الصين وامريكا: مصالح حيوية ترتهنها الحرب التجارية

عبد الامير رويح

2017-11-18 04:10

العلاقات الصينية الأمريكية تعد من أهم وأكثر العلاقات الدولية تعقدا وتشابكا لأسباب كثيرة (اقتصادية وسياسية وعسكرية)، فالولايات المتحدة الأمريكية وكما نقلت بعض المصادر، هي أكبر اقتصاد في العالم والصين تاتي بالمرتبة الثانية، كما أن بكين أصبحت أكبر شريك تجاري لواشنطن منذ عام 2015، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 6ر519 مليار دولار أمريكي ، كما ان الصين تعد اليوم نت اهم القوى الصاعدة على الساحة الدولية وتتشابك مع الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من القضايا الإقليمية والدولية تشابكا لا يمكن تجاوزه لتسوية تلك القضايا.

وقد ظلت الصين واحدة من أهم قضايا حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ عقود، إذ تكون اللغة الحادة تجاه الصين من أدوات مرشحي الرئاسة الأمريكية لدغدغة مشاعر الناخب الأمريكي. ولم تكن انتخابات 2016 الأمريكية استثناء، فقبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، اعتبر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ومسؤولون في إدارته، أن الصين منافس استراتيجي رئيسي وليس شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية.

خلال حملته الانتخابية، وفي أيامه الأولى بالبيت الأبيض، بدت تصريحات ترامب متشددة تجاه الصين، قبل أن يعود إلى ثوابت العلاقات الصينية الأمريكية، لأسباب عديدة اهمها سياسة الصين في التعامل مع بعض التصريحات والمواقف الامريكية، ولعل الزيارة الاخيرة التي اجراها ترام بالى الصين ستغير بعض الصور والتوقعات السابقة، خصوصا وان ترامب قد سعى الى تخفيف تصريحاته السابقة بخصوص بعض القضايا المهمة.

خلال لقائه مع ترامب قال شي: "ثمة الآلاف من الأسباب التي تعمل على نجاح العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وليس هناك سبب واحد يدعو إلى قطعها." وبمناسبة مرور خمسة وأربعين عاما على تطبيع العلاقات الصينية الأمريكية، قال شي: "إن تعزيز العلاقات الثنائية خلال الخمسة والأربعين عاما الأخرى القادمة يتطلب إرادة سياسية والتزاما تاريخيا من قادة البلدين." وقال: "على الصين والولايات المتحدة الأمريكية أن يوسعا تعاونهما في مواجهة التحديات العالمية، مثل عدم انتشار الأسلحة النووية ومكافحة الجريمة العابرة للحدود." ووصف الرئيس الصيني اجتماعه الأول مع الرئيس الأمريكي بأنه يحمل أهمية فريدة لتطوير العلاقات. وقال إن الاجتماع ساعدهما على فهم بعضهما البعض بشكل أفضل وعزز ثقتهما المتبادلة، وإنهما توصلا إلى توافقات أساسية متعددة وأقاما علاقة عمل جيدة.

من جانبه، قال ترامب إن بلاده مستعدة لزيادة تعميق التعاون مع الصين في الاقتصاد والشؤون العسكرية والتبادلات الشعبية، ونقل البيت الأبيض عن ترامب عقب الاجتماع مع شي قوله: "أعتقد أننا حققنا تقدما هائلا في علاقاتنا مع الصين"، واصفا العلاقة التي طورها مع الرئيس شي بأنها "رائعة". وتعتبر محادثات شي وترامب، التي جاءت بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لتطبيع العلاقات الثنائية، نقطة انطلاق جديدة للعلاقة بين البلدين."

لقاء واشادات

وفي هذا الشأن أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الصيني شي جين بينغ ووصفه بأنه ”يحظى باحترام كبير“لدى مغادرته بكين إلى فيتنام مختتما زيارة وصفتها وسائل الإعلام الصينية بأنها وضعت ”مخططا جديدا“ للتعامل مع العلاقات الأمريكية الصينية والخلافات بين البلدين. وضغط ترامب على الصين لفعل المزيد لكبح جماح كوريا الشمالية وقال إن التجارة الثنائية غير عادلة بالنسبة للولايات المتحدة لكنه أشاد بتعهد شي بزيادة انفتاح الصين على الشركات الأجنبية.

وأشرف الرئيسان كذلك على توقيع اتفاقات تجارية بنحو 250 مليار دولار لكن لم ترد أنباء عن تقدم يذكر بشأن شكاوى الشركات الأمريكية من الوصول إلى السوق الصينية أو تحقيقات الحكومة الأمريكية في قضايا مثل سرقة الملكية الفكرية. وقبل قليل من توجهه إلى فيتنام، كتب ترامب على تويتر قائلا ”اجتماعاتي مع الرئيس شي جين بينغ كانت بناءة للغاية فيما يتعلق بكل من التجارة وموضوع كوريا الشمالية“.

وأضاف ترامب ”إنه ممثل قوي لشعبه يحظى باحترام كبير. وجودي معه ومع السيدة بنج لي يوان كان أمرا رائعا“. وكان يشير إلى زوجة شي. وأعاد ترامب التأكيد على تعليقات أدلى بها بأنه لا يحمل الصين مسؤولية الصعوبات التجارية بين البلدين. وقال ”لا ألوم الصين وإنما عدم كفاءة الإدارات السابقة لسماحها للصين باستغلال الولايات المتحدة في مجال التجارة مما أوصل إلى مرحلة تفقد الولايات المتحدة فيها مئات المليارات من الدولارات. كيف لي أن ألوم الصين لاستغلالها أناسا عاجزين عن الفهم والتعامل مع الأمور؟ لو كنت مكانها لفعلت الأمر نفسه!“.

وأسهبت الصين في الاهتمام بترامب وزوجته ميلانيا خلال الزيارة حيث رافقهما شي شخصيا في جولة بالمدينة المحرمة وهي من أهم معالم بكين. بحسب رويترز.

وكتب سو زيو هوي من معهد الصين للدراسات الدولية التابع لوزارة الخارجية في تعليق في الصفحة الرئيسية للطبعة الدولية لصحيفة الشعب الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم قائلا إن التعاون الصيني الأمريكي هو الخيار الوحيد الصحيح لكلا البلدين. وأضاف ”مخطط جديد للعلاقات الصينية الأمريكية يتكشف تدريجيا“. وفي فيتنام، ندد ترامب ب"أوهام دكتاتور" بيونغ يانغ معتبرا ان آسيا لا يمكن ان تعيش تحت تهديد هذا الاخير. واضاف ان على المنطقة "ان تكون موحدة في الاعلان أن كل خطوة يقوم بها النظام الكوري الشمالي نحو المزيد من التسلح هي خطوة نحو خطر متزايد".

كوريا الشمالية والتجارة

من جانب اخر دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين إلى بذل المزيد لتسوية قضية الأسلحة النووية الكورية الشمالية وقال إن التجارة بين البلدين غير منصفة للولايات المتحدة بينما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن بلاده ستبذل المزيد للانفتاح على الشركات الأجنبية. وفيما يخص كوريا الشمالية قال ترامب إن ”الصين يمكنها أن تسوي المشكلة بسرعة وبسهولة“ وحث بكين على قطع الروابط المالية بينها وبين كوريا الشمالية كما طالب بمساعدة روسيا في هذا السياق.

وقال ترامب إنه يعتقد أنه ”سيجد جديد“ في أزمة كوريا الشمالية وذلك في أعقاب لقاءاته مع شي. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن الرئيس الأمريكي قال لنظيره الصيني خلال محادثات في بكين إن الحكومة الأمريكية تؤيد وتتمسك بسياسة ”صين واحدة“. وبعد أن أصبح ترامب رئيسا للولايات المتحدة خالف البروتوكول المتبع وتلقى مكالمة هاتفية من رئيسة تايوان تساي إينج وين لتهنئته في ديسمبر كانون الأول الأمر الذي أغضب بكين التي تعتبر الجزيرة ذات الحكم الذاتي جزءا من أراضي الصين.

ونقلت وكالة شينخوا عن الرئيس الصيني قوله لترامب إن تايوان هي القضية الجوهرية الأكثر أهمية وحساسية في العلاقات الصينية الأمريكية. وكان ترامب يتحدث وهو يقف إلى جوار شي في العاصمة الصينية لإعلان توقيع صفقات تجارية بنحو 250 مليار دولار بين شركات أمريكية وصينية. ويخشى البعض في مجتمع الأعمال الأمريكي أن تصرف هذه الصفقات الأنظار عن معالجة الشكاوى القديمة من المشاكل التي تواجهها الشركات الأجنبية في الدخول إلى الأسواق الصينية.

وقال شي إن الاقتصاد الصيني سيصبح منفتحا وشفافا على نحو متزايد أمام الشركات الأجنبية بما فيها الشركات الأمريكية ورحب بمشاركة شركات الولايات المتحدة في مبادرته الطموح ”الحزام والطريق“. وأوضح ترامب أنه يلوم من سبقوه في الرئاسة الأمريكية لا الصين في اختلال الميزان التجاري بين البلدين وأشاد أكثر من مرة بالرئيس الصيني ووصفه بأنه ”رجل مميز جدا“.

وكان الرئيس ترامب قد صعد انتقاداته للفائض التجاري الهائل الذي تتمتع به الصين في تجارتها مع الولايات المتحدة ووصفه بأنه ”محرج“ و”فظيع“. واتهم الصين بممارسات تجارية غير عادلة. وتقول الصين من جانبها إنه لابد من معالجة القيود الأمريكية على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة.

ويزور بكين عدد من رؤساء الشركات الأمريكية في إطار وفد بقيادة وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس. ومن الشركات التي أعلنت مبيعات بمليارات الدولارات في الصين جنرال الكتريك وكوالكوم لصناعة أشباه الموصلات. غير أن الاتفاق الذي أبرمته كوالكوم بمبلغ 12 مليار دولار لتوريد منتجاتها لثلاث شركات صينية للهاتف المحمول على مدى ثلاث سنوات غير ملزم. ويقول منتقدون إن الإعلان عن مثل هذه الصفقات مسألة شكلية فقط.

وكان ترامب قد وجه انتقادات شديدة للممارسات التجارية الصينية خلال حملته في الانتخابات الرئاسية عام 2016 وهدد بأخذ إجراء في هذا الصدد عندما يتولى الرئاسة. لكنه أحجم عن فرض أي عقوبات تجارية كبرى وأوضح أنه يفعل ذلك لمنح الصين الوقت لتحقيق تقدم في كبح جماح كوريا الشمالية. وقال مسؤول أمريكي إن الجانبين متفقان في الرغبة في تقليل الاحتكاكات إلى أدنى حد ممكن خلال الزيارة.

جدار الحماية العظيم

على صعيد متصل تخطى الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاربعاء "جدار الحماية الناري العظيم" الصيني بعدد من التغريدات خلال زيارته لهذا البلد الذي يحظر استخدام الموقع الالكتروني. وغرّد ترامب رسالة اولى ليشكر الرئيس شي جينبينغ على استقباله الحار -- رغم ان منصة التواصل الاجتماعي هذه يفترض ان تكون غير مرئية في البلاد. ثم غرّد يهدد كوريا الشمالية. وتويتر من بين عدد من المواقع الالكترونية الى جانب فيسبوك وانستاغرام، تحظرها الرقابة في الصين باسم حماية الامن القومي.

لكن كان يتوقع من ترامب استخدام تكنولوجيا اكثر تطورا متاحة للرئيس الاميركي للتحايل على ما يسمونه ب"جدار الحماية العظيم" وقال مسؤولون اميركيون انه أحضر معه "معدات" "ليجعل ذلك ممكنا". وغرد ترامب صورة من زيارته للمدينة المحرمة، حيث خص شي وزوجته ترامب والسيدة الاولى ميلانيا ترامب بمراسم تخللها شرب الشاي وعرض اوبرالي. وكتب على تويتر "باسم ميلانيا وباسمي، اشكركم على الوقت الذي لا ينسى بعد الظهر ومساء في المدينة المحرمة في بكين، الرئيس شي ومدام بينغ ليوان. نتطلع للانضمام اليكما صباح الغد!".

ويبدو ان ترامب استخدم شيئا آخر علاوة على هاتفه الذكي لكتابة التغريدة: فقد برز الى جانبها وسم "مستخدم تويتر ويب" وليس "تويتر لهاتف آيفون" كما في تغريداته السابقة. وفي تغريدة اخرى كتب ترامب انه "يتطلع ليوم كامل من الاجتماعات مع الرئيس شي ووفودنا غدا. شكرا للصين على لاستقبال الجميل! ميلانيا وانا لن ننساه!". وبعد ساعات على وصف النظام الكوري الشمالي "بالديكتاتوري الوحشي" في خطاب امام برلمان كوريا الجنوبية، كتب ترامب ان بيونغ يانغ "فسرت ضبط النفس الاميركي السابق على انه ضعف. هذه حسابات قاتلة. لا تقللوا من شأننا. ولا تمتحنوننا".

ولم يعلن البيت الابيض عن التكنولوجيا التي استخدمها الرئيس الاميركي للولوج الى تويتر. غير ان مستخدمي الشبكة العنكبوتية يمكنهم الالتفاف على جدار الحماية بتنزيل برنامج الشبكة الخاصة الافتراضية (في بي إن) الذي يسمح للناس بتصفح الانترنت كأنهم يستخدمون خادما (سيرفر) في بلد آخر. ويمكن للزوار الاجانب دخول مواقع محظورة، بهواتفهم اذا كانت في وضعية التجوال (رومينغ)، لكن فقط لان السلطات تسمح بها في الوقت الحاضر، بحسب خبراء.

ولدى الصين موقعها الخاص الشبيه بتويتر وهو "ويبو" والذي تراقبه السلطات عن كثب. ويمكن ان يواجه المواطنون الصينيون غرامات بل حتى عقوبات بالسجن اذا ما كتبوا رسائل غير مرغوب فيها على مواقع التواصل الاجتماعي. كما شددت السلطات مراقبة الانترنت في الاشهر الاخيرة واغلقت مدونات لمشاهير وحققت مع منصات الكترونية بسبب "مواد فاحشة".بحسب فرانس برس.

واشتعل موقع "ويبو" بالتعليقات حول ما يمكن ان يفعله ترامب ان كان لا يستطيع استخدام وسيلته المفضلة للتواصل. منذ انتخاب ترامب في 2016 يسخر معلقون الكترونيون صينيون بطريقة الحكم الاميركية ويصفونها ب"حكم تويتر". ويتظاهر بعض المعلقين بعدم معرفتهم بالموقع المحظور. وقال احدهم "اخبار زائفة. ما هو تويتر؟ هذه الموقع غير موجود"؟ وبدا آخرون يطلبون بشكل جدي شرحا عن تويتر فيما دعا آخرون ترامب لفتح حساب على ويبو. وقال مستخدم على منصة جيهو للاسئلة والاجوبة الشبيهة بمنصة كوورا "في الايام الثلاثة التي يغيب فيها ترامب عن تويتر، سيعتلي شخص آخر العرش حتما".

بحر الصين الجنوبي

في السياق ذاته قال دبلوماسي صيني كبير إن بلاده تأمل أن تكون الولايات المتحدة جزءا من الحل وليس المشكلة في ملف بحر الصين الجنوبي المتنازع على سيادته. وانتقدت الولايات المتحدة بناء الصين لمجموعة من الجزر والمنشآت العسكرية في البحر وتشعر بالقلق من أن يستخدم ذلك لفرض قيود على حركة الملاحة البحرية.

ونفذت سفن تابعة للبحرية الأمريكية دوريات في المنطقة للتأكيد على حرية الملاحة مما أثار غضب الصين. وفي كلمة للصحفيين بشأن جولة ترامب قال نائب وزير الخارجية الصيني تشنغ تسه قوانغ إن سيادة بلاده على الجزر والمياه المحيطة بها في بحر الصين الجنوبي لا تقبل الجدل. وذكر أن جوهر مشكلة بحر الصين الجنوبي هي احتلال بعض دول المنطقة غير المشروع لبعض من الجزر والشعاب الصينية مضيفا أن الصين مستعدة لحل هذه المسائل بشكل سلمي من خلال المحادثات مع الدول المعنية بشكل مباشر. بحسب رويترز.

وأضاف ”مسألة بحر الصين الجنوبي ليست بين الصين والولايات المتحدة“. وتابع قوله ”نأمل أن تزرع الولايات المتحدة، بصفتها طرفا خارجيا، ورودا أكثر وشوكا أقل... أن تقدم يد المساعدة لا أن تسبب المشاكل“. وتتنازع الصين على سيادة المنطقة مع بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام. وفي وقت سابق قال دبلوماسي صيني كبير آخر إن الصين وفيتنام اتفقتا على إدارة هذا الصراع عن طريق محادثات ودية في أعقاب خلاف مرير خلال الصيف بين البلدين.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي