العدل مصنع السعادة والأمان

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2025-11-13 02:41

(إنّ من المسلّمات والثوابت في القضاء أن تجري الأحكام بين الناس بنزاهة)

ضمن قانون الأسباب والمسبّبات لابد أن يكون العدل محفّزا على تكوين السعادة والشعور بالأمان، لأن الناس عندما يعيشون تحت شقف واحد من العدالة، من دون تفريق بينهم، فإن الأمان يكون هو الشعور السائد فيما بينهم، وأن السعادة تسود في تفاصيل حياتهم، لهذا دأبت الشعوب ومختلف الأمم والدول على صنع الأنظمة السياسية التي تلتزم بالسلوك العادل بين الناس.

وفي حال تعاملت الحكومات مع الناس ضمن معيار العدالة، فإن نسبة الجريمة سوف تهبط إلى أدنى مستوياتها، وتغيب حالات الخوف أو تقل كثيرا، ولن يعود أي وجود لحالات الاضطراب التي تتسبب بها حالات انعدام العدل بين الناس، لاسيما إذا تعامل القضاء مع الجميع بعدالة، ولا يفرّق في الحكم القضائي بين الرئيس والمرؤوس أو بين المواطن والمسؤول.

لهذا يمكن أن نتخذ من العدل معيارا دقيقا لشعور الناس بالأمان والعيش الرغيد، وهذا لن يتحقق إلا إذا كان هناك فصلا كاملا بين السلطات، وعدم جمعها كلها في قبضة الحاكم، ومتى ما تمكن القضاء من أن يقاضي الحاكم أو الرئيس بنفس الطريقة التي يحاكم بها المواطن العادي، حينئذ سوف يشعر الناس في الدولة الواحدة بأنهم يعيشون في ظل الحكم العادل.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في محاضرته القيمة (العدل غاية السعادة) ضمن سلسلة نبراس المعرفة:  

(كم يشعر الناس بالأمان والاطمئنان في الدولة عندما يكون الحكم عادلاً ونزيهاً، ويتساوى الحاكم مع المحكوم؟! وكم تكون نسبة الجريمة والخوف والاضطراب هابطة الى أقلّ مستوياتها عندما تتحقّق العدالة بين الناس ويساوي القضاء بين المسؤول والمرؤوس).

المنطوق النظري والتطبيقي للعدل

والعدل هو المرتكز المبدئي الأهم في لسياسة الحكم الإسلامي، وقد زرع بذور هذا المبدأ أو حكم أدار دولة الإسلام ونشر العل في ربوعها، ألا وهو نظام الحكم الذي قاده الرسول صلى الله عليه وآله، حيث العدالة هي التي تسود في إدارة شؤون الناس بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة، فالمواطن في دولة الإسلام يتمتع بالحقوق كاملة غير منقوصة.

والعدل هو الذي يعالج جميع قضايا المواطنين في الدولة التي يقودها النظام الإسلامي، وكان التطابق بين المنطوق النظري والتطبيقي متكاملا، فما قدمه الإسلام من أحكام وسنن عادلة، يتم تطبيقها بحذافيرها بين جميع الناس، ولا يوجد فرق بين فرد وآخر حتى لو كان مسؤولا كبيرا في الدولة، ولكن هل استمر المسلمون على هذا المنوال، وهل جميع أنظمة الحكم في الدول الإسلامية أنصفت الإسلام وطبقّت مبادئه السياسية في العدل؟

بالطبع تعرّض المنطوق النظري للإسلام إلى ظلم كبير، بعد أن تجاوزت أنظمة الحكم على العدل، ولم تحكم به بين الناس، حيث كان الحاكم وبطانته (من وزراء ومدراء وغيرهم)، أعلى من القانون، ولا يعاملهم القضاء مثلما يعامل الناس البسطاء، فغابت العدالة، وتعرض المنطوق الإسلامي إلى التجاوز وعدم التطبيق العادل.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:  

(للأسف إنّ الاسلام بات مظلوماً في التطبيق، ولا يزال الكثير من غير المسلمين وحتى المسلمين يجهلون الاسلام الأصيل ولا يعرفون أنّ الاسلام يشرّع بهذه الدّقة كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ).

في ظل حكومة الرسول صلى الله عليه وآله، كانت هناك نماذج عظيمة على سيادة العدالة بين الناس، وعدم التفريق بين مواطن ومسؤول كبير في القضاء، فعندما تحدث مشكلة أو اختلاف بين الاثنين المسؤول والمواطن، لا يمكن للقضاء أن يفضل الأول على الثاني، بل يأخذ العدل مجراه، ويطبق الحق بأعلى درجاته، فيشعر الناس بأنهم سواسية والعدل هو الفيصل بينهم.

كذلك الحال في ظل حكومة الإمام علي عليه السلام، لم نشهد تفضيلا للمسؤول على المواطن، بل لم يتم تفضيل الحاكم الأعلى حتى وإن كان قائدا للدولة كلها، فالعدالة تساوي بين الجميع، والمواطن العادي ينال حقّه ويكسب القضية وفق منظور العدل والعمل به، ولكن فيما بعد لم يعد العمل بالقضاء العادل موجودا في الأنظمة اللاحقة بسبب ضعف العدالة أو غيابها.

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول:

(من المؤسف أن نرى تأريخ البلاد الاسلامية بعد رسول الله باستثناء فترة حكومة امير المؤمنين صلوات الله عليه، لا تشهد مثل تلك النماذج الرائعة في التطبيق).

وهكذا تعرّضت المبادئ الإسلامية للظلم عندما آل الحكم إلى أناس لم يحترموا العدل، ولم يعملوا بما أقرّه الإسلام من سلطة حاسمة للعدل في القضاء بين الناس بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو مركزهم الوظيفي، لأن الله تعالى أمر بالعدل، ولم يفضّل شخصا على آخر لأنه ذو منصب سلطوي كبير أو ذو مركز اجتماعي عال.

مزايا القضاء العادل

فالجميع من دون استثناء يقعون تحت معيار القضاء العادل، حتى يعيش الناس في سعادة وهناء ويسودهم الشعور بالأمان، وتهبط في مجتمعهم معدلات الجريمة، لكن هنالك أشخاصا من المسلمين أو غيرهم، حكموا الناس بعيدا عن العدل، وتجاوزوا عليهم، تحقيقا لمصالحهم الخاصة، فسيطروا على القضاء وجعلوه تحت سلطتهم وخادما لمآربهم.

فانتشر الظلم بين الناس بعد أن غابت العدالة، وتم إخضاع القضاء تحت جبروت السياسة، وغاب الإنصاف، وصار العدل لفظا بلا تطبيق، مما أدى ذلك إلى كثرة الجرائم، وفقد الناس شعورهم بالأمان، بعد أن تسلط عليهم أناس لا يؤمنون بالإسلام ولا يطبقون أحكامه بالطريقة التي تحفظ كرامة الناس وتنتصر للحق والعدل.

حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلا:  

(كم أصبح الإسلام مظلوماً عند المسلمين وعند غير المسلمين. فمثل هذا الاسلام فيه أناس كانوا أبعد ما يكونون عن العدالة وعن العدل الذي أمر به القرآن الكريم، لكنّهم حكموا البلاد الإسلامية عنوةً ومارسوا الاضطهاد والجور في الحكم واستغلّوا القضاء لمصلحتهم وجيّروه لخدمتهم).

لهذا فإن المسلمين، وخصوصا شريحة الشباب، عليهم أن يطّلعوا جيدا على تاريخهم الإسلامي المشرق، وأن يدققوا في هذه المسيرة المتميزة، ويفهموا جيدا كل الدقائق والتفاصيل التي وردت في النصوص والتعاليم والأحكام التي جعلت من العدل حقيقة قائمة لا يمكن الحياد فيها أو إهمالها، لأنها تصنع السعادة للجميع، وتنشر الأمان في ربوع الدولة.

وقد أثبت التاريخ الناصع، أن أئمة أهل البيت عليهم السلام، طبقوا العدالة أينما كانوا، ودعوا الحكّام إلى تطبيقها بين الناس، ورفضوا بشكل قاطع أي تجاوز على القضاء العادل، ودعوا إلى جعله مستقلا بعيدا عن سطوة الحكام، حتى يكون العدل هو السائد بين الناس، مما يؤدي ذلك إلى صناعة السعادة والأمان ونشرهما بين الجميع من دون استثناء.

لهذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلا:

(على المسلمين جميعاً ولاسيما الشباب أن يقرأوا تاريخ الاسلام ويطالعوا سيرة اهل البيت عليهم الصلاة والسلام الذين هم الممثّلون الشرعيون والحقيقيون للإسلام. فبعد هذه الدراسة والمطالعة سوف يتسنّى لهم نشر تاريخ الإسلام بما أوتوا من طاقات وإمكانات (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، فإذا انتشر إسلام أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ووصل الى العالم المنفتح لاعتنقوا الاسلام برحابة صدر).

وهكذا نلاحظ تلك الأهمية الكبرى لنشر العدل بين الناس، وهذا ما أمر به الله تعالى، ودعا له الإسلام، وطبقه الرسول صلى الله عليه وآله إبان حكمه، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، وكل ذلك من أجل مصلحة الناس من مسلمين وغيرهم، فالدولة التي يختل فيها القضاء وتضعف فيها العدالة، سوف تختل فيها مناسيب السعادة ويضعف فيها الأمان، لهذا علينا الاستفادة من تاريخنا المشرق الذي يؤكد على نشر العدالة بين الجميع.

ذات صلة

حسن الظن وتنمية العلاقات الاجتماعيةالرهان الجيو استراتيجي حول جزر المحيط الهاديهل يمكن لاحتجاجات الجيل Z العالمية أن تحوّل الاضطرابات إلى تغيير حقيقي؟هل ستدفع (بي بي سي) الى ترامب مليار دولار بسبب التضليل؟الذكاء الاصطناعي في خدمة المحتالين: عندما يصبح الخداع رقميًا