المرجع الشيرازي: نظام الأمة وسعادة البشرية في إطاعة أهل البيت
مؤسسة الرسول الاكرم
2014-12-26 02:25
تعريب: علاء الكاظمي
بعد أن أحيوا مراسم ذكرى استشهاد سيّد الكائنات، مولانا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، وكالسنوات السابقة، حضرت جموع غفيرة من العلماء والفضلاء والمؤمنين والمعزّين من العديد من المدن والمحافظات الإيرانية، في بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بمدينة قم المقدّسة، عصر يوم الأحد الموافق للثامن والعشرين من شهر صفر المظفّر 1436 للهجرة (21/12/2014م)، فألقى سماحته فيهم كلمة قيّمة بخصوص هذه الذكرى الأليمة.
في بداية حديثه قدّم سماحته التعازي لمولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف بمصيبة استشهاد نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، وإلى المؤمنين والمسلمين والمستضعفين في العالم كافّة وقال: لقد أشارت السيدة الزهراء صلوات الله عليها في خطبتها الشريفة حول مصيبة استشهاد النبيّ صلى الله عليه وآله، إلى أمر مهم، ذات محتوى عميق وبعد واسع، لو أردنا شرحه فسوف يعادل شرحه مائة مجلّد. ولذا أدعو الشباب، ذكوراً وأناثاً، إلى قراءة هذه الخطبة المهمّة الشريفة، والتأمّل في عباراتها.
طاعة أهل البيت نظام الأمة
فقد قالت صلوات الله عليها: (فجعل الله طاعتنا نظاماً للملّة). والمراد من (طاعتنا) هي إطاعة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، كما ورد ذلك في الأدعية والزيارات الخاصّة للمعصومين صلوات الله عليهم أيضاً. وهذا يعني أن السبيل الوحيد لانتظام الأمة الإسلامية هو في إطاعة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، والامتثال لتعاليمهم والعمل بسيرتهم وأعمالهم وتقاريهم. وهذا هو ظهور في الحصر، أي هذا هو السبيل الوحيد، الوحيد، ولا غيره. وهذا يعني ـ أيضاً ـ بأننا جميعاً، مكلّفون في تبيين هذا الأمر المهم، كل حسب قدرته وطاقاته، كما في حديث النبيّ صلى الله عليه وآله: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته).
الشكر لمحيي الشعائر الحسينية
هنا أرى أن أشير إلى أمرين مهمين:
الأول: بعنوان الواجب، أشكر كل الذين أظهروا محبّتهم لأهل البيت صلوات الله عليهم، فيما قدّموه من فعاليات عديدة وخدمات متعددّة في شهري محرم وصفر، وأدعو لهم. فقد ورد في الروايات الرشيفة استحباب الدعاء لمن يزور الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم في المناسبات الحزينة، ولمن يقدّمون أنواع الخدمات في هذه المناسبات. فقد قال مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه بحقّ من يزور الإمام الحسين صلوات الله عليه: (يدعو له رسول الله، وعليّ، وفاطمة، والأئمة). وقال صلوات الله عليه، أيضاً: (إنّ الذين يدعون لهم في السماء أكثر ممن يدعون لهم في الأرض). علماً بأن المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم هم أهمّ وأفضل من كل من في السماوات والأرضين، وكذا الحال بالنسبة لدعائهم صلوات الله عليهم.
ذكرت الروايات الشريفة أن أحد الاشخاص جاء إلى الإمام الباقر صلوات الله عليه، وذكر للإمام بأنه قد تأخّر عن الزيارة في المدينة ومكّة وعن الحجّ بسبب قيامه بخدمة الحجّاج، فقال له الإمام صلوات الله عليه: (أنت أعظمهم أجراً).
عالمية الزيارة الأربعينية
وقال سماحته: رغم وقوع حوادث مؤلمة ودموية ومشاكل عديدة في العراق، كالانفجارات، والرعب، وغيرها التي ترتكب باسم الإسلام، والتي أوجدها ويفتعلها الغرب والشرق وبعض دول الجوار والمنطقة في العراق، رغم كل ذلك، أقيمت مراسم زيارة الأربعين الحسيني بصورة فريدة ومنقطعة النظير في عالم اليوم، وهكذا ستكون في المستقبل أيضاً. فقد شاهدنا جميعاً حضور وتوافد الملايين من الناس من العراق كلّه، ومن العالم، ومن أتباع الديانات غير الإسلامية، من داخل العراق وخارجه، إلى كربلاء المقدّسة وزاروا الإمام الحسين صلوات الله عليه. فإذا كانت نسبة الإحصائيات في مراسم الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة هي عشرات الملايين، ففي المستقبل، إن شاء الله تعالى، ستكون النسبة في مئات الملايين. ولذا ومن منطلق الواجب الشرعي، أدعو لكل الزائرين وأشكرهم على ذلك، حتى الذين لم يوفّقوا للوصول إلى كربلاء المقدّسة، أي الذين أقاموا المسيرات بمناسبتي عاشوراء والأربعين الحسينيين في مدنهم وبلدانهم، الإسلامية وغير الإسلامية، حيث أن هذه المسيرات في البلدان غير الإسلامية صارت سبباً في هداية واستبصار العديد من المثقّفين والطلبة وأهل العلم من تلك البلدان، وبعض اولئك الذين استبصروا جاءوا عندي والتقوا بي وذكروا لي سبب استبصارهم.
أشكر كل من شارك وحضر في الزيارة المليونية الأربعينية الحسينية المقدّسة، وكل من ساهم وشارك في سبيل إقامتها، وبأي نحو كان. فهذه الشعائر المقدّسة، لها قدسية في الدنيا والآخرة، وهذه القدسية قد جعلها الله تبارك وتعالى وقدّرها وأرادها لهذه الشعائر.
مقارنة
وهنا أرى أن أشير إلى نقطة مهمة أيضاً، وهي أنه تقام مراسم خاصّة سنوياً في إحدى الدول غير الإسلامية، ولها صبغة دينية ومذهبية. ويتمّ تغطية هذه المراسم بشكل واسع من قبل القنوات الفضائية، وتنقلها حتى بعض الدول الإسلامية، ولكن لا ينقلون عن مراسم الزيارة الأربعينية الحسينية أي شيء. وحسب ما تنشره المجلاّت والصحف في تلك البلدان وفي بعض الدول الإسلامية، أنه في تلك المراسم ترخص كل السلع بشكل ملفت وواسع وعجيب، ومنها خدمات النقل والحمولة والسكن، وحتى الأشخاص الذين صدر بحقّهم أمر (ممنوع من السفر) بإمكانهم أن يتعهّدوا عبر تقديم عريضة أو يعرّفوا كفيلاً، للسماح لهم بالسفر من بلدهم لأجل الحضور والمشاركة في تلك المراسم، وعلى حكومة ذلك البلد أن تمتثل لهذا الأمر قانونياً. وحتى المسجونين لأيّ سبب كان، يمكنهم أن يطلبوا رخصة لأجل المشاركة في تلك المراسم، ويجب على الدولة أن تستجيب وتسمح لهم بذلك قانونياً.
علماً بأن تلك المراسم تقام في مدينة ليست دينية، بل مدينة سياحية، ولكن يبذلون جهوداً كثيرة وكبيرة لأجل راحة ورفاه من يشارك في إقامة تلك المراسم.
ذات مرّة وخلال تواجدي في إحدى البلدان، سألني أحد علماء السنّة: أنت من أيّة مدينة؟ قلت له: من كربلاء المقدّسة. فقال: إن كلمة مقدّسة، كلمة كبيرة جدّاً وثقيلة، ولا تطلق على الأرض! قلت له: تسمّى كربلاء بالمقدّسة، ولولا كربلاء وصاحب كربلاء وهو الإمام الحسين صلوات الله عليه، ما كنت من المصلّين اليوم. فيجب أن تعلم وتذعن بأن سبب بقاء الإسلام هي تضحية الإمام الحسين صلوات الله عليه. وواصلت الحوار والحديث معه، وحيث أنه لم يك من المعاندين، سكت ولم يقل شيئاً، ولعله أثّر فيه الكلام والحوار.
ومن المسؤولية
لقد خفي عن الكثير من الناس أمور وحقائق كثيرة، وأكثر الناس هم أسرى الجهل. ولذا تجب المسؤولية في هذا المجال على من يتمتعون بقدرة على التبليغ وتبين الحقائق، وإذا قصّروا في هذا المجال أو لم يعتنوا بهذه المسؤولية، فسيحاسبون على ذلك. ولذا يجب القيام بهذه المسؤولية، وهي تبيين قدسيّة كربلاء وقدسيّة الشعائر الحسينية المقدّسة، للعالمين، كل حسب قدرته، حتى يعلم الجميع بأن زائر الإمام الحسين صلوات الله عليه مقدّس وخدمته مقدّسة أيضاً، والقيام بهذه الأمور في أيّ مكان وأيّ بلد يعني القيام بشعائر الله تعالى. فإحياء أمر الإمام الحسين صلوات الله عليهم يعني إحياء الإسلام، وإحياء أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، وإحياء أمر الله سبحانه وتعالى. وفي هذا الصدد يقول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: (من زار الحسين بكربلاء، كمن زار الله في عرشه). والروايات في هذا الصدد كثيرة، ونقلها غير الشيعة أيضاً.
الله أكرم الإمام الحسين
في الواقع، إنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل الكرامة للإمام الحسين صلوات الله عليه ولكل ما يرتبط بالإمام كالزيارة والزائر الحسيني، وغيرها. ولقد رأينا ورأيتم كثيراً ومراراً ان جميع الناس، بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم، يشاركون في إحياء الشعائر الحسينية وفي الزيارة الأربعينية الحسينية، ويقدّمون الخدمات، وينفقون الأموال، ومعظمهم من الطبقة الفقيرة. وبعضهم يبيع بيته ويصرف ثمنه على ضيافة الزائرين الحسينيين في مناسبة الأربعين. وهؤلاء بما يقدّمونه من الخدمات هم في الواقع يعربون عن حبّهم ويظهرون مودّتهم للإمام الحسين صلوات الله عليه ولأهل بيت الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وبالأخصّ لمولانا الإمام صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
جاء في الحديث الشريف: (يعجبني رأي الشيخ وجَلَد الغلام) فيجدر بالشباب، الذين يتسابقون دوماً في الوصول إلى مبتغاهم ومايريدونه، أن يتسابقوا في طريق الإمام الحسين صلوات الله عليهم، وهذا من الأعمال المطلوبة والمرضية. وهذا ما يجدر بالجميع أن يقوموا به، ولا يختصّ بالشباب فقط، أيضاً. فالزيارة الأربعينية هي شعائر دينية مقدّسة، وعلى الشباب أن يسعوا في هذا المجال كثيراً وأن يتسابقوا، وأن يعلموا بأنه يمكن العمل والتسابق في هذا المجال بغير الأموال أيضاً، أي بالقلم واللسان وبالإرشاد والفعاليات، وغيرها.
عاقبة عدم الاهتمام بالشعائر الحسينية
إنّ عدم المبالاة وعدم الاهتمام في إحياء الشعائر الإلهية الحسينية، يسبب المصائب والفواجع للمجتمع المسلم. ففي صدر الإسلام، عندما اجتمعت جموع كثيرة من مشركي مكّة حول المدينة لمحاربة النبيّ صلى الله عليه وآله والقضاء على الإسلام، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الناس في المدينة إلى الدفاع، لكنهم بدأوا يتعذّرون بحجج واهية فراراً من الحرب، كما ذكر ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: (يقولون إنّ بيوتنا عورة). في حين ان هذا الدفاع كان في الواقع دفاعاً عن أنفسهم وعن عوائلهم أيضاً. فعلى المسلمين أن يكون دفاعهم أكبر وأشدّ من هجوم الظالمين والمعتدين. ولهذا يقول القرآن الكريم: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون). وهذه الآية تعني بأن المشركين يتألّمون ويتضرّرون من الحرب ومن نتائجها أيضاً كالقتل والنهب والسلب والأسر، ولكن أنتم أيّها المسلمون تختلفون عنهم بأن لكم خصيصة ليست موجودة عند المشركين، وهي: (وترجون من الله ما لا يرجون). وقد بيّن القرآن الكريم بأن المشركين والكافرين لا يعتقدون بالقيامة ولا بالبرزخ ولا بالآخرة ولا بالجنّة، حيث قال تعالى: (وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيي وما يهلكنا إلاّ الدهر).
طبقاً للآيات الكريمة التي مرّ ذكرها، يتبيّن ان المشركين يقاتلون مع أنهم لا أمل لهم بعد الموت ولا رجاء، فلماذا يتقاعس المسلمون ولا ينهضون للدفاع عن مقدّساتهم ومعتقداتهم الخالصة والسليمة؟
رفع القوانين الوضعية
على المسلمين، وبالخصوص الشباب المسلم، أن يطالبوا حكوماتهم في توفير الخدمات وتسهيلها لزوّار الأربعينية، كالمأكل والمشرب والمسكن، وأن يسهّلوا أمور السفر والذهاب إلى المراقد المقدّسة ويرخصّوا تكاليف السفر، وأن يرفعوا المشاكل التي تعترض هذه السفرات. ولا شكّ إذا كثرت هذه المطالب، فستذعن لها الحكومات. وأنا ومن هذا المكان أطلب من جميع الشباب المسلم في أرجاء العالم أن يسعوا في هذا المجال كثيراً لتحقيق المطلب المذكور، وليعلموا أنهم إذا توانوا أو قصّروا في ذلك فسيسبقهم إليه غيرهم، وستنتابهم الحسرة على تهاونهم في تقديم الخدمات للقضية الحسينية المقدّسة، وسيحظى غيرهم الذين يقومون بتلك الخدمات بالأجر والثواب.
لقد سعى الأنبياء عليهم السلام جميعاً، وسعى نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله سعياً كثيراً، وقاوم وواصل وصمد بمعنوية عالية طيلة ثلاثة عشر سنة في مكّة في تبليغه الإسلام، وكانت نتيجة مساعيه صلى الله عليه وآله في مكّة أنه لن يسلم من أهلها سوى مائتي شخص وكان فيهم من المنافقين، ولن يؤثّر ذلك عليه صلى الله عليه وآله، فقد كانت النتائج في المدينة أكثر وأكبر، حيث كان الناس يدخلون في الإسلام يومياً، أفواجاً وأفواجاً.
محبّة ومودّة فريدتين
ذكر لي أحد الخطباء، الذي ارتقى المنبر الحسيني في إحدى الدول غير الإسلامية، أنه في عاشوراء السنة الجارية شارك جمع من المسيحيين في الشعيرة الحسينية الخاصّة بصباح يوم عاشوراء، فاعترض عليهم زعيمهم، فقالوا له: إننا لم نغيرّ ديننا، وشاركنا في هذه الشعيرة لأن الإمام الحسين صلوات الله عليه لا يختصّ بالمسلمين فقط، ونحن نحبّه ونودّه!
مع وجود مثل تلك الحالات، يجدر بكم أنتم أيها الشباب، أن تتسابقوا في تعميم الشعائر الحسينية المقدّسة. وإذا تم الضغط على الحكومات فسترفع ـ على الأقلّ ـ قوانين السفر والجمارك لأجل إقامة مراسم عاشوراء والزيارة الأربعينية. فتنفيذ تلك القوانين على الزائرين الحسينيين هي بمثابة العرقلة، ولا معنى لها أبداً. فعليكم أنتم أيّها الأعزاء ومحبّي أهل البيت صلوات الله عليهم والمضحّين لأجلهم، عليكم أن تبذلوا قصارى جهودكم وقدراتكم، لتحقيق الهدف المذكور، حتى إن استوجب ماء الوجه، لكي يتمكّن الجميع والكلّ من الذهاب إلى زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، بالأخصّ الذين لم يتمكّنوا إلى الآن من الزيارة. فالإمام الحسين صلوات الله عليه له محبّين على استعداد لأن يضحّوا بأبنائهم جميعاً لأجله صلوات الله عليه، لولا وجود المانع الشرعي. ولذا أليس من المؤسف أن لا نهتم إلى مثل هذه المحبّة ولهذا الولاء.
أما الأمر الثاني: وهو: إنّ الله تباك وتعالى قد عوّض الإمام الحسين صلوات الله عليه على تضحيته، بأجر لا مثيل له، بأن جعل الشفاء في تربته، والأئمة من ذريّته، واستجابة الدعاء تحت قبّته، ولطمت عليه الحور العين وبكته جميع المخلوقات، ممن تُرى ولا ترى. وهناك خصائص أخرى للإمام الحسين صلوات الله عليه، أيضاً. ولكن لم تك تلك الخصائص هي هدف الإمام الحسين صلوات الله عليه، بل كان هدفه صلوات الله عليه هو بقاء الإسلام والقرآن، الذي ضحّى واستشهد من أجلهما رسول الله والإمام عليّ والسيدة فاطمة الزهراء والإمام الحسن والمحسن صلوات الله عليهما.
لتحقيق أهداف النهضة الحسينية
هناك زيارات عديدة خاصّة بالإمام الحسين صلوات الله عليه ومنها زيارة الاربعين. ونقرأ في هذه الزيارة الشريفة قول الإمام المعصوم صلوات الله عليه: (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة، وحيرة الضلالة، والشكّ، والعمي والارتياب). وكان هذا هو هدف الإمام الحسين صلوات الله عليه. وهذا الهدف لم يتحقّق بشكل كامل في المجتمعات. ومما يجب أن نشكر الله تعالى عليه هو ان آباءنا وأجدادنا قد أورثونا هذا الإرث الثمين وجعلونا على هذا الطريق وأنقذونا من الجهالة والضلالة. ولا شكّ ان السير في هذا الطريق، يواجه المصاعب والمتاعب، ولكن يسهل اجتيازه بالتحمّل وبالتعامل الحسن. فلقد تعرّض رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أذى كثيراً ولا نظير له في سبيل تبليغ الإسلام، ولكنه بسعة صدره وأخلاقه الفاضلة الرفيعة هدى الناس وجعلهم على الجادة الصواب. والحرّ بن يزيد الرياحي قد جعجع بالإمام الحسين صلوات الله عليه ومنعه من الوصول إلى الكوفة ومكّن جيش عمر بن سعد من محاربة الإمام وقتله صلوات الله عليه، ولكنه تاب والتحق بالإمام الحسين صلوات الله عليه. وهكذا اهتدى إلى الحقّ على يد الإمام الحسين صلوات الله عليه، زهير بن القين، ووهب، وغيرهما.
افضحوا الباطل
أنتم أيّها الشباب، اهتموا إلى بذل قواكم المعنوية في الأشهر العشرة الباقية من السنة، كما بذلتموها في شهري محرم وصفر، بأن تقيموا المجالس الحسينية، وتسعوا إلى هداية الناس إلى الإسلام. فربّ سؤال يطرح وهو: لماذا ابتعد الناس عن الإسلام وتنفّروا منه؟ والجواب الحقّ على ذلك هو: أسلوب وتعامل بني أمية وبني العباس، هو الذي أدّى إلى ذلك. فقد ذكرت كتب العامة بأن آخر سلطان من سلاطين بني أمية الذين كانوا يسمّونهم بخلفاء الله وخلفاء رسوله، وهو مروان، قد غضب على رجل، فطلبه، وأحضروه عنده، فقام (مروان) بقلع عيني ذلك الرجل بأصابعه.
ونقلوا، بأن معاوية كان يأمر بقطع أيدي وأرجل السجناء بالساطور، ثم بقلع أعينهم أيضاً، مما كان ذلك يؤدّي إلى موت السجين بعد ساعات معدودة. وكان معاوية وأمثاله يسمّي نفسه بخليفة الله وخليفة رسول الله وإمام المسلمين، وهم في الواقع أئمة يدعون إلى النار، كما صرّح بذلك القرآن الكريم. وكان معاوية وأمثاله، يؤدّون الصلاة جماعة وكانوا يعظون الناس ويتحدّثون بالتقوى! واليوم يقوم أتباع معاوية ومروان بارتكاب الجرائم نفسها في العراق وغيره من البلدان، فهل ستكون هذه التصرّفات وهذا السلوك سبباً مقنعاً لغير المسلم بأن يرضى بالإسلام ويقتنع به ويسلم؟!
لا سجين في حكومة الإسلام
لكن انظروا إلى حكومتي النبيّ والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما، وكيف حكما. ففي طيلة حكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله التي قاربت الـ(15) سنة، وفي حكومة الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، لم يك هنالك سجيناً سياسياً واحداً، مع ان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كان ولا يزال له الكثير من الأعداء الحاقدين كمعاوية، وإلى يومك هذا، ولكنهم ـ أي الأعداء ـ لم يتّهموا النبيّ صلى الله عليه وآله ولا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، بأنه كان في حكومتيهما سجيناً سياسياً. وأما في عالم اليوم الذي يدّعي بالحرية، ترى وجود الملايين من السجناء السياسيين.
أنتم أيّها الأعزاء! عليكم أن تبيّنوا للعالمين بأنه يمكن الحكومة بلا وجود حتى سجين سياسي واحد، كما حكم مولانا رسول الله والإمام عليّ صلوات الله عليهما. كما تقع عليكم مسؤولية نشر ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، وتعريف حكومتهم صلوات الله عليهم، للناس كافّة، وحكومتهم صلوات الله عليهم هي حكومة الإسلام.
حكومتان فريدتان
جاءني أحد أساتذة الجامعات الغربية ممن يسمّونه بكبار الأساتذة، وكان قد استبصر بنور أهل البيت صلوات الله عليهم. فباركت له استبصاره، وقلت له بأن الإسلام هو الدين المرضي، ورغم ان نبيّ الإسلام قد فرضت عليه قرابة ثمانين حرباً، وثلاثة حروب فرضت على الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أيضاً، لكن خلت حكومتيهما حتى من سجين واحد، ولكن لو وقعت اليوم الحرب في مكان ما فهذا يعني أنه قد حلّت البلايا على ذلك المكان. ومما لا شكّ فيه أبداً أن رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يستعملا القوة مع أحد ولم يطردا أحد أبداً، مع ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد تعرّض وتحمّل خلال (23) سنة إلى أنواع الأذى.
إنني لم أجد في التاريخ أبداً أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد تكلّم بكلام حادّ أو استعمل العنف أو اتخذ موقفاً شديداً، إلاّ في اللحظات الأخيرة من حياته وقبيل استشهاده صلوات الله عليه وآله، وذلك عندما أمر بالرحيل بعض اصحابه الذين اجتمعوا حوله للخلافة، فلم يسمح لهم بالبقاء، وقد زجرهم وطردهم وقال صلى الله عليه وآله: قوموا عني. فقال لي ذلك الأستاذ: لماذا تواجه الأقلية في فلان بلد من مشاكل بسبب مذهبهم؟ قلت له: هذه المشاكل لم يجعلها الإسلام ولا نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله ولا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، بل هي بسبب قوانين من يدّعي الإسلام ويدّعي بأنه من المسلمين.
حزب الظلم والإجرام
لقد تمكّن حزب البعث من السيطرة على الحكم في العراق سنة 1963 للميلاد، وخلال (11) شهراً من حكمه قام أصحاب هذا الحزب بارتكاب أقصى مراتب الظلم. ثم أقصي البعث عن الحكم بانقلاب حدث ضدّه. وفي سنة 1968 رجع حزب البعث إلى الحكم وحكم قرابة (35) سنة. وفي سيطرته الأولى على الحكم، تصدّى لمنصب رئاسة الوزراء منه المدعو عبد الرحمن البزاز، وكان من أساتذة الجامعة وصاحب مؤّلفات. فجاء إلى كربلاء والتقى بالمرحوم السيد الوالد (آية الله العظمى السيد الميرزا مهدي الشيرازي قدّس سرّه) في البقعة التي دفن فيها السيد الوالد، وكان في استقباله السيد الوالد. وقد حضر ذلك اللقاء جمع من العلماء. وكان البزاز قد جاء إلى كربلاء ليعرض عضلاته، وسأل من المرحوم أخي: كيف ترون حكومتنا؟ فأجابه أخي: كما تعلم ان كل حكومة عندما تمسك بزمام السلطة تقوم بتقديم الوعود للناس، والناس ينتظرون تنفيذ هذه الوعود، ونحن من الناس وبانتظار تنفيذ وعودكم التي وعدتم الناس بها، ولنرى مصداقية تمسّككم بما واعدتم به الناس. فحار البزاز ولم يصدر منه أيّ جواب وسكت.
من أهمّ خصائص الحاكم الإسلامي
إنّ مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله قد وفى بوعوده ونفّذها عملياً مائة بالمائة، فقد قال صلى الله عليه وآله: (أتيتكم بخير الدنيا والآخرة). وهكذا عمل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وقال: (والله ما كذبت). ففي خلال عشر سنوات وهي فترة حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله، وخلال خمس سنوات وهي فترة حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، لم يرى خلال تلك الفترتين حتى جائعاً واحداً. وفي هذا الصدد قال مولانا الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه: (ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع).
مساوئ وفواجع
في حين نجد ان أحد الكتّاب الغربيين قد ذكر في كتاب له أنه (يموت يومياً مائة ألف إنسان من الجوع). وهذا يعني أنه في شهر واحد يموت قرابة ثلاثة ملايين من البشر. أي إنّ سبب هذه الفاجعة وسبب موت هذه الملايين من البشر هو الجوع، وليس الأمراض أو الحروب وأمثالهما. وذكر الكاتب نفسه ـ أيضاً ـ بأنه بسبب سوء التغذية يموت يومياً مليون إنساناً.
كما قرأت في صحيفة إحدى الدول الإسلامية أن نسبة ثمانين بالمائة من شعب تلك الدولة يعيشون تحت خط الفقر!
أما لن تجدوا مثل ذلك ولا حتى أصغر وأهون منه في سيرة وتاريخ وحكومة رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أبداً.
مسك الختام
إذن يجب عليكم جميعاً خلال عملكم وسعيكم في نشر الأهداف الراقية والفاضلة للنهضة الحسينية المقدّسة، أن تبيّنوا للناس كافّة لماذا استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه، وأن تبيّنوا الخصائص الفريدة والراقية للإسلام وتعرّفونها للبشرية، لكي يتعرّفوا على الإسلام أكثر وعلى ثقافته ومبادئه التي يمثّلها آل الله تعالى وهم أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، وبهذا العمل ستتمكّنون من تحقيق أهداف الإمام الحسين صلوات الله عليه ونهضته المقدّسة. فاستفيدوا من طاقاتكم كلّها، واستثمروا جهودكم وقدراتكم بأقصى ما يمكنكم. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّقنا ويوفّقكم ويوفّق سائر المؤمنين لذلك.
وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.