كيف سيؤثر تصاعد التوتر بين فرنسا وتركيا على المشهد الليبي وحلف الناتو؟

عبد الامير رويح

2020-07-06 08:03

تطورات جديدة تشهدها ساحة الحرب المستمرة في ليبيا، بسبب التدخلات الخارجية واتساع الخلافات والازمات العالمية، حيث اصبحت بعض الدول الداعمة لا طراف الصراع وبحسب بعض المراقبين، هي المتحكم الاساسي بهذا الملف الخطير من اجل الحفاظ على مصالحها في هذا البلد الغني بالنفط ومخزونات الغاز، ولعل من تلك الدول روسيا وفرنسا و مصر والإمارات وتركيا التي اصبحت من اهم واقوى في ليبيا، وتجسد التدخل التركي وكما نقلت بعض المصادر، بتوقيع أنقرة اتفاقية عسكرية مع حكومة الوفاق لتزويدها بالأسلحة والمقاتلين؛ حيث أرسلت تركيا مئات المقاتلين السوريين الموالين لها إلى ليبيا. يضاف إلى ذلك دعم الجماعات المسلحة في غرب ليبيا. هذه الحرب اثارت ايضاً خلافات وازمات جديدة بين الدول الداعمة لصراع في ليبيا، حيث ارتفعت حدة التلاسن والحرب الاعلامية بين تركيا وفرنسا، إذ قالت أنقرة إن باريس تعمل لصالح دول أخرى في الأزمة الليبية، في إشارة إلى مصر والإمارات، بعد تصريحات فرنسية وصفت الموقف التركي بالعدواني.

إذ اتهمت أنقرة باريس بالمساهمة في عرقلة الاستقرار في ليبيا، وقالت الخارجية التركية في بيان إن "الدعم الذي تقدّمه فرنسا للانقلابي القرصان حفتر فاقم الأزمة في ليبيا (...) وزاد معاناة الشعب الليبي" وجاء الرد التركي بعد بيان للخارجية الفرنسية قالت فيه إن "التدخل الخارجي ولا سيما زيادة الدعم التركي، وخرق حظر السلاح يحبط جهود التوصل لوقف لإطلاق النار". وتابعت باريس كذلك إن هذا التدخل يمثل "موقفا عدوانيا غير مقبول"، وأنه "من المفترض أن تركيا شريك في حلف شمال الأطلسي لذا لا يمكن استمرار ذلك"، مؤكدة نيتها الدخول في محادثات مع تركيا حول الموضوع.

وتصاعد التوتر بين الحليفين في الناتو إثر قيام أنقرة بعمليات تنقيب عن الغاز شرق المتوسط، وكذلك إثر ارتفاع الحضور العسكري التركي في ليبيا، إذ تبحث أنقرة مع حكومة الوفاق إمكانية استخدام تركيا لقاعدتين عسكريتين في ليبيا، سعيا لوجود تركي دائم في منطقة جنوب المتوسط. وساهم الدعم التركي لحكومة الوفاق في استعادتها مناطق واسعة من قبضة قوات المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في الشرق الليبي والمدعوم من روسيا ومصر والإمارات، ومن فرنسا بشكل أقل رغم استمرار باريس في نفي ذلك. وساهم الدعم التركي لحكومة الوفاق في استعادتها مناطق واسعة من قبضة قوات حفتر.

دور تركيا الاجرامي

وفي هذا الشأن اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا بتوريد الجهاديين إلى ليبيا بكثافة واصفا تدخل أنقرة بأنه ”إجرامي“ كما انتقد ما وصفه بازدواجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما يتعلق بمرتزقة بلاده العاملين في ليبيا. وتدهورت العلاقات بين فرنسا وتركيا، الشريكتين في حلف شمال الأطلسي، بسبب ليبيا وشمال سوريا والتنقيب في شرق البحر المتوسط. وقال ماكرون ”أعتقد أنها مسؤولية تاريخية وإجرامية لبلد يزعم أنه عضو بحلف شمال الأطلسي“. وأضاف أن تركيا ”تستورد“ جهاديين من سوريا ”بكثافة“. ولم يقدم ماكرون أي دليل على طبيعة المقاتلين.

وتواجه باريس اتهامات بدعم حفتر سياسيا وتقديم مساعدة عسكرية له في وقت سابق لقتال الإسلاميين المتشددين. وتنفي فرنسا دعم حفتر لكنها امتنعت عن توبيخ حلفائه وخاصة دولة الإمارات التي أعلنت الأمم المتحدة أنها تنتهك حظر الأسلحة. وتدعم الإمارات ومصر وروسيا الجيش الوطني الليبي. وقال مسؤولون فرنسيون إن تدخل تركيا يشجع روسيا على كسب موطئ قدم أكبر في ليبيا.

وكانت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا قد قالت إن مرتزقة روسا دخلوا حقل الشرارة النفطي. وقال تقرير للأمم المتحدة في مايو إن مجموعة واجنر، المتعاقد العسكري الروسي الخاص، نشرت ما يصل إلى 1200 شخص في ليبيا. وتحدث ماكرون مع بوتين لكنه أحجم عن التنديد بموسكو مثلما فعل مع أنقرة. وقال إن الزعيمين اتفقا على العمل نحو هدف مشترك يتمثل في وقف إطلاق النار. وقال ماكرون إن بوتين أخبره أن جهات التعاقد الخاص لا تمثل روسيا. وقال ”أخبرته بإدانتي الواضحة جدا للأعمال التي ترتكبها قوة واجنر ... إنه يلعب على هذا التناقض“. بحسب رويترز.

كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن فرنسا لن تتهاون مع تدخل تركيا العسكري في ليبيا متهما أنقرة بممارسة ”لعبة خطيرة“. وقال ماكرون ”أتيحت لي الفرصة بالفعل لأقول بوضوح شديد للرئيس (طيب) أردوغان إنني أعتبر أن تركيا تمارس لعبة خطيرة في ليبيا اليوم تتعارض مع جميع التزاماتها التي تعهدت بها في مؤتمر برلين“، في إشارة إلى مؤتمر للسلام عقد في وقت سابق من هذا العام. وأضاف ”لن نتهاون مع الدور الذي تلعبه تركيا في ليبيا“.

وندد ماكرون، الذي تحدث هاتفيا في وقت سابق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمناقشة الأزمة في ليبيا، بدور مرتزقة روس في ليبيا لكنه ركز معظم حديثه على دور تركيا. وعندما سئل عن إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن له الحق في التدخل في ليبيا، قال ماكرون إن قلق الرئيس المصري له ما يبرره. وقال ماكرون ”لقد لاحظتم القلق المشروع للرئيس السيسي عندما يرى جنودا يصلون إلى حدوده“. ولا يُعرف بوجود قوات مدعومة من تركيا قرب الحدود المصرية. وقال الرئيس الفرنسي ”هذا موضوع يخص (منطقة البحر) المتوسط يؤثر علينا لأنه في ليبيا اليوم يفر رجال ونساء كل يوم من البؤس ويأتون إلى أوروبا. هل تعتقدون أننا يمكن أن نترك تركيا لفترة طويلة تصدر مقاتلين سوريين إلى ليبيا في ضوء كل ما نعرفه؟“.

فرنسا وتدمير ليبيا

على صعيد متصل ندّدت تركيا في تصريح شديد اللهجة باعتماد فرنسا نهجا "تدميريا" في ليبيا، متهمة إياها بالسعي لتعزيز الوجود الروسي في هذا البلد الذي يشهد حرباً أهلية مدمّرة منذ 2011. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو خلال مؤتمر صحافي في أنقرة "فرنسا، التي يقودها ماكرون أو بالأحرى غير القادر على قيادتها حالياً، ليست موجودة (في ليبيا) إلا لتحقيق مصالحها بعقلية تدميرية". وأضاف "من جهة، يعتبر حلف الأطلسي روسيا بمثابة تهديد. لكن من جهة أخرى، تسعى فرنسا العضو في الحلف، إلى تعزيز وجود روسيا" في ليبيا.

وتأتي هذه الردود في خضمّ تصاعد التوتر بين أنقرة وباريس، وهما عضوان في حلف الأطلسي لديهما مواقف متعارضة في النزاع الليبي. وأكد تشاوش أوغلو أنه رغم المصالح المختلفة لتركيا وروسيا في ليبيا، يعمل البلدان "على وقف لإطلاق النار". ومنذ سقوط نظام معمّر القذافي عام 2011، تغرق ليبيا في فوضى النزاعات والصراعات على السلطة. وقال تشاوش أوغلو "ما يجب السؤال عنه وانتقاده، هو سياسة فرنسا وبشكل محدد أكثر سياسة ماكرون (...) على ماكرون الإدراك أن الهجوم بهذا الشكل على تركيا لن يجلب له شيئاً على صعيد السياسة الداخلية. آمل أن يستخلص العبر من ذلك".

الى جانب ذلك قال سفير تركيا في باريس إن فرنسا تنتهج سياسة ”منحازة“ بشأن ليبيا وتغض الطرف عن انتهاكات حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة من قبل الإمارات ومصر لصالح خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي). وقال السفير إسماعيل حقي موسى في جلسة لأعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي ”الحظر يُنتهك كل يوم من الحدود المصرية... وكل يوم هناك طلعات جوية من الإمارات إلى ليبيا. لماذا لا يتم طرح الأسئلة؟“. وأضاف ”نعتقد أنهم يتعاملون مع الأمر بشكل انتقائي مما يعزز الدعم المقدم للسيد حفتر في الشرق“. بحسب رويترز.

كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية هامي أكسوي إن ”تصنيف ماكرون لدعم بلادنا لحكومة شرعية في ليبيا بموجب قرارات الأمم المتحدة وبناء على طلبها بأنه“ لعبة خطيرة لا يمكن تفسيره إلا بأنه كسوف للعقل“. وقال في إشارة إلى الجهود الدولية لإنهاء القتال ”المشاكل الحالية في ليبيا سببها هجمات الانقلابي حفتر الذي يدعمه (ماكرون) وهو جنرال حرب رفض اتفاقات وقف اطلاق النار في موسكو وبرلين“.

العلاقات الاوروبية مع تركيا

من جانب اخر دعا وزير الخارجية الفرنسي نظراءه في دول الاتحاد الأوروبي إلى إجراء محادثات عاجلة بشأن العلاقات المستقبلية للتكتل الأوروبي مع تركيا، والتي تصادمت مع باريس بشأن دور أنقرة في ليبيا. وساءت العلاقات بين الدولتين الحليفين في حلفاء شمال الأطلسي خلال الأسابيع الماضية. وقال وزير الخارجية جان إيف لو دريان للمشرعين ”ترى فرنسا أن من الضروري أن يفتح الاتحاد الأوروبي بأقصى سرعة نقاشا جوهريا، مع عدم استبعاد أي شيء، ودون سذاجة، حول آفاق العلاقة المستقبلية للاتحاد الأوروبي مع أنقرة“.

وأضاف أن على الاتحاد الأوروبي الدفاع عن مصالحه الخاصة بحزم. وقال لو دريان إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيجتمعون في 13 يوليو تموز لبحث موضوع تركيا مشيرا إلى إمكانية بحث فرض عقوبات جديدة على أنقرة. وأضاف لو دريان أمام جلسة في البرلمان ”بناء على طلبنا سيُعقد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 13 يوليو لبحث مسألة تركيا على وجه التحديد... فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل عقوبات على تركيا لقيامها بالتنقيب في المنطقة الاقتصادية لقبرص. ربما يجري النظر في فرض عقوبات أخرى“.

في السياق ذاته قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي في وقت سابق إن الحلف سيجري تحقيقا بشأن مزاعم فرنسية بأن البحرية التركية لم ترد على اتصال من بلد عضو يطلب تفتيش سفينة بالبحر المتوسط ‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬وذلك في حادث تشتبه باريس في أنه شهد تهريب أسلحة تركية إلى ليبيا. وتحدثت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي عن الواقعة خلال اجتماع لوزراء دفاع الحلف في وقت تبادل فيه البلدان الهجمات بشأن الأزمة في ليبيا حيث يتهم كل طرف بدعم طرف آخر معارض في الحرب.

وقالت الوزيرة الفرنسية إن سفنا حربية تركية سلطت أضواء راداراتها ثلاث مرات على السفينة الحربية الفرنسية كوربيه بشرق البحر المتوسط. وقالت إن كوربيه كانت في مهمة للحلف للتحقق مما إذا كانت السفينة التركية جيركين تهرب أسلحة إلى ليبيا بعدما أغلقت جهازها اللاسلكي وامتنعت عن تقديم رقمها التعريفي ولم تكشف عن وجهتها. وأضافت أن الجنود الأتراك ارتدوا أيضا سترات واقية ووقفوا خلف أسلحتهم الخفيفة خلال الواقعة. بحسب رويترز.

وأبلغت الوزيرة النواب الفرنسيين عقب الاجتماع الوزاري ”لا يمكن التهاون مع هذا السلوك. ينبغي التعامل مع هذه الواقعة الخطيرة على نحو خاص، وحلفاؤنا يشاركوننا المخاوف لأن ثمانية حلفاء أوروبيين قدموا لي دعمهم اليوم في الحلف“. وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع التركية إن زعم فرنسا الذي ”ليس له أساس“ غير مدعوم بأي أدلة ملموسة، مشيرا إلى أن السفينة الفرنسية كانت تقوم بمناورات سريعة ومتهورة في انتهاك لمبادئ الحلف وقواعد السلامة البحرية. وأضاف أن تركيا أبلغت مسؤولي حلف الأطلسي بالواقعة. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج ”تطرق عدد من الحلفاء إلى الحادث الذي وقع (بالبحر) المتوسط خلال الاجتماع. رسالتي هي أننا تأكدنا أن السلطات العسكرية بالحلف تحقق في الواقعة لاستيضاح ما حدث بشكل كامل“.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا