العلم والأخلاق
المرجع الديني السيد صادق الشيرازي
2022-01-18 07:20
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: «نوم مع علم خير من صلاة مع جهل»(1).
هذه الرواية من الروايات التي يجدر الوقوف عندها والتأمّل فيها. وذلك لأنّ الهدف من خلق الإنسان هو العبادة؛ قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ)(2)، والصلاة رأس كلّ العبادات وأهمّها، بل هي العبادة التي «إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها»(3)، فالطاعات والعبادات جميعها مرهونة بمدى قبول الصلاة أو ردّها، ومع ذلك نرى النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ الذي به عُرفت الصلاة وحقائق العبادة، وكان منطقه منطق القرآن والوحي، وحكمه الحقّ ـ يخبرنا أنّ نوم العالِم خير من الصلاة ـ وهي أهمّ الطاعات والعبادات ـ إن كانت مع جهل(4). فكيف يكون ذلك؟
إنّ نوم العالِم ليس تركاً محضاً بل هو مقدّمة وجود؛ لأنّ العالِم إذا نام استراح، واستراحته هذه تمثّل مقدّمة للخدمة والهداية وإرشاد الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور. فنوم العالِم حسنة إذاً.
أمّا الجاهل فإن لم يصلّ الصلاة الواجبة فتلك سيّئة، وإذا صلاّها مع الجهل بها، يكون قد أذهب فضلها. حينها يستوي في ذلك مع من لم يأت بها.
صحيح أنّ القاصر لا شيء عليه، لأنّ من أصول الإسلام العدل، والله سبحانه وتعالى عادل، ومن عدله أن لا يعذّب القاصر، فمن وُلد في مكان أو زمان أو ظرف بحيث كان قاصراً على الإحاطة بأيّ خطاب أو بلاغ، لا يُعذَّب ولا يُعاقَب ولا تكتب له سيّئة، إلاّ أنّ القاصر يستوي مع المقصّر من حيث الحرمان من ثمار الواجب الذي أُمرَ به المكلف. لذا فنوم العالِم أفضل من صلاة الجاهل سواء كان قاصراً أو مقصراً؛ لغياب الثمرة من صلاتهما.
أمّا الجاهل المقصّر فقد ذهب المحقّقون الأعاظم من الفقهاء والأصوليين إلى أنّ حكمه حكم العالِم العامد خطاباً وعقاباً.
فكما أنّ العالِم العامد ـ أي الذي يعمل عملاً ويعلم أنّه حرام ـ قد توجّه الخطاب إليه أمراً ونهياً، فكذلك الجاهل المقصّر يتوجّه إليه الخطاب، ويستحقّ العقاب على المخالفة، دون أن يكون فيه إشكال عقلاً.
قد لا يوجد في صفوف أهل العلم جاهل قاصر، فإنّه لا يُقصد بالجاهل المقصّر مَن كان مستواه الدراسي أدنى أو كانت معلوماته أقلّ، بقدر ما ينطبق هذا الوصف على طالب العلم الذي يجهل بعض أحكام الله تعالى بسبب تقاعسه، فيعمل الحرام وهو لا يعلم ـ تقصيراً منه ـ أنّ عمله هذا حرام، وكان بمقدوره أن يعلم أنّه حرام فيجتنب عنه.
فمادام المؤمن باذلاً عمره في سبيل الله سبحانه وتعالى، منفقاً وقته وساعاته ودقائق حياته في طاعة الله، مصلّياً أو صائماً أو حاجّاً أو معتكفاً أو قارئاً للقرآن، فليخصّص حظّاً منه للعلم، وأعني به العلم بأصول الدين وأحكام الإسلام وأخلاقه وآدابه.
وعلينا بعلم الأخلاق أيضاً، فليست أخلاق الإسلام وآدابه كلّها لا اقتضائيّة ـ حسب الاصطلاح العلمي ـ أي مستحبّات ومكروهات، بل إنّ فيها الواجبات والمحرّمات أيضاً. فهذا كتاب جامع السعادات(5)، وكذلك باب الأخلاق في كتاب بحار الأنوار(6)، وتلك كتب الأخلاق الأخرى راجعوها تجدوها مليئة بالواجبات والمحرّمات.
العلم ينقذ
ولكي ندرك أهمّية العلم أكثر وأنّه كيف صار الـنوم مع علم خير من صلاة مع جهل، أنقل لكم هذه الحكاية وقد سمعتها من أحد العلماء الذين عاصروا الشيخ عبد الكريم الحائري(7)؛ فلا يزال بين ظهرانينا اليوم جملة من الذين عاصروه، وممّن تجاوزت أعمارهم السبعين، وينقل بعضهم عنه قصصاً من دون واسطة.
حدّثني ذلك العالِم قائلاً: نزل أحد أصدقاء الشيخ عبد الكريم الحائري ضيفاً عنده، ولم يكن معهما ثالث(8)، ومُدّ خوان متواضع وجاء الشيخ بما كان عنده من طعام عاديّ وبسيط في بيته، وأخذ الضيف يأكل والشيخ كذلك. ولكن فجأة سحب الشيخ يده للحظات وتأمّل، ثم مدّ يده ثانية إلى الطعام واقتطع قطعة من اللحم، وقام ودخل إلى غرفة في الدار ثم عاد بعد ذلك واعتذر للضيف قائلاً: لقد انتبهت فجأة أنّ كلّ اللحم الذي اشتريته اليوم قد طهته زوجتي ووضعتْه أمامنا، ولما كانت الزوجة واجبة النفقة عليَّ، فقد أحسستُ أنّي ربّما وقعت في مشكلة شرعية نحوها، فقلت لنفسي: أن أعتذر للضيف خير لي من أن أقع في مخالفة شرعيّة؛ كان الخوف الذي تملّكني من هذه الناحية هو أن أترك زوجتي هكذا من دون طعام، لأنّ هذا العمل خلاف للمروءة، بل لعله ترك للواجب، خاصّة وهي التي قامت بذلك العمل بنفسها وهيّأت لنا هذا الطعام، فينبغي لي أن أكون منصفاً.
انظروا إلى ورع الشيخ وكيف أنقذه علمه!
إنّ الكرم خصلة محمودة، وكذا السخاء والإنفاق وإقراء الضيف، فكلّ ذلك عمل محبّب ومقبول، ولكن إلى حيث لا يؤدّي إلى ترك واجب أو ارتكاب محرّم. ولعلّ كثيراً منّا لا يعلم أنّ مثل التصرّف الذي قام به الشيخ الحائري قد يكون واجباً. فها هنا يأتي دور العلم لينفع صاحبه ويقول له: إنّ إقراء الضيف محدود بعدم ترك الواجب، ولو أنّ أحداً نزل به ضيف ثم قام بجلب طعام مَن تجب نفقته عليه وقدّمه بين يدي الضيف من دون رضا واجب النفقة ومن دون وجود طعام فائض، فإنّ إقراءه هذا غير جائز، باتفاق العلماء.
إذاً، علم الشيخ الحائري قد نفعه. فهذا هو الذي صلاته مع العلم لا يعادلها شيء؛ لأنّ الإنسان الذي عنده علم، لا يعمل الحرام في سبيل ترك مكروه، ولا يترك واجباً من أجل الإتيان بعمل مستحبّ، وهو يتحمّل ما يُخجل عند الناس ولا يعمل ما يُسخط الله تعالى. ولاشكّ أنّ الشيخ عبد الكريم قد خجل وشعر بالحرج تجاه ضيفه، ومن المؤكّد أنّ هذا الموقف لم يكن على الشيخ سهلاً، ولكنه مع ذلك لم يبال، لأنّ ما هو أخطر منه في نظره أن يقع في معصية مولاه عزّ وجلّ، وكان لعلمه الأثر المهمّ في تورّعه. فلو كان جاهلاً ـ بالقضية ـ لما تصرّف هكذا.
وقد ينطبق على الجاهلين بالأحكام الشرعية قول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَبَدَا لَهُم مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(9).
صحيح أنّ صدر الآية ورد في الظالمين، ولكن ثمّة تفاسير(10) تقول: إنّها ـ أيضاً ـ في فريق من الناس يظنّون أعمالهم في الدنيا حسنات لكنّها تظهر لهم في الآخرة سيّئات، كما في إقراء الضيف بطعام واجب النفقة من دون رضاه، مثلاً.
أهمية العلم للواعظ
كان هذا مثالاً واحداً تبرز فيه أهمية العلم وتفضيل نوم صاحبه على الصلاة مع جهل، وإلاّ فإنّ أكثر أعمال الجاهل المقصّر سيّئات. فلو أخذنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب المثال أيضاً، لرأينا الشيء نفسه؛ لأنّ الجاهل إذا لم يأمر بالمعروف وينهَ عن المنكر ـ وكان واجباً عليه ـ فقد ارتكب سيّئة، وإن أمَر ونهى فلا يبعد أن يكون أمره ونهيه سيّئة، لأنّه لا يعلم الكيفية والوقت والأسلوب اللازم للأمر والنهي الواجبين عليه، بل قد يقول عن المكروه: إنّه حرام، أو عن المستحبّ: إنّه واجب، فيصدر منه ـ والعياذ بالله ـ الحكم بغير ما أنزل الله سبحانه.
لقد شاهدتُ أحد الأشخاص يعظُ في مجلس حضره أحد مراجع التقليد، فذكر مكروهاً من المكروهات وقال عنه أنّه حرام؛ اعتماداً على رواية طالعها. فكان من بين الحضور رجل كبير السنّ يعرف شيئاً من المسائل الشرعية انتابه الشكّ، فذهب إلى المرجع وسأله عن الموضوع، فقال له المرجع: كلاّ إنّ هذا الأمر مكروه وليس حراماً. فجاء الرجل إلى الواعظ الذي كان يرشد الناس وقال له: لقد سألت المرجع وأخبرني أنّ ما حدّثت عنه أنّه حرام ليس حراماً بل مكروه.
فتأثّر ذلك الواعظ وجاء إلى المرجع وعاتبه بأنّ كرامته أُهدرت أمام ذلك الشخص؛ لإخباره بخلاف حديثه.
فأجابه المرجع قائلاً: لقد فكّرت في كلامك ورأيت أنّه خلاف الإجماع، أي إنّ المسألة لم تكن خلافيّة؛ يقول أحد العلماء بكراهيتها والآخر بحرمتها، وإنّما أُجمع على جوازها ولم يقل أحد بالحرمة فيها على الإطلاق.
فردّ عليه الواعظ: لكنّي وجدت رواية تنهى عن ذلك.
فقال له المرجع: ليست كلّ رواية فيها نهي، دالّة على الحرمة.
إنّ المجتهدين يُتعبون أنفسهم عدّة سنين لأجل أن يعرفوا هل النهي الفلاني يدلّ على الحرمة أو الكراهة، وهل الأمر الفلاني دالّ على الاستحباب أو الوجوب؟
فهذا مثال واضح لمن يتصوّر أنّه محسن دون أن يعي أنّ عمله عين الإساءة.
وعليه، فلا أتصوّر أن يوجد بيننا جاهل قاصر إلاّ قليل، والجاهل المقصّر ـ كما قلنا ـ كالعالِم العامد خطاباً وعقاباً، إن لم يأت بالواجب فتلك سيّئة، وإن أتى به ولكن مع المنافيات ـ مقصّراً غير عالم بها ـ فتلك سيّئة أيضاً.
موعظة تاريخية
تأمّل في هذا الحديث الصحيح الأعلائي(11):
يقول الراوي: «كنت عند أبي جعفر الثاني(12) عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل ـ وكان يتولّى له الوقف بقم ـ فقال: يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف في حلّ، فإنّي أنفقتها. فقال له: أنت في حلّ، فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر سلام الله عليه:
أحدهم يثب على أموال حقّ آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: اجعلنـي في حلّ، أتراه ظن أنّي أقول لا أفعل؟ والله، ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً»(13).
انظر كيف أنّ الإمام المعصوم يقول: «أنت في حلّ» ثم يخبر أصحابه أنّه لا فائدة من ذلك. وسببه أنّ الرجل لا يخلو إمّا أن يكون عالِماً عامداً أو جاهلاً مقصّراً، ولا يمكن أن يكون غير ذلك، وما أخذه من الإمام إنّما أخذه حياءً؛ لقوله عليه السلام: «أتراه ظنّ أنّي أقول لا أفعل؟».
إنّ المطلوب هو العلم، فإنّ الإنسان لا يدري بم سيُبتلى وكيف ينبغي له أن يتصرّف، وكيف يتحدّث لئلاّ يكون من الذين وصفهم الله تعالى بقوله: (وَبَدَا لَهُم مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(14) فيعمل ويتصوّر أعماله حسنات، ثمّ ينكشف له بعد ذلك أنّها كلّها كانت سيّئات، لذا فأهل العلم أَولى بالانتباه إلى هذا الأمر الخطير.
الهلاك خيرٌ من الافتراء
عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: «كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري، فقام إليه رجل فقال له: إني أريد أن أسألك عن شيء؟...».
فقام الرجل فسأله عن أشياء. فقال له أبو القاسم الحسين بن روح: «افهم عنّي ما أقول لك...» وأجابه إجابات مفصّلة شافية.
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق: «فعُدت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟
فابتدأني فقال لي: يا محمّد بن إبراهيم، لأن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق، أحبّ إليّ من أن أقول في دين الله عزّ وجلّ برأيي أو من عند نفسي(15)، بل ذلك عن الأصل، ومسموع عن الحجّة»(16).
ضرورة التعبئة العلمية والأخلاقية
قال لي أحد طلبة العلم: سألني شخص ذات يوم عن الدليل على وجود الله سبحانه وتعالى، ففكّرت قليلاً ثمّ رأيت أنّه لا ينبغي أن أتحدّث هكذا من دون علم، ثمّ يظهر للشخص أنّني لم أكن أعرف شيئاً، فخلّصت نفسي من البداية وقلت له: إنّ هذا ليس من اختصاصي!
فهل هذا يليق برجل علم؟ أليس من واجباته إرشاد الجاهل؟ أوَ ليس وجود الله تعالى وتوحيده أساس كلّ الدين وأصل أصوله؟
إنّ كثيراً من مطالب أصول الدين يشعر الفرد ـ بل حتى كثير من أهل العلم ـ بالحاجة إلى تعلّمها سواء بالدراسة أو المطالعة أو المباحثة، وكذا الحال بالنسبة لكثير من الأحكام الشرعية.
كما أنّنا بأمسّ الحاجة إلى تعبئة علمية لمعرفة كثير من الأحكام الشرعية وبالأخصّ تلك التي هي محلّ ابتلائنا، وهكذا الأمر في مقام الهداية والإرشاد وتعليم الأحكام، ومواجهة أصحاب الديانات والمذاهب الباطلة والأفكار المنحرفة. فهذا كلّه يعدّ من الواجبات العينية التي يجب على الفرد المسلم السعي لتعلّمها.
لقد ورد في الحديث المأثور عن النبيّ صلى الله عليه وآله قوله: «اطلبوا العلم ولو بالصين»(17). وتعلمون كم هي المسافة بين الحجاز والصين، ومدى صعوبة قطعها، خاصّة في مثل تلك الأيام؛ وغايته الوصف بأبعد مسافة متصوّرة حينذاك، لما لطلب العلم من أهمية شرعية وعرفية في حياة الإنسان.
ولا ينبغي لطالب العلم (لكي يصدق عليه أنّه طالب علم) أن يقتصر على الدرس أو التدريس برهة من الزمن فحسب ـ وإن كان هذا لا بأس فيه ـ بل على المرء أن يتعلّم، إلى جنب دروسه، كلّ أحكام الحلال والحرام، بالإضافة إلى أصول الدين والأخلاق والآداب الإسلامية.
فلا يتصوّر أحد أنّ الأخلاق الإسلامية كلّها علوم لااقتضائية، فكثير مما يعبّر عنه اصطلاحاً بالأخلاق إنّما هو من الواجبات، وضدّه من المحرّمات، فإنّ التكبّر والعُجب مثلاً ليسا من المكروهات ـ بالمعنى الأخصّ ـ بل هما من المحرّمات، وكذلك المِراء ـ وهو الجدال بالباطل ـ وغير ذلك ممّا يوصف بالأخلاق الذميمة.
فمثلاً، لو قال أحدنا كلمة وكانت مطابقة لما عناه حقّاً، وكان يعلم أنّها كذلك، ثم عارضه أحد، فنوى ردّه، فإن كان ردّه لمجرد إثبات الغلبة أو الفضيلة، فهذا هو المراء الذي ورد التأكيد في النصوص والأخبار على حرمته مادام مصحوباً بهذه النيّة وإن كان لإثبات حقّ ودفع باطل، إلاّ أن يكون الردّ بهدف إثبات الحقّ لأجل الحق نفسه، فلا خلاف في صحّته، بل قد يكون واجباً عينياً.
وهنا تتبيّن أهمية العلم وكيف أنّ النوم مع علم خير من صلاة على جهل. فهذه صورة من المسائل الأخلاقية؛ ولذا لا ينبغي أن نضع درس الأخلاق جانباً بذريعة أنّه لا يخرج عن دائرة المستحبّات والمكروهات.
لقد ذكرت لأحدهم مرّة، عن كتب الأخلاق، فقال لي: أنا مشغول بالفرائض. فقلت له: وكتب الأخلاق مشحونة بالفرائض.
فلنخصّص بعض أوقاتنا ـ وبأقصى ما نستطيع ـ لتعبئة أنفسنا بالعلم في كلّ مجال مشروع وفي مجال العلم الديني خاصّة، ولنعلم أنّ موسم الدرس مناسبة جيّدة، وأنّ التسهيل من الله تعالى.
نعم، لننتهز كلّ فرصة ولا نضيّع حتى دقيقة واحدة، ولنحمل معنا الرسالة العملية التي قرأناها في أيّام شبابنا من أوّلها إلى آخرها، فربّ كثير منّا لا يتذكّر كثيراً منها، أو ربّ أمور لم يعد كثير منّا ملتفتاً إليها، فإذا ما أُتيحت له فرصة ولو بمقدار خمس دقائق، قرأ ولو صفحة واحدة منها، حتى إذا تكرّرت يكون قد تخلّص مما كان عنده من جهل مركّب في بعض المسائل، حيث كان يتصوّر أنّه يعرفها مع أنّه لم يكن يعرفها على الوجه الصحيح.
نقل لي أحد المبلّغين الذين كانوا يبيّنون المسائل العلمية قال: كنت ذاهباً إلى الحجّ وكان الناس يسألونني عن مسائل فأجيب عليها، وكنت أتصوّر أنّ إجابتي لبعض المسائل صحيحة، لكنّني لم أكن مطمئنّاً فيها، غير أنّي استحييت أن لا أجيب، فأجبت ثم كتبت الإجابات على ورقة لكي أراجعها بعد عودتي من الحجّ.
يقول: عندما راجعت المسائل لاحظت أنّي أخطأت في اثنتي عشرة مسألة خالفت فيها الإجماع، أي أنّني قمت بتعليم الناس اثنتي عشرة مسألة بصورة خاطئة!
إنّ كلّ طالب علم دينيّ معرّض ـ اليوم وغداً وفي أيّ وقت ـ لهذه الأمور والحالات، فليهتمّ بتحصيل العلم أكثر.
صحيح أنّ لديكم اهتماماً بالعلم، ولكن ليزدد اهتمامكم، واعلموا أنّ العلم يعني النجاة من كلّ طارئ، فإنّ الزمان قصير حقّاً نسبة لتلك الأمور. ولو أنّ أحدنا يعمّر مئة سنة، فهو قليل تجاه ما يجب عليه، فكيف وأعمارنا أقصر من ذلك؟!