ليقتدِ القادةُ المسلمون بالرسول (ص)

عبد الرزاق عبد الحسين

2016-09-06 08:34

كما أي موظف آخر.. يحتاج القائد الى نموذج.. القائد ليس منزّها عن الزلل.. انه يخطئ مثل غيره وإن أخطأ فذلك يعني الكثير.. قادة المسلمين في السياسة يخطئون.. الواقع أي واقع المسلمين.. الجوع المرض الحرمان ترمي اللوم على قادة الدول الإسلامية.. تطالبهم بالعمل الجيد.. وإن كانوا بلا خبرة في القيادة.. عليهم بتأريخهم الإسلامي المشرق.

رسولنا الكريم.. النموذج القيادي الملهم.. عليكم بهذا النموذج.. تعلّموا منه.. احفظوا سياسته عن ظهر قلب.. هو (ص) بنى أعظم دولة في عقدين لا أكثر.. كيف تمَّ ذلك؟ بالقيادة الذكية.. بالحكمة.. بالوفاء والعطاء والعدل.. بالقيم الحديثة في مجتمع منكمش.. وسوف نركّز هنا على قيمة العطاء وكيف جيّرها الرسول (ص) لصالح الدولة وصالح المسلمين.

فكما ذكر سماحة آية الله العظمى المرجع الديني صادق الشيرازي.. قال (كان رسول الله صلی الله عليه وآله مضرب المثل في العطاء والكرم والجود، حتى قيل عنه: إنّه يعطي عطاء من لا يخاف الفقر). جاء ذلك في كتاب (السياسة من واقع الاسلام).

فالفقر هذا الغول الذي يخشاه الكل.. ما استطاع أن يقف حاجزا أما عطاء قائد المسلمين.. فكان يعطي للجميع.. حتى الأعداء.. ليكسب قلوبهم ويجعلهم داعمين مؤيدين للدين الجديد، الدين الذي غيّر الوجه الكالح لسكان الجزيرة وعاداتهم وتقاليدهم في ذلك الحين.

فـ (كان صلی الله عليه وآله يعطي للمهاجرين. ويعطي للأنصار. ويعطي لأهل المدينة. ويعطي لأهل القرى والأرياف. ويعطي للمسلمين. ويعطي للمنافقين. ويعطي للكفّار أيضاً، تأليفاً لقلوبهم وردعاً لهم عن المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين) على وفق قول المرجع الشيرازي.

ولكي يكسب الأعداء ويغيّر نظرتهم ويبطل شرّهم.. قدم هذا النموذج القيادي النادر عطايا نادرة حتى لأعدائه وأعداء الاسلام: (فقد حفظ التاريخ للنبي صلی الله عليه و آله عطايا فريدة في بابها لأعدائه وأعداء الإسلام أمثال أبي سفيان وأولاده، ومن لفّ لفهم) كما ورد في كتاب سماحة المرجع الشيرازي.

سياسة العطاء هذه يجب أن تكون درساً لقادة المسلمين الآن.. ما فائدة إهمال المعارضين؟؟ إنهم سوف يشكلون جماعات ضغط معادية تخرّب سعي القادة نحو تأسيس وتطوير البنى والمؤسسات.. لماذا تصنعون جماعات تخالفكم الرأي والسياسة والعمل.. كونوا مثل قائدكم النموذج.. النبي الأعظم (ص).. وهو يكيل العطاء للكل حتى الأعداء والمؤلّفة قلوبهم.

فنقرأ عن ذلك للمرجع الشيرازي: ان (هذه السياسة الإسلامية في تأليف الأعداء، وأقوام الأعداء، وأتباع الأعداء.. يجب أن يتبعها كل من يسير على خط رسول الله صلی الله عليه و آله ويريد تركيز الإسلام على وجه الأرض، بالحب والكلمة الطيبة، كما كان يفعل رسول الله صلی الله عليه وآله لا بالعنف والسيف كما يفعله الاستعمار اليوم).

ولأن سياسة العطاء تنبع من ذات القائد.. وليست سلوكا طارئا.. فإنها انعكست على طريقة عيش القائد وذويه.. فألحقت بهم شظف العيش.. وجعلت منهم كأنهم من فقراء القوم.

يرد في كتاب (السياسة من واقع الاسلام) لسماحة آية الله العظمى المرجع الشيرازي عن شخصية الرسول (ص) وعياله: (روي الشيخ الطبرسي قدس سره في (مكارم الأخلاق) عن ابن عباس أنّه قال: إنّ رسول الله صلی الله عليه و آله توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً(5) من شعير أخذها رزقاً لعياله).

هل يوجد في تاريخ الأمم مثل هذه المجريات والوقائع؟؟.. يموت القائد الأعلى الذي بيده كل شيء وكل الكنوز والأموال الكبيرة.. يموت (ودرعه مرهونة)، لماذا؟ لأن عياله يحتاجون الى بعض الشعير والخبز؟.. هل سأل قادة المسلمين اليوم أنفسهم لماذا لم يأخذ النبي (ص) حصة له من بيت المال المتخم بالكنوز.. ولماذا لم يمد يده لهذه الأموال.. لماذا لم يكن غنيا من الغنائم ولم يحتفظ بها؟.. ألم يكن هذا درسا لكم يا قادة الحاضر؟؟.. فهل تعلمتم منه شيئا؟.

فكما قال سماحة المرجع الشيرازي.. إن (رسول الله صلی الله عليه و آله الذي خضعت لـه الدنيا! رسول الله صلی الله عليه و آله الذي جرت الأموال الطائلة على يديه. يموت ودرعه مرهونة على شعير لطعام عائلته). هذا وحده درس للذي يبحث عن وظيفة القيادة بنجاح.

يجب أن تبقى يد القائد نظيفة.. بمن تقتدي؟؟ بالرسول الأكرم (ص) هو مثال قادة المسلمين اليوم.. منه يأخذون خبرات القيادة والقيم التي تحكم هذه القيادة وليس العكس.. فمن يحكم المسلمين بقيم محمد (ص) سوف ينجح.. ومن يحكم الأمة بقيم النفس او الذات الميّالة الى الاكتناز والامتلاك سوف يفشل.. ليس فشلا دنيويا وينتهي الأمر.. فهناك حساب من نوع آخر يعرفه قادة المسلمين أفضل من غيرهم من القادة الآخرين.

أين قادتنا من سياسة العطاء.. إنهم بارعون في سياسة الأخذ.. وإهمال الرعية.. ونشر الإفقار.. وتكديس الأموال في كنوزهم وجيوبهم وأرصدتهم.. لكن أنتم لديكم تاريخ وقادة.. لديكم الرسول العظيم (ص) لاحظوا كيف قاد الناس.. وكيف فضّلهم على نفسه وعياله حتى ودّع هذه الدنيا مدينا.. وهو أغنى الأغنياء!!.

فقد (كان صلی الله عليه و آله يعطي كل ما يحصل لـه من أنعام، وذهب، وفضّة، وطعام.. وغير ذلك، حتى لا يجد ما ينفقه على عياله ..ثم لا يجد ما يشتري به النفقة البسيطة لعياله. كيلوات من الشعير لا يجدها ولا يجد ما يشتريها به) كما نقرأ في كتاب (السياسة من واقع الاسلام).

ومن حق سماحة المرجع الديني الشيرازي أن يتساءل.. عن هذه الحالة الفريدة والعجيبة في تاريخ القادة.. ومن الواجب على قادة المسلمين اليوم أن يتعلموا من نموذجهم.. فيوجد لديه الوصفة السحرية للنجاح في القيادة.. والإفلات من عقاب الدنيا والدار الأخرى.

فيضيف سماحته متسائلا عن ميزة العطاء لدى الرسول الأكرم (ص).. (أليس هذا من أعجب الأعاجيب في التاريخ. فليقتدِ برسول الله صلی الله عليه و آله القادة من المسلمين).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا