السعودية وإيران: ماذا سيربح الشرق الأوسط من مصالحة الخصمين؟
عبد الامير رويح
2021-05-02 03:07
التصريحات الودية الاخيرة التي أطلقها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تجاه ايران عدها بعض الخبراء، تحول جديد وتطور مهم يمكن ان يسهم في انهاء التوترات المتنامي بين إيران والسعودية، وقطع البلدان علاقاتهما الدبلوماسية في 2016، بعد ان أعلنت الرياض قطع علاقاتها مع طهران اثر هجوم متظاهرين على السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية ردًا على إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي المعارض نمر باقر النمر. ويخوض البلدان ايضاً عدة حروب بالوكالة في المنطقة في إطار تنافسهما على النفوذ. وتتهم الرياض وحلفاؤها الخليجيون طهران بالتدخل في شؤونهم الداخلية، فيما تتهم إيران أطرافا خليجية بإدخال قوى أجنبية إلى الأمن الإقليمي.
وفي تصريح نادر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ذكر أن المملكة العربية السعودية وكما نقلت بعض المصادر، تسعى إلى إقامة علاقات جديدة ومميزة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث قال: إيران دولة جارة، ونطمح في أن تكون لدينا علاقات مميزة معها .. نريد إيران دولة مزدهرة". هذه كلمات تتناقض تماما مع الاتهامات التي وجهها ولي العهد السعودي إبان فترة تولي الرئيس السابق دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية إلى طهران، وذكر فيها أنه سينقل الحرب إلى الداخل الإيراني وأن إيران دولة إرهابية ينبغي إيقاف نشاطها في دول المنطقة. من جانبها رحبت إيران، بالحوار مع السعودية، دون أن تؤكد أو تنفي إجراء محادثات مباشرة قريبة بين الجانبين.
وقال سعيد خطيب زاده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: "رأينا تقارير إعلامية عن محادثات بين إيران والسعودية، على الرغم من أن التقارير كانت تحتوي في بعض الأحيان على تصريحات متضاربة". وأضاف "المهم هو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترحب دائما بالحوار مع المملكة العربية السعودية، وتعتبره في صالح شعبي البلدين، وكذلك السلام والاستقرار بالمنطقة". تصريحات بن سلمان أكدت ما نقلته صحيفة الفاينانشال تايمز قبل أيام عندما ذكرت أن "مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبار أجروا محادثات مباشرة في محاولة لإصلاح العلاقات"، وأن الجولة الأولى من المحادثات جرت في بغداد يوم التاسع من أبريل/نيسان. وأوضحت الصحيفة نقلا عن مصادر لم تسمها، أن هذه المباحثات كانت "إيجابية"، وتجري بتسهيل من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
وأفادت "فايننشال تايمز" أن النزاع في اليمن شكّل أحد البنود الرئيسية في مباحثات بغداد. كما نقلت عن مسؤول لم تسمه أن هذه المباحثات التي تهدف الى "إصلاح العلاقات بين الخصمين الاقليميين"، تمضي "بشكل أسرع بسبب المباحثات مع الولايات المتحدة (المتعلقة بالاتفاق النووي) و(بسبب) هجمات الحوثيين" التي ينفذونها ضد أراضي المملكة باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة.
جولة ثانية
قال مسؤولون بالشرق الأوسط ومصادر إن مسؤولين سعوديين وإيرانيين يعتزمون عقد مزيد من المحادثات المباشرة لكن لم يتحدد بعد موعد لها، وذلك بهدف تهدئة حدة التوتر بين البلدين في خطوة مهمة لتحقيق الاستقرار الإقليمي. وتتنافس السعودية وإيران على النفود فيما تجسد في صراعات بالوكالة في أنحاء المنطقة، بما فيها اليمن. وحملت الرياض طهران مسؤولية هجوم وقع في 2019 على منشآت نفطية سعودية، ونفت إيران ذلك.
ولم تؤكد أي من الرياض أو طهران علنا أو تنف عقد اجتماع أول في العراق في وقت سابق رغم أن السفير الإيراني لدى بغداد رحب بالوساطة العراقية لإصلاح العلاقات مع دول الخليج. وقطعت الدولتان علاقاتهما الدبلوماسية في 2016. وتأتي المحادثات بينما تواصل الولايات المتحدة الجهود الدبلوماسية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين القوى العالمية وإيران، والذي انسحبت منه واشنطن قبل نحو ثلاث سنوات وعارضته الرياض لعدم معالجته برنامج طهران للصواريخ الباليستية وتصرفات إيران الإقليمية.
وقال مسؤول في الشرق الأوسط "اجتماع أبريل كان بناءً للغاية، نوقشت خلاله قضايا عديدة، بينها أزمة اليمن بشكل أساسي، والاتفاق النووي الإيراني". وقال المسؤول ومصدران إقليميان إن مزيدا من المحادثات قد تجرى، لكن التوقيت يعتمد على التقدم في محادثات فيينا. وقال دبلوماسي أجنبي في الرياض إن من المتوقع عقد اجتماع أوائل مايو أيار. وقالت مصادر مطلعة إن المحادثات، التي بدأت بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي للرياض، يقودها رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان، وسعيد عرافاني نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
وقالت ثلاثة من المصادر، بينهم الدبلوماسي، إن التركيز الأساسي كان على اليمن حيث يقاتل تحالف بقيادة السعودية حركة الحوثي المتحالفة مع إيران، والتي صعّدت هجماتها بالطائرات المسيرة والصواريخ على السعودية. وقال المسؤول الإقليمي إن الجانب الإيراني وعد باستخدام نفوذ طهران لوقف هجمات الحوثيين على السعودية وطلب في المقابل أن تدعم الرياض المحادثات النووية، وهو ما أكده مصدر آخر مطلع على الأمر.
وجعل الرئيس الأمريكي جو بايدن إنهاء حرب اليمن الدائرة منذ نحو ست سنوات من أولويات إدارته. وقال تيم ليندركينج، مبعوث واشنطن الخاص باليمن، "سنرحب بقيام إيران بدور بناء، إذا كانوا على استعداد لذلك". لكنه قال "لم نلحظ أي مؤشر على ذلك". وقال مصدران إقليميان آخران إن الاجتماع تطرق أيضا لقضية لبنان حيث تشعر الرياض بالقلق إزاء النفوذ المتزايد لجماعة حزب الله المدعومة من إيران. وقال الدبلوماسي "لا أعتقد أن من المحتمل أن يبرما اتفاقا في الوقت الحالي"، مضيفا أن الهدف على الأرجح هو منع أي عمل قد يتسبب في اشتعال التوتر. بحسب رويترز.
وتهدف محادثات فيينا إلى إعادة واشنطن وطهران إلى الالتزام الكامل بالاتفاق النووي. كانت إيران قد انتهكت قيودا نووية أساسية في الاتفاق ردا على العقوبات التي عاودت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرضها عليها في 2018. وقالت أطراف الاتفاق الأخرى والولايات المتحدة وإيران إن تقدما تحقق، لكن واشنطن وطهران قالتا إن الطريق لا يزال طويلا. ودعت الرياض إيران إلى الانخراط في المحادثات، وطالبت المجتمع الدولي بالتوصل لاتفاق نووي أقوى وأطول مدى. كما طالبت السعودية وحلفاؤها بمحادثات موسعة تشارك فيها دول الخليج. وقال مسؤول في وزارة الخارجية السعودية إن من المتوقع أن يكون أي اتفاق في فيينا نقطة بداية تقود إلى محادثات أوسع يمكن تيسيرها من خلال إجراءات لبناء الثقة.
وساطة وترحيب
قالت إيران إنها ترحب بوساطة عراقية للمساعدة في إصلاح علاقاتها مع دول الخليج العربية إثر ورود تقارير أفادت بأن مسؤولين سعوديين وإيرانيين عقدوا مناقشات في العراق. وجاءت التصريحات التي أدلى بها السفير الإيراني لدى بغداد إيرج مسجدي بعد يوم من إعلان وزارة الخارجية الإيرانية أن طهران ترحب دائما بالحوار مع منافستها السعودية دون أن تؤكد إجراء محادثات.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء عن مسجدي قوله "الجمهورية الإسلامية تدعم وساطة بغداد لتقريب طهران من دول واجهنا معها تحديات أو تشهد علاقاتنا فتورا وتم إبلاغ مسؤولين عراقيين بذلك". وقال مسجدي ردا على سؤال عن تحقيق أي تقدم في المحادثات "لم نتوصل بعد لنتائج واضحة وتقدم مهم. دعونا ننتظر حتى يمضي العمل قدما ويمكننا بعدها أن نرى نتائج عملية".
وقال مسؤول إيراني كبير ومصدران إقليميان إن مسؤولين سعوديين وإيرانيين أجروا مناقشات في العراق في محاولة لتخفيف التوتر بين البلدين، مع سعي واشنطن لإحياء الاتفاق النووي المبرم مع طهران في 2015 وإنهاء الحرب في اليمن. وذكرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية أن مستشار الأمن الوني العراقي قاسم الأعرجي اجتمع مع السفير السعودي في بغداد عبد العزيز الشمري، وأنهما بحثا الوضع السياسي والأمني في المنطقة، وسبل إنهاء الخلافات بما يخدم مصالح دول وشعوب المنطقة. بحسب رويترز.
وعارضت السعودية الاتفاق النووي مع إيران لعدم تناوله البرنامج الصاروخي لطهران وتصرفاتها في المنطقة. ودعت المملكة إلى اتفاق أقوى هذه المرة في المحادثات التي تُجرى في فيينا بهدف إعادة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال للاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2018. وانتهكت طهران العديد من القيود النووية بعد أن عاود ترامب فرض العقوبات.
وجدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية موقف بلاده المرحب بإجراء حوار مع السعودية، معتبرا أنه سيكون في صالح الخصمين الاقليميين، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده "ما يهم هو أن الجمهورية الإسلامية في إيران لطالما رحبت (بإجراء) مباحثات مع المملكة السعودية، وتعتبر أن ذلك سيكون في صالح شعبَي البلدين والسلام الاقليمي والاستقرار"، مشددا على أن هذه المقاربة الإيرانية "لا تزال مستمرة".
وسبق لإيران أن رفضت دعوات سعودية لإشراك الرياض وحلفائها الاقليميين في أي مباحثات دولية بشأن الملف النووي، لكنها أكدت مرارا استعدادها لإجراء حوار إقليمي. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" عن خطيب زاده قوله ، إن "منطقتنا الآن بحاجة الى حوار ووضع ترتيبات جديدة شاملة أكثر من أي وقت مضى". وقال دبلوماسي غربي في المنطقة إن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا على علم مسبق بالمحادثات السعودية الإيرانية "لكن لم يطلعا على أي نتائج".
والعراق الذي يجد نفسه، في وضع معقد بين جارته الشيعية الشرقية وجارته السنية إلى الجنوب، يسعى إلى لعب دور الوسيط على مستوى الشرق الأوسط منذ أنزل الهزيمة بجماعة تنظيم داعش نهاية 2017. ويدرك المسؤولون العراقيون أن الطريق طويل، ولكن إن لم يتمكن العراق من أن يمارس ضغوطًا كبيرة فإنه على الأقل وفر ساحة للحوار.
ولا شك أن أي تهدئة في التوتر القائم بين طهران، سيعود بالفائدة على العراق الذي يعاني من الأضرار التي تلحقها هجمات بالصواريخ أو بعبوات ناسفة تنفذها بوتيرة أسبوعية. ولكن إلى وقت قريب، كان تقارب كهذا بعيدًا عن كل تصور. ففي كانون الثاني/يناير 2020، وإثر أغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية في بغداد، ارتفعت حدة التوتر بين طهران وواشنطن، العراب الأكبر للرياض، الأمر الذي هدد حينها بتحول العراق ساحة للصراع.
وتولى بعده مصطفى الكاظمي الذي أبقى على علاقة جيدة مع إيران رغم أن كثيرين يعتبرونه رجل واشنطن، كما أنه صديق شخصي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وفي الجانب الأخر، غادر دونالد ترامب البيت الأبيض ليتسلم جو بايدن الذي يسعى للعودة إلى الاتفاق النووي الموقع العام 2015 مع إيران.
في ظل هذه الظروف، قال عادل بكوان المحلل في معهد دراسات وأبحاث البحر المتوسط والشرق الأوسط إن "الرياض ترى نفسها ملزمة موضوعياً بخوض نقاش مع إيران". ولم يكف الكاظمي عن التأكيد بأن العراق لا يمكن أن يتحول إلى منطلق لشن هجمات عدوانية ضد جيرانه.