين أقروا بانهم رضخوا لضغوطات المالكين الملحين او المهددين.
غير قانونية وانتهازية
في منتصف كانون الثاني/يناير، قام رجل تسعيني في اسطنبول، صوره جاره، بكسر باب مستأجريه بفأس بعد رفضهم دفع إيجارهم الذي ارتفع فجأة من 1200 إلى 4000 ليرة تركية، وقالت المحامية حنيفة امين كارا المتخصصة في قانون العقارات إن "ارتفاع الإيجارات يدفع المالكين الى الرغبة في استعادة ممتلكاتهم لإعادة تأجيرها" بأسعار أعلى بكثير مشيرة الى ان القضايا تتزايد.
يقول مالكون إن أرقام التضخم أقل مما هي في الواقع وهو ما تؤكده المعارضة التركية وعدد من الخبراء الاقتصاديين للمطالبة برفع أسعار الايجارات بشكل كبير، يقول محمد بولند دنيز رئيس اتحاد نقابات المستهلكين في تركيا "نعيش في عصر يعتبر فيه امتلاك منزل أو استئجار شقة بسعر جيد، رفاهية"، لكن بعض المالكين يحاولون إيجاد توازن. وقال حقان يلديز وهو مالك ثلاث شقق في اسطنبول "لقد اتفقنا على زيادة بنسبة 35%. يجب إيجاد حل وسط"، لكن يحصل في بعض الأحيان أن المستأجرين يرفضون الالتزام بذلك، باعتبارها قضية مبدأ، امر الله عمران واحد منهم. ففي نهاية كانون الثاني/يناير طلب مالك الشقة التي يستأجرها رفع الإيجار بنسبة 58%، وقال هذا الثلاثيني الذي يرئس شركة صغيرة للمعادن في أنطاليا بجنوب تركيا "وضعي المالي جيد، كنت قادرا على الدفع لكنني رفضت لانهم قاموا بذلك بطريقة غير قانونية وانتهازية"، وأضاف "لدينا 12 موظفا وقد منحناهم هذه السنة زيادات بنسبة 45% تقريبا. لكن لم يتلق أحد زيادة بنسبة 58%. لا أحد"، وردا على مالك الشقة التي يستأجرها، أرسل أمر الله عمران إيجاره من طريق التحويل المصرفي في شباط/فبراير محددا بنفسه الزيادة، وقال "المعدل الرسمي هو 22,6%، وبالتالي رفعته قليلا الى 23%" مضيفا "لم أحصل على رد منه بعد".
وبعد تسديد إيجار منزله والفواتير المترتبة عليه، تصبح جيوب بكر غوك عامل التخزين والأب لثلاثة أولاد في اسطنبول، فارغة، لذلك اضطر للإنضمام إلى زملائه المضربين، وعبر هذه التضحية، يطالب بكر وعائلته بزيادة قدرها أربعة ليرات تركية في الساعة (25 سنتا يورو)، وهو سعر رغيف خبز.
رداً على ذلك، سرّحت سلسلة متاجر "ميغروس" 257 عاملا بينهم غوك قبل أن تتراجع وتمنحهم زيادة الأجور التي طالبوا بها بعد إضراب دام 17 يوما، وفي بيان رحبت الشركة التي بررت قرار التسريح ب"احتلال" مستودعاتها، بعودتهم بعد اتفاق تم التوصل إليه. بحسب فرانس برس.
وأمام المستودع الذي احتشد فيه المضربون، قال بكر غوك "كنا نطلب سعر رغيف خبز! إنه لا شيء بالمقارنة مع الأرباح التي حققناها لهم منذ بداية وباء" كوفيد-19، ويشكل هذا الإضراب جزءا من تحركات اجتماعية غير مسبوقة في تركيا منذ سبعينات القرن العشرين، وقد سجل أكثر من ستين إضرابا وعمليات احتلال مصانع واحتجاجات ودعوات إلى مقاطعة شركات، شارك فيها 13500 عامل على الأقل خلال شهرين في البلاد، في مواجهة تضخم قدر رسميا بنحو خمسين بالمئة خلال عام، بينما يقول اقتصاديون مستقلون أنه يتجاوز ضعف ذلك، وفي أغلب الأحيان يحقق العاملون مطالبهم ويشجعون الآخرين على أن يحذوا حذوهم بينما خنقت قيود منذ الانقلاب العسكري في 1980، الحق في الإضراب والأنشطة النقابية.
دعوات إلى مقاطعة شركات
بمرارة، يقول فرحات أويار الذي يعمل في أنقرة في شركة "يميكسيبيتي" الرائدة في توصيل الطلبيات إلى المنازل في تركيا "الحصول على وجبات أو القيام بتسوق بمواد مثل تلك التي أقوم بتوصيلها، أمر مستحيل بأجري هذا".
ومع زملائه، توقف الشاب البالغ من العمر 27 عاما عن العمل مطلع شباط/فبراير على غرار العديد من الموظفين الآخرين في شركات التوصيل التي نشطت الى حد كبير منذ الوباء، ولإسماع صوتهم، أغلقوا طرقا بدراجاتهم النارية وارتدوا السترات الوردية التي تشكل شعار شركتهم وطالبوا أيضا بالحق في الانضمام إلى نقابة.
ولتطويق تحركهم، حاولت "يميكسيبيتي" القيام بمناورة إدارية تسمح لها بتغيير وضعها في السجل التجاري. وقال بيرم كركين من نقابة "نقليات-آي اس" إنه "عبر هذا الغش أصبح انضمام الموظفين في نقابتنا باطلا".
لكن هذه المحاولة أدت إلى موجة من التعاطف مع المضربين وأطلقت دعوات إلى مقاطعة الشركات المعنية على الشبكات الاجتماعية. وشهدت "يكيمسيبيتي" على الفور انخفاضا في الطلبات بنسبة نحو سبعين بالمئة، حسب النقابات، ودعم مشاهير هذه الدعوات عندما اعتقل عمال من "ميغروس" مقيدي الأيدي ووضعوا في الحبس الاحتياطي بسبب احتجاجهم أمام نوافذ رؤسائهم، وشارك المغني هالوك ليفنت بشكل مباشر في المفاوضات عبر وساطة بين الموظفين وسلسلة المحلات.
يرى فرحات أويار أن دعم السكان ضروري أيضا لتحسين ظروف العمل. وقال "حتى لو أعطونا علاوة يبقى الضغط قائما لعليات تسليم أسرع مع مخاطر وقوع حوادث. يجب أن نكون نقابيين لنقاوم".
وذكرت نقابة "نقليات" أن 190 من السعاة قتلوا في حوادث سير في 2020، وعلى الرغم من طلبات وكالة فرانس برس المتكررة، رفضت "يميكسيبيتي" الرد على أي سؤال، وقالت نسليهان أكار رئيسة نقابة عمال المستودعات (دي غي دي-سين) التي تمثل موظفي "ميغروس" إن "ظروف العمل تراجعت مع الوباء ودُفع الموظفون إلى القيام بعمل أكبر من دون احترام إجراءات السلامة"، ويرى باسارن اكسو من اتحاد "اوموت-سين" أن عدم الاستقرار المتزايد لا سيما في قطاع توصيل الطلبيات الذي فرض كما في أي مكان آخر، العمل في وضع شركات صغيرة، هو عامل آخر للتعبئة، وقال إن "سبعين بالمئة من الذين تم توظفيهم كسعاة هم من خريجي الجامعات الذين لا يستطيعون العثور على عمل في قطاع دراساتهم"، وأضاف "عندما أدركوا أن وضع أصحاب المشاريع الصغيرة يحرمهم من أي حماية في حقوق العمل بدأوا التحرك بشكل عفوي في كثير من الأحيان، من دون المرور عبر نقابة "، ومع تسارع التضخم، يتوقع النقابيون أن يشهدوا تكثفا في الحركات الاجتماعية، وقالت نسليهان أكار إن "الغضب تراكم" و"العمال سيطلقون الربيع الخاص بهم".