كيف ومتى نعرِّف العالَم بالقضية الحسينية؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2021-09-09 02:59
من المفارقات التي لا يمكن نسيانها، تلك الجملة التي كانت تردّدها إحدى العجائز التي وُلِدَتْ في مطلع القرن العشرين، حيث كانت تظن أن الأرض كلها تنتهي عند أطراف القرية التي تسكن فيها، وليس هناك بشر ولا موجودات خارج تلك القرية، آنذاك لم تكن وسائل التواصل الحالية موجودة، فمن حق تلك العجوز أن لا تستوعب وجود بشر وحياة خارج حدود قريتها.
أما اليوم فالكرة الأرضية والعالم كلّه أصبح قرية صغيرة، حيث يطلّع الجميع على الجميع، والثقافات تتداخل، والمحاضرات تُبّث وتصل بشكل مباشر إلى عموم العالم، عبر وسائل توصيل حديثة كالفضائيات وشبكة الإنترنيت وغيرها، وفي ظل هذا التطور الهائل في مجال التوصيل، لم يعد هناك أي عذر في إفهام البشرية كلها بتفاصيل وأهداف ومبادئ القضية الحسينية.
واجب نشر الفكر الحسيني، وشرح تفاصيل مجريات الطف، وما جرى في عاشوراء لآل بيت الرسول (ص)، كان ولا يزال واجبا على المؤمنين، فسابقا كان المؤيدون ينقلون تفاصيل واقعة الطف بأبسط الوسائل التي يمتلكونها، وبقيت شعلة الفكر والحق الحسيني متوهجة منذ سنة 61 للهجرة، لكننا اليوم نعيش الطفرة التقنية الهائلة على مستوى التوصيل، وهذا يستلزم إيصال الفكر الحسيني إلى أبعد بقعة في الأرض، ولم يعد مقبولا أيّ تقصير في هذه المسؤولية لانتفاء الأعذار.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (إحياء عاشوراء):
(من مسؤولية المؤمن بقضية الإمام الحسين (ع)، ما يلي: الأمر الأوّل هو التعريف بالإمام عليه السلام وشرح قضيته، وبيان أهدافها وتبيين مبادئ نهجه الذي سار عليه، وكشف ما جرى عليه وعلى آله وصحبه لجميع الناس في شرق الأرض وغربها. ومن وسائل ذلك إقامة عزاء الإمام الحسين والتشجيع على إحيائه بمختلف الأشكال المشروعة).
استثمار الإعلام الحديث لدعم الشعائر
إذاً وجوب استثمار السوشيال ميديا بأقصى ما يمكن للتعريف بالفكر الحسيني، يتطلب إقامة الندوات والمؤتمرات التي تتخذ من الفكر الحسيني مضمونا ومحورا لها، بالإضافة إلى إقامة مجالس العزاء الحسينية، في الحسينيات والبيوت، والسعي لتسجيلها وتصويرها وبثها عبر الفضائيات ووسائل التواصل الأخرى.
ومن الأهمية بمكان أن تكون هناك خطط متقنة تعنى بمتابعة توصيل الأهداف التي ثار من أجلها الحسين (ع)، وقدّم نفسه وذويه وصحبه الطاهرين قربانا لها، كل هذا جرى لوأد رؤوس الانحراف والعودة بالإسلام إلى الجادة الصواب، ووضع حد للظلم والقمع والاستهتار بقيمة الإنسان وقيمه وحرمته، والقضاء عل الفساد بكل أنواعه وضمان حرية الناس وحقوقهم في الرأي والفكر.
يواصل سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) تبيان الشقّ الآخر من مسؤوليتنا إزاء الإمام الحسين (ع) فيقول سماحته:
(الأمر الثاني: يتحدّدـ بعد إتقان مقدّمته في الأمر الأول ـ بالاقتداء في متابعة أهداف الإمام الحسين سلام الله عليه. فالتعريف بالحسين وقضيّته من خلال إقامة مجالس العزاء والشعائر الحسينية والعمل على تحقيق هدف الإمام المتمثّل بإنقاذ العباد من جهالة الكفر وضلالة الباطل إلى نور الحقّ والإسلام والإيمان، هما ضمن المسؤولية الملقاة علينا تجاه الإمام الحسين سلام الله عليه).
ولابد أن يكون الجميع على دراية ومعرفة، بأن الخدمات التي يقدمها الإنسان بما يصبّ في تعضيد الشعائر والتشجيع عليها، سوف تُقابل بثواب استثنائي، جزاءً لما قدموه لنصرة عاشوراء وثقافتها ومبادئها، وعلى العكس من ذلك سوف يجد كل من حاول أو سعى إلى إعاقة هذه الشعائر، وعطّل إحياءها وتعمّد في معاداتها، فإنه سوف يواجه عواقب استثنائية بسبب عدائه غير المبرر لعاشوراء.
لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على: (أنّ من يُسدي خدمة للإمام الحسين ويشجّع الآخرين لقضاياه وعزائه ومجالسه وشعائره، فإنّ الله تعالى يصنع به ويعامله معاملة استثنائية، وكذلك يعاقب الذين خذلوه وخذلوا مجالسه وأيامه من بعده، بعقوبة استثنائية في الدنيا والآخرة).
لقد بات واضحا أننا أمام مسؤولية لا يجوز التنصّل منها، فكل من يقول في العلن، ويؤمن في داخله، بالقضية الحسينية، عليه أن يبادر من دون تردد إلى أداء مسؤوليته الحسينية، خصوصا أننا نعيش اليوم أجواء عاشوراء في شهريّ محرم وصفر، ما يعني أننا يجب أن نقدم أقصى ما لدينا في هذا المضمار، ليس على الصعيد المادي وحده (خدمة الزائرين، والتبرع بالأموال، وما شاب)، بل علينا السعي الحثيث والصادق لنشر وتطبيق مبادئ عاشوراء.
وسائل تحقيق نشر الفكر الحسيني
أما وسائلنا لتحقيق ذلك، فهي كثيرة ومتنوعة، ويمكن لكل منا أن يبادر في دعم الشعائر كل حسب قدراته المادية ومؤهلاته المعنوية والفكرية، وحتى الفنية منها عبر استخدام الأفلام التوثيقية القصيرة المركز التي تعرّف الآخرين في عموم العالم، بثورة الحسين (ع)، وبما يقدمه الزائرون من محافل إيمانية وطقوس وشعائر راسخة، تنتصر لقضية الإمام الحسين (ع).
هناك وسائل نشر وتوصيل كثيرة، متنوعة، لابد من التعامل معها، وفق حالات استعداد مسبقة، وتخطيط متقن، صحيح أن الجهود المباركة كلها تؤتي أُكُلها في إطار القضية الحسينية، ولكن الأعمال والأنشطة التي تأتي بعد تخطيط وتدقيق ورسم مسبق لخطوات التنفيذ، سوف تكون نتائجها أكبر وأهم وأكثر تأثيرا في الآخرين، وهذه العملية يجب التركيز عليها من حيث التخطيط والتطبيق.
هناك من يؤكد أن الانتصار لقضية الإمام الحسين (ع) ليست محددة بزمن، ولا تاريخ ولا مكان بعينه، هذا قول صحيح تماما، فنصرة القضية الحسينية يجب أن تستمر في كل زمان ومكان، ولكن في هذين الشهرين (محرم وصفر)، تكون لأجواء التفاعل مع الشعائر الحسينية، وإحياءها محفزات ودوافع إضافية، لذلك المطلوب هو استثمار هذين الشهرين بأقصى ما يمكن لدعم الشعائر.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حول هذه النقطة:
(لنشمّر عن ساعد الجد وخصوصاً في شهري محرّم وصفر، ولنستثمر طاقاتنا في هذا السبيل من أجل أن تتحقّق المبادئ العليا المتمثّلة بسيرة أبي عبد الله الحسين وذلك من خلال المواكب والشعائر والمجالس والأفلام الرمزية المسجّلة والشبكات المعلوماتية والفضائيات والمنابر والندوات، وسائر الوسائل المتاحة).
إن مسؤوليتنا واضحة، ولا تحتاج إلى تنبيه وإعادة، ولكن التذكير يأتي من باب (ذكّر عسى أن تنفع الذكرى)، لاسيما أن هناك روايات وأحاديث شريفة، كثيرة لأئمة أهل البيت (ع)، كلها تؤكد على أهمية ووجوب نشر القضية الحسينية، وتضع هذه المسؤولية في أعلى مراتب الثواب.
وإذا عرفنا أن هناك كثيرين في عالم اليوم، تنقصهم معرفة تفاصيل القضية الحسينية، ومنهم من لم يسمع بها سابقا، فإننا سوف نفهم حجم مسؤوليتنا كمؤمنين ومناصرين للإمام الحسين (ع)، وكم هي أهمية الدور المُلقى علينا لنشر قضية الإمام (ع) وأهدافه ونهضته.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(هذه الأمور جميعها تشكّل جزءاً من مسؤوليتنا الوارد ذكرها في قول الإمام الصادق حين يخاطب جدّه الحسين سلام الله عليهما: «وضمّن الأرض ومَن عليها دمك وثارك». فما أكثر الناس الذين لا يعرفون الإمام الحسين وقضيته وأهداف نهضته، وما أثقل مسؤوليتنا تجاههم؟).
والآن أصبحنا على علم بكيفية توصيل القضية الحسينية إلى العالم، وعرفنا حجم هذا الدور، كما أننا بتنا على بينة من الخطوات الواجب اتخاذها لنشر القضية الحسينية في عموم العالم، ولم يبق سوى مواصلة دعم الشعائر بكل السبل والإمكانات، فحين يصبح العالم كله على بينة من قضية الحسين (ع) فإنه سوف يؤمن بها وينتصر لها، وحينئذ يصبح هذا العالم أفضل.