السعودية صانعة الحرب.. فشل في صنع السلام وانفلات لاخطار القاعدة

وكالات

2015-04-24 09:08

تقود السعودية حملة لقصف المقاتلين الحوثيين في اليمن منذ أربعة أسابيع لكنها قد تكون أقرب قليلا إلى بسط نفوذها في جارتها التي تمزقها الحرب.

وفي حين أعلنت السعودية انتهاء عملية "عاصفة الحزم التي قادتها ضد جماعة الحوثيين اليمنية المتحالفة مع إيران - منافستها الإقليمية - فإن المملكة ستواجه اختبارا لمهاراتها الدبلوماسية حين تحاول الترتيب لمحادثات بين الفصائل اليمنية. بحسب رويترز.

لقد ساعد القصف في منع الحوثيين من السيطرة الكاملة على عدن الميناء الرئيسي في اليمن لكنه لم يقض على المكاسب العسكرية التي حققوها في الشهور الماضية وتمثلت في سيطرتهم على العاصمة صنعاء وتوحيد صفوفهم مع وحدات من الجيش موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح فأصبحوا القوة الأكثر تأثيرا في البلاد.

وتقول السعودية إنها أوقفت عمليتها الجوية الأساسية "عاصفة الحزم" لكنها ستواصل قصف الحوثيين والموالين لصالح إذا قاموا بتحركات عسكرية.

لم تتوقف الضربات الجوية لكن وتيرتها تراجعت.

ونتيجة للحرب عانى عشرات الآلاف من الجوع وشردوا كما أنها أتاحت لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب فرع القاعدة في اليمن مجالا أوسع لممارسة أنشطته. وتستهدف الولايات المتحدة التنظيم بضربات جوية لا تعلن عنها باستخدام طائرات بدون طيار.

وأصبح شيوخ القبائل الذين ربطت البعض منهم صلات بالقاعدة في السابق القوة المهيمنة في محافظة منتجة للنفط بشرق البلاد.

ولعل أكثر ما يزعج السعودية هو أن الحوثيين ما زالوا يخوضون معارك في جنوب اليمن ضد مؤيدي الرئيس عبد ربه منصور هادي المتحالف معها والمقيم حاليا في الرياض.

وفي حين أن المملكة يمكن أن تشعر بالارتياح لقرار واشنطن إرسال حاملة طائرات للمساعدة في منع دخول أي شحنات سلاح إيرانية للحوثيين فإن الحاملة والضربات الجوية قد لا تساعدها في جمع شتات اليمن.

يقول مؤيدو التدخل العسكري السعودي إنه يمثل اللحظة التي أخذت فيها المملكة زمام المبادرة بعد نمو النفوذ الإقليمي الإيراني على مدى سنوات. ويرون أن السعودية لم يكن أمامها خيارات تذكر بعد أن تقدم الحوثيون بسرعة صوب عدن آخر موطئ قدم لهادي.

لكن المنتقدين يقولون إن الضربات بدأت في غياب ما يكفي من التفكير المسبق في تأمين تسوية سياسية في نهاية المطاف خاصة على ضوء أنه لم يكن من المرجح على الإطلاق أن تنزل حملة القصف الجوي هزيمة حاسمة بالحوثيين وصالح.

قال رامي خوري المحلل السياسي من الجامعة الأمريكية في بيروت إن القادة السعوديين قرروا تنفيذ الحملة الجوية بعد أن حركتهم حاجة إلى إستعراض القوة وإظهار أن بمقدورهم إدارة مصلحتهم الوطنية دون انتظار الولايات المتحدة. بحسب رويترز.

ووجدت السعودية التي ظلت لوقت طويل "القوة الناعمة" ذات الوزن الثقيل بسبب ثروتها النفطية الضخمة متعة في القيام بدور قيادي في حرب إقليمية تصدرت فيها تحالفا للدول السنية ضد الحوثيين الشيعة.

وفي وقت تراجع فيه استعداد واشنطن لنشر قواتها في المنطقة بدأ حكام السعودية في تبني سياسات إقليمية أكثر حزما.

كان اليمن أول اختبار كبير للملك سلمان وفريقه بعد وفاة سلفه الملك عبد الله في يناير كانون الثاني.

قال المعلق السعودي البارز جمال خاشقجي إن السعودية تشجعت بعد أن نجحت في الحد من التوسع الحوثي في اليمن.

وأضاف أنه لولا التدخل السعودي لصارت الدولة بالكامل تحت سيطرة الحوثيين.

ولا يزال التأييد للمملكة عميقا في جنوب اليمن حيث تصدى مقاتلون محليون لتقدم الحوثيين في مئات الكيلومترات من الأراضي بدعم من الضربات الجوية السعودية وأسلحة أسقطت من الجو.

فصور الملك سلمان مرفوعة على الحواجز التي أقامها مسلحون في عدن ترفرف عليها الأعلام السعودية أيضا. ويرحب سكان في هذه المدينة الجنوبية بأن تستمر الضربات الجوية.

وقال محمود السلامي الأستاذ بجامعة عدن إن المقاومة الجنوبية كانت لديها الإرادة وليس الوسائل لمحاربة الحوثيين. وأضاف أن الحملة الجوية السعودية نجحت في توفير الوسائل الى حد كبير وحرمت الحوثيين من تحقيق انتصار سهل. ومضى قائلا إن الجنوبيين سعداء بأن الحملة ستستمر.

ويقول دبلوماسيون إن الحملة الجوية السعودية نجحت في تدمير معظم الصواريخ والقوة الجوية اليمنية لتنهي بذلك التهديد المتمثل في هجوم مضاد قوي على المملكة أو حلفائها من دول الخليج من جانب وحدات عسكرية موالية للحوثيين أو صالح. وقد أشارت السعودية إلى هذا الإنجاز كسبب لوقف الحملة. بحسب رويترز.

لكن الحماس للعملية في الرياض يبدو أقل مما كان عليه في الأيام الأولى للضربات الجوية.

بمرور الأسابيع اتضح أن باكستان ومصر وهما أكبر دولتين سكانا ضمن دول التحالف ولهما أكبر جيشين بين جيوشها لن تقدما إلا مشاركة رمزية.

لقد أدى الحصار الجوي والبحري الذي فرضته السعودية أغنى دول شبه الجزيرة العربية على اليمن أفقر دولها إلى تحذير من اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن الوضع الإنساني في اليمن "كارثي".

ويقول دبلوماسيون إن تقديرا إنسانيا مماثلا الى جانب اكتساب تنظيم القاعدة جرأة دفع الولايات المتحدة للدعوة إلى تعليق الحملة.

وقال الناشط والكاتب اليمني فارع المسلمي إنه لابد أن السعودية شعرت بأن هذا يضر بصورتها في الغرب. ومضى قائلا إن الحصار لا يزال مستمرا وإن التجارة وواردات الغذاء لا تزال متوقفة وبالتالي فإن التغير في توجه المهمة لا يؤدي سوى لإلهاء وسائل الإعلام.

خطر القاعدة على أمن السعودية

بينما كانت السعودية توجه ضربات جوية لليمن طوال الشهر المنصرم عبر حلفاء الرياض الغربيون عن قلق متزايد من ان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يستغل الفوضى الناجمة عن الحرب ويسيطر على مزيد من الأراضي.

ورغم أن الرياض أعلنت انتهاء حملة (عاصفة الحزم) فان الضربات الجوية مازالت مستمرة ضد المسلحين الحوثيين وكذلك القتال في وسط وجنوب اليمن مما أربك الجيش اليمني المفكك وسمح لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالاستفادة من هذا الوضع.

ويدرك السعوديون ان حملة القصف تفيد تنظيم القاعدة لكنهم يرون ذلك أثرا جانبيا مؤقتا لاستراتيجية تهدف في نهاية المطاف إلى سحق جماعة متشددة من خلال عودة حكومة قوية إلى صنعاء.

وقال مصطفى العاني وهو محلل أمني على صلة وثيقة بوزارة الداخلية السعودية "كان التقييم هو انه مادامت الفوضى مستمرة في اليمن فان القاعدة ستستفيد من ذلك بشكل يؤثر كثيرا على أمن السعودية. هذا سبب رئيسي لتحركهم في اليمن واقناعهم للولايات المتحدة بالانضمام اليهم." بحسب رويترز.

وفي الاسبوع الماضي تحرك مسلحو قبائل ورجال دين سنة -بعضهم ارتبط في السابق بالقاعدة- للسيطرة على أجزاء كبيرة من محافظة حضرموت بما فيها مطار ومنشأة نفطية بعد انسحاب القوات الحكومية.

وأقام المسلحون نقاط تفتيش في المنطقة وتفاوضوا مع مسلحي تنظيم القاعدة في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت حيث يقول السكان ان التنظيم أصبح أكثر جرأة في الأسابيع القليلة الماضية بعد أن اقتحم مسلحوه السجن الرئيسي بالمدينة.

وقال العقيد منصور علي قحطاني قائد حرس الحدود السعودي في قطاع شرورة انهم يأخذون في الحسبان وجود القاعدة هناك ويحاولون الحصول على معلومات جديدة. وأضاف قحطاني ان هذا لا يعني نشر مزيد من الجنود على الحدود لكن يجعل السعوديين أكثر يقظة.

وعلى عكس القطاع الغربي من الحدود الأكثر كثافة بالسكان والذي يسيطر الحوثيون المدعومون من ايران على الجانب اليمني منه يجد حرس الحدود عند شرورة أنفسهم في مواجهة منطقة صحراوية قاحلة تتيح لمسلحي القاعدة التجول بحرية.

ولا يوجد أي نشاط عسكري في هذه المنطقة من الحدود منذ بدء الصراع في 26 مارس اذار ولم تشاهد رويترز أي أثر للجيش خلال رحلة بالسيارة استغرقت 40 دقيقة من شرورة الى نقطة عبور الوديعة.

ولتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وجود راسخ قبل بدء الضربات الجوية بوقت طويل لكن جهود الحد من وجوده عرقلها الاقتتال بين وحدات الجيش اليمني والاضطراب السياسي. وقبل عام شن التنظيم غارة عبر الحدود على شرورة قتل فيها أربعة من رجال الامن قبل ان يقتل المسلحون الثمانية في تبادل اطلاق النار.

وتعاني البلدات والقرى في وادي حضرموت الذي يخترق هضبة صحراوية في شرق اليمن من أعمال عنف مستمرة من جانب المتشددين منذ احتجاجات الربيع العربي في عام 2011 التي قوضت الحكومة في صنعاء.

وفي اليمن لا تخضع هذه الرقعة من الصحراء -التي تمثل امتدادا لصحراء الربع الخالي- لسيطرة الحكومة مما يجعلها مكانا مفتوحا أمام تنظيم القاعدة.

ويقلل قادة حرس الحدود المحليون في السعودية من مخاطر تنظيم القاعدة ويصفون الهجوم الذي نفذه العام الماضي بأنه حادث منفصل ويشيرون الى نظام الدفاع المكثف من الاسوار الشائكة والسواتر الترابية على امتداد القطاع الحدودي القريب.

وقال رجل من سكان المنطقة لرويترز ان سائق المجموعة التي نفذت هجوم القاعدة كان من مواطني شرورة مما يظهر الى أي مدى يمثل التشدد مشكلة داخلية للسعودية تتعلق بأمن الحدود. واستهدفت هجمات محلية في الاونة الاخيرة سعوديين شيعة ورجال شرطة ومقيمين غربيين.

لكن مع وجود اسلاميين متشددين نشأوا في السعودية يستلهمون فكر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو تنظيم الدولة الاسلامية فإن القضاء على هذه مثل الحركات المتشددة في دول متاخمة للمملكة يمثل هدفا مهما للرياض.

ومازال معبر الوديعة الحدودي -مثل نقاط اخرى في اليمن- مفتوحا امام المسافرين الشرعيين الذين يحملون وثائق. وينحدر سكان شرورة من البدو الذين ينتمون إلى قبائل تتواجد في البلدين ومازالت تتزاوج عبر الحدود.

وقرب الحدود كان العجوز علي بن سعيد الصيعري بلحيته البيضاء يرعى إبله من على شاحنة صغيرة تجوب الرمال وكأنه شاب يافع. واعتاد الصيعري القيام بهذه الرحلة الصعبة التي تستغرق عشرة ايام مصطحبا إبله إلى حضرموت منذ ايام الاستعمار البريطاني.

واليوم .. غالبا ما يعبر الصيعري الحدود مما يظهر مدى قوة العلاقات بين السعوديين واليمنيين ويظهر أيضا كيف تؤثر المشاكل السياسية في بلد بشكل مباشر على الامن في البلد الاخر.

وقال مصطفى العاني "حدود السعودية مع اليمن هي الوحيدة المأهولة كلها بالسكان. لذلك هي حدود بها مشاكل كثيرة ومن المؤكد تمثل بالنسبة للسعودية الفناء الخلفي لأمنها."

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي