العراق وشبابهِ عصب التشيّع
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2016-07-28 09:16
إن جذور فكر أئمة أهل البيت عليهم السلام، تستقي مضامينها من الدوحة المحمدية، فالقيم التي آمن بها أئمة أهل البيت وطبقوها في حياتهم، مأخوذة من الفكر المحمدي الذي يشجع على التعايش والتكافل والتراحم وحب المعرفة والاطلاع والتعلّم، فضلا عن القيم الاخلاقية التي تيسّر حياة الانسان، وتجعل من شبكة العلاقات الانسانية المتبادلة عنصرا للتوازن والتطور والاستمرار بسيادة العدل والانصاف والمساواة.
هذه القيم نجدها في التعاليم والثقافة التي أسس لها وثبت جذورها أئمة أهل البيت (ع)، وبات من اللازم أن يتم نشرها في بين المسلمين والعالم أجمع، ولكن هنالك شرط أساس في هذا الخصوص، إذ من المهم أن يكون شباب العراق هم النموذج للآخرين، لذا ينبغي مساعدة الشباب العراقيين على اكتساب هذه الثقافة لسبب واضح ومهم ايضا، فالعراق بأهله وشبابه هو المكان والرمز القادر على التأثير في الآخرين.
فإذا قام المعنيون بنشر وتثبيت ثقافة أهل البيت لدى شباب العراق، هذا يعني بالمحصلة النهائية إمكانية انتقال هذه الثقافة الى العالم أجمع، حيث يعد العراق قاعدة انطلاق للفكر المحمدي من خلال ثقافة أئمة أهل البيت التي ينبغي إيصالها الى الجميع دون استثناء، وهذا يعني أن ضمان نشر فكر اهل البيت وترسيخه لدى الشعب العراقي وشبابه على وجه الخصوص، سوف يؤدي بالنتيجة الى انتشار فكر أئمة أهل البيت عليهم السلام بين المسلمين والى العالم أجمع.
يؤكد هذه الحقيقة سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمته الموجَّهة الى المسلمين، وقد جاء فيها: (إذا تمّ تربية شباب العراق، وبالأخص شباب كربلاء المقدّسة، وفق تعاليم وثقافة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، فإنّ هذه التربية تنعكس على العالم لا شكّ).
علما أن مركز الفكر الحسيني ينطلق من ارض العراق، لذلك اذا نجح المعنيون بتعبئة الطاقات هنا في هذه الأرض، واذا تمكنوا من نشر ثقافة أهل البيت هنا، فهذا يعني انتشار هذا الفكر في العالم أجمع، بسبب التأثير الإيجابي لأهل العراق على الزائرين الكرام، كونه يحتضن مراقد أئمة اهل البيت الأطهار (ع)، فهو النموذج الأنسب والأفضل للمسلمين وللعالم أيضا.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التي ألقاها مؤخرا بحضور عدد من المسلمين: (إنّ العمل في العراق ينعكس في العالم، والعمل في أية نقطة أخرى غير العراق لا ينعكس على العالم. فيجب تعبئة الطاقات في مجال التربية وفق تربية أهل البيت صلوات الله عليهم).
قمة التشيع في أرض كربلاء المقدسة
كربلاء المقدسة دخلت التاريخ الإسلامي والإنساني من أوسع أبوابه، بعد أن احتضنت ضريح الإمام الحسين (ع) سبط الرسول الأكرم (ص)، الذي قدم دماءه وذويه قربانا لسموّ الإسلام وثباته، وإنقاذه من الانحراف على أيدي السلاطين الأمويين الطغاة المنحرفين، لذا فإن عصارة الفكر المحمدي الحسيني ينطلق من هذه الأرض، في كربلاء المقدسة.
وطالما أن هذه الأرض المقدسة محط أنظار المسلمين من دول ومناطق الدول في العالم كله، فإن الشباب العراقي الكربلائي ينبغي أن يمثل النموذج الاسلامي لهؤلاء القادمين من أرض بعيدة من أنحاء المعمورة، حتى تنعكس أخلاق اهل البيت عبر الانسان المقيم في كربلاء والعراق لينتقل الى الزائر الذي يقوم بدوره في نقله الى بلده وشعبه، وهذا يشمل جميع زوار أبي عبد الله الحسين والمراقد المقدسة المنتشرة في ربوع العراق.
حيث يزور مدينة كربلاء المقدسة ملايين الزوار على مدار العام، ويجد هؤلاء الزوار النموذج الاسلامي الحسيني في كربلاء، ومن هذا الحضور والاحتكاك والملاحظة والرؤية سوف ينقل الزوار فكر أئمة أهل البيت (ع) الى أبعد مدن العالم، لذلك ينبغي العمل على نشر وتثبيت الفكر الاسلامي المحمدي الحقيقي هنا في هذه ارض كربلاء المقدسة، كونها تعكس قيم اهل البيت (ع) الى العالم أجمع.
كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (إن الذي يأتي إلى كربلاء المقدّسة من أوكرانيا مثلاً أو أميركا أو أفريقيا وغيرها من دول وقارات العالم، ويلتقي بأهالي كربلاء، كالعطّار والبقّال وسائق الأجرة وخادم الحرم الشريف والبائع وغيرهم، فسوف يكوِّن انطباعه من هؤلاء).
ولهذا السبب يمكن أن نعد العراق عصب التشيع من دون أدنى شك، فمن هذا البلد، من مدنه المقدسة بأئمة الدوحة المحمدية، من أرض كربلاء المطهرة بدم الإمام الحسين (ع) ينطلق التشيع الى عموم أمم وشعوب العالم، بالقيم العظيمة التي يحملها، أما السبب في ذلك فهو واضح ومعروف للقاصي والداني، لأننا في هذه الأرض نكون على تماس مباشر مع الأفكار والقيم والأخلاق العظيمة لأهل البيت (ع)، والتي أخذوها عن جدهم الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (ص).
لهذا السبب يرى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إنّ العراق عصب التشيّع لا غيره، بلا شكّ).
وفي الواقع أن هذا التوصيف الدقيق والصادق والحساس، لا يحتاج الى اثبات، فهذه الأرض التي تضم في ثراها أطهر الدماء وأقدس الأضرحة كونها تضم أئمة ينتمون الى سلالة الدوحة المحمدية، وهذه الأرض، هذه التربة المقدسة الطاهرة، تصلح بلا ادنى شك أن تكون نقطة انطلاق للاسلام الحقيقي المحمدي الى ارجاء العالم كافة.
العاقبة للمتقين
وثمة سؤال يدور بين العراقيين أنفسهم، وايضا يتساءل الآخرون، لماذا تتكالب دول الجوار على أرض العراق، مع أن هذه الدول مكتفية من حيث الموارد وسعة الأرض وما شابه من مزايا، لماذا تأتي هذه الدول الى العراق لتفتعل الصراعات فوق ارضه، ولتجعل من ارض العراق ساحة لتصفية الحسابات، والتكالب على المصالح وما شابه.
لماذا تتنازع هذه الدول فيما بينها فوق ارض العراق، ولماذا تحرم شعبه من العيش بسلام، أليس العراقيون مسلمين، ألا يستحق العراقيون العيش كما تعيش شعوب الجوار؟، بماذا يختلف العراقيون عن الآخرين، أليست هذه الدول تمتلك من الثروات ما يفوق ثروة العراقيين من نفط او زراعة او صناعة او موارد مختلفة، اذاً لماذا هذا التكالب الغريب على هذه الأرض؟؟.
سماحة المرجع الشيرازي، يشير الى هذه القضية في كلمته نفسها فيقول: (مع شديد الأسف إنّ دول الجوار ودول أُخر تتكالب على أرض العراق، وتتنازع وتتعارك على أرض العراق. ومع ذلك فإن القرآن الكريم بشّرنا بقوله تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) سورة الأعراف: الآية 128).
لا يزال الوقت متاحا لدول الجوار، حكومات وشعوب، أن تعي حجم المشكلات التي تتسبب بها للعراقيين، عندما تتنازع فوق ارضه، وتثير الفتن والنزعات، وتنشر الصراعات وعدم الاستقرار في هذا البلد، وهو بلد أئمة أهل البيت الأطهار الذي لا يستحق كل هذه الأحقاد من دول الجوار التي تتكالب عليه باستمرار، وكأنها تستكثر على العراقيين المسلمين أن يعيشوا في بلادهم بأمن واستقرار وسلام، وأن يستفيدوا من ثرواتهم ويوظفوها لخدمة الاسلام والمسلمين وخدمة أنفسهم أيضا.
لا شك أن حكومات الدول المجاورة للعراق، تعي تماما أنها لا يحق لها اختلاق الفتن والصراعات فوق ارض العراق، ولا يحق لها أن تتجاوز على أرضه أو على حقوق شعبه، وعليها أيضا أن تؤمن بقواعد الجوار الصحيحة، وان تنظر الى أهل العراق على أنهم اخوانهم في الدين والانسانية، وهم مسلمون مثلهم، لذلك ينبغي الوقوف الى جانبهم بدلا من التكالب عليهم.
وفي كل الاحوال، وكما تذكر لنا تجارب التاريخ الماضية أن العراق والعراقيين تعرضوا لمثل هذه الانتهاكات والتجاوزات، وأنهم بالنتيجة يعبرون المخاطر ويتخلصون منها، ليعيشوا الحياة الآمنة التي تليق بهم، وتبقى هذه الارض منارا للمسلمين أجمع، وتبقى الارض التي تعكس ثقافة أهل البيت (ع) الى أبد الآبدين.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (إن العراقيين أثبتوا بأنهم قادرون على أن يعبروا المخاطر).