مركز بحثي ناقش دور التغير الاجتماعي في التغيير السياسي بالعراق
في ملتقى النبأ الأسبوعي
عصام حاكم
2020-01-16 01:05
عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، حلقة نقاشية تناول من خلالها موضوعا تحت عنوان (التغيّر الاجتماعي والثقافي ورهانات التغيير السياسي في العراق)، وذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف صباح يوم السبت الموافق (28/12/2019)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية، ضمن فعاليات ملتقى النبأ الأسبوعي بمقرّ المركز في كربلاء المقدسة.
اعد الورقة البحثية مدير المركز الاستاذ حيدر الجراح، حيث قال:
انطلاقا من فرضية مركزية، فان التحول الديمقراطي في التاريخ، يتطلب تعزيز خيارات ثقافية معينة، كما يقتضي تأهيلا اجتماعيا يجعلنا في مستوى المشاركة السياسية المطلوبة في المجتمعات الديمقراطية، وكل استمرار في تناسي ذلك يضعنا في طريق التراجع والانكفاء..
في ثمانينات القرن المنصرم قام هنري مندراس (عالم اجتماع فرنسي) بدراسة منهجية تناولت التحولات الاجتماعية بحسب الميول.. كان الغرض من الدراسة انطلاقا من معطيات إحصائية الكشف عن الميول الكبرى للتغير: تحول القيم (العقائد الدينية والسياسية، التسامح) والعائلة (تطور الزيجات، الطلاق والولادات) والصراعات الاجتماعية، الجريمة، والعمل.
حاول علماء الاجتماع تطوير نظريات عامة حول التغير الاجتماعي، واضعين النقاط على العوامل الأساسية: علم السكان، قوانين الاقتصاد، التقنيات، العقليات، عمل الدولة، الازمات الاجتماعية، والافراد المبتكرون.
التغير الاجتماعي
التغير الاجتماعي يقصد به كل تحول يحدث في النظم والانساق والأجهزة الاجتماعية سواء البنائية ام الوظيفية خلال مدة زمنية محددة.. التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق/محمد الدقس.
كما انه يشير الى أنواع التطور التي تحدث تأثيرا في النظام الاجتماعي او التي تؤثر في بناء المجتمع ووظائفه. دراسة المجتمع/مصطفى الخشاب
كما يشير التغير الاجتماعي الى الأوضاع الجديدة التي تطرأ على البناء الاجتماعي او النظم والعادات وأدوات المجتمع نتيجة لقاعدة جديدة تم تشريعها لضبط السلوك، او نتيجة لتغير بناء فرعي او جانب من جوانب الوجود الاجتماعي او البيئة الاجتماعية او الطبيعة..
والبناء الاجتماعي هو مجموعة العلاقات التي تقوم بين الجماعات التي تتمتع بدرجة عالية من القدرة على البقاء والاستمرار في الزمن ومواكبة التغيرات. التغير الاجتماعي والإسلام/د. محسن عبد الحميد.
عوامل التغير الاجتماعي:
العامل البيئي، العامل البيولوجي، العامل الديموغرافي (السكاني)، العامل التكنولوجي، العامل الأيديولوجي (الفكري)، العامل الاقتصادي، العامل الثقافي، العامل الديني، الثورات، الحروب.
من المقبول الان ان المجتمعات تتغير بفعل أسباب متعددة تتحد لتعطي اثرا، ومن العبث البحث عن سبب اول او عن فاعل واحد يكون مسؤولا عن التطورات الاجتماعية.
كيف يمكن لنا ان نقارب الثقافي في حركة الاحتجاجات؟
طريقة التحرك والتجمع في الساحات والميادين -اشكال التظاهرات- أنماط التقاليد الثقافية التي رسختها أفعال التغيير في الساحات، مثل ولادة صحف جماهيرية جديدة منها صحيفة (اعتصامات نجف ـ صدر عددها الاول في 23 ـ 11 ـ 2019 في النجف) وصحيفة (التكتك) التي يتم كتابتها وتحريرها وتوزيعها في ساحة الاعتصام ـ ساحة التحرير)، اضافة الى انطلاق بث شاشة (التحرير TV) في العاصمة بغداد وفي ساحة التحرير ـ تختص ببرامج متنوعة واخبار واحداث الثورة بكل تفاصيلها - الشعارات واللافتات والاغاني وحلقات النقاش، التي حولت المجالات العامة الى فضاءات للتداول والاحتجاج.
ما الذي تغير خلال السنوات القليلة السابقة عراقيا؟
ادى ظهور داعش في العام 2014 وما مثله من تهديد دوره في تغييب القضايا الاقتصادية والخدمية عن واجهة الأحداث، وإلى دفع الناس إلى تأجيل الحديث عنها، أو التفاعل مع الدعوات للاحتجاج على إهمال الحكومة لها. لكن انتهاء الحرب بهزيمة داعش وحصول استقرار أمني كبير منذ عام 2018، أعاد هذه القضايا إلى الواجهة، في ظل حالة إحباط عام من إمكانية تحقيق إصلاحات حقيقية؛ الأمر الذي أبرز شعار إسقاط الطبقة السياسية برمتها، وهو ما ظهر في احتجاجات البصرة خريف 2018 التي شهدت مؤشرات على تبلور جيل جديد من المحتجين.
شكلت احتجاجات البصرة سابقة تمثلتها تظاهرات بغداد والفرات الأوسط الأخيرة، حيث غابت أيضًا الأحزاب والقوى السياسية، وتمت مهاجمة مقراتها، وظهر بوضوح الحضور الطاغي لجيل الشباب الجديد من الفئة العمرية (16 إلى 30 عامًا) الذين يتسمون بضعف ولائهم للمنظومة الطائفية والعشائرية، وعدم درايتهم بالصراع السياسي الذي كان سائدًا في عهد حزب البعث ونظام صدام حسين، أو اهتمامهم به، فضلًا عن أنهم ولدوا في فترة الانفتاح الكبير في عالم المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعي، الذي يجعلهم أكثر تأثرًا بالتحولات العالمية وتعاملًا مع اللغات والثقافات الأخرى.
ظهور الفاعلين الجدد
يوصف هؤلاء الفاعلين الجدد بـ(الشباب)، لكن مفردة الشباب في توصيف هؤلاء الفاعلين وحركتهم، لا تحيلنا الى فئة اجتماعية عمرية، انها تحيل اساسا الى المهمشين الذين يشعرون بالتهميش، وهؤلاء كما نعرف ينتمون الى الاعمار كلها.. وقد بين بيار بورديو في دراسة مهمة له بعنوان (الشباب كلمة) ان المفردة تشير الى علائق وادوار ومواقع اجتماعية اكثر مما تحدد فئة عمرية او اجتماعية..
شباب الاحتجاج مفهوم اجتماعي سياسي وليس عمري، وتقسيم الاعمار اذا هو توزيع لسلط، والتصنيفات بحسب الاعمار ترجع في النهاية الى فرض حدود واقرار نظام يتعين على كل عضو ان يخضع له، مثلما يتعين عليه ان يلزم داخله مكانته ومكانه.. مع حركة الاحتجاجات هذه وبفضلها غدا (الشباب) صيغة حيوية ودلالة سياسية لا شريحة عمرية.
وظف الفاعلون الجدد بعض آليات تقنية المعلومات لتسهيل تواصلهم، وظفوا المواقع الاجتماعية والفضاءات الافتراضية وذلك بموازاة احتلالهم الشوارع والساحات العامة. كما عززوا اشكال تواصلهم وتبادلهم عن طريق الشبكات، بهدف توسيع المشاركة في الفعل الاحتجاجي، وتعزيز ديناميات التغيير. وفي هذه الأساليب مجتمعة عملوا على تجاوز الكثير من مظاهر العمل السياسي التقليدي واشكاله.
تمكننا أبحاث ايمانويل كاستل وهو من أهم علماء الاجتماع الذين انشغلوا في العقود الماضية بدراسة دور أدوات الاتصال الحديثة في خلق حركات اجتماعية جديدة، في ثلاثيته الشهيرة التي رسم فيها الملامح الكبرى لعصر الشبكات، (كائِن الاتصال: الجزء الأول مجتمع الاتصال) (1998)، الجزء الثاني (سُلطة الهويَّة) (1999)، الجزء الثالث (نهاية الألفيَّة) (1999). وفي سنة 2001 أصدر عمله القيِّم: في أي عالم نعيش؟ الشغل، العائلة والرابطة الاجتماعيَّة في عصر الاتصال بالاشتراك مع مارتن كارنوي وبول شيملا، وفي 2009 كتب سلطة الاتصال، تمكننا هذه الاعمال من معرفة الدور الذي يمكن ان تمارسه تقنية المعلومات في انجاز التحولات الاجتماعية الكبرى، كما تساعدنا بعض مفاهيمه في اضاءة جوانب من فعل التغيير، الذي عرفته مجتمعاتنا.
ابرز كاستل دور الذات الفاعلة في المجتمع الشبكي، حيث يشتغل الفاعلون افرادا وجماعات ضمن شبكات تقوم بإنتاج وتداول ماسماه القوة والتجربة، وبناء ثقافة افتراضية متجاوزة حدود المكان والزمان، ومتجاوزة في الان نفسه بنى الصراع الطبقي، كما رتبت ملامحه الكبرى الأيديولوجيات الاشتراكية.
تنفتح دراسات كاستل على فاعليات اجتماعية جديدة، حيث سينشأ مواطن الشبكة والمجال العام الرقمي.
وفي كتابه «شبكات الأمل والغضب: الحركات الاجتماعية في عصر الإنترنت» الذي تولّدت فكرته بعيد الانتفاضات العربية، حاول من خلال هذا الكتاب أن ينطلق من فكرة سابقة كان قد طرحها في كتابه «سلطة الاتصال»، وهي فكرة ترى أن علاقات السلطة تؤسّس المجتمع، لأن أولئك الذين يملكون السلطة يبنون مؤسسات المجتمع، وفقاً لقيمهم ومصالحهم بالإكراه، أو عبر آليات رمزية، لكن وكما يرى فوكو فإن السلطة عادة ما تفرض ولادة سلطة (مقاومة) مضادة، إلا أن ما يميز هذه المقاومة في عصرنا هذا، وفقاً لكاستل، هو أنها أخذت تتشكل من خلال التحول في وسائل الاتصال.
ففي السنوات الأخيرة، كان التغيير الجوهري في مجال التواصل هو تزايد استخدام الإنترنت والشبكات اللاسلكية منصات للتواصل الرقمي، وهي شبكات يصعب إلى حد كبير على الحكومات أو المؤسسات السيطرة عليها؛ الأمر الذي أفسح المجال أمام الشبكات الاجتماعية أو «شبكات الغضب والأمل» للتشكل والاحتجاج.
{img_1}
الانترنت والحراك الاجتماعي
خلاصة فكرة كاستل هنا أن الإنترنت هو من بات يلعب دوراً كبيراً في الحراك الاجتماعي، رغم إشارته هنا إلى أن الانترنت ليس بإمكانه أن يكون مصدراً للسببية الاجتماعية، لأن الحركات الاجتماعية تنشأ من التناقضات والصراعات الاجتماعية، وتعبّر عن ثورات الشعب ومشروعاته الناتجة من تجربته المتعددة الأبعاد.
ومع ذلك وفي الوقت نفسه لا بد من تأكيد الدور الحاسم للتواصل في تشكيل وممارسات الحركات الاجتماعية في الوقت الحاضر، كونه يحمي الحركة من القمع، ويضمن التواصل بين الأفراد داخل الحركة ومع المجتمع ككل.
يؤكد كاستل أنه في كل مكان شهد احتجاجات اجتماعية، منذ سقوط جدار برلين ووصولاً إلى "الربيع العربي"، جاءت في سياق صعود حركات اجتماعية جديدة كـإجابة على أزمة بفعل الأوضاع القائمة. وهكذا برزت بنى اجتماعية جديدة (مجتمع الشبكات)، وبنى اقتصادية جديدة (اقتصاد عالمي قائم على المعلوماتية)، وبنى ثقافية جديدة (ثقافة يقوم على ما هو افتراضي).
يُطلق علماء الاجتماع والفلسفة السياسية على هذه الحراكات والحركات الشعبية "الحركات الاجتماعية الشبكية"، إذ يلعب استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي من قبل هذه الحركات دورًا مركزيا في ديناميات الاحتجاج، وفي فرض تغييرات سياسية من خلال التأثير في أفكار الناس، ويساهم في تغلّب الناس على خوفهم بوجودهم مع بعض في الشوارع والميادين.
ويقول عالم الاجتماع، هانك جونسون، مؤلف كتاب "الدول والحركات الاجتماعية"، إنّ شيوع الحركات الاجتماعية والاحتجاجات قاد علماء الاجتماع إلى اعتبارها جزءًا لا يتجزّأ من الممارسة السياسية، ويضيف أن الناس لا يعتمدون، هذه الأيام، على الأحزاب السياسية والانتخابية فقط كي يعبّروا عن أفكارهم وطموحاتهم.
ما نشهده منذ تشرين الاول ولادة جيل جديد من الاحتجاجات العراقية لا تتوقف مطالبه عند توفير الخدمات وتحسين الظروف الاقتصادية والتخلص من فساد الطبقة السياسية، بل يتميز أيضًا في كونه نابعًا من شعور عميق بالانتماء إلى وطنية عراقية صاعدة تؤمن بأن الاستقلال السياسي عن أي محور إقليمي ودولي، هو مدخل لتغييرات لا غنى عنها لتحقيق بقية المطالب، وتمهد لإصلاح سياسي يبدو مستحيلًا في ظل طبقة سياسية يتم التحكم بها من الخارج، وفي ظل اقتسام المغانم بين الفصائل المسلحة والجماعات الدينية في الداخل.
{img_2}
ولتسليط الضوء أكثر على الورقة، نطرح السؤالين الآتيين:
السؤال الاول: هل بالضرورة أن يقود كل تغير اجتماعي ثقافي تغييرا سياسيا، وما هي آفاق امكانية التغير في التغيير؟
المجتمع العراقي شهد تغير أو تغيير اجتماعي وثقافي واضح
- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يرى أن المجتمع العراقي شهد حالات تغير أو تغيير اجتماعي وثقافي واضح، هذا التغيير سواء انعكس انعكاسا سلبيا أو ايجابيا على المشهد العراقي، الامر الاخر لدي ملاحظة بخصوص العنوان فلماذا تم استخدم مفردة (التغير الثقافي) وتبعناه بمصطلح (التغيير السياسي)، خصوصا اذا ما اعرفنا أن التغير هو التحول المفاجئ، بينما التغيير هو الذي يتم وفق خطة مدروسة ومنهج فكري وذهني ويأخذ وقتا اطول في التغيير، بالتالي الاستفسار هنا لماذا تم استخدام مفردة (التغير) بالاجتماع ومفردة التغيير بـ(السياسية)".
اضاف الحسيني "ايضا أن التغير الذي يحصل في المجتمعات على الجانب الاجتماعي والثقافي، هو حقيقة تحول يتم وفق مراحل متعددة، بمعنى ادق هناك علاقة لا يمكن أن نتجاهلها ما بين السياسة وما بين النظام السياسي وما بين المعتقدات والقيم والسلوكيات الاجتماعية والثقافية، عملية التأثر والتأثير هي كبيرة جدا ومتواصلة ولا يمكن أن نقطع هذه العملية باي شكل من الاشكال، في النظم الديمقراطية عادة ما يكون النظام السياسي هو نتاج للقيم والمعتقدات والثقافة في اي مجتمع، وبالتالي أن مقولة (كيفما تكونوا يولى عليكم) هي حقيقة مصداق واضح جدا في الانظمة الديمقراطية".
يكمل الحسيني "فيما يتعلق بالتغير الاجتماعي وتأثيره على التغيير السياسي، أو التغيير الاجتماعي وتأثيره على التغيير السياسي، العديد من علماء الاجتماع تناولوا هذا الموضوع على اعتبار أن التغيير الاجتماعي والسياسي ليس دائما ايجابيا، بل في بعض الاحيان يكون التغيير نحو الانحدار أي تغيير سلبي، فاذا ما استثمرت عوامل التقدم وعوامل التطور في المجتمعات الانسانية بشكل صحيح، عموما أن التغير الاجتماعي يتم وفق مراحل متعددة اذا ما اردنا له أن يكون ايجابيا، وفق مراحل متعددة ومناهج علمية واعتمادا على نظريات معينة فمنها ما يسمى احيانا بـ (النمو الاجتماعي)، بمعنى أن المجتمع يعيش حالة واضحة من النمو والتبديل في القيم والمعتقدات والسلوكيات وانماط التفكير".
يختم الحسيني "واحيانا اخرى يجب أن يستند إلى ما يسمى (الاصلاح الاجتماعي)، بالتالي اذا اردنا أن يكون التغيير ايجابيا لابد ان يعتريه اصلاح في العديد من جوانب المجتمع السلبية المذمومة، التي لا تنمي ولا تؤسس لحالة تطور ايجابية، وايضا هناك ما يسمى بـ (التقدم الاجتماعي) أي أن يكون المجتمع مواكبا لحالات التطور والتقدم في كل المجالات (التكنولوجية/الاقتصادية/القيمية) إلى اخره، كل هذه الامور يجب أن تعتمد عليها عملية التغيير أو التغير الاجتماعي كي يكون التغيير نافعا وايجابيا، وبالنتيجة هو يؤثر تأثيرا ايجابيا على النظام السياسي في اي دولة من الدول".
التغير كامن والتغيير ظاهر
- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يتصور أن "التغيّر كامن والتغيير ظاهر، فالتغير يحصل لدى الانسان من دون أن يدركه الانسان نفسه لأنه كامن وغير ظاهر، بينما التغيير هي عملية ظاهرة خارجيا، هذا التناسب بين التغيّر والتغيير مهم جدا في عملية فهم التحولات الجارية الآن، ولتقريب الفكرة اكثر نجد الطبقة السياسية الموجودة في العراق لم تلاحظ عملية التغير الاجتماعي الكبيرة التي حصلت في العراق، لذلك اخذوا يقاومونها ولا يتعاملون معها بإيجابية، لو كان هؤلاء السياسيون يدركون حقيقة التغيّر الكامن من خلال ظهور طبقة الشباب والتحولات التكنولوجية والتقنية، لفهموا هذه التحولات وتعاملوا معها تعاملا ايجابيا".
اضاف معاش "واذا اردنا أن نفهم عملية التغيير السياسي والتغيّر الاجتماعي، لابد أن ندرك حقيقة مفادها بأن عملية التغير هي عملية صعبة جدا، بالتالي نحن لا نستطيع القيام بعملية تغيير فجائية وكبيرة، فعلى سبيل المثال لدينا شخص يبلغ من العمر(70 أو 80) عاما متعلم على نمط من الانماط السلوكية والقيمية المتوارثة، وتأتي بعد ذلك وفي لحظة ما نوجد فيه نوعا من التغيير، هذا الامر ليس بالأمر السهل فانت تتعامل مع انسان جامد وصلب، بل ربما عملية التغيير قد تعرض هذا الشخص للكسر، فهو كالخشبة اليابسة ولا يمتلك المرونة الكافية التي يتمتع بها الشباب، لذلك هذه العملية خطرة جدا وهي تحتاج لعملية ممارسة وتعلم وملاحظة العناصر المتحكمة في عملية التغيير".
يكمل معاش "هناك عوامل ايجابية وهناك عوامل سلبية هي التي تؤدي إلى فشل عملية التغيير في اغلب الاحيان، فالإنسان وللأسف الشديد دائما ما يكون مستعجلا في عملية التغيير، على عكس ما لوحظ في البرمجيات الحاسوبية، فهذه التكنولوجيا تقوم على عملية التعلم الآلي والذاتي من خلال ممارسة الصح والخطأ فتتعلم من اخطائها حتى تصل للبرمجة الصحيحة، كذلك الانسان هو ايضا يحتاج لعملية التعلم من تجاربه واخطائه السابقة حتى يصل لعملية التغيير، لا يمكن لأي انسان أن يتجاوز ذلك الفاصل الزمني بوقت قصير حتى يتجاوز عملية التعلم فهذا صعب جدا، فالطالب حينما يدرس لا يستطيع حرق المراحل الدراسية بفترة زمنية قصيرة جدا".
اضاف معاش "لذلك فأن عملية التغيير السياسي مرتهنة بعملية التغيّر الاجتماعي، الذي لابد أن يكون تدريجيا وقائما على التجربة والخطأ والتعلم من الاخطاء وملاحظة العوامل السلبية، احد اهم العوامل السلبية التي تؤثر على عملية التغير الاجتماعي هو العنف، فالعنف عامل سلبي جدا وهو دائما ما يحجب القضايا عن مسألة التغير الايجابي ويحولها إلى تغير سلبي، العامل الاخر هو التطرف، فالعالم اليوم يشهد نوعا من الاختلال نتيجة التطرف، والتطرف ينشأ من شيئين بين (الافراط والتفريط)، فهناك المدافعون بقوة بالضد من كل عملية تغيير، وهناك المتطرفون الذين يطالبون بالتغيير الكبير والسريع ونسف كل شيء".
اضاف ايضا "هذا التطرف خطير جدا وهو عامل سلبي في عملية التغيير السياسي ويؤدي إلى نشوء انظمة ديكتاتورية وعسكرية، فالانقلاب العسكري هو عبارة عن عملية استعجال بقطف الثمار ودائما ما تفشل، فلذلك احد اسباب فشل العولمة في العالم الغربي هو هذه الفجوة التي صنعتها الليبرالية التي كانت تقود العولمة وهي التي أدت إلى حصول فجوة اجتماعية كبيرة جدا بين التقدم التكنولوجي والتقدم الاجتماعي، بمعنى أن التقدم الاجتماعي فشل بينما التقدم التكنولوجي حصل، عندها حصلت تلك الفجوة الكبيرة جدا وهي التي أدت إلى صعود الشعبويات والدكتاتوريات، وايضا بسبب تطرف الليبرالية ومطالبها الرومانسية وانفلاتها وخروجها عن القيم الانسانية المنسجمة مع فطرة الانسان".
يختم معاش "كذلك نحن اذا اردنا ان يحصل لدينا تغيير سياسي سليم في العراق، لابد من ملاحظة تلك المتغيرات السلبية وهي.. (العنف/التطرف بالمطالب/التطرف في عملية الاندماج السياسي مع الوضع السياسي)، هذه الامور بمجملها تؤدي إلى فشل التغيير السياسي كما حصل منذ ثورة العشرين، ونحن إلى الان نعيد استنساخ تجاربنا بسبب احباط التغيير وإيقاف عجلته وفشل عملية الموائمة بين التغيّر الاجتماعي والتغيير السياسي".
التغيير الثقافي ذو النزعة التدميرية
- الدكتور عدي حاتم عبد الزهرة المفرج، تدريسي في جامعة كربلاء كلية تربية اختصاصي في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، يرى أن عنوان الموضوع يجب أن يتطرق إلى التغير الثقافي ثم إلى التغير الاجتماعي، والسبب لان المجتمع لا يتحرك ما لم يكن هناك تغيرا ثقافيا، علما أن الثقافة هي مجموعة العادات والتقاليد التي تنهج سلوكا معينا لتحريك المجتمع باتجاه معين ثم التغيير السياسي، التغيير الثقافي الموجود في العراق حاليا هو ذو نزعة تدميرية لدى المجتمع، فالفرد العراقي يكاد يكون غاضبا من سوء الاوضاع الاجتماعية والخدمية وسياسات الدولة الضعيفة، فهذه النزعة التدميرية هي موجودة لدى كل المجتمعات لكن تلجمها الثقافات اي ثقافة الخوف السياسية المجتمعية، هذه الثقافات اذا كسرت وخرج الانسان عن حواجزه وعن دائرة الخوف فينطلق هذا الانسان، وهذا السلوك بحاجة إلى حكمة ودراية في معالجة هكذا سلوكيات، وفي حال ترك هذا الامر سوف يكون هناك تغيير اما ايجابي أو سلبي".
اضاف المفرج "القضية الاخرى التي تتعلق بمدرسة السيد السيستاني التي تعتبر مدرسة تقليدية، بمعنى اوضح أن مدرسة السيد السيستاني تبتعد عن السياسة كابتعاد النار عن الماء، ولكن في الفترة الاخيرة كان هناك تدخل هادئ من خلال منبر الجمعة في العتبة الحسينية المقدسة، والسبب هنا يعود لإدراك السيد السيستاني لحالة الابتعاد عن البنية الاجتماعية وانهيار الوضع العراقي نحو الهاوية فجاء التدخل، القضية الثالثة تتعلق بتكنولوجيا الاتصال التي لها دور كبير في احداث التغيير الثقافي والاجتماعي، ولكن ليس بالضرورة ان تكون ايجابية في كل الاوقات، فهي مخترقة في بعض الاحيان ومكشوفة وتوثق حالة تحركات الشباب، لذلك من اهم اسباب فشل الاحتجاجات في ايران هي كون وسائل الاتصال بأجمعها كانت مكشوفة".
يكمل المفرج "وبالتالي استطاعت القيادة الايرانية الوصول لاهم قادة الاحتجاجات، الامر الاخر أن وسائل التواصل الاجتماعي في العراق هي داء سلبي على المجتمع، والسبب لأنها ذهبت بوعي الفرد العراق من اتجاه لاتجاه معين، لذلك تراهم متناحرين متفككين بسبب تغيير الوعي عن طريق التواصل الاجتماعي، بالتالي فان شبكات التواصل الاجتماعي هي سيف ذو حدين، بالتالي هي مخترقة وتذهب بوعي الفرد العراقي لاماكن خطيرة، لذلك انا ارى أن كل تغير اجتماعي سياسي سوف يعود للطرق القديمة كـ (نظام الخلايا)".
الاقتصاد هو لاعب كبير في خلق التغيير الاجتماعي والثقافي
- الحقوقي احمد جويد (مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات)، يجد أن هناك فرق كبير إلى حد ما بين التغيير وبين التطور، التغيير اما يكون ايجابا أو سلبا، اما التطور فهو بحد ذاته هو تقدم ورقي نحو الافضل، علما أن التغيير عادة ما يحصل مع الانفتاح والتواصل مع الاخر، ففي (كوريا الشمالية) على سبيل المثال وهي من الدول المغلقة فلا يحدث فيها تغيير مفاجئ على المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو تغيير على المستوى السياسي، لان المجتمعات عندما ينفتح بعضها على البعض الاخر يحصل لديها تغيير اما على جانب السلب أو الايجاب".
يكمل جويد "اما بالنسبة للتغيير السياسي في العراق الان فيمكن ربطه بالوضع الفكري والثقافي في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي حيث كان يضاهي نسبيا وضع العراق الان على مستوى التعلم والثقافة، لكن للأسف حينما انتجت دولة عسكرية تم الارتضاء بها من قبل المجتمع العراقي وفقا لأمور اقتصادية، فالاقتصاد اليوم هو لاعب كبير في خلق التغيير الاجتماعي والثقافي، والحروب ايضا التي تطرقت اليها الورقة هي من تغير الفكر الثقافي والاجتماعي لكن نحو الاسوأ، فالدول الغربية حينما تطورت، فإنها تطورت بفعل الجانب الاقتصادي وبروز الثورة الصناعية وتطور المجتمع، خاصة في بريطانيا في العهد الفكتوري حيث تطورت تطورا كبيرا حتى وصلت لمستوى الترف الاجتماعي".
اضاف ايضا "بالتالي حينما يستقر المجتمع امنيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا يبدأ البحث عن القضايا الكمالية الاخرى مثل قضايا (الحرية /الكرامة/الرفاهية)، وهذا ينتج من خلال تغيير النظام السياسي، اما اذا كان المجتمع لا يوفر الامن إلى مواطنيه ولا يوفر لقمة العيش وهي من ابسط حقوق الانسان، عندها لا نستطيع مطالبة النظام السياسي بالحرية وبالكرامة، التطور الثقافي والاجتماعي يأتي تباعا إلى هذه القضايا، فالأمر برمته مرهون بعملية الاستقرار من الناحية..(الامنية/الامن الغذائي/الامن الصحي/ والتعليمي)".
يختم جويد "كل هذه القضايا تؤثر بشكل مباشر على المجتمع، لكن عندما يكون المجتمع جائعا ونسب البطالة عالية ولا يحظى بفرص تعليم جيدة وجوانب صحية متردية، لذلك لا يمكن لهذا المجتمع ان يبحث عن تغيير سياسي ناضج، بالتالي ما يعتبر تغييرا في العراق هو عبارة عن ثورة وليس تغييرا يتبع التغيير المجتمعي، وانما هي ثورة مجتمع ضد وضع مزري لا يستطيع المجتمع ان يتحمله".
الطوفان لن يتوقف
- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يعتقد من الامور البديهية أن يقود التغير الثقافي والاجتماعي إلى تغيير سياسي، بالتالي فان المجتمع العراقي اليوم يمر بعملية تغير ثقافي واجتماعي، واساس هذا التغيير هم اولئك الاطفال والشباب الذين يتحدون كل بطش التشكيلات والفصائل المنفلتة، ولذلك فالشباب العراقي هو الذي أحدث تلك النقلة النوعية في التحولات السياسية الكبيرة الجارية الان في العراق، وهذا الطوفان سيستمر ولن يتوقف مهما استغرق من وقت".
الشباب العراقي يستثمر وجوده على شبكات التواصل
- محمد علاء الصافي، الباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، يؤكد على أن الشباب العراقي أستطاع أن يستثمر وجوده على شبكات التواصل الاجتماعي، التي هي تعتبر وسيلة من وسائل التعبير عن الذات وطرح الرؤى والافكار والتصورات وبمختلف قطاعات الحياة المعرفية، بالتالي فان التغيير الاجتماعي بدأ من خلال الثورة الرقمية التي عززت موقف اولئك الشباب، الذين عاصروا هذا الانفتاح العالمي والتطور الصناعي والتكنلوجي والخدماتي والمؤسساتي والصحي والتعليمي، بالتالي التغير الثقافي والاجتماعي الموجود على الساحة الان يشكل قاعدة انتخابية مهمة، لذلك هذا الجيل يستطيع ان يحدث تغييرا سياسيا من خلال الانتخابات".
يكمل الصافي "علما أن هذا الخطاب المتشنج والمتطرف من قبل الشباب العراقي يعتبر خطاب متطرف اتجاه الكل تقريبا ابتداء من.. (الاستاذ/الام/الاب)، هذا الغضب جاء بفعل مجموعة مؤثرات منها عل سبيل المثال وليس الحصر أن هؤلاء الشباب عاشوا في عزلة.. من قبل المرجعية ومن قبل الاحزاب السياسية وحتى النخب المثقفة ومراكز الدراسات والابحاث، التي لم تكلف نفسها مشقة وضع استبيانات واستطلاعات لدراسة افكار اولئك الشباب واسباب نفورهم ورفضهم للواقع، لذلك هذا الامر سيشكل هوة بين مختلف طبقات المجتمع العراقي من جهة والشباب العراقي من جهة اخرى، بالتالي سيتسبب هذا التقاطع بشرخ حقيقي في المجتمع".
اي تغير ثقافي واجتماعي يؤدي إلى تغيير سياسي
- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يجيب على اصل السؤال (نعم) اي تغير اجتماعي وثقافي يؤدي إلى تغيير سياسي، وخير دليل على ذلك النهضة الاوربية التي بدأت بالثورة الفكرية اتجاه الكنيسة، وعند ذاك هذا التحول الفكري احدث نوعا من التغير الثقافي والاجتماعي ومن ثم التغيير السياسي، فخلال تلك الفترة التي قاربت (250) عاما من الثورة الفكرية تكللت بالثورة الصناعية ومن ثم الثورة الرقمية أو التكنولوجية، وهذا دليل واضح على أن التغير الثقافي يقود إلى تغيير سياسي".
يكمل الجبوري "حاليا ورغم قصر المدة الزمنية للتحول السياسي في العراق هو أحدث نوع من الانفتاح والتواصل مع الاخرين، هذا مما ادى إلى تغيير جزئي على المستوى الثقافي ومن ثم المطالبة بالتغيير السياسي، لكن هذا لا يعني بان كل تغيير سياسي هو نتيجة لتغير اجتماعي وثقافي، لان التغيير الذي حصل في العام (2003) هو ايضا تغيير سياسي فقط من دون ثقافة أو اجتماع، بل هو جاء نتيجة عامل خارجي بدعوى تغيير النظام من نظام إلى نظام اخر".
تحول جزئي وليس متكاملا
- كمال عبيد، مدير تحرير شبكة النبأ المعلوماتية، يجيب بكلمة نعم على الشق الاول من السؤال، اما بالنسبة لآفاق التحول هي تعتمد على مدى حجم التغير الثقافي والسياسي، في العراق التحول الاجتماعي والثقافي ما بعد (2003) هو تحول جزئي وليس متكامل، وهذا حقيقة واقعة. الان المطالب تغيرت والافكار تغيرت وهذا بحد ذاته نموذج واعي لحالة التغير الاجتماعي والثقافي في الوقت الراهن".
خصوصية تتوقف على ثلاثة عوامل
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يرى أن التغير الاجتماعي بالعادة يؤدي إلى تغيير سياسي في الكثير من البلدان، لكن في العراق هناك خصوصية معينة يمكن تحديدها بثلاثة عوامل.. العامل الاول الطبقة السياسية معزولة عن المجتمع، لذلك الطبقة السياسية لا تشعر بهموم المجتمع، وايضا معظم السياسيين الموجودين في العراق هم جاءوا من الخارج ولا زالوا يعيشون في جزيرة خضراء معزولة عن المجتمع العراقي، العامل الثاني وجود محركات خارجية للتغيير السياسي الحاصل الان، بمعنى اخر أن الحراك الحاصل الان هناك محركات خارجية له وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية، وهي تريد أن تغير قواعد اللعبة بين العراق وايران".
يكمل آل طعمة "الامر الثالث بالنسبة للمجتمع العراقي لا زال جزء كبير منه يقف على الحياد، فهؤلاء الناس لم يشاركوا بالتظاهرات وفي نفس الوقت هم لا يؤيدون الاحزاب السياسية، فهو يخشى من المشاركة بهذه الموجة وتكون العواقب وخيمة، من جانب اخر فان حجم المتظاهرين لا يشكلون نسبة كبيرة، وهذه اشكالية كبيرة هي التي جعلت السياسي العراقي يستهين بالتظاهرات الحاصلة الان، بالتالي هذه العوامل الثلاثة تجعلنا نعيد النظر باي تغيير سياسي حاصل في العراق وهل هو بسبب التغيير الاجتماعي".
خلط بين الفعل والفاعل (التغيّر والتغيير)
يرد الجراح على بعض الاستفسارات والمداخلات والملاحظات التي طرحها الاخوة المتداخلين وبشيء من التفصيل خاصة فيما يتعلق بجزئية الخلط الحاصل ما بين التغير والتغيير، فالتغير شيء والتغيير شيء اخر، بالتالي نحن اصبح لدينا خلط بين الفعل والفاعل (التغير والتغيير)، التغير عادة يكون خارج عن ارادتك وهناك من عوامل التغير كـ(العامل الديني/ العامل البيولوجي/العامل البيئي/ العامل الايدلوجي/ مسالة الثورة والحروب)، بمعنى أن الفعل خارج عن ارادتك".
يكمل الجراح "التغيير ليس خارج عن ارادتك، بل كل تغيير هو يقتضي ارادة واعية، بالتالي السؤال يطرح على النحو الاتي هل الطبقة السياسية العراقية وحتى لو كانت معنية بالتغير الاجتماعي والثقافي هل هي تمتلك ارادة للتغيير السياسي؟، الجواب كلا هي لا تمتلك ارادة للتغيير، والسبب لأنها لم تتخذ قرارا بهذا المعنى كحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة او كتابة دستور يليق بالعصر الحالي.
اضاف ايضا "التجارب التي مرت بها الدول العربية بعد الاستقلال اي في فترة نشوء الدول الوطنية في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، لاحظنا وجود تغير في العمران في الازياء في الشوارع، هذا يسمى تحديثا فهل استقرت واستوطنت الحداثة في مجتمعاتنا، الجواب كلا لدينا تحديث بدون حداثة، ولدينا تصنيع بدون صناعة، ولهذا يحصل عندنا نوع من الانكفاء والتراجع خطوات، فنحن على سبيل المثال عندما استعرنا المنتج الفكري الغربي كما هو الحال مع الديمقراطية، هل استعرنا كل البنية الفلسفية التي تتشكل منها، الجواب كلا اتينا بالصندوق الانتخابي فقط".
كما اشار الجراح "ولهذا كل تغيير سياسي لن يحدث في العراق حتى لو حدثت تغيرات اجتماعية وثقافية، علما أن التغير الثقافي والاجتماعي يستغرق فترات طويلة.
ايضا حول الايجابية والسلبية الورقة لم تطلق احكام قيمية واخلاقية حول التغيرات، بالتالي أن مسالة الايجابية والسلبية تتشكل من خلال موقفك الشخصي من هذه التغيرات، معظم من يجلس في هذه الجلسة تقريبا هو في عزلة عن الشباب، لذلك نحن نحاكم هؤلاء الشباب وفق تصورات اخلاقية معينة من مثل..(الملبس/تسريحة الشعر) وكأنما هناك نوع من الاستهانة بشخصيته، وننسى انه في يوم من الايام نحن كنا في عمر هذا الشاب، وكنا متمردين ايضا على المحيط الذي نعيش فيه وعلى ابائنا وعلى جيراننا الذين هم الان بأعمارنا".
كما اردف الجراح "الامر الاخر أن الطرق القديمة في التغيير لن تعود مرة اخرى من مثل التلفزيون الذي سوف ينقرض بعد فترة من الزمن، وكذلك الحال بالنسبة للصحافة الورقية المطبوعة ايضا بدأت بالتلاشي والانقراض، اليوم نحن نعيش لحظة الاعتناء بالعاجل وليس بالآجل، وهاتين المفردتين لهما علاقة بمتبنيات دينية وتمثلات تدينية (الآجل والعاجل)، بمعنى عليك ان تعيش اللحظة ودع اللحظة القادمة، كذلك وردت مسالة البداهة كتحصيل حاصل، لا ليس من البديهي ان كل تغير اجتماعي وثقافي يقود إلى التغيير السياسي".
{img_3}
السؤال الثاني: هل يمكن حل الاشكالية القائمة بين الشأن الاجتماعي الثقافي وبين الشأن السياسي في تدبير مجتمعاتنا ودولنا، وكيف يكون ذلك؟
- الدكتور قحطان حسين الحسيني، يعتقد من الامور التي هي محل جدل كبير جدا لدى المهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي على السواء، من يؤثر في الآخر هل النظام السياسي يؤثر في المجتمع ويوجهه باتجاهات معينة ام العكس، ام المجتمع هو الذي يؤثر في النظام السياسي ويحدد اتجاهاته، طبعا المسألة مختلف عليها جدا خصوصا اذا ما ميزنا ما بين الانظمة السياسية، فاذا كان النظام دكتاتوريا فهو الذي يحدد اتجاهات المجتمع ويرسم قيمه وسلوكياته ويضبطه باتجاه فلسفة النظام الحاكم، اما في النظام الديمقراطي وان كان هناك تأثر وتأثير متبادل، لكن من يحدد معالم النظام السياسي وملامحه هو المجتمع بحركته بثقافته بتطوراته".
اضاف الحسيني "هذه الاشكالية تختلف من دولة إلى اخرى ومن المجتمع إلى اخر، لكن لابد من التركيز على المجتمع وامكانية تأثيره في النظام السياسي حتى في ظل الانظمة الاستبدادية، هناك مجتمعات هي بطبيعتها متجددة متحركة منتجة فكريا، وهي دائما ما تخضع ثقافتها وسلوكياتها وانماط تفكيرها الى التطور والتحديث المتواصل، هذه هي من تؤثر حتى في النظام الاستبدادي وتعمل بمرور الوقت على تغيره".
يكمل الحسيني "لكن هناك بعض المجتمعات وبعض الشعوب وبعض الانظمة السياسية تعاني من معوقات كثيرة وعقبات وكوابح، تساهم في منع أو تقييد حرية المجتمع ومنعه من تحديث نفسه، على سبيل المثال من هذه المعوقات: المؤسسات السياسية والدينية والاجتماعية، هذه كوابح نحو التغيير الاجتماعي والثقافي، فالمؤسسات السياسية والاحزاب الراديكالية هي دائما ترفض التحديث وترفض التجديد في قيم وانماط المجتمع، بالتالي هي تريد للمجتمع أن يستمر على هذه الفلسفة وهذا المنهج إلى اطول مدة ممكنة، لان باستمرار هذه العقلية سوف يستمر حكمها لمدة اطول".
اضاف ايضا "وكذلك المؤسسات الدينية التي ترفض كل حديث وترفض كل ما يخالف معتقدها ومنهج تفكيرها وفلسفتها، المؤسسات الاجتماعية ايضا وعلى رأسها العشائر هي ترفض التحديث وترفض التغيير الاجتماعي والثقافي، الذي يتناقض مع مصلحة العشيرة وهيمنة العشيرة على المجتمع، ايضا عدم الانسجام والتواصل والموائمة بين تركيبة المجتمع يساهم في عرقلة التغيير الاجتماعي والسياسي، احيانا ايضا انعدام التخطيط وانعدام وقلة الاختراع والابتكار والعقول النيرة المفكرة في المجتمع، كل هؤلاء يفكرون بآلية كلاسيكية تقليدية لا تبحث عن الجديد وعن طرق التفكير الحديثة والمبتكرة، التي من الممكن أن تحدث نقلة نوعية في طرائق التفكير وانماط التفكير والسلوكيات والاجتماعيات".
- الشيخ مرتضى معاش، يستفسر عن "من يتحكم في التغيير هل النخب السياسية أو غير السياسية هي التي تتحكم بتشكيل النظام السياسي والنظام الاجتماعي، او أن المجتمع بما يملكه من قيم ثقافية واجتماعية اقتصادية هي التي تجعله يتحكم في تشكيل النظام الحاكم سواء كان سياسيا أو غير سياسي، الاغلب يعتقد بأن هناك نخبة هي من تحكم العالم وهم بعدد اصابع اليد الواحدة اي (خمسة)، هذا الاستنتاج غير صحيح وهو نوع من انواع التبسيط يلجأ اليه البعض حتى لايفهم، علما أن غالبية هؤلاء الناس الذين يبسطون الامور هم لا يريدون الفهم، ولكن العالم معقد والانسان بحد ذاته معقد فكيف بالمجتمعات، وهذا التبسيط في الفهم ينتج لنا كوارث".
اضاف معاش "الدكتاتور مثلا يعتقد بانه يستطيع ان يقتل وأن يخوض حروبا وأن يتحكم بمقدرات الناس ولكنه في النتيجة لا يصل لأي شيء، لذلك الاشياء الكامنة في المجتمع وخاصة الاشياء الخيرة لدى الانسان هي التي تستطيع التغيير، بالتالي هذا المعنى عامل مهم في صنع التغيير السياسي، لكن مع الاسف الشديد الطبقة السياسية التي حكمت العراق ولا زالت تحكم وسوف تحكم هي لا تؤمن بأسلوب الخير عند الانسان، بل هم عبارة عن جماعات عدمية وعبثية تؤمن بالسلاح وبالهيمنة وبالتسلط وباستعباد الانسان، وهذا امر خطير جدا ومخرجاته كارثية".
يكمل معاش "لذلك على النخب وقياداتها أن تدرك العوامل الكامنة والتغير الكامن في داخل المجتمع، حتى تستطيع أن تستجيب له وهو ما يطلق عليه (التحدي والاستجابة)، الاستجابة الصحيحة للتحديات هي التي تخلق التغيير الصحيح، والامثال هناك كثيرة في ايران وقفوا بوجه التغيير الان يواجهون ازمة شديد جدا، في مصر ايضا وقفوا امام التغيير الحقيقي بعد فترة من الزمن يحصل الانفجار الكبير الذي سيؤدي للانهيار في مصر، لذا لابد على الحاكم العاقل الاستجابة للتحدي، فالتغيير السياسي الناجح يحصل عندما تستجيب النخب لحاجات الناس والتغير الكامن في داخلها، استجابة صحيحة واعية قادرة على ان تقوده للمستقبل، فالمجتمعات الناجحة هي التي استطاعت الاستجابة للتحولات الكامنة".
- الدكتور عدي حاتم عبد الزهرة المفرج، يرى أن اي تغيير ثقافي أو اجتماعي ثم سياسي لا ينجح الا بالاستناد على الطرق القديمة، الامر الاخر الحداثة والتحديث نحن في علم التاريخ لدينا موقف معين من الحداثة لأنها مقترنة بالغرب وبالولايات المتحدة الامريكية خاصة، مثلا لدينا مشروع مارشال لتحديث غرب اوروبا بغضا بالمعسكر الشرقي اي الاتحاد السوفيتي واوروبا الشرقية، وبالتالي نجح التحديث في بريطانيا وفرنسا والمانيا واسبانيا واصبحت نموذجا يحتذى به بغضا بالعالم الاشتراكي الموجود في شرق اوروبا، ايضا لدينا نموذج اخر تحديث الولايات المتحدة الامريكية لكوريا الجنوبية بغضا بالاتحاد السوفيتي لتحديثه كوريا الشمالية".
يكمل المفرج "الحداثة والتحديث حينما تزرع في العالم العربي دائما مقرونة بأجندة، لذلك نجد المعونات الاقتصادية والحداثة الغربية مرتبطة باتجاهات واهداف معينة، الان مثلا المعونات الاقتصادية متجهة نحو العالم الاسلامي لأهداف ومخططات مرسومة سلفا، والدليل على ذلك الحداثة والتحديث التي جاءت للعراق في سبعينيات القرن الماضية هي التي افرزت الحرب العراقية الايرانية".
- الحقوقي احمد جويد، يرى أن المجتمعات العربية هي مجتمعات تميل نحو التقليد دائما، حتى قضية التظاهر والتعبير عن بعض الافكار نراها تتداول بين شعب واخر ودولة واخرى، وهذا نوع من انواع التقليد الذي ينقسم إلى قسمين تقليد اعمى وتقليد عاطفي ولا ينبع من ثقافة داخلية، بالتالي على الشباب العراقي أن يجد لنفسه خطا معينا يميزه عن انماط الاحتجاج المألوف، بالتالي استطاع الشباب العراقي أن يثبت وجوده في ساحات الاعتصام وبأساليب مبتكرة لإبراز الجانب الايجابي من التظاهر".
- علي حسين عبيد، يعتقد بوجود خلل وتقصير كبير من قبل النخبة المثقفة في جانب التغيير السياسي، وهذه ليست مشكلة الواقع العراقي اليوم بل هي ازمة متجذرة باستثناء الجيل الخمسيني، ما بعد هذا الجيل كان هناك تقاعس واضح لدى النخبة الثقافية والفكرية في العراق والوطن العربي، مقص الرقيب على سبيل المثال يلغي كتابا كاملا من (200) صفحة لمجرد وجود جملة واحدة فقط، بالتالي على المثقف العراقي أن يأخذ دوره وأن لا يكون تابعا لجهة سياسية معينة".
- محمد علاء الصافي، يؤكد على أن اهم معوقات التغيير ان الطبقة السياسية مرهونة للخارج ولا تنظر للشعب العراقي، كذلك بالنسبة لإرادة التغيير هل هي متوفرة ام غير متوفرة لدى الطبقة السياسية؟، الجواب كلا غير متوفرة، ايضا العراق لا يمتلك رجال دولة، بل لدينا رجال سلطة وهؤلاء يفكرون بالانتخابات، ايضا لدينا مصطلح (المقاول السياسي) الذي يفكر بالمكاسب التي يحصل عليها، لذلك عملية التغيير هي صعبة وصعبة جدا لعدم توفر رجال ونساء الدولة".
- حامد عبد الحسين الجبوري، يستعين بمفردة للمفكر الجزائري مالك بن نبي حينما يقول (ما استعمروك الا أنهم وجودك قابلا للاستعمار)، اذن المسالة تتعلق فينا فنحن لسنا اقوياء ولا توجد لدينا مصدات، بالنتيجة تحصل عملية الفلترة ورفض كل العلائق والشوائب الزائدة والمرفوضة، اما بخصوص السؤال فمتى ما غادرنا عالم الاشياء وعالم الاشخاص والذهاب نحو عالم الافكار ستحل هذه الاشكالية، اليوم نحن دائما ما نقدس الاشخاص والزعامات السياسية والدينية ونقدس الاشياء ولا نهتم بالفكرة، فعلى على سبيل المثال لو جاءت الفكرة من انسان عادي لا نقيم لها وزنا، اما اذا جاءت الفكرة من شخص ذو موقع اجتماعي او سياسي او ديني يكون لها صدى كبير، وهذا هو العائق الرئيسي امام الديمقراطية التي اتينا بها كآلية للحكم فقط وليس لبناء مجتمع وحياة".
- الدكتور خالد عليوي العرداوي، قال "لا يمكن فك الاشكالية بين الشأن السياسي والشأن الاجتماعي والثقافي اطلاقا، خصوصا في مجتمعات مثل المجتمعات العربية والاسلامية ومجتمع مثل المجتمع العراقي، الذي يتنفس السياسة ويعيش في السياسة، الحدث السياسي له الغلبة على الشأن الثقافي والاجتماعي، لذلك لا يمكن فك الارتباط بين الطرفين، فكل تطور يحصل في الجانب السياسي سوف يترك تأثيرا وتأثرا في الجانب الثقافي والاجتماعي، وهذه حقيقة واقعية فالنظام السياسي بما هو نظام سياسي له العلوية على بقية الانظمة اي على النظام الاقتصادي وعلى النظام الاجتماعي وعلى النظام الثقافي".
اضاف العرداوي "اليوم حتى في الدول الغربية لا تستطيع فك الارتباط بين الطرفين، ولكن التأثير المتبادل بين النظام الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي يكون تأثيرا ايجابيا ومرة يكون التأثير تأثيرا سلبيا، فنلاحظ في العراق أن التأثير كان تأثيرا سلبيا، بمعنى أن الجانب السياسي دائما تأثيره مدمر للجانب الاجتماعي والثقافي، وحتى القيم الجميلة داخل المجتمع الاهلي التي تعكس الموروث الثقافي العراقي تدخل الشأن السياسي فيها وحاول تدميرها بشكل سلبي، وحتى قضية التفكك الاسري هي انعكاس لمشاكل سياسية، فحينما فشل البعد السياسي عن معالجة اوضاع المجتمع، انعكس سلبا على النظام الاجتماعي لدينا، بالتالي لا يمكن فك الارتباط".
يكمل العرداوي "ولكن هذا لا يعني بان الوضع سيبقى على ما هو عليه. الجواب كلا نحن مقبلين على تغيير كبير، هذا التغيير اذا لم نحسن التعامل معه سوف نذهب لسيناريوهات سيئة لمستقبل العراق ومستقبل التماسك الاجتماعي والثقافي العراقي، واذا احسنا التعامل معه سوف يكون عنصر قوة ودعم لبناء الدولة، لذلك انا شخصيا انطلق من فكرة ممارسة التأثير على النخبة نفسها عند ذاك سوف يكون التأثير اكبر، علما أن استجابة النخبة للتغيير تكون نتائجها ايجابية، واقرب مثال على ذلك قصة نبي الله يوسف عليه السلام حيث استطاع التأثير على النخبة، وهذه الخبة الحاكمة تقبلت النصيحة فكانت النتائج ايجابية على نظام الحكم في مصر، بالتالي حفظ الله سبحانه وتعالى نظام الحكم وحفظ النظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي ووصلوا إلى شاطئ الامان".
اضاف ايضا "التغيير سوف يحصل داخل العراق ولكن النخب ان لم تستطع تقبل هذا التغيير تكون النتيجة الهلاك كنظام فرعون، نحن في العراق نحتاج لنخبة اجتماعية وثقافية وسياسية تتقبل التغيير ولا تتخندق بالضد منه، حتى نستطيع أن نحمي بنية بقية الانظمة التي هي الثقافية الاقتصادية الاجتماعية".
يختم الجراح أن مطالبة الشباب بالوعي فهؤلاء الشباب لا يقرؤون المطولات، بل دائما ما يميلون نحو العاجل لأنه عبارة عن تكثيف المطالبة بعبارة مختصرة، ولهذا نجد التغريدات والبوستات التي هي اكثر تأثيرا وفاعلية في الاوساط الشبابية، اما بخصوص تأثير الناس البسطاء بالسياسة يمكن مراجعة كتاب اصف بيات ويحمل عنوان (الحياة والسياسة كيف يؤثر بسطاء الناس في الشرق الاوسط)، ولديه اشارة مهمة حول تلك الحركات الشعبية ويطلق عليها اسم (اللا حركات)، لانك لا تستطيع أن تستوعب تلك التحركات ومطابقتها مع الحركات الاجتماعية السابقة التي ظهرت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ايضا وردت مفردة (التقليد) وهذا عكس فكرة التثاقف اي انتقال بعض الظواهر الثقافية الفكرية من مجتمع لآخر نتيجة الاحتكاك والتواصل، وكل المجتمعات فيها حركة تثاقف ومثاقفة مستمرة".
{img_4}