يد على الزناد وعين على المفاوضات: هجوم طالبان على قندوز يكشف استراتيجيتها
وكالات
2020-09-19 06:29
ظل خان أغا صابرا يتحمل العنف في قندوز على مدى سنوات، لكن ما أثار انزعاجه كان الهجوم الذي شنته طالبان على المدينة الاستراتيجية بشمال شرق أفغانستان، في وقت تستعد فيه الحكومة والمتمردون لدخول محادثات سلام تاريخية، قال أغا وهو سائق يبلغ من العمر 46 عاما لرويترز “يعيش معظم سكان قندوز في خوف مثلي.. عندما ننظر لما يجري، يمكن (استنتاج) أن أي شيء قد يحدث في أي لحظة”. بحسب رويترز.
جاء هجوم طالبان، التي طوقت قندوز وأوشكت على الاستيلاء عليها أواخر الشهر الماضي، قبل أسابيع فقط من جلوس حكومة كابول مع أعدائها الألداء في الدوحة يوم السبت لبدء محادثات تحمل وصف “التاريخية” بهدف إنهاء الحرب الدائرة منذ 19 عاما والتي قتل وأصيب فيها أكثر من 100 ألف مدني.
كانت مراسم الافتتاح في فندق كبير في الدوحة والتي تخللتها دعوات السلام من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ونداءات وقف إطلاق النار من عدد من الشخصيات المرموقة عبر رابط فيديو، تتناقض بشكل صارخ مع أعمال العنف الأخيرة على الأرض في قندوز.
وبعد ساعات فحسب من بدء المحادثات، اندلعت الاشتباكات بين القوات الحكومية وطالبان بمختلف أنحاء البلاد، حسبما قال مسؤولون، فيما يسلط الضوء على صعوبة التحدي المتمثل في إنهاء الحرب الطويلة. كانت أعنف تلك الاشتباكات وقعت يوم السبت في قندوز، عندما اشتبكت طالبان مرة أخرى مع قوات الأمن بهدف السيطرة على الطرق السريعة الرئيسية، فيما شن الجيش الأفغاني ضربات جوية ومدفعية.
كان أغا قد تقطعت به السبل لمدة أربعة أيام خارج المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 270 ألف نسمة، في الهجوم الأكبر الشهر الماضي عندما عجز عن الوصول إلى أسرته في طريق عودته من عملية تسليم. ومنذ ذلك الحين قام بتخزين ما يكفي من الطعام لمدة ثلاثة أشهر في منزله الصغير، ولم يحظ هجوم أغسطس آب بتغطية تذكر رغم أنه الأسوأ منذ عام 2015 عندما سقطت قندوز لفترة وجيزة في أيدي طالبان.
ويكشف تدقيق رويترز في هذا الهجوم كيف كثف المتمردون الضغط في الآونة الأخيرة على هذا المركز الحضري الاستراتيجي، الذي يمثل بوابة في الشمال للأقاليم الغنية بالمعادن ولوسط آسيا، ومركز نقل وتهريب المخدرات، وتنفي طالبان هجوم قندز وتقول إن مقاتليها لم يهاجموا سوى قواعد عسكرية ردا على قيام القوات بإطلاق النار على مناطق قريبة.
وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان “منذ بداية العام لم نخطط لشن هجمات ضخمة على أي مدينة كبيرة لسبب وحيد، هو عملية السلام.. الهجوم على المدن الكبيرة يمكن أن يلحق الضرر بهذه العملية”، وبالرغم من فشلها في نهاية المطاف، فإن المحاولة الجريئة للسيطرة على مركز حضري استراتيجي والضغط المتواصل يكشفان أن طالبان تطبق استراتيجية القتال مع المحادثات، وتتجاهل إلى حد كبير النداءات والمطالب الدولية الداعية إلى تخفيف حدة العنف والاتفاق على وقف إطلاق النار.
وقال دبلوماسي غربي كبير “شعلة الطموح لتوسيع السيطرة على الأراضي لم تنطفئ.. يريدون أن يظل مقاتلوهم نشطين على الأرض، وهذا مبعث قلق كبير قبل المحادثات لأن أساس الثقة وبناء الثقة يعتمدان على خفض العنف”، يأتي استعراض طالبان لقوتها في وقت تسحب فيه الولايات المتحدة قواتها على عجل من أفغانستان، تنفيذا لوعود الرئيس دونالد ترامب بإنهاء أطول حرب أمريكية. وحدد اتفاق أُبرم في فبراير شباط بين واشنطن وطالبان موعدا للانسحاب النهائي في مايو أيار 2021، على أن يكون ذلك رهنا بضمانات أمنية معينة، ومن المتوقع خفض قوام القوات الأمريكية بأفغانستان إلى 4500 بحلول نوفمبر تشرين الثاني نزولا من أكثر من 100 ألف في 2011.
بين ساحة القتال وطاولة المفاوضات
قالت إليزابيث ثريلكيلد، نائبة مدير برنامج جنوب آسيا في مركز ستيمسون ومقره واشنطن، إن “هجوما خطيرا شنته طالبان على مدينة قندوز مخالف، في روحه على الأقل، لاتفاق الولايات المتحدة وطالبان ونذير شؤم قبل المفاوضات بين الأفغان”، ولم تعلق السفارة الأمريكية في كابول، شنت طالبان هجومها في الفترة من 20 إلى 26 أغسطس آب، بعد إحكام قبضتها تدريجيا على المناطق الريفية المحيطة بقندوز، واستولت على عدة نقاط تفتيش وقاعدتين على الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة. وقال ثلاثة من أعضاء المجلس الإقليمي إن هذه الخطوات أشعلت المخاوف من أن المتمردين أصبحوا في طريقهم لفرض سيطرتهم.
وقال عضو المجلس أسد الله سعدات “اقتربوا من المدينة لدرجة أن أسلحتهم الصغيرة كان يمكنها الوصول بسهولة إلى مقر الشرطة ومجمع الحاكم”، وشرد القتال أكثر من 60 ألفا، حسبما قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
والآن بعد أن جلست الحكومة وطالبان معا لإجراء محادثات سلام، بعد شهور من التأخير، يقول مسؤولون إن الأولوية القصوى هي للتفاوض على وقف شامل لإطلاق النار، وهو ما طلبته الحكومة الأفغانية عدة مرات لكن طالبان ترفضه، وقالت ثريلكيلد “تمثل قدراتهم العسكرية تهديدا للحكومة الأفغانية ومن المرجح أن يواصلوا الهجمات في الأشهر القادمة مع بدء المفاوضات، وقال فؤاد أمان المتحدث باسم وزارة الدفاع إن القوات الأفغانية صدت مقاتلي طالبان بعدة ضربات جوية. وأضاف أنه في واحد من أشد أيام القتال ضراوة، لاقى 34 من مقاتلي طالبان حتفهم وأصيب 24.
وقال عضو في المجلس المحلي إن أكثر من 100 من طالبان قتلوا وأصيب 100 آخرون، وعلى الرغم من انتهاء التهديد المباشر للمدينة، يقول أفراد من قوات الأمن المحلية لرويترز إن المنطقة ما زالت تحت ضغط.
وقال رجل يبتدئ اسمه بعبد، طلب عدم نشره بالكامل، إنه خلال سبعة أعوام قضاها في قوات الأمن الأفغانية، في بعض من أشد المناطق صعوبة، لم يتعرض قط لمثل هذا الضغط الذي تعرض له في قندوز عندما ظلت وحدته في مرمى النيران على نحو متواصل ولم يكن بإمكانهم ترك عرباتهم في مكان مكشوف ولو لبضع ساعات دون أن تنطلق عليها الصواريخ، وأضاف “نظرية شائعة هنا.. كلما زادت المكاسب بساحة القتال، زادت المكاسب على طاولة المفاوضات.. لقد عشت أسوأ أيام عمري هنا”.
الحكومة الأفغانية تصعد ضغوطها على طالبان
كثفت الحكومة الأفغانية ضغوطها للتوصل إلى هدنة مع طالبان، وجددت الدعوات إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد في المحادثات التي تجري في قطر، وتبدو تحديات "الحوار الأفغاني" كثيرة، بدءا من إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار ووصولا إلى تحديد طبيعة النظام والقدرة على تشارك الحكم، وبعد انطلاق المحادثات السبت في العاصمة القطرية الدوحة، دعت الحكومة الأفغانية وحلفاؤها بما في ذلك الولايات المتحدة إلى وقف إطلاق النار. بحسب فرانس برس.
لكن حركة طالبان التي خاضت حرب عصابات ضد الطرفين منذ إجبارها على التنحي عن السلطة في العام 2001، لم تذكر الهدنة عندما جلس مفاوضوها إلى طاولة الحوار، وكتب المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية صديق صديقي في تغريدة الإثنين أن مشاركة مفاوضي الحكومة في المحادثات "يهدف إلى تحقيق وقف لإطلاق النار وإنهاء العنف وضمان سلام دائم واستقرار في البلاد".
وقال المسؤول الحكومي المكلّف الإشراف على عملية السلام عبد الله عبد الله في وقت سابق إن طالبان قد توافق على وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المزيد من مقاتليها، وتم بحث الجداول ومدونة قواعد السلوك للمحادثات في اجتماعات الأحد، وفقا للطرفين، ولكن لم تبدأ بعد المحادثات حول القضايا الجوهرية.
وكان المفاوضون أقرّوا في الجلسة الافتتاحية في الفندق الفخم بالعاصمة القطرية بأن المحادثات ستكون طويلة ومعقدة، وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في كلمته السبت "سنواجه بلا شك العديد من التحديات في المحادثات خلال الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة. تذكروا أنكم تعملون ليس فقط من أجل هذا الجيل من الأفغان بل ومن أجل الأجيال القادمة أيضا"، ودعا بومبيو طرفي النزاع "لاستغلال هذه الفرصة" لتحقيق السلام.
نقطة خلاف
بعد نحو عقدين على الغزو الأميركي لإفغانستان الذي أطاح بطالبان، ما تزال الحرب تقتل عشرات الأشخاص يوميا بينما دمر اقتصاد البلاد في وقات بات الملايين يعانون من الفقر، وقال مسؤولون إن ستة عناصر شرطة قتلوا في هجوم لطالبان في ولاية قندوز ليل السبت الأحد، بينما قتل خمسة عناصر في هجوم آخر في ولاية كابيسا.
وأدى انفجار لغم في العاصمة كابول إلى إصابة اثنين من المدنيين بينما لم يسجل سقوط ضحايا بانفجار آخر في منطقة كابول، وأكد عبد الله الذي يترأس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان أن "التسبب بإراقة المزيد من الدماء (خلال المحادثات) هو سوء تقدير. من المستحيل أن يكسب طرف واحد الحرب".
ولكنه أشار أن هذه العملية قد تمثل "بداية التاريخ الذي سيتم صنعه في المستقبل القريب"، وشدّد المسؤول في الحركة الملا عبد الغني برادر وأحد مؤسسيها أمام المجتمعين على أن أفغانستان يجب أن تكون بلدا مستقلا بنظام اسلامي، في ما قد يكون نقطة الخلاف الرئيسية خلال المحادثات، ويرى مراقبون أن حركة طالبان التي رفضت الاعتراف بحكومة الرئيس أشرف غني ستسعى إلى إعادة بناء أفغانستان لتصبح "إمارة" إسلامية، بينما ستعمل حكومة غني على الحفاظ على الوضع الراهن المدعوم من الغرب لجمهورية دستورية كرّست العديد من الحقوق بما في ذلك مزيد من الحريات للمرأة.
ويضم وفد كابول إلى المفاوضات أربع نساء من أصل 21 عضوا بينما ليست هناك أي سيدة في وفد طالبان الذي يضم العدد ذاته من الأعضاء، وانطلقت المفاوضات بين الطرفين الخصمين بعد ستة أشهر من الموعد المقرر، بسبب خلافات بشأن صفقة تبادل أسرى مثيرة للجدل تم الاتفاق عليها في شباط/فبراير الماضي.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرشح لولاية ثانية في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر، أكد أنه يريد إنهاء أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة بدأت قبل ما يقرب من 20 عاما عندما غزت واشنطن أفغانستان.
وقد يستغرق التوصّل إلى اتفاق سلام شامل سنوات، وسيعتمد ذلك على استعداد كلا الجانبين لإيجاد مقاربة مشتركة لطريقة الحكم في بلدهما، وبموجب شروط اتفاق انسحاب الاميركيين المبرم بين الولايات المتحدة وطالبان، تم إطلاق سراح خمسة آلاف سجين من حركة طالبان مقابل ألف جندي حكومي.
تساؤلات كثيرة
بدأت يوم السبت مراسم افتتاح المحادثات التي تهدف لإنهاء حرب مستمرة منذ 19 عاما في أفغانستان. ومن المقرر أن يجلس مفاوضون يمثلون حكومة كابول وحركة طالبان وجها لوجه في العاصمة القطرية الدوحة اعتبارا من يوم الأحد. بحسب رويترز.
وخرجت المفاوضات بين الأفغان من رحم اتفاق أبرم بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير شباط. ونص الاتفاق على انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان بحلول مايو أيار 2021 مقابل ضمانات للسلام وتعهدات من طالبان بالدخول في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية وهو ما كانت ترفضه الحركة في السابق.
* ما الذي تتناوله المحادثات؟
من المتوقع أن تتعلق الجولة الأولى بالمسائل الإدارية إلى حد كبير وأن تفضي إلى جولات أخرى للتوصل إلى اتفاق سلام شامل لإنهاء القتال. وسيهدف المفاوضون إلى وضع جدول زمني وقد يسعون للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وسيتطلب الأمر التصدي لعدد من القضايا الشائكة لاحقا، وواصلت حركة طالبان هجماتها المسلحة على الحكومة الأفغانية رغم الاتفاق الذي أبرمته مع واشنطن.
وتشمل التحديات الرئيسية للجولات اللاحقة كيفية إشراك طالبان، التي تعارض بقوة شرعية حكومة كابول، في أي ترتيب حكومي وكيفية حماية حقوق المرأة والأقليات التي عانت في ظل حكم طالبان.
* من الذي في الدوحة؟
انضم فريق من طالبان يضم 21 عضوا إلى حفل الافتتاح يوم السبت إلى جانب 19 مفاوضا يمثلون الحكومة الأفغانية. وظل اثنان من وفد الحكومة في أفغانستان لأسباب صحية، وألقى كل من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان عبد الله عبد الله كلمة في مراسم الافتتاح.
* من الذي يتفاوض؟
ساعد المسؤولون الأمريكيون والقطريون في افتتاح المحادثات لكن المفاوضات ستكون بين وفدي طالبان والحكومة الأفغانية في حين تساعد واشنطن وقوى دولية أخرى منها ألمانيا في رعاية العملية.
يمثل الفريق الأفغاني قطاعا عريضا من المناطق والعرقيات والانتماءات السياسية وزعماء فصائل مسلحة سابقة، ويضم فريق طالبان عددا من أعضاء لجنته المركزية الحاكمة ويرأسه عبد الحكيم حقاني رئيس القضاة السابق لدى طالبان والذي يرأس أيضا مجلس علماء الدين القوي.
* لماذا يوجد بومبيو هناك؟
يعد إنهاء أطول حرب تخوضها أمريكا والتي شنها الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 هدفا رئيسيا للسياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب. وسيحرص على الحديث عن أي نجاح في السباق من أجل إعادة انتخابه لولاية ثانية في ظل تراجعه في استطلاعات الرأي.
يقضي اتفاق فبراير شباط بانسحاب القوات الأمريكية التي جرى تقليص عددها من 13 ألفا عند توقيع الاتفاق مع طالبان إلى 8600 في يونيو حزيران. ويقول ترامب إن العدد سينخفض إلى حوالي أربعة آلاف بحلول نوفمبر تشرين الثاني، وبلغ الوجود الأمريكي ذروته في 2011 عندما وصل عدد القوات إلى أكثر من مئة ألف، بيد أن استمرار الانسحاب يعتمد على احتفاظ طالبان بضمانات مكافحة الإرهاب وتعهدها بالدخول في محادثات مع الحكومة الأفغاني، ورغم أن من غير المرجح حدوث انفراجات كبيرة في الجولات الأولى من المحادثات فإن بداية الحوار بين الأفغان أمر أساسي للحفاظ على بقاء العملية على المسار الصحيح خلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية.
* لماذا الدوحة؟
الدوحة عاصمة دولة قطر هي أرض محايدة للطرفين المتحاربين وبعيده عن صراعهما الدائر في الوطن. وهي المكان الذي جرى فيه التفاوض على الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان ومقر المكتب السياسي لطالبان الذي افتتح في عام 2012، تقرر عقد الجولة الأولى للمحادثات في الدوحة ولكن يمكن نقل الجولات التالية إلى دولة أخرى ربما في أوروبا.