كوريا الشمالية جحيمٌ على الأرض: الحرب النووي الباردة تغير قواعد اللعبة
عبد الامير رويح
2017-09-14 05:00
التقدم الذي تحققه كوريا الشمالية بخصوص تجاربها النووية، وعدم اهتمامها بالقرارات الدولية والأُممية الخاصة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ما يزال يشكل مصدر قلق كبير للعديد من دول العالم التي تخشى من اندلاع حرب كارثية جديدة، خصوصا وان التجارب المستمرة قد أغضبت خصوم بيونغ يانغ ومنهم الولايات المتحدة الامريكية بشكل كبير، ودفعها الى اتخاذ اجراءات وخطط جديدة من اجل زيادة الضغوط على كوريا الشمالية. التي أعلنت مؤخرا عن إجراء التجربة السادسة بشأن تطوير القنبلة الهيدروجينية وهو ما سبب ذعر للولايات المتحدة الأمريكية وباقي الحلفاء.
هذه التجربة وكما يرى بعض المراقبين ربما ستدفع واشنطن الى تغير قواعد اللعبة الحالية، خصوصا وإنها أدركت خطورة القضية لذا فهي تخشى اليوم، من تصعيد الأمور مع بيونغ يانغ الامر الذي قد يكون سببا في خروج الأوضاع عن السيطرة. ورغم أن الرئيس دونالد ترامب تعهد مرارا بأن تظل كل الخيارات مطروحة على الطاولة فلم تظهر أي بادرة على أي تغير سريع في سياسة واشنطن للانتقال إلى العمل العسكري المباشر. ويحذر مسؤولون أمريكيون من العسكريين ورجال المخابرات من أن كوريا الشمالية قد تطلق سلسلة مدمرة من الصواريخ ونيران المدفعية على سول وقواعد أمريكية في كوريا الجنوبية ردا على أي هجوم عسكري.
وعقب إعلان بيونغ يانغ عن تجربتها النووية طالب رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن، المجتمع الدولي بعقد اجتماع طارئ وفرض أقسى العقوبات على بيونغ يانغ و"عزلها بشكل تام". كما دعت الخارجية اليابانية مجلس الأمن إلى عقد اجتماع طارئ، "إن هذا الأمر لا يغتفر على الإطلاق.. نعتزم تنسيق إجراءاتنا مع الدول المعنية بهدف الدعوة العاجلة لعقد جلسة في مجلس الأمن الدولي"، حسب وزير الخارجية الياباني تارو كونو. وندد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتجربة بيونغ يانغ ودعاها لوقف "تصرفاتها الخاطئة".
وكانت كوريا الشمالية قد أعلنت في وقت سابق، أنها طورت قنبلة هيدروجينية تتميز بقوة تدميرية كبيرة، يمكن تحميلها على صاروخ باليستي عابر للقارات، وأن كيم جونغ أون تفقد بنفسه عملية تطوير القنبلة.
وتمتلك القنبلة الهيدروجينية قوة تدمير هائلة وقد قدرها الخبراء بعشرة أضعاف القنبلة الذرية التي إستخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان ،وبالتالي فالتجربة الأخيرة لكوريا الشمالية حسب رأي العالم الفزيائي إيلي عيد الأستاذ بالجامعة البنانية أصبحت خطراً على العالم أجمع لأنها تستطيع تدمير بلداناً بأكملها دون تحريك القوات العسكرية والدخول في معارك وحروب، فتلك القنبلة تستطيع أن تدمر 250 الف كيلو متر مربع وتساويها بكل ما فيها بالأرض تماماً وقد ذكر الدكتور إيلي عيد أن مكونات القنبلة الهيدروجينية هو ما يجعل قوتها التدميرية فائقة فهي تتكون من مشتقات غاز الهيدروجين وهي عناصر صغيرة جداً وبالتالي فإن الذرات تحتاج الي درجة حرارة تتعدي المليون درجة مئوية لإلتحام هذه الذرات مع بعضها وعند الإنشطار تعطي طاقة أضعاف ما ينتج عن القنبلة الذرية التي هي بالأساس تتكون من عناصر ثقيلة. وذكر تقرير لمعهد صنع الأسلحة النووية في كوريا الشمالية، أن القنبلة الهيدروجينية التي صنعت جميع مكوناتها في البلاد هي "سلاح ذري حراري متعدد الوظائف يتميز بقوة تفجيرية مدمرة، ويمكن تفجيرها على ارتفاعات عالية".
تغير قواعد اللعبة
وفي هذا الشأن يقول خبراء إن إعلان كوريا الشمالية أنها أنجزت بنجاح اختبار قنبلة هيدروجينية يمثل خطوة كبرى صوب تحقيق هدفها المعلن منذ فترة طويلة بتطوير صاروخ يحمل رأسا نووية يمكنه الوصول إلى الأراضي الأمريكية. فقد أجرت كوريا الشمالية اختبارها النووي السادس والأقوى وقالت إنها نجحت في تفجير قنبلة هيدروجينية قوية تعرف من الناحية التقنية بأنها قنبلة نووية حرارية ذات مرحلتين.
وتمت الاختبارات النووية الست بما فيها الاختبار الاخير تحت الأرض في عمق منطقة جبلية ومن الصعب التحقق من مصادر مستقلة من صحة ما أعلنته بيونجيانج. غير أن الخبراء الذين درسوا أثر الزلزال الناجم عن التفجير الذي قدرته هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية بمقدار 6.3 درجة قالوا إنه يمثل دليلا قويا بما يكفي للإشارة إلى أن تلك الدولة المنعزلة إما طورت القنبلة الهيدروجينية أو اقتربت بشدة من تحقيق ذلك الهدف.
وقال مسؤولون كوريون جنوبيون ويابانيون إن التفجير كان أقوى عشر مرات من الاختبار النووي الخامس الذي أجري قبل عام. وقدرت هيئة نورسار النرويجية لمراقبة الزلازل أن قوة التفجير بلغت 120 كيلوطنا أي أقوى بكثير من القنبلة التي ألقيت على مدينة هيروشيما وبلغت قوتها 15 كيلوطنا والقنبلة التي ألقيت على ناجاساكي وبلغت قوتها 20 كيلوطنا في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقال كوني ي. سوه أستاذ الهندسة النووية في جامعة سول الوطنية إن هذه القوة تعادل ما يمكن للجميع أن يقول إنه اختبار لقنبلة هيدروجينية. وأضاف كوريا الشمالية أكدت نفسها فعليا كدولة نووية. وهذا لا يغير قواعد اللعبة فحسب بل ينهي اللعبة. وقالت لاسينا زيربو الأمينة التنفيذية لمنظمة حظر الاختبارات النووية الخواص الفيزيائية للحدث الذي نتحدث عنه اليوم تشير فيما يبدو إلى حدث أكبر بكثير مما حدث عام 2016 وما قبله.
وتقول كوريا الشمالية إن صواريخها الباليستية العابرة للقارات التي اختبرتها مرتين في يوليو تموز يمكنها الوصول إلى بعض الأماكن في أراضي الولايات المتحدة بالقارة الأمريكية. لكن الخبراء يقولون إنها ربما تكون قد بلغت هذا المدى لأن الصاروخ كان يحمل رأسا أخف من الرأس النووي الذي أصبحت كوريا قادرة على إنتاجه. كذلك فإن بيونجيانج لم تثبت حتى الآن أن الرأس النووي الذي ستقوم بتحميله على الصاروخ بعيد المدى يمكنه أن يتحمل العودة لدخول الغلاف الجوي للأرض.
ويعد تطوير القنبلة الهيدروجينية أمرا أساسيا لتركيب رأس حربي أخف وزنا لأنه سيتيح قدرة تفجيرية أكبر بكثير فيما يتعلق بالحجم والوزن. وقال ديفيد أولبرايت عالم الفيزياء ومؤسس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن وهو مؤسسة غير ربحية ”الوصول إلى هذه القوة العالية يتطلب على الأرجح مادة نووية حرارية في القنبلة“. وأضاف ”وهذا يبين أن تصميمهم، أيا كان التصميم الفعلي، قد حقق قوة قادرة على تدمير مدن حديثة“. ومع ذلك فقد شكك أولبرايت فيما أعلنته كوريا الشمالية من أنها صممت قنبلة نووية حرارية ذات مرحلتين فعليا.
وفي مثل هذا السلاح تقوم المرحلة الأولى على الانشطار النووي من خلال شطر الذرات والمرحلة الثانية على الاندماج النووي لإنتاج قوة تفجيرية أكبر كثيرا من قوة القنابل الذرية التقليدية أي قنابل الانشطار المحض. وقبل ساعات من الاختبار الأخير نشرت وسائل إعلام كورية شمالية صورا للزعيم كيم جونج أون وهو يتفقد جهازا على شكل حبة الفول السوداني وقالت إنها قنبلة هيدروجينية مصممة لتحميلها على صاروخ باليستي عابر للقارات.
ويبين الشكل المستطيل للجهاز اختلافا ملحوظا عن صور القنابل الكروية التي نشرتها كوريا الشمالية في مارس آذار من العام الماضي ويبدو أنها تشير إلى مظهر سلاح نووي حراري ذي مرحلتين. وقال تشانج يونج كيون خبير علوم الصواريخ بجامعة كوريا لعلوم الطيران ”إذا نظرنا إلى شكل القنبلة التي استعرضتها كوريا الشمالية اليوم فإن المقدمة تبدو مثل قنبلة نووية تطلق عملية الانشطار النووي والجزء الخلفي مرحلة ثانية تولد ردود الفعل الاندماجية النووية“.بحسب رويترز.
ونقلت وكالة أنباء كوريا الشمالية الرسمية عن معهد الأسلحة النووية في كوريا الشمالية قوله إن اختبار يوم الأحد أثبت عمل قنبلة هيدروجينية. كما ذكرت كوريا الشمالية على وجه التحديد للمرة الأولى إمكانية شن هجوم بنبضة كهرومغناطيسية. ومثل هذا الهجوم سينطوي على تفجير قنبلة في الجو بدلا من إطلاق صاروخ بعيد المدى على مدينة أمريكية كبرى. وأثار بعض المسؤولين عن رسم السياسات والخبراء في الولايات المتحدة مخاوف من مثل هذا الهجوم الذي يمكنه أن يحدث موجة هائلة من الطاقة ويوجه ضربة مدمرة لشبكة الكهرباء والبنية التحتية الحيوية الأمريكية.
خطط ترامب
من جانب اخر قد يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مثل أسلافه، أنه لا يمكن لأي مفاوضات ولا ضغط اقتصادي وعسكري أن يجبر كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها النووي، وأن الولايات المتحدة ليس لديها خيار سوى محاولة احتوائه وردع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون عن استخدام سلاح نووي. وأجرت كوريا الشمالية اختبارها النووي السادس والأقوى في الثاني من سبتمبر أيلول ووصفته بأنه قنبلة هيدروجينية متقدمة مصممة ليحملها صاروخ بعيد المدى في تصعيد كبير للمواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها.
ورفض مسؤولون أمريكيون مناقشة التخطيط على مستوى العمليات، لكنهم أقروا بأنه لا توجد خطة قائمة لضربة وقائية يمكن أن تمنع هجوما مضادا من كوريا الشمالية التي لديها آلاف من قطع المدفعية والصواريخ الموجهة نحو سول. وفي اعتراف ضمني بأن الخيارات العسكرية ضد الشمال غير مستساغة في أفضل الأحوال ومكلفة في أسوأ الأحوال أبلغ وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس الصحفيين بأن ”معين الحلول الدبلوماسية لا ينضب“.
ويعتقد مسؤولون أمريكيون وآسيويون أن من الضروري إجراء مفاوضات وممارسة المزيد من الضغوط الاقتصادية، لكنهم يعترفون بأن هذه الإجراءات على الأرجح لن تكبح جماح البرامج النووية والصاروخية التي تعتبرها كوريا الشمالية ضرورية لبقائها. ويترك ذلك واشنطن وحلفاءها في كوريا الجنوبية واليابان وأماكن أخرى أمام سؤال مقلق وهو هل هناك أي طريقة للتعايش مع كوريا الشمالية المسلحة نوويا مع احتوائها وردعها عن استخدام هذه الأسلحة النووية؟
ورفض ترامب الرد على هذا السؤال في مؤتمر صحفي ، قائلا انه لن يكشف عن استراتيجيته التفاوضية علنا. وذكر انه سيكون ”يوما حزينا للغاية“ لكوريا الشمالية إذا حسم الجيش الأمريكي هذه المسألة. وقال ترامب ”العمل العسكري سيكون بالتأكيد خيارا.. هل هو حتمي؟ لا شيء حتمي“. قال مسؤول كبير في إدارة ترامب طلب عدم نشر اسمه إنه ليس واضحا ما إذا كان نموذج الردع الذي استخدمته واشنطن مع الاتحاد السوفيتي السابق إبان الحرب الباردة يمكن أن يطبق على دولة مارقة مثل كوريا الشمالية مضيفا ”لا أظن أن الرئيس يريد المجازفة بهذا الخصوص“.
وأضاف متحدثا إلى الصحفيين بعد تصريحات ترامب بقليل ”يساورنا قلق عميق من ألا يتسنى ردع كوريا الشمالية“. ومن بين الخيارات الأمريكية لتعزيز قدرة واشنطن على الردع التحديث المقرر منذ فترة طويلة للقوة النووية الأمريكية المتقادمة التي من شأنها أن تضمن تدمير كوريا الشمالية إذا أطلقت صاروخا نوويا باتجاه الولايات المتحدة أو قاعدة عسكرية أمريكية أو اليابان أو كوريا الجنوبية.
وهناك خيار آخر وهو ضخ مزيد من الاستثمارات في الدفاعات الصاروخية الأمريكية، ولاسيما الاختبار والبحوث وتطوير التقنيات التي يمكن أن تتصدى لعدد كبير من الصواريخ القادمة. ويقول خبراء إن من الضروري أن تتجنب الخطوتان تأجيج سباق تسلح جديد مع بكين وموسكو. ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على المخططين في وزارة الدفاع (البنتاجون) هو مدى استعدادهم لصراع تقليدي كبير بعد 16 عاما من الحرب في أفغانستان والعراق وسوريا وأماكن أخرى.
ولم يصدر أي مؤشر من البيت الأبيض، الذي أبدى فتورا تجاه فكرة المحادثات ويأمل أن يغير الضغط حسابات بيونجيانج، على أنه مستعد للقبول باستراتيجية احتواء. وعلى الرغم من التشاؤم إزاء إجراء محادثات، فقد قال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه إن هناك احتمالا أن يقنع الضغط الاقتصادي وخاصة من الصين بالإضافة لاتفاق على التفاوض، بيونجيانج بالحد من ترسانتها النووية أو حتى التوقيع على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لعام 1996.
وقال المسؤول ”توقيع معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية سيمنح الشمال الإذن بدخول النادي النووي لكنه يضع حدا لبرنامج التجارب. وبالإضافة إلى فكرة الدمار المؤكد فإن هذا هو أفضل ما يمكن فعله“. لكن السؤال هو ما إذا كان ترامب مستعدا للقبول بهذه التسوية. بحسب رويترز.
وقال روبرت اينهورن المسؤول السابق في وزارة الخارجية الذي تفاوض مع كوريا الشمالية ويعمل الآن في معهد بروكنجز البحثي ”ليس من المعتاد استخدام كلمتي الانضباط والثبات في جملة يتردد فيها اسم دونالد ترامب... هل سيعترف بمرور الوقت بأنه قد لا يكون لديه خيار؟“ أما فرانك جانوزي رئيس مؤسسة مانسفيلد التي تشجع تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وآسيا فكان أكثر تفاؤلا. وقال ”هل لديه الصبر لإدارة عملية ردع واحتواء صعبة ضد (الشمال) بدلا من القيام بتصرف مندفع؟ أعتقد ذلك... بعض صفقاته استغرقت سنوات لتؤتي ثمارها“.