المرجع الشيرازي: الغدير يعني الحريّة والخير والرفاه والسعادة الكاملة للبشرية
مؤسسة الرسول الاكرم
2016-09-20 02:33
عشيّة حلول عيد الله الأكبر، وأشرف أعياد الإسلام وأعظمها، عيد الغدير الأغرّ، الذي نصّب فيه مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، بأمر من الباري تبارك وتعالى، مولانا الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، وليّاً وإماماً، تطرّق المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، إلى هذه الذكرى العظيمة، في درسه خارج الفقه، في مسجد الإمام زين العابدين صلوات الله عليه، بمدينة قم المقدّسة، صباح اليوم الاثنين الموافق للسابع عشر من شهر ذي الحجّة الحرام 1437 للهجرة (19/9/2016م)، وألقى كلمة قيّمة مهمة، إليكم نصّها:
أقدّم التهاني والتبريكات بمناسبة حلول عيد غدير خُم، الذي يُعدّ من أفضل أعياد الإسلام، إلى المقام الشامخ والرفيع للإمامة والعصمة، إلى بقيّة الله الأعظم مولانا الإمام المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه. وأسأل وأتمنّي من الله العليّ القدير أن يعجّل في ظهور الإمام، لكي ينجو العالم من المشاكل والصعوبات التي أحاطت بكل إنسان وبكلّ مكان.
كما أقدّم التهاني والتبريكات إلى جميع المستضعفين والضعفاء، وإلى جميع المسلمين والمؤمنين والمسلمات والمؤمنات في جميع أنحاء العالم.
ذكر الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله، في خطبة الغدير عبارة تتعلّق بأمير المؤمنين صلوات الله عليه، وكرّرّها نبي الإسلام طوال 23 سنة منذ بداية البعثة وحتي استشهاده صلى الله عليه وآله، حيث قال: (فليُبلّغ الشاهد الغائب). وهذه الّلام في عبارة (فليبلّغ) هي لام الأمر. فقد أمر النبي صلى الله عليه وآله من كان حاضراً ومن كان شاهداً ومن كان يري بعينيه ومن كان قد سَمِعَ بأذنيه ـ أن يُبلّغ إلى من كان غائباً عن مشهد الغدير ولم يرَ ولم يسمع، ليُوصل رسالة التبليغ إليهم. فمن مسلّمات فقه الإسلام في الخطابات الشرعية، أن لايكون الخطاب خاصّاً بالمشافهة.
لقد كتبوا أنه في يوم الغدير اجتمع مئة وعشرون ألف شخص من الرجال والنساء، وأن النبي صلي الله عليه وآله تحدّث لهؤلاء المئة وعشرون ألف انسان. وهذا العدد من الناس قد شهِدوا بأن خطاب النبيّ في عبارة (فليُبلّغ) قد جاء بلام الأمر، وكان الخطاب موجّه لكافّة المسلمين في العالم الذين لم يحضروا غدير خم، بل الخطاب لم يكن فقط للمسلمين بل لعامة الناس (قل ياأيها الناس إنّي رسول الله إليكم جميعاً)، فالأمر بالتبليغ واجب على الجميع.
وفي الإجمال فإن الأمر بالتبليغ موجّه لنا أيضاً وإن لم يكن خطاب المشافهة موجّه لنا، ولا فرق في هذا المجال بين أن يكون الأمر بخطاب النبيّ بشكله وتفاصيله موجّه لنا أيضاً كما هو في يوم الغدير. فقد أمر الله تعالى جميع أولئك الحاضرين في يوم الغدير، بأن يقوموا بتبليغ ما سمعوا وما شاهدوا. فعبارة (فليُبلّغ) تشمل كل فرد منّا من نساء ورجال. فعلي الجميع أن يقوموا بأمر التبليغ بأمر من رسول الله صلي الله عليه وآله لكي يعرّفوا خطاب الغدير لمن لم يكن حاضراً. أي تعريفه لجميع البشر، ولكافة الناس الذين يعيشون في العالم في كلّ زمان ومكان، بما نستطيع ونتمكّن، حيث يرتفع التكليف عمّن ليس له القدرة على ذلك، لأن القدرة والاستطاعة هي من الشرائط العامّة للتكليف.
لذا فعلى كل شخص أن يقوم بأمر التبليغ بلا أدنى شكّ وترديد، أن يقوم بأمر التبليغ بمقدار ما يستطيع ويتمكّن تنفيذاً لأمر النبي صلي الله عليه وآله. والأمر بالتبليغ لا يشمل أهل العلم فقط والمثقّفين فقط، بل يشمل أيضاً من لا يمتلك العلم والثقافة، فعلى كلّ إنسان وبمقدار استطاعته أن يوفّر لنفسه مقدّمات الوجود، فهذا الواجب هو واجب مطلق وليس واجب مشروط كالحجّ، الذي يقوم الوجوب فيه على الاستطاعة. وليس واجباً مشروطاً كالخمس والزكاة، الذي نقوم به إذا كان هناك فائض في أموالنا وفي سَنتِنا الخُمسية، أو تكون الزكاة واجبة بمقدار النصاب والشرائط المتوفّرة.
كلاّ إنّ الوجوب هو وجوب مطلق (فليُبلغ الشاهِدُ الغائبَ). ولايوجد في العبارة أي شرط، ولا يكون الأمر معلّقاً على أي شيء.
إنه واجب مطلق، وليس خاصّاً بالمخاطبين والمشافهين، فكلّ حسب طاقاته وإمكاناته عليه أن يهيّئ مقدّمات الوجود وبالأوامر التي أرادها النبيّ في يوم الغدير ولصاحب الغدير مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، لكي يصل ذلك إلى العالم. والقرآن الكريم قد أكّد على ذلك بعبارة (البلاغ المبين)، فعبارة فليبلّغ التي قالها الرسول صلي الله عليه وآله هي نفسها البلاغ المبين.
بمعني أن لافائدة من إيصال التبليغ فحسب، بل المطلوب إقرانه بالبلاغ المبين، لأن البلاغ إذا لم يكن مبيناً فوجوده يكون سواءٌ مع عدمه. فبمقتضى دليل الخطاب وصوناً لكلام الحكيم عن اللغويّة، حتى لو لم يكن القرآن الكريم قد أشار إلى البلاغ المبين، فإنّ القاعدة تكون من المراد هو البلاغ المبين. لأن البلاغ إذا لم يكن مُبِيناً ولم يكن مفيداً ولم يكن مقنِعاً، فما الفائدة من وراءه. فيجب أن تتمّ الحجة كما في عبارة (فليُبلّغ) لتتحقّق (لله الحجّة البالغة)، و(لئلاّ يكون للناسِ على الله حُجّة). فالناس معذورون، إذا لم يصل إليهم خطاب البلاغ المبين، لأنهم قاصرون وليس مقصّرون. والقاصر ذنبه على من كان له القدرة على إيصال البلاغ المبين ولم يوصِلهُ له، أو من كان بإمكانه تهيئة مقدّمات الوجود ولم يفعل أو قصرّ في ذلك.
شخص من كبار علماء العامّة المعروفين، من الذين استبصروا بنور الإسلام الحقيقي في الفترة الأخيرة، وأعلن عن ذلك في سنّ السبعين من عمره، قال لي ذات مرّة: لماذا لم أسمع بهذه الأمور ولم تصلَني في سنوات الشباب، ولماذا وصلتني هذه الأمور في سنّ السبعين من عمري؟ وكان يقول لي ذلك بتألّم وحُرقة.
بنظركم من المقصّر في ذلك؟
المقصّر هم أولئك الذين كانت لهم القدرة على إيصال التبليغ المبين ولم يوصلوه إلى هذا العالم المعروف.
بلى، ليس من الضروري أن يقول ذلك زيد خاصة لعمرو، وأن يقول عمرو لشخص آخر.
كلاّ، إنّ المطلوب أن يكون الإيصال بطريقة تتحقّق فيها (لئِلا يكون للناس على الله حجّة) وأساساً إن معنى (فليبلغ الشاهد الحاضر) هو هذا المعنى، لأن النبيّ وجّه الخطاب لجميع البشر، ولابد لأوامر النبي أن تصل إلى جميع البشر لكي لايكون لهم يوم القيامة حجّة على الله.
حقّاً إنّ القرآن الكريم له تعبير عظيم في هذا المجال بقوله: (لئلا يكون للناس على الله حجّة). ففي العبارة دقّة بلاغية عالية. والسؤال هو: من له الحجّة علي الله؟ فالله تعالى هو الله، وله القدرة المطلقة، وله الحكمة المطلقة والعدل المطلق، فما معنى الحجّة على الله؟
كلمة (على) التي هي للضرر، هنا بمعني المجاز بلا شكّ، لكن المجاز ورد بصيغة (على)، يعني أنّ الله عزّ وجلّ بعث النبي، ومنحه جميع القدرات التي يجب أن تكون في إطار الامتحان الإلهي.
في يوم غدير خُم صرّح النبي صلي الله عليه وآله بالقول: (فليبلّغ الشاهد الغائب)، ويجب أن يكون هذا البلاغ بطريقة يهتدي به كلّ من يستمع إليه، أو إذا وصل إليه اهتدي بسببه. ويجب أن يصل هذا التبليغ بطريقة لا يعترض فيها أحد على الله يوم القيامة، كأن يقول إلهي خلقتني للهداية، وخلقتني للرحمة، (إلاّ من رحم) ولذلك خلقهم. فالذي لم تصل إليه الهداية، والذي لم ينال فرصة الاستبصار، والذي لم يصل إليه الإيمان، أو وصل إليه ذلك بطريقة لم تكن مقنعة وكان معذوراً، فهذا الشخص في يوم القيامة سوف يقول لله: لماذا خلقتني في هذه الدنيا؟ فلقد خلقتني لترحمني، وأليست الهداية من أهم أقسام الرحمة؟ وأليست هي من أهم النِعم الإلهية؟ إذن لماذا لم تصل الهداية إليّ، ولماذا لم أهتدي؟! وهذا هو معنى (لئلا يكون للناس على الله حجّة).
شخص آخر وهو مهندس وله منصب رفيع، رأيته قبل سنوات في إحدى الأماكن، وقد استبصر، وكان ينتمي إلى عائلة بعيدة عن أهل البيت عليهم السلام. وكان يسألني باستمرار حول الاستبصار، فكنت أسأله من أين لك بهذه المعلومات حول الاستبصار؟ فقال لي: أنا قضيت دورة تعلّم الهندسة في الدولة الأوروبية، وقد تعرّفت في الجامعة التي كنت أدرس فيها الهندسة علي صديق، وذهبت ذات يوم إلى زيارته فوجدت عنده كتاب على شكل موسوعة بأحد عشر مجلّدا ومكتوب عليها الغدير. ولا أنكر أنني كنت سابقاً قد سمعت باسم الغدير، لكني لم أكن أعرف معناه، لأنني كنت أنتمي إلى عائلة بعيدة عن فكر أهل البيت صلوات الله عليهم. فطلبت من صديقي صاحب البيت أن يُعيرني المجلّد الأول من هذا الكتاب لأطالعه، وبعد أن طالعته إستعرت منه الكتاب الثاني والثالث حتى طالعت المجلّدات كلّها. وبسبب ذلك اهتديت إلى نور الإسلام واستبصرت. ومع مرور الزمن صار ذلك المستبصر عالماً يتناقش مع العلماء الكبار ويتباحث معهم عن الاستبصار.
هذه القصة وقعت في زمان ـ وقد ذكرت ذلك لبعض الأخوة ـ الذي كان فيه العلاّمة الأميني رضوان الله تعالى عليه مريضاً في المستشفى وتوفي بعد ذلك.
انظروا ماذا يفعل التبليغ بالناس؟! فبعد وفاته قلت لبعض الأخوة انظروا ماذا يفعل (فليبلّغ الشاهد الغائب)؟
العلاّمة الأميني عندما رقد في المستشفى، وحسب القاعدة، لا يستطيع التأليف ولا الخطابة، وليس له القدرة على ذلك، خاصة وأنه توفي بعد أيام من مرضه. فقلت لاحظوا، كيف استفاد الأميني من سلاح القلم، وأن مساعيه التي بذلها طيلة هذه السنوات تحوّلت إلى كتاب اسمه الغدير. وبسبب هذا الكتاب استبصر شاب في بلاد غير إسلامية، وكان هذا المهندس قد وصل إلى مرتبة يناقش فيها العلماء ويستجوبهم في بعض الأمور.
هذا هو نوع من التبليغ وهو الكتاب، وهناك أنواع أخري للتبليغ وهي الخطابة والاستفادة من الوسائل الحديثة في هذا الزمان. فكل إنسان بما يملك من قدرة ومن مال وعلم وبيان وكتابة، عليه أن يشجّع الآخرين الذي هو من مقدّمات الوجود لكلّ البشر، ليصل البلاغ المبين إليهم جميعاً. فإذا استفاد أحدنا بما هو أدنى من قدراته، فهو ليس بمعذور. فالوجوب هنا مطلق، وتهيئة مقدّمات الوجود واجب عقلي. فالذي يستطيع أن يوصل رسالة الغدير عن طريق الكتابة أو المال أو الخطابة أو التشجيع وفعل، فهذا هو البلاغ المبين.
النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وكما كتبوا عنه، وجّه خطابه إلى 120 ألف شخص، وهذا الخطاب في ذلك الزمان كان من أفضل أنواع التبليغ. إذ لم يكن في ذلك الزمان مثل هذا التبليغ وبمثل هذا العدد البالغ 120 ألف إنسان. لقد كان الخطاب استثنائياً.
اليوم، وبمناسبة الغدير يجب أن يكون الخطاب بمستوي الحدث، وقد قلت ذلك مراراً. فيجب أن يكون التبليغ متناسباً مع حادثة الغدير وبمستواها، لأن التبليغ معناه إيصال الخبر والمعلومة إلى جميع البشر. فاليوم نرى التبليغ لواقعة عاشوراء منقطع النظير علي وجه الكرة الأرضية، ويجب أن يكون الغدير بهذا المستوي أيضاً. علماً أنه يجب أن يكون التبليغ عن واقعة عاشوراء أكبر وأكثر، فعاشوراء والغدير جناحان للإسلام. والطير لايستطيع أن يطير بجناح واحد.
من هنا فإنّ الغدير بلا عاشوراء، وعاشوراء بلا غدير هما جناح واحد لا يمكن أن يطير الإسلام بأحدهما. ونحمد الله تعالى حيث تجلّت عاشوراء عن طريق إحياء مناسبة محرّم أو عن طريق إحياء مناسبة الأربعين، وظهرت عاشوراء للعالم بشكل جيّد، وظهر ذلك للعالم جليّاً في العراق مع كلّ المشاكل والصعوبات التي أصابت الشعب العراقي المظلوم، ونسأل الله أن يخلّص البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وجميع البشرية من جميع المشاكل، وأن يخلّص شعب العراق من محنته التي وقع فيها منذ مدة طويلة.
يجب أن يصبح الغدير كعاشوراء. فهاتان المناسبتان هما جناحي الإسلام، والرسول الأكرم صلي الله عليه وآله قد رفع مستوي هاتين المناسبتين إلى أعلى درجات التواتر، لأن الغدير لابدّ أن يصل إلى العالم أجمع. فالغدير ليس كلمة واحدة، بل الغدير كما قال عنه الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله هو جُمل كثيرة، حيث قال: (فليبلّغ الشاهد الغائب).
عندما يجب أن يكون الغدير ثقافة، وأن تكون ثقافة حرّة من أجل الخير والرفاه، وعندما يكون هذا الأمر مطلباً، يكون مثاله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحكومته التي قضاها في السنوات الخمس المباركة.
لاحظوا ما جاء عن تاريخ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في كتب الحديث الشريفة. فعندما كان رئيساً للحكومة الإسلامية وهي من أكبر الحكومات الإسلامية في العالم، كان يمتلك زمام أكبر قوّة حكومية، ورد في التاريخ وفي بعض الروايات أن شخصاً (توعّد الإمام بالقتل). في هذه العبارة الصغيرة عالم من المعني ليس لها نظير في التاريخ. فقد صرّح شخص بأنه يريد إغتيال الإمام عليه السلام، بينما كان الإمام يمتلك كامل السلاح والقدرة والمال. وعندما قبضوا عليه وجاؤا به إلى الإمام، قال الإمام صلوات الله عليه: (دعوه). فهل لهذا الموقف مثال في التاريخ؟ إنه عالَم من الفضيلة. وهل ثمّة مثال يشابهه في العالم، بأن يطلق رئيس حكومة سراح من يتوعّده بالقتل؟
كان الإمام حينها رئيساً لحكومة كبيرة، تبدأ من آسيا وتمرّ بعمق أوروبا وأفريقيا، لكنه مع ذلك قال: دعُوه.
إنّ كلمة الفضيلة هي ليست أكثر من كلمة، لكنها تحمل في طيّاتها عالم من الراحة في الدنيا والراحة في الآخرة. وهكذا كلمة الإنسانية، مع انها هي كلمة واحدة.
ونسأل: هل وصل إلى العالم ما قام به أمير المؤمنين عليه السلام وهو في منتهى قوّته وقدرته، وما فعله مع كل مايملكه من وسائل، عندما هدّده شخص بالقتل وعفى عنه وقال دعوه؟
الكلام ليس فيه قصاص، فإذا كان اليوم هناك أمثلة لعدم القصاص ممن يتوعّد ولا ينال القصاص في مكان ما من العالم، فإنّ ذلك يعود إلى طريقة الحكم التي حكم بها النبيّ الكريم والإمام علي صلوات الله عليهما وآلهما، فإنهما منشأ لهذه الطريقة من العفو والمسامحة.
نري اليوم وجود بعض الحريات يُعملُ بها في بعض بلدان العالم، فيُقال لمن يتكلّم، دعهُ ليتكلّم، فإنه لم يُشهِر السلاح، ومن لم يقتل لا تقع عليه العقوبة.
نسأل من بدأ هذا الأمر؟
هذا الأمر وهذه الفضيلة بدأ بهما الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام الذي هو تلميذ نبيّ الإسلام. فهل لديكم نظير لهذا النوع من الحكم؟
نحن اليوم لدينا في هذا العالم بلد له سكان أكبر من سكان بقية دول العالم، ولدينا حكومة لها من القدرة ما يفوق قدرات بقية الدول، لكنه ليس لدينا حكومة علي وجه الأرض أكبر وأقوي من حكومة الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه. واليوم إذا كان هناك بعض الحريات فإنها تعود لنبيّ الإسلام وعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وآلهما.
ثم هل تجدون في العالم اليوم رئيس حكومة يأتيه رجل ويتوعّده بشكل علني، ويصرّح بقتله، ورئيس هذه الحكومة يعفو عنه ويصرّح بعدم قتله؟
أذكر أنه في العراق المظلوم وقبل خمسين سنة أو أكثر، كتبت الصحف أن رئيس الحكومة الذي لم يكن اسمه نصرانياً ولا يهودياً ولا من عبدة الأصنام، قد تعرّض للاغتيال. ونقلوا آنذاك أن جهاز الدولة قام باعتقال مئتي شخص وأودعوهم السجن، واستمرت الاعتقالات في الليل والنهار وقاموا بإعدام بعض المعتقلين. وكتبوا خلال بضعة أيام ان الحكومة قامت باعتقال خمسة آلاف شخص ومارسوا في حقّهم التعذيب والتنكيل وقاموا بإعدام بعضهم.
لاحظوا عملية اغتيال واحدة لرئيس دولة مثل دولة العراق الذي كانت نفوسه 15 مليون إنساناً وهو من الدول الصغيرة، أدّت إلى هذا العدد من الاعتقالات والإعدامات! إذن إليس هذا من العيب علي الإسلام؟!
علماً إنّ العيب ليس في الإسلام، بل في المسلمين.
في الواقع نحن كمسلمين ولدينا شخصية كشخصية الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام الذي قلّ نظيره في التاريخ. إذن ألا يجب علينا أن نعرّف مثل هذه الشخصية للعالم؟ ومتي يجب أن نعرّف مثل هذه الشخصية؟
هذه من مسؤولية الجميع، رجالاً ونساءً، وكلّ حسب طاقته وقدرته. نعم إن الروايات تصرّح أن هناك طائفتان مسؤوليتهما أكبر، وهما العلماء والأمراء، حيث تقول الرواية: (صنفان من أمّتي، إذا صلحا صلحت أمّتي وإذا فسدا فسدت أمّتي: العلماء والأمراء). فالعلماء هم القادة الروحيون للمجتمع، بينما الأمراء لديهم القوة الأكبر المتمثّلة بالمال والسلاح والسلطة. وعلماء المسلمين لهم مسؤولية أكبر في التبليغ، وللحكومات الإسلامية أيضاً مسؤولية كبيرة في ذلك. ونحن لدينا مفاهيم نطرحها كعلماء وعلي العالم أن يبحث في ذلك ويتحقّق، ويطالع ليعرفوا صدق كلامنا.
علينا إيصال هذا الأمر إلى العالم، بأن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حكومته التي كانت مترامية الأطراف وكان حصيلتها الغدير، لم نرى فيها قتيلاً سياسياً واحداً. وإذا وجد أحدكم ذلك فليعلمنا به. ولا شكّ لا يوجد. فحتي المخالفين للإمام كتبوا أنه لا يوجد قتيلاً سياسياً واحداً في حكومة الإمام عليه السلام.
بل لم يجدوا حتى معتقلاً سياسياً واحداً فكيف بالقتيل!!
إنّ ابن ملجم الذي قتل الإمام، لم يودعه الإمام بالسجن، بل جعله في غرفة. ومع أن الامام كان يعلم برحيله نتيجة ضربة ابن ملجم، لكنه وضع شرطاً للقصاص منه، حيث قال إن أنا عشت فأنا أولى بعفوه. فهل ترون لهذا التصرّف مثيلاً في العالم؟ وهذا هو يعني الغدير.
الغدير من مصاديقه، وكما جاء في الروايات، أن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه عندما أعطوه وعاء من اللبن شرب منه قليلاً وأبقى منه شيئاً لقاتله ابن ملجم. وكما قالوا بأن الناس علي دين ملوكهم، فإذا كان رئيس الحكومة يمتلك مثل هذه الأخلاق، فسترى الناس يقتبسون من أخلاقه، بل حتي الذين لا يقتبسون من أخلاقه ويتذمّرون منه. فهؤلاء أيضاً وصلهم البلاغ المبين، وتمّت عليهم الحجّة البالغة لما شاهدوه من أخلاق الإمام صلوات الله عليه، وهذا يعني: (لئلا يكون للناس على الله حجّة).
على كل حال فليبلّغ الشاهد الغائب، يعني الكلّ تقع عليه المسؤولية، في كل مكان من العالم. ومن الممكن أن نري شخصاً في أطراف العالم له من حيث القدرة ما يفوق من هو في وسط مدينة كبيرة، والملاك هو القدرة في العمل، إذ ليس هناك أي شرط، والوجوب مطلق وليس معلّق ولا مشروط، وليس هناك أيّ شرط سوي الشرط العقلي والقدرة التي هي من مستلزمات التبليغ. وإذا لم يكن لأحد القدرة فهو معذور، أما الذي له القدرة على إعطاء مليار من الدنانير أو الريالات لإيصال رسالة الغدير إلى العالم، وآخر قدرته المالية محدودة، فعلى من يمتلك القدرة أن يعطي ذلك. علماً أنه لا يسقط التكليف عمّن قدرته المالية أقلّ. ومن كانت له القدرة على أن يصرف من وقته في اليوم 10 ساعات، فعليه أن يصرفها في مقدّمات الوجود، ليبلّغ الشاهد الغائب. فإذا صرف من قدرته تسع ساعات في اليوم، فهو ليس بمعذور بالنسبة لتلك الساعة التي لم يصرفها.
كل واحد منّا يجب أن يصرف من طاقاته بمقدار ما منحه الله عزّ وجلّ من إدراك وفهم وقدرة. لأنه إن استبصر شخص ما بعد 70 سنة من عمره، فإنّ عدم استبصاره خلال الستين سنة يعدّ من التقصير، فمن هو المقصّر؟ ولماذا لم يستبصر في عمر الأربعين أو الخمسين؟ فمن المعلوم أن هذا الشخص له قابلية الهداية وهو ليس بمعاند وقد تقبّل الهداية بعد 70 سنة من عمره رغم المشاكل التي يعاني منها.
إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام يعني الإسلام الصحيح. وفي قباله هناك من منع من انتشار هذا الإسلام الصحيح. حيث إنّ أكثر سكان الأرض غير مسلمين؟ فأين هي المشكلة؟ وهل هي في الإسلام؟
لا شكّ ان الإسلام هو ما دعى إليه الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه الذي قلّ نظيره في التاريخ، من حيث الفضيلة والإنسانية. فلاحظوا ما كتبوا عن عبد الملك بن مروان. فعندما مات مروان استخلفه عبد الملك فخطب وقال في خطابه أنه خليفة رسول الله ووليّاً للمسلمين، وقال في أول خطابه: (والله لا يأمرني أحد بتقوي الله إلاّ ضربت عنقه)!
إليس على الجميع أن يتّقوا الله. فقد أمر الله تعالى الجميع بالتقوي حيث قال: (اتّقوا الله حق تقاته)، وهذا يشمل حتى أشرف الأولين والآخرين وهو النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، ولكن عبد الملك السيئ الحظ يقول من أمرني بتقوى الله ضربت عنقه! لا حظوا لم يقل سوف أسجنه، بل إن عاقبة من يأمر بكلمة التقوي أن تُضرب عُنُقه! فعندما يغيّب عنّا الغدير، ستكون النتيجة هي كلمة واحدة يقابلها ضربة عنق!
إنّ تبليغ الغدير من مسؤولية الجميع، ومن يقصّر في هذا المجال فهو ليس بمعذور، ولا عذر إلاّ إذا كان الإنسان غير مدرك وفاقد لقدراته.
أسأل الله عزّ وجلّ أن يجعل هذا العيد السعيد مباركاً، في يومنا هذا وبالمستقبل، على جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. وأرجو أن يكون الغدير مقدّمة لظهور مولانا بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأن يعجّل في ظهوره الشريف.
كما أتمنّي أن يتحقّق أمر تبليغ رسالة الغدير في جميع المجتمعات الإسلامية والمؤمنة، بل وفي جميع المجتمعات البشرية من دون تقصير.
وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين