كلّن يعني كلّن: هل تنجح ثورة اللبنانيين بكسر شوكة الفساد؟
عبد الامير رويح
2019-10-23 09:14
يشهد لبنان هذا البلد الصغير الذي يعاني من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية، واتساع رقعة الفساد المالي والاداري الذي اثر سلباً على الحياة العامة، ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. موجة احتجاجات عارمة غطت معظم المدن اللبنانية، حيث خرج وكما نقلت بعض المصادر، الالاف من اللبنانيين إلى الشوارع للتظاهر احتجاجاً على فشل السلطات في إدارة الأزمة الاقتصادية، في وقت تبادلت القوى السياسية الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور الوضع. وتشهد العاصمة ومناطق عدة حراكاً جامعاً لم يستثن منطقة أو حزباً أو طائفة أو زعيماً، في تظاهرات غير مسبوقة منذ سنوات، رفضاً لتوجه الحكومة إلى إقرار ضرائب جديدة في وقت لم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة.
وفي مؤشر على حجم النقمة الشعبية، بدا لافتاً خروج تظاهرات غاضبة في مناطق محسوبة على تيارات سياسية نافذة، أحرق ومزق فيها المتظاهرون صوراً لزعماء وقادة سياسيين. وتوسعت التظاهرات من بيروت إلى كافة المناطق، خصوصاً في طرابلس شمالاً والنبطية جنوباً، وبدأت التظاهرات بعد ساعات من فرض الحكومة رسماً بقيمة 20 سنتاً على التخابر على التطبيقات الخلوية، بينها خدمة واتساب، لكنها سرعان ما تراجعت عن قرارها على وقع الحراك الشعبي. وتصاعدت نقمة الشارع خلال الأسابيع الأخيرة إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية التي تراجعت في السوق السوداء مقابل الدولار، وتوجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة وسط مؤشرات على انهيار اقتصادي وشيك.
ويكرر المتظاهرون مطلب "الشعب يريد إسقاط النظام"، مطالبين بعزل كافة الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والهدر والمحاصصة. وسلّطت التظاهرات الضوء على الانقسام بين فريقين داخل الحكومة، تتباين وجهات نظرهما حول إجراء الإصلاحات من جهة، وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة ثانية. وسجل الاقتصاد اللبناني في العام 2018 نمواً بالكاد بلغ 0,2 بالمئة، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.
الجيش ونصرالله
وفي هذا الشأن أعلن الجيش اللبناني "تضامنه الكامل" مع مطالب المتظاهرين "المحقة"، ودعاهم إلى التجاوب مع القوى الأمنية لتسهيل أمور المواطنين. ودعت قيادة الجيش اللبناني في بيان نشر على فيسبوك، "جميع المواطنين المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم المرتبطة مباشرةً بمعيشتهم وكرامتهم إلى التعبير بشكلٍ سلميّ وعدم السماح بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة". جاء بيان الجيش بعد كلمة ألقاها أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله رفض فيها استقالة الحكومة الحالية، التي يشارك فيها الحزب، لأنها إذا استقالت سوف يستغرق الأمر "سنة أو سنتين لتشكيل حكومة جديدة".
وقال أمين حزب الله، "لتستمر هذه الحكومة لكن بروح جديدة ومنهجية جديدة واخذ العبرة مما جرى على مستوى الانفجار الشعبي". كما حذر نصر الله في كلمة متلفزة مخاطبا المتظاهرين، من أن حزب الله سوف ينزل إلى الشارع ولن يخرج، وأضاف "ستجدوننا جميعا في الشارع ونغير كل المعادلات". " وإذا نزلنا إلى الشارع لا نستطيع أن نخرج قبل تحقيق الأهداف التي نزلنا لأجلها".
يأتي ذلك بعد دخول الاحتجاجات الشعبية الغاضبة على تردي الأوضاع الاقتصادية والفساد وتحولت بعض المناطق إلى ما يشبه ساحة الحرب مع اشعال متظاهرين النار في إطارات السيارات وتحطيم واجهات محلات ومقرات حكومية. وردت قوات مكافحة الشغب بقنابل الغاز والرصاص المطاطي، مما أدى لإصابة عشرات المتظاهرين واعتقال أخرين. وقال جهاز الأمن الداخلي اللبناني إن 52 شرطيا أصيبوا في المواجهات وتم اعتقال 70 شخصا على الأقل.
وكان رئيس الوزراء سعد الحريري، قد أمهل من أسماهم "الشركاء السياسيين" في الحكومة 72 ساعة (ثلاثة أيام) للتوافق على إصلاحات تساهم في الخروج من الأزمة الحالية وإرضاء المتظاهرين الغاضبين. وقال الحريري في خطاب، " أنا شخصيا منحت نفسي وقتا قصيرا جدا، إما أن يعطينا شركاؤنا في التسوية والحكومة جوابا واضحا وحاسما ونهائيا يقنعني ويقنع اللبنانيين والمجتمع الدولي، بأن هناك رغبة لدى الجميع للإصلاح ووقف الهدر والفساد أو أن يكون لدي كلام آخر".
واشتعلت الاحتجاجات بعد تقارير عن مناقشة الحكومة فرض ضرائب جديدة على استخدام خدمة واتس آب للتواصل عبر الإنترنت. وعلق نصر الله في كلمته التي جاءت بمناسبة إحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين، بأن "الحكومة لم تتخذ قرارا بضرائب جديدة وهذا كان موضع نقاش"، وحذر من أن "معالجة الوضع الاقتصادي بالضرائب والرسوم سيؤدي إلى انفجار شعبي". وحذر نصر الله من أنه سيكون هناك محاكمة لأي فصيل يحاول "الهروب من مسؤولياته"، "من يهرب من تحمل (المسؤولية) أمام الوضع القائم يجب أن يحاكم خصوصا أولئك الذين أوصلوا البلد الى هذا الوضع الصعب".
وقال أمين عام حزب الله للمتظاهرين "أهمية حركتكم انها كانت عفوية وصادقة لا يقف أي حزب وأي تنظيم وأي سفارة أجنبية خلفها، ونحن جميعا نحترم قراركم بالتظاهر ونقدر صرختكم المعبرة عن وجعكم رسالتكم وصلت إلى المسؤولين جميعا ووصلت قوية". كما حذر نصر الله القوى السياسية من محاولة اسقاط "العهد" في إشارة إلى الرئيس ميشال عون. وقال :"للقوى السياسية التي تريد الأن في هذا التوقيت السيء والحساس أن تخوض معركة اسقاط العهد أنتم تضيعون وقتكم ووقت البلد، و"العهد" لا تستطيعون اسقاطه". بحسب رويترز.
ويشار بالعهد في لبنان إلى فترة حكم رئيس الجمهورية، وقد انتخب الرئيس الحالي ميشال عون عام 2016، ويستمر في الحكم 6 سنوات. ورغم أن الحكومة اللبنانية هي حكومة وحدة تضم معظم الأطراف السياسية في البلاد، يقودها سعد الحريري من تيار المستقبل، بجانب أحزاب أخرى مثل التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، إلا أن الغلبة العددية فيها لتحالف حزب الله والتيار الوطني الحر وشخصيات أخرى مقربة من الحزب.
إجراءات حكومية
من جانب اخر أقر مجلس الوزراء وكما نقلت بعض المصادر، مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المقبل وسلسلة إجراءات لمواجهة الأزمة الراهنة. وفي مؤتمر صحفي عقده بعد جلسة للحكومة أقرت هذه الإجراءات، أكد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عدم فرض ضرائب جديدة على المواطنين، وخفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50%، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد قبل نهاية العام الجاري، والعمل على إعداد مشروع قانون لاستعادة الأموال المنهوبة.
وقال الحريري إن الحكومة تخطط أيضا للموافقة في غضون ثلاثة أسابيع على المرحلة الأولى من برنامج استثماري تعهد المانحون بتمويله بمبلغ 11 مليار دولار وكان مشروطا بتنفيذ الإصلاحات. وأضاف الحريري "نحن اليوم اتخذنا إجراءات في مكافحة الفساد ومكافحة الهدر، عملنا مشاريع كبيرة، وصلنا إلى موازنة عجز 0.63 هذا أكبر إنجاز قمنا به وأتحدى بتاريخ الحكومات أن يكون مثل هذا الأمر قد تحقق"، معتبرا أن هذا الأمر يعتبر انقلابا ماليا بالنسبة للعام 2020.
وأقرّ الحريري بأن هذه القرارات قد لا ترضي المتظاهرين، وأكد أنها "ليست متخذة للمقايضة" على خروجهم من الشارع، مخاطبا إياهم بالقول "أنتم من تتخذون هذا القرار ولا أحد يعطيكم المهلة". وما أن أنهى الحريري كلمته التي تابعها المتظاهرون في وسط بيروت حتى بدؤوا بالهتاف "ثورة، ثورة"و"الشعب يريد إسقاط النظام". وقال المحلل السياسي أمين قمورية إن السرعة في إقرار ورقة اقتصادية إصلاحية عجزت الحكومة عن إقرارها طيلة تسعة أشهر كان مثار استغراب المواطنين في الشوارع والساحات.
وأضاف أن ما قدمته الحكومة "لا يردم هوة الثقة التي تتسع بين المواطنين والسلطة، فجزء كبير من بنود الورقة الإصلاحية مشكوك بأمره وبصحة تنفيذه، وبنود أخرى كانت في الأدراج أخرجت بسرعة فائقة". ورأى المحلل السياسي إبراهيم حيدر أن الخطة الحكومية بحاجة إلى إصلاحات جدية وفترات زمنية محددة ونقاط ملموسة، وتوقع استمرار الأزمة ما لم تجد الحكومة حلا فعليا. لكنه قال إن مطلب استقالة الحريري دونه عقبات، لأن هناك "تمنيات دولية كبيرة بألا يستقيل، إضافة إلى قوى أساسية في لبنان لا تريد استقالته وخصوصا حزب الله وتيار رئيس الجمهورية".
من جهته، قال الحزب الشيوعي اللبناني إن ما يحصل في لبنان هو انتفاضة شعبية لفرض ما وصفه بتغيير في تكوين السلطة. وقدم الحزب مبادرة لحل الأزمة تتضمن تلبية مطالب الشعب اللبناني واستقالة الحكومة فورا، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية تتولى تنفيذ إجراء انتخابات نيابية مبكرة واتخاذ إجراءات فورية تبدأ باستعادة المال العام ووضع نظام ضريبي عادل.
ودعا الحزب المتظاهرين إلى إنتاج أطر عمل مشتركة لتنظيم ما سماها الانتفاضة وتصعيدها في بيروت والمناطق من أجل تحقيق أهدافها. في هذه الأثناء، أكد وزير الصناعة اللبناني وائل أبو فاعور أن انسحاب وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي من جلسة الحكومة كان بسبب عدم الأخذ برأيهما في بعض القضايا. وأشار أبو فاعور في مؤتمر صحفي ببيروت إلى أن ما وصفه بمنطق الاستبداد لطرف سياسي في الحكومة ما زال مستمرا، وأن البعض ما زال يعيش في فترة ما قبل اندلاع المظاهرات في الشارع. من جهتها، قالت جمعية مصارف لبنان إن البنوك ستبقى مغلقة إلى أن يتحسن الوضع في البلاد.
وتأتي هذه التطورات في وقت تستمر فيه الاحتجاجات الشعبية في عدد من المناطق للمطالبة باستقالة الحكومة ورحيل رموز النظام السياسي واستعادة الأموال المنهوبة. كما يستمر قطع عدد من الطرق في بعض شوارع العاصمة والمناطق الأخرى، في ظل دعوات من نقابات واتحادات عمالية إلى استمرار التحركات الشعبية والإضراب العام.