الفقر يخنق لبنان والغضب يتنامى
2021-03-04 08:36
أغلق المحتجون بعض الطرق في لبنان لليوم الثاني على التوالي يوم الأربعاء بعد هبوط قيمة العملة إلى مستوى قياسي جديد مما زاد من غضب المواطنين القلقين منذ فترة طويلة بسبب الانهيار المالي في البلاد.
وفي العام الماضي شهد لبنان انتفاضة شعبية ضد القادة السياسيين، وإفلاس الدولة والقطاع المصرفي، كما شهد تفشي جائحة كوفيد-19، وفي أغسطس آب وقع انفجار ضخم قتل 200 شخص ودمر أجزاء من بيروت.
وأطاحت الأزمة المالية بالوظائف وزادت القلق من تزايد الجوع ومنعت المودعين من الوصول إلى أموالهم في البنوك.
وقال الرئيس ميشال عون على تويتر إنه طلب من حاكم المصرف المركزي إجراء تحقيق في أسباب أحدث انخفاض للعملة، وأكد على أن السماح للمودعين بالوصول إلى أموالهم هدف رئيسي. بحسب رويترز.
وشدد عون على أن "الهمّ الأساسي يبقى استعادة أموال المودعين وحقوق الناس التي لا يجوز إضاعتها، لا عن طريق المضاربات غير المشروعة ولا عن طريق التحويلات المشبوهة إلى الخارج".
ومحا انهيار الليرة اللبنانية، التي هوت يوم الأربعاء إلى عشرة آلاف ليرة مقابل الدولار، نحو 85 بالمئة من قيمتها في بلد يعتمد بشكل كبير على الواردات.
وكانت هذه القشة الأخيرة بالنسبة لكثيرين شهدوا ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية مثل حفاضات الأطفال والحبوب إلى نحو ثلاثة أمثالها منذ بدء الأزمة. وأحرق المتظاهرون الإطارات وصناديق القمامة في العديد من أرجاء البلاد وأغلقوا الشوارع مساء يوم الثلاثاء.
ساسة منقسمون
ذكرت وسائل الإعلام المحلية يوم الأربعاء أن المتظاهرين واصلوا إغلاق أربعة شوارع رئيسية على الأقل في طرابلس، أفقر مدن لبنان، وكانت هناك احتجاجات على نطاق أصغر أمام متاجر الصرافة.
وقال جاد سليم أحد سكان بيروت "الحل يكون بحكومة إنقاذية خارج الطقم السياسي وتضع خطة اقتصادية لكيفية معالجة الوضع لأن الترقيعات والحلول المؤقتة لم تعد تجلب نتيجة مهمة".
ولم يتمكن الساسة المنقسمون من الاتفاق على حكومة جديدة منذ استقالة الحكومة السابقة في أعقاب انفجار مرفأ بيروت يوم الرابع من أغسطس آب، مما ترك البلاد في مهب الريح مع انتشار الفقر.
وقال المحلل اللبناني سركيس نعوم معلقا على عدم تحرك المسؤولين منذ مساء الثلاثاء "لأن نحن دولة فاشلة منتظرين أن تحدث مآسي أيضا".
وأضاف "حكامنا فقدوا منذ زمن طويل قرارهم الحر. هم رهن لدول خارجية بإرادتهم ورهن مصالحهم الشخصية. هذا محزن لكنه حقيقي".
وتشكيل حكومة جديدة ضروري من أجل تنفيذ إصلاحات مطلوبة لفتح الباب أمام تدفق مساعدات دولية بمليارات الدولارات لإصلاح الاقتصاد.
وكُلف سعد الحريري في أكتوبر تشرين الأول بتشكيل حكومة جديدة، لكن التوتر بينه وبين الرئيس عون أوصل الوضع إلى حالة جمود سياسي.
وقال دان قزي المحلل الاقتصادي اللبناني "الوقت الذي يستغرقه تشكيل الحكومة يؤشر على كيفية اتخاذها القرارات بعد تشكيلها".
تآكل القوى الشرائية
تزامنت احتجاجات يوم الثلاثاء مع تخفيف طال انتظاره لقيود احتواء فيروس كورونا التي أبقت أغلب الشركات مغلقة لمدة شهرين حتى هذا الأسبوع.
وترك انهيار العملة أصحاب المتاجر، الذين يشكون من غياب الدعم الحكومي أثناء الإغلاق، في حالة معنوية أشد قتامة إذ تآكلت القوى الشرائية للزبائن بدرجة أكبر.
وقال أندريه أنتيبا، صاحب محل ملابس في منطقة برج حمود ببيروت، " كما ترون، الشارع فارغ. الزبائن غير موجودين، إنهم يبحثون فقط عن الطعام والماء".
"لا يوجد حل لهذا، الدولار عند 10 آلاف وسيصل إلى 15 ألفا و 20 ألفا، الكل يعلم."
وقال سام يغيايان صاحب محل ملابس آخر إن زبائنه صرخوا عندما أبلغهم بسعر سروال من الجينز.
وأضاف "لا يمكننا الاستمرار إذا لم يكن هناك حل لمشكلة الدولار. ستغلق الكثير من المتاجر وسنكون نحن من الأوائل".
الفقر يغذي الاحتجاجات
ستة أشهر مرت وداود تمساح بلا عمل. وقبلها كان يكسب دولارين في اليوم من العمل في مقهى بمدينة صيدا في جنوب لبنان إلى أن زاد العزل العام الذي فرضته السلطات لمواجهة جائحة كورونا الضغط على اقتصاد منهار بالفعل.
قال تمساح، المتزوج والأب لطفلين، لرويترز "صار لي كتير، صار لي خمس، ست شهور قاعد بلا شغل، بسبب أزمة الكورونا".
وأضاف "الغلا أثر، غلا الدولار أثر، السندويش (الشطيرة) كنت جيبا (أشتريها) بألفين، تلاتة(ليرة)، أربعة آلاف مكسيمم (كحد أقصى)، هلق (الآن) حق (ثمن) السندويشة عشرة آلاف، 11 ألف ليرة".
وفقدت العملة اللبنانية، الليرة، أكثر من 80 في المئة من قيمتها منذ 2019 عندما تسارعت وتيرة أزمة مالية تفجر على أثرها الغضب في صورة احتجاجات على الاقتصاد والفساد الحكومي وسوء الإدارة السياسية.
وفي ظل عدم تقديم الحكومة عونا يذكر للمواطنين، وجد تمساح بعض الدعم في تبرعات انهالت عليه بعد انتشار صورة له على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ينقب في مكبات القمامة بحثا عن شيء يبيعه.
قال تمساح "في ناس اتبرعتلي بأكل، في ناس عطوني حليب وحفاضات لابني، وفي ناس واعداني يزبطولي (يصلحوا) البيت ويجيبولي أغراض وبراد (ثلاجة) وهيك".
وتمساح ليس بدعا من اللبنانيين.
فقد أبلغ وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفة وسائل إعلام محلية هذا الأسبوع بأن 75 في المئة من اللبنانيين في حاجة لمساعدة مالية.
وقال إن الحكومة تعطي 230 ألف أسرة إعانة شهرية قدرها 400 ألف ليرة، وهو ما يقل عن 50 دولارا بسعر السوق السوداء. ويبلغ عدد سكان لبنان ستة ملايين نسمة.
ومع مواجهة مزيد من العائلات صعوبة في الوفاء بالاحتياجات الأساسية، تسرع منظمات الإغاثة المحلية الخطى لسد الفجوة.
تتلقى جمعية بسمة وزيتونة، التي تأسست عام 2012، طلبات من عشرة آلاف عائلة شهريا في المتوسط. وفي حين أن معظم المستفيدين لاجئون سوريون فإن نصفهم الآن لبنانيون.
قال فادي حليسو أحد مؤسسي الجمعية "كتير قليل كنت تلاقي عيلة لبنانية تطلب مساعدة قبل، على هيك شغلات (أمور) أساسية، كان يمكن حدا يطلب مساعدة بقسط المدرسة، قبل 2019، هلق حتى قسوطة (أقساط) المدارس ما عادت الناس فكرت فيها، عم تفكر بالشغلات الكتير أساسية".
وأضاف "عم نحاول نعمل كل شي منقدر نعمله ما منترك باب إلا ومنطرقه، ناطرين ان شاء الله الدولة والسياسيين هني اللي بإيدن الحلول الحقيقية ليعملوا شي، الجمعيات بتضل حلول إسعافية مؤقتة، لبال ما الدولة بشكل عام تعمل شي ينقذ البلد والاقتصاد".
يخافون الفقر والعوز أكثر من الإصابة بكوفيد-19
رغم تسجيل قفزة غير مسبوقة بإصابات كوفيد-19 وفرض إغلاق مشدد، يواظب عمر قرحاني على فتح محله المتواضع لبيع الخضار في شمال لبنان من أجل تأمين قوت عائلته، كما يقول، مؤكداً أن الفقر يخيفه أكثر بكثير من الوباء.
ويقول قرحاني (38 عاماً) وهو أب لستة أولاد ويقيم في منطقة الزاهرية في طرابلس لوكالة فرانس برس بانفعال، "لا أخاف من كورونا، إنما تخيفني الحاجة والفقر".
ويضيف "يخيفني أن يمرض أولادي ولا أجد لهم دواء في الصيدليات" التي تعاني منذ أسابيع من انقطاع عدد من الأدوية.
وفي انتظار الزبائن، يتفقد قرحاني صناديق خضار قليلة يعرضها في محله الذي افتتحه قبل أشهر بعدما كان يعمل في محل لبيع الزهور. ويقول "نحتاج يومياً لأكثر من 70 ألف ليرة (8 دولارات وفق سعر صرف السوق السوداء) لتأمين طعامنا، بينما لا يؤمن عملي نصف هذا المبلغ". بحسب فرانس برس.
مقبل على انفجار
ويشرح محمّد البيروتي (65 عاماً) الناشط في لجان تتولى متابعة شؤون الفقراء في طرابلس لفرانس برس أن "معظم الذين لا يلتزمون بقرار الإقفال هم من المياومين، أي أنّهم في اليوم الذي لا يعملون فيه لا يأكلون".
ويحذّر من أنّ "الوضع المعيشي مقبل على انفجار شعبي، وما حدث ليلًا ليس إلا مقدمة".
وجاء تزايد تفشي الوباء ليفاقم تداعيات انهيار اقتصادي في لبنان بدأ منذ أكثر من سنة. وبات أكثر من نصف السكان في لبنان يعيشون تحت خط الفقر وربعهم تقريباً في فقر مدقع، وفق الأمم المتحدة.
وتقدّر وزارة العمل أن المياومين يشكلون نحو 50 في المئة من اليد العاملة اللبنانية. ولا يستفيد هؤلاء من أي تقدمات اجتماعية أو صحية.
وأبدت منظمة "أنقذوا الأطفال" (سايف ذي تشيلدرن) قلقها "العميق" من تداعيات الإغلاق التام على العائلات والأطفال الذين يعانون أساساً من أوضاع اقتصادية هشّة، ما لم يتم دعمهم بشكل فوري.
وتحدثت مديرة المنظمة في لبنان جنيفر مورهاد في بيان في منتصف الشهر الحالي، عن "واقع قاتم للغاية"، مشيرة الى أن "البقاء على قيد الحياة بات مهمة يومية لملايين الأطفال وأسرهم" في لبنان.
ويصف النجار اسماعيل أسعد (43 عاماً)، وهو أب لسبعة أولاده عمر أكبرهم 19 عاماً، بدوره الوضع بـ"المأسوي".
ويقول إنه يلازم منزله في قرية عين الذهب في منطقة عكار في أقصى الشمال منذ أسبوعين بسبب الإغلاق، مضيفا "قبل الإقفال كان العمل خفيفا، أما الآن فلم يعد بإمكاننا العمل بالمطلق، ماذا يفعل من لا يقبض راتباً شهرياً؟".
في برمانا، المنطقة الجبلية المطلة على بيروت، لم يتلق جورج منذ نحو أسبوعين أي اتصال لطلب خدماته في مجال الكهرباء.
ويقول "أفكر يومياً كيف يمكنني أن أتفادى دفع تكاليف أو فواتير.. والأسعار لا ترحم".
ويؤكد جورج أنه لا يعارض قرار الإغلاق للحدّ من تفشي الوباء الذي أنهك القطاع الطبي. لكنه يسأل "كيف يمكن للدولة أن تأخذ قراراً مماثلاً من دون تقديم أي مساعدة مادية" لدعم الأسر على غرار ما يجري في دول عدة.
وتقدم السلطات، وفق بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية، مساعدات مادية بقيمة 400 ألف ليرة (50 دولاراً) شهرياً لنحو 230 ألف أسرة، وهو مبلغ زهيد جدا ولا يكفي لتأمين حاجات أساسية.
وقال وزير السياحة والشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي المشرفية لقناة "الجديد" التلفزيونية الثلاثاء إن 25 في المئة فقط من اللبنانيين لا يحتاجون إلى مساعدة.
وتطال تداعيات الإغلاق المشدد كذلك مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يعيشون أساساً ظروفاً صعبة.
بين هؤلاء عبد العزيز (35 عاماً)، عامل الطلاء الذي يقيم مع زوجته وأطفاله الثلاثة في منطقة الأشرفية في شرق بيروت. ويقول بأسى "لم أقبض ألف ليرة منذ بدء الاغلاق".
ويضيف الشاب الذي نزح من شمال سوريا العام 2014، "هربنا من الرقة عندما دخل +داعش+ مناطقنا وتدمرت بيوتنا.. يبدو أننا نجونا من الموت هناك وسنموت هنا جوعاً".
طلاب لبنانيون في خانة المستحيل
كان محمد الساحلي الطالب الجامعي في بيروت على وشك التخرج بعد دراسة جامعية في علوم الكمبيوتر، لكن مستقبله الآن يلفه الغموض بعد أن انهارت الليرة اللبنانية وتركته وآلافا آخرين، في نفس ظروفه، عاجزين على دفع الرسوم.
وفي واقع مؤلم تولَّد من رحم أزمة اقتصادية لم تشهد البلاد مثيلا لها من قبل، رفعت جامعتان خاصتان، وهما الجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة اللبنانية الأمريكية، سعر الصرف للرسوم الدراسية إلى 3900 ليرة للدولار في ضربة قاسية تزيد قيمة الرسوم بمقدار ثلاثة أمثال تقريبا على الطلاب الذين يدفعون بالعملة المحلية. بحسب رويترز.
كان الساحلي، الطالب في الجامعة الأمريكية ببيروت، يستكمل دراسته بانتظار الامتحانات النهائية في ديسمبر كانون الأول عندما وصلته رسالة بالبريد الإلكتروني لإخطاره بهذا الارتفاع.
تحدث لرويترز عن إحساسه، وقال "خوف، ضغط، يأس، بطلت عن نفسي عارف (لم أعد أعرف) شو حأعمل.. ماني قادر أدفع الربيع (الفصل الدراسي في الربيع) إذا بدي آخد قدر كامل (فصول كاملة)، بدي صير إما آخد كورسين إما ما آخد ولا شي (لا شيء على الإطلاق)"
وأضاف "وهيدي حال 80 بالمئة من إللي بعرفن".
كان الساحلي واحدا من كثيرين من الطلاب الجامعيين الذين خرجوا إلى الشوارع في ديسمبر كانون الأول للاحتجاج على قرار الجامعات.
ووصفت لين الحراكة، طالبة الهندسة في الجامعة اللبنانية الأمريكية ونائبة رئيس مجلس الطلاب الخطوة بأنها "كارثية". ويدعو بعض الطلاب الآن إلى إضراب عن دفع الرسوم.
ظل لبنان على مدى سنوات طويلة يفخر بنظامه التعليمي، الذي وضع أساسه مبشرون أمريكيون وفرنسيون في القرن التاسع عشر، وتخرجت فيه كفاءات تشغل مناصب مرموقة داخل حدود الشرق الأوسط وخارجه.
لكن هذا النظام التعليمي أصبح مضغوطا بين رحى الأزمة الاقتصادية والإغلاق الصارم بسبب فيروس كورونا الذي ترتب عليه حظر التدريس في قاعات الدراسة منذ السابع من يناير كانون الثاني فيما يلقي بظلال ثقيلة على المؤسسات والطلاب.
وقال رئيس الجامعة اللبنانية الأمريكية ميشال معوض إن الجامعة "اضطرت" إلى زيادة سعر الصرف إلى 3900 وهو السعر المحدد من قبل البنك المركزي من أجل بقاء الموظفين واستمرار العمليات، مشددا على أن الرسوم الدراسية بالدولار ظلت دون تغيير لسنوات.
وقال "نحن نعاني من هذا الوضع كمؤسسة بنفس قدر معاناة الطلاب أو أولياء الأمور، وهذا في واقع الأمر (شيء) فُرض علينا فرضا".
واصطدم آلاف الطلاب اللبنانيين في الخارج بعقبات أخرى نجمت عن الأزمة المالية حيث حظرت البنوك معظم التحويلات للخارج.
وتساءل جاد هاني، خبير الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت "في مشكلة كتير كبيرة، إللي ما معه دولار لا في يسافر ولا في يتعلم بلبنان (لا يستطيع التعلم بالخارج ولا في الداخل)، شو الرسالة إللي عم يحاولوا يودوها؟"
قطاع الدواء في أزمة
من صيدلية إلى أخرى، يجول عباس بحثاً عن الأسبيرين، بينما تحاول نادين عبثاً إيجاد حليب لطفلتها. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يسأل كثر عن سبل تأمين أدوية كوفيد-19 في لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية.
ويقول عباس سليمان (37 عاماً) فور خروجه مسرعاً من إحدى أكبر الصيدليات في بيروت لوكالة فرانس برس "سألت عن دواءين.. ولم أجدهما"، موضحاً أنه ما من حل أمامه سوى اللجوء الى السوق السوداء على أمل العثور عليهما. ويضيف ساخراً "حتى شامبو الاستحمام لم أجده. البلد يتجه الى النهاية". بحسب فرانس برس.
وتشهد البلاد منذ أشهر، على وقع الانهيار الاقتصادي والمالي المتمادي، نقصاً كبيراً في الأدوية المستوردة بغالبيتها من الخارج، سواء تلك التي تستخدم لعلاج مرضى كوفيد-19 أو الأمراض المزمنة وصولاً إلى مسكنات الألم العادية وحتى الفيتامينات.
إلا أنّه خلال الأسابيع الأخيرة ومع ارتفاع عداد الإصابات بفيروس كورونا، ظهرت طوابير انتظار طويلة أمام الصيدليات.
وانتعشت منذ نهاية العام، سوق سوداء وصل فيها سعر بعض الأدوية إلى معدلات خيالية. وأدى ذلك وفق ما يشرح عاملون في القطاع الصحي الى أزمة غير مسبوقة باتت معها أدوية تستخدم في علاج فيروس كورونا غير متوافرة إلا بكميات قليلة، حتى في المستشفيات.
وانقطعت كذلك أجهزة الأكسجين التي تستخدم في المنازل بسبب تهافت الناس على تخزينها، ما حرم مرضى من الاستفادة منها. وانتشرت في الأسواق وفق نقابة مستوردي المستلزمات الطبية أجهزة مزيفة مجهولة المصدر بمبالغ خيالية.
وفي كل مرة تستضيف محطة تلفزيونية طبيباً أو تنتشر تقارير عن إمكانية استخدام دواء ما في علاج كوفيد-19، يتهافت الناس على شرائه حتى لو لم يكونوا مصابين، وهو ما حدث مؤخراً مع دواء ايفرمكتين، المضاد للطفيليات. وزعمت تقارير أن الدواء، الذي لم يكن لبنان يستورده أساساً، أنه علاج محتمل للفيروس، رغم تأكيد أعلى المراجع الطبية العالمية عدم وجود أدلة كافية للترويج له كعلاج.
وأدى التهافت وفق ما يوضح نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة لوكالة فرانس برس "الى بروز سوق سوداء لم يتمكن أحد من لجمها" بعدما تمكنت جهات غير رسمية من استقدامه من الخارج.
ويوضح أن سعر بيعه في السوق السوداء وصل إلى 300 ألف ليرة، أي ما يعادل 35 دولاراً وفق سعر الصرف غير الرسمي، فيما تباع العلبة حالياً، بعدما استورده أحد الوكلاء إثر نيله موافقة وزارة الصحة بنحو ثمانية آلاف ليرة.
وسلّمت شركتان، إحداهما محلية، تنتجان نوعين من الأسبيرين، "الأسواق أكثر من 500 ألف علبة خلال شهر كانون الثاني/يناير، فيما حجم الطلب الطبيعي خلال عام 2020 كان مئتي ألف. ورغم ذلك، فالدواء ليس متوافراً حالياً".
ويعمل مستوردو الأدوية حالياً، بناء على تعليمات وزارة الصحة، على تسليم الصيدليات كميات محددة للحدّ من عمليات التخزين في المنازل ومن عمليات التهريب، خصوصاً بعد توقيف مسافرين في مطار بيروت بحوزتهم كميات من الأدوية والعثور على أحد الأدوية المدعومة يباع في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
ويشرح جبارة "ثمة حالة هلع تغذي نفسها: لدينا تخزين (في المنازل)، وتهريب لا نعرف حجمه" خصوصاً عبر المطار الى مصر والعراق ودول إفريقية، إضافة إلى "تأخير في التحويلات المالية للخارج من مصرف لبنان".
وازدهر التهريب بشكل رئيسي وفق جبارة جراء محافظة الأدوية على سعرها المدعوم، وهو ما جعل الدعم يذهب لغير مستحقيه.
أما في ما يتعلّق بالتحويلات المالية إلى الخارج، فيوضح جبارة "إذا لم يتسلّم مصنّع الدواء في الخارج مستحقاته في موعدها، فلن يسلم الدواء وبالتالي سيؤخر إرسال الشحنة الى لبنان".
ويواجه مصرف لبنان مع نفاد احتياطه بالدولار تدريجاً، ضغوطاً متزايدة في تأمين الحاجيات الأساسية المدعومة منه وعلى رأسها الدواء. وأسهم تداول أنباء عن توجه لإزالة الدعم في رفع الطلب خشية من انقطاع الدواء أو ارتفاع ثمنه على وقع تدهور سعر الليرة التي فقدت أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها.
الدواء غير موجود
في صيدلية مازن في كورنيش المزرعة في بيروت، يستمع أحد الموظفين إلى طلبات الزبائن ويحمل بعضهم وصفات طبية. ويكرر بين الحين والآخر عبارة "الدواء غير موجود" أو "مقطوع". ويغادر الزبائن الخائبون مع وجوم يخيّم على ملامح وجوههم.
يوضح الصيدلاني مازن البساط، وهو مالك الصيدلية لوكالة فرانس برس أسباباً عدة خلف ازدياد الطلب خصوصاً على الأدوية والمستلزمات المتعلّقة بكوفيد-19، أبرزها أن "خوف الناس من انقطاع الدواء يدفعهم للتخزين في منازلهم لشهر وربما ستة أشهر، كل حسب قدرته".
يضاف ذلك إلى "شح في الدواء وتوقف الوكلاء عن تسليم الصيدليات الكميات التي تطلبها".
ويعطي مثالاً عن دواء مسكن للألم، يستخدمه اللبنانيون بكثرة من دون وصفة طبية. ويقول "يسلموننا 300 علبة فقط.. نعرض يومياً عشر علب منها لنتمكن من الصمود حتى نهاية الشهر، لأنه إذا عرضنا الكمية كلها ستنفد في غضون يومين أو ثلاثة".
وفي محاولة لتنظيم الطلب، أوصت وزارة الصحة بعدم بيع بعض الأدوية إلا بموجب وصفة طبية. وباتت صيدليات كثيرة تطلب الاحتفاظ بالوصفة خصوصاً للأدوية الباهظة الثمن أو غير المتوافرة بكثرة لضمان تأمين احتياجات عدد أكبر من المرضى.
بعد جولة على عدد من الصيدليات في بيروت وضواحيها، لم تعثر نادين (36 عاماً) على حليب لطفلتها، رغم اعلان وزارة الاقتصاد تسطير محضر ضبط نهاية الشهر الماضي في حق مستورد احتفظ بكميات كبيرة في مخزنه بانتظار ارتفاع الاسعار.
وتقول "باتوا يتاجرون بحليب الأطفال.. يمكن استبدال المسكن بدواء آخر.. لكنّ الحليب أمر أساسي يحتاجه الطفل ولا بديل عنه".