استراتيجية الردع الأمريكية: هل تؤدي إلى سايكس بيكو الثانية في المنطقة؟

دلال العكيلي

2020-03-03 04:40

تعتمد الولايات المتحدة في تنفيذ استراتيجية الردع الجديدة على حزمة متنوعة من الأدوات، العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، بعضها مستحدث كالاغتيالات، والبعض الآخر يعود إلى سنوات ماضية، لعل أبرزها: الردع بالاغتيالات إذ تمثل عملية اغتيال قاسم سليماني عودة إلى الاستراتيجية الأمنية الأمريكية التي تمثل فيها الاغتيالات أحد المرتكزات المهمة، وهي العمليات التي بدأت مبكرًا في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وتوقفت منذ منتصف السبعينيات بعد المعارضة الواسعة لها، لأنها كانت تتم خارج نطاق القانون الدولي لتعود سياسة الاغتيالات مرة ثانية بشكل علني.

وايضاً الردع باستعراض القوة من خلال إعادة نشر القوات الأمريكية في المنطقة وإظهار جاهزيتها القتالية العالية، فثمة قناعة لدى واشنطن بأن وجودها العسكري في المنطقة يمكن أن يشكل قوة الردع الأفضل، واما الردع بالعقوبات ويشكل واحدا من أهم الأدوات التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في ردع الخصوم ايضاً، وتعد إدارة الرئيس ترامب من أكثر الإدارات الأمريكية اعتماداً على العقوبات، حيث فرضت حزمة شاملة من العقوبات طالت مؤسسات وشخصيات.

ما الذي يؤثر على انضباط القوات الخاصة الأميركية؟

أفاد تقرير داخلي نشرته وزارة الدفاع الأميركية أن عمليات الانتشار المتعاقبة تؤثر على الانضباط في صفوف القوات الخاصة الأميركية، من غير أن يخلص إلى "مشكلة أخلاقيات معممة" خلف الحوادث الأخيرة التي لطخت سمعة وحدات النخبة في القوات الأميركية، وقال قائد قيادة القوات الخاصة الجنرال ريتشارد كلارك لدى عرضه التقرير "لدينا ثقافة إتمام المهمة، موجهة نحو الحركة، وهذه الثقافة هي من عناصر امتيازنا".

لكن منذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 "أدت حوالى عشرين عاما من النزاعات المستمرة إلى زعزعة هذه الثقافة، دافعة في اتجاه استخدام القوة وإنجاز المهمة على حساب الأنشطة الروتينية التي تؤمن الروح القيادية والمحاسبة والانضباط"، وخلص التقرير الذي أعده ضباط قيد الخدمة ومتقاعدون ومدنيون من البنتاغون، إلى أن عمليات الانتشار شبه المتواصلة للقوات الخاصة في العراق وسوريا وأفغانستان وإفريقيا خفضت فترات الاستراحة التي تؤمن لحمة القوات إلى حدّها الأدنى، وكان الجنرال كلارك طلب في الصيف الماضي هذا التقرير حول المشكلات الأخلاقية في صفوف القوات الخاصة، بعد سلسلة حوادث أثارت فضائح، ما لفت انتباه الرئيس دونالد ترامب الذي عفا عن العسكريين المعنيين.

وجرت محاكمة ضابط الصف في وحدة النخبة التابعة لقوات البحرية الأميركية (نيفي سيلز) إدوارد غالاغر بتهمة ارتكاب جرائم حرب في العراق، في قضية أثارت الكثير من الاهتمام في الولايات المتحدة، وفي 2 تموز/يوليو، تمت تبرئته من تهم قتل أسير في العراق عام 2017 ومحاولتي قتل لمدنيين عراقيين، لكنه أدين بالتقاط صورة بجانب جثة الشاب القتيل مع جنود آخرين وخفضت رتبته، غير أن ترامب ألغى هذا القرار، كذلك اتهم عنصر سابق في وحدة النخبة في سلاح البر الأميركي "القبعات الخضراء" الكومندان مات غولستين بالقتل العمد لعنصر في طالبان اشتبه بأنه يصنع قنابل، وكان من المفترض أن تتم محاكمته غير أن ترامب عفا عنه قبل ذلك.

وخلال الأشهر السابقة، اتهم عنصران في القوات الخاصة التابعة للبحرية بقتل عنصر من "القبعات الخضراء" في مالي، كما اتهم عناصر في "نيفي سيلز" بتناول الكوكايين وغيرها من المخدرات، وبصورة عامة، لفت التقرير إلى أن ترقية عناصر القوات الخاصة تقوم على خبرتهم القتالية أكثر منها على مواصفاتهم القيادية، داعيا إلى اعتماد نهج موجه أكثر نحو القيم الإنسانية والانضباط.

بمقاتلات غير مأهولة الولايات المتحدة تجري تجارب على التحكّم عن بعد

أعلنت البحرية الأميركية وشركة "بوينغ" لصناعة الطائرات أنهما أجرتا تجارب على مقاتلتين تم التحكّم بهما عن بُعد من قمرة قيادة مقاتلة ثالثة، ما يثبت إمكان تنفيذ مهمات قتالية متعددة بواسطة مقاتلات بلا طيار، وأواخر العام الماضي أجرت البحرية الأميركية و"بوينغ" اختبارات تجريبية في قاعدة باتكسنت ريفر الجوية في جنوب شرق واشنطن، أطلقتا خلالها مقاتلتين من طراز إي إيه-18 جي غرولر نفّذتا 21 مهمة مختلفة في أربع طلعات جوية، وتم التحكّم بكل منهما من قمرة قيادة مقاتلة من طراز إي إيه-16 كانت تحلّق على مسافة قريبة.

وعلى الرغم من وجود قائد احتياطي في قمرة قيادة كل من المقاتلتين لدواعي السلامة، إلا أن الطائرتين حلّقتا وكأن مقعد القيادة كان شاغرا، وتم التحكّم بهما عن بعد من قمرة قيادة طائرة ثالثة، وجاء في بيان لشركة بوينغ أن الطلعات الجوية "أثبتت فاعلية التكنولوجيا التي تتيح لمقاتلات اف إيه-18 سوبر هورنتس وإي إيه-18 جي غرولر تأدية مهمات قتالية بواسطة أنظمة غير مأهولة".

ومقاتلة إي إيه-16 طائرة حربية متخصصة تستخدم للالتفاف على رادارات العدو وتشويش الاتصالات، وعادة ما تكون مزوّدة بها حاملات الطائرات، وهي نسخة مطوّرة من مقاتلة إف إيه-18 إف سوبر هورنت التي تستخدمها البحرية وهي مجهّزة بصواريخ جو-جو وجو-أرض، وقال توم براند المسؤول في بوينغ إن "هذه التكنولوجيا تتيح للبحرية توسيع نطاق الاستشعار وإبقاء الطائرات المأهولة بعيدا من الخطر"، وأضاف أن هذا الإنجاز يمكن أن يستخدم في تطوير أنظمة أخرى غير مأهولة للبحرية الأميركية.

ترامب يدافع عن قراره بقتل سليماني

خلال حشد انتخابي لترامب في توليدو بولاية أوهايو، خصص جزءا طويلا من خطابه ليدافع عن أمره بقتل سليماني ورفض انتقادات من الديمقراطيين الذين يقولون إنه تجاوز سلطاته بإصدار أمر توجيه ضربة بطائرة مسيرة لقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في مطار بغداد، واتهم الرئيس الأمريكي سليماني بتنظيم احتجاجات عنيفة من جانب جماعات مدعومة من طهران عند السفارة الأمريكية في بغداد في وقت سابق وقال ترامب، الذي كثيرا ما يعبّر عن دعمه للجيش الأمريكي، إنه لو لم يرسل قوات أمريكية لحماية السفارة فلربما اقتحم المتظاهرون السفارة وقتلوا أمريكيين أو احتجزوهم رهائن كما حدث عند اقتحام بعثة دبلوماسية أمريكية عام 2011 في مدينة بنغازي الليبية مما أسفر عن مقتل السفير الأمريكي، وقال ترامب "اتخذت الولايات المتحدة مرة أخرى الخطوة الجريئة والحاسمة لإنقاذ الأرواح الأمريكية وتحقيق العدالة الأمريكية"، وكان ظهور ترامب في توليدو أول تجمع انتخابي له في عام 2020 في مؤشر على مدى أهمية الولاية لفوزه بفترة ثانية مدتها أربع سنوات في الانتخابات التي تجري في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.

وقال ترامب وكبار مستشاريه إن سليماني كان العقل المدبر لهجمات "وشيكة" على أهداف أمريكية في الشرق الأوسط لكنهم واجهوا انتقادات لعدم تقديم ما يدعم هذه المزاعم، وذكر ترامب "كان سليماني يخطط بهمة لهجمات جديدة وكان يتطلع بجدية شديدة إلى سفاراتنا وليس فقط السفارة في بغداد لكننا أوقفناه وأوقفناه بسرعة" وردت إيران على مقتل سليماني بضربات صاروخية ضد قاعدتين أمريكيتين في العراق وقال ترامب إنه كان مستعدا لشن ضربات انتقامية لكن تراجع بعد أن أبُلغ بعدم وقوع خسائر في صفوف القوات الأمريكية.

بومبيو: قتل سليماني جزء من استراتيجية ردع الخصوم

قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الجنرال الإيراني قاسم سليماني قُتل في إطار استراتيجية أوسع لردع التحديات التي يشكلها خصوم الولايات المتحدة والتي تنطبق أيضا على الصين وروسيا، مما يخفف من التأكيد بأن أكبر جنرال إيراني قُتل لأنه كان يخطط لشن هجمات وشيكة على أهداف أمريكية، وفي خطابه في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، لم يشر بومبيو إلى خطر الهجمات الوشيكة التي خطط لها سليماني جاء ذلك فحسب ردا على سؤال كرر خلاله تأكيده السابق بأن استباق مثل هذه المؤامرات كان السبب في ضربة أمريكية بطائرة مسيرة في 3 يناير كانون الثاني على ثاني أقوى مسؤول في إيران.

وركز خطابه الذي يحمل عنوان "استعادة الردع: المثال الإيراني"، على ما أسماه استراتيجية الإدارة لبناء "ردع حقيقي" ضد إيران بعد سياسات الجمهوريين والديموقراطيين السابقة التي شجعت طهران على "النشاط الخبيث" ورفض الديمقراطيون وبعض المشرعين الجمهوريين مبررات الإدارة بأن الهجوم كان بهدف الدفاع عن النفس وكان مدعوما بمعلومات مخابرات لم يكشف عنها بشأن هجمات وشيكة وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الأهداف المحتملة تشمل أربع سفارات أمريكية.

وأجج ترامب الجدل مرة أخرى عندما قال "لا يهم حقًا" إن كان سليماني مثل تهديدا وشيكا، وقال بومبيو إن هناك "استراتيجية أكبر" وراء مقتل سليماني، قائد فيلق القدس وهي وحدة التجسس الأجنبية الإيرانية والقوة شبه العسكرية في الحرس الثوري، وقال "الرئيس ترامب والقادة منا في فريق الأمن القومي يعيدون بناء الردع، الردع الحقيقي، ضد جمهورية إيران الإسلامية".

وأضاف "يجب أن يفهم خصمك ليس أن لديك القدرة على فرض التكلفة فحسب ولكنك في الحقيقة على استعداد للقيام بذلك" وأضاف أن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي انسحب منه ترامب في 2018 زاد طهران جرأة، وقال "إن أمريكا تتمتع الآن بأفضل موقع قوة لم نكن فيه قط فيما يتعلق بإيران"، مشيرا إلى الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية التي أعاد ترامب فرضها بعد انسحابه من الاتفاق النووي، وأضاف "أهمية الردع لا تقتصر على إيران... في جميع الحالات، يجب أن نردع الأعداء للدفاع عن الحرية هذه هي النقطة الرئيسية لعمل الرئيس ترامب على جعل جيشنا أقوى ما كان عليه في أي وقت مضى".

وأشار إلى استئناف المساعدات العسكرية لأوكرانيا للتصدي للانفصاليين الذين تدعمهم روسيا، وانسحاب ترامب من اتفاق الحد من الأسلحة مع موسكو، واختبارات صواريخ كروز جديدة متوسط المدى، كما تحدث عن زيادة المناورات البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي ردا على عسكرة الصين للجزر المتنازع عليها وفرض ترامب للتعريفة الجمركية على الواردات الصينية كجوانب لاستراتيجية الردع التي تتبعها الإدارة.

الأميركيون فقدوا تفوقهم في سماء العراق

بعد لحظات من بدء تساقط الصواريخ البالستية الإيرانية على قاعدة عين الأسد الجوية، فقد الجنود الأميركيون في القاعدة اتصالهم بأعينهم المكلفة ذات الدور الحاسم في الجو: إنها الطائرات المسيّرة التي تضمن لهم التفوق في سماء العراق، عند سقوط الدفعة الأولى من الصواريخ في 8 كانون الثاني/يناير عند الساعة 01:35 (22,30 ت غ) في الثامن من كانون الثاني/يناير، كانت سبع طائرات مراقبة أميركية تحلق في سماء العراق لمتابعة القواعد التي تنتشر فيها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وتعرف من بين هذه الطائرات "النسور الرمادية" من طراز "أم كيو-1 سي"، المزودة بمعدات متطورة للمراقبة وتحمل أربعة صواريخ "هيل فاير" بإمكانها الطيران لمدة 27 ساعة متواصلة .

وقال السرجنت كوستين هرويغ (26 عاماً)، وهو أحد طياري عين الأسد "توقعنا هجوماً برياً، لذلك واصلنا تحليق الطائرات"، كان هرويغ ضمن الفريق الموجه لأحد "النسور الرمادية"، عندما سقط أول صاروخ إيراني على القاعدة رداً على مقتل الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني، في الثالث من الشهر الحالي بقصف بطائرة أميركية مسيرة قرب مطار بغداد الدولي، آنذاك، كان معظم الجنود الأميركيين في عين الأسد، وعددهم 1500 جندي، مختبئين منذ ساعتين في الملاجىء بعد تحذير مسبق من قيادتهم.

لكن بقي 14 طياراً داخل حاويات مظلمة حولت إلى مقصورات قيادة لتوجيه المسيَّرات عن بُعد، وتحليل المعلومات التي ترسلها كاميراتها عالية الدقة، قال هرويغ خلال جولة للصحافيين نظمها التحالف الدولي داخل قاعدة عين الأسد، إن أول صاروخ أثار الغبار الذي اندفع إلى داخل تلك الحاويات، لكن الطيارين بقوا في أماكنهم، توالت الموجات الصاروخية واحدة بعد الأخرى وأضاف الجندي أنه لم يكن أمامه سوى "قبول المصير اعتقدنا أساساً أننا انتهينا"، لكن الأزمة الحقيقية لم تكن قد بدأت بعد.

تواصل القصف بالصواريخ التي قال الجنود إنها استمرت تنهمر على القاعدة نحو ثلاث ساعات، وبينها ما سقط على مساكن جنود تقع على مقربة من مواقع الحاويات التي تحولت آنذاك لغرف عمليات للطيارين، يقول السرجنت ويسلي كيلباتريك إنه "بعد مرور أقل من دقيقة على آخر ضربة، كنت أتجه إلى مستودعات تقع في الجهة الخلفية، عندها رأيت النار تشتعل في أسلاك خطوط" الاتصالات.

وتؤمن تلك الخطوط التواصل مع مقصورة قيادة الطائرة المسيرة عبر هوائيات تنقل المعلومات إلى أقمار اصطناعية تتولى إرسال إشارات إلى النسور الرمادية، كما تنقل المعلومات التي يجري عرضها على شاشات غرف العمليات في قاعدة عين الأسد، وقال كيلباتريك إنه "عندما احترقت أسلاك الخطوط، فقدنا السيطرة"، ولم يعد بإمكان الجنود تحديد مواقع المسيّرات، ولا معرفة ما يحدث في السماء ولا ما يدور على الأرض، وحتى في حال إسقاط طائرة مسيرة، لم يكن فريق السيطرة في عين الأسد ليعلم بذلك.

ويشير هيرويغ إلى أن "الأمر خطير، لأنها باهظة الثمن، وأجهزتها تحمل بيانات كثيرة لا نريد أن يطلع عليها آخرون أو تقع بيد العدو"، ووفقا لتقديرات موازنة الجيش الأميركي لعام 2019، تبلغ كلفة طائرة "النسر الرمادي" الواحدة حوالى سبعة ملايين دولار، ويعتمد التحالف الدولي على هذه الطائرات منذ 2017 على الأقل، في إطار الحرب ضد تنظيم داعش في العراق.

ومن المفترض على التحالف الحصول على الضوء الأخضر من الحكومة العراقية للسماح بتحليق طائراته الحربية والمسيّرة، لكن تلك الأذون كانت منتهية الصلاحية قبل وقوع الهجمات الصاروخية الإيرانية بأيام عدة، وقال مسؤول عسكري أميركي للصحافيين، إن الجيش الأميركي يواصل الطيران المسيّر في الأجواء (العراقية) بكل الأحوال، خصوصاً بعد هجمات صاروخية متكررة استهدفت خلال الأشهر الماضية قواعد يتمركز فيها جنود أميركيون.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا