العالم بحاجة لثقافة الأخلاق والتضحية
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2015-07-10 12:30
هناك رؤى وأفكار، تنطوي على قيم كبيرة يحتاجها الانسان لكي يطور واقعه وحياته، وهذه الافكار تستمد حضورها ومضامينها من التاريخ والواقع معا تبعا لثقافة الخطيب والمتحدث، وقد تابعنا في هذا الخصوص كلمات تتحدث عن فضائل ثقافة أهل البيت عليهم السلام، التي سينعم بها العراق والعراقيون بفضلها بالأمن والسلام، وليس العراق وحده، بل العالم كله بحاجة الى ثقافة أهل البيت عليهم السلام، كونها ثقافة الاخلاق والتسامح والتضحية من اجل الآخرين.
لذلك لا خشية على العراق، هذا البلد العريق من موجات الحقد والبغضاء التي تستهدف أهله وأرضه وتاريخه وواقعه، بين حقبة واخرى، كونه محفوظا ومُصانا بثقافة أهل البيت عليهم السلام، إذ ليس ثمة خوف على هذا البلد الآمن والعريق، طالما أن تربته تضم في ثراها المراقد الطاهرة لأئمة أهل البيت صلوات الله عليهم.
هذه الرؤية يقدمها لنا سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية القيمة للمسلمين في العراق والعالم، ويتساءل سماحته عن الاسباب التي تقف وراء عدم انتشار هذه الثقافة (النظيفة) في العالم أجمع؟.
إذ يؤكد سماحته من ضمن ما ورد في كلمته المذكورة على أن: (ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم هي ثقافة الأخلاق والتضحية والنظافة في العقيدة، والنظافة في الأحكام، والنظافة في التاريخ، فلماذا محرومة البشرية منها؟).
ولا شك أن من يسبر أغوار ثقافة أهل البيت عليهم السلام، ويتعمق في اصولها وفروعها، ويتأمل مكنوناتها، فإنه سوف ينهل منها الكثير في الجانب الاخلاقي والتضحوي على وجه العموم، فهي كما أثبت التاريخ واثبتت التجارب الفعلية ثقافة تنوير وتسامح واخلاق فاضلة، كونها تقوم على التسامح، ومراعاة الآخر، وتفضيله على النفس او مساواته بها، والحفاظ على حقوق الاخر وحدوده وكرامته.
بالاضافة الى ذلك لا تنطوي هذه الثقافة التي تستمد جذورها من الدوحة النبوية الكريمة، على ما يسيء الى العقل او لا يرضيه، كونها نابعة من عمق الانسانية ومتوافقة مع الفطرة التي فطر الله تعالى الانسان عليها منذ بدء الخليقة، كذلك لا تلتقي هذه الثقافة إلا مع الحق قولا وفعلا، وبينها وبين الباطل حاجز لا مجال لاختراقه، لأنها ثقافة الحق التي تراعي الخير واصوله، وتنبذ الشر وكل ما ينتمي اليه او يتعلق به.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في معظم محاضراته ومؤلفاته القيمة، وفي جميع الكلمات التوجيهية التي يتم إلقاءها في المناسبات الدينية والخطب على أن: (إنّ ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم ثقافة نور وثقافة أخلاق وثقافة فضيلة، وليس فيها جزء لا يرتضيه العقل والعياذ بالله، وليس فيها كلمة باطلة).
ثقافة العمق الانساني الشامل
ومما لا شك فيه أن هذه الثقافة المستمدة من جذورها الفاضلة، تقوم على الاقناع، وتنسجم مع ما تهفو إليه النفس المتوازنة، فهي ثقافة قائمة على العقل، وترفض كل ما يمت الى الجهل بصلة، وهي ثقافة الفهم والوضوح الذي يرفض الإبهام بكل صوره، لأن الاصل في هذه الثقافة قضية التنوير الذي تقوم عليه قولا وافعالا، لهذا فإن كل من يطلع على هذه الثقافة بصورة صحيحة، ويأخذها من منابعها الصحيحة، فإنه سوف يتعلق بها، ويرتبط بها ارتباطا جوهريا.
علما ان ثقافة أئمة أهل البيت (ع) لا تخص فئة دون سواها، كونها ثقافة ذات عمق انساني شامل، تضع الانسان امام الحقائق التي تنتصر للخير وترفض الشر وتوابعه، ولهذا نلاحظ أن قلب الانسان يهفو إليها بصورة لا إرادية، بمجرد الاطلاع عليها وفهمها بالصورة الصحيحة، ولعل هذا ما يفسر لنا دخول اعداد كبيرة من افرد الاديان الاخرى في الاسلام بعد اطلاعهم على ثقافة اهل البيت عليهم السلام، كما تؤكد ذلك قصص ووقائع وشواهد كثيرة.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (هذه الثقافة، أي ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، إذا وصلت إلى كل إنسان، صغيراً كان أو كبيراً، وعالماً أو جاهلاً، حتى إن كان حبراً يهودياً، فسيرونها ثقافة معقولة، ويدخلون في الإسلام).
وقد اطلق سماحة المرجع الشيرازي صفة (النظافة) على ثقافة اهل البيت، ووصفها بأنها الثقافة النظيفة، كونها لا تنطوي على أي فكر مضاد لفائدة الانسان او يتضارب مع فطرته، لذلك يستدعي الامر نشرها في عموم ربوع العلم، كونها ثقافة نظيفة يحتاجها الانسان في عموم بقاع المعمورة، وهذا هو دور الاعلام الذي ينبغي ان يتعهد به ويتصدى له بالصورة الصحيحة والطرق التي تصل بهذه الثقافة الى العالم أجمع.
اذ يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب تحديدا: (نحن بحاجة إلى عرض هذه الثقافة النظيفة، وأؤكّد وأقول النظيفة، عبر الإعلام الحديث، بالأخص القنوات الفضائية، عرضاً يبلغ الجميع ويصل إلى الجميع، كل بمستواه).
الأخلاق الحسنة تحكم الجميع
وطالما أن العراق هو موطن هذه الثقافة، كونه الارض التي عاش فيها الأئمة الاطهار عليهم السلام، وقام كل منهم بدوره الخالد في نشر هذه الثقافة التي وقفت الى جانب الانسان وحقوقه ورفضت ظلم السلطة بكل اشكالها، لهذا ينبغي أن يكون العراق هو نقطة الشروع او المنطلق لهذه الثقافة لكي تعم العالم اجمع، فالعالم اليوم أحوج ما يكون للثقافة النظيفة التي تقف الى جانب الحق قولا وفعلا، بعد أن بات الظلم يمثل مشهدا مأساويا لعالم اليوم.
وهذا ما يرتئيه بالضبط سماحة المرجع الشيرازي عندما يقول بوضوح: (يجب أن يكون العراق منطلقاً للعالم كلّه في تعريف ونشر ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم).
إن سماحة المرجع الشيرازي يعطي للعراق هذه المكانة القيمة، كمنطلق لنشر ثقافة اهل البيت عليهم السلام في العالم، نظرا لما عاناه العراق والعراقيون من المظالم الكثيرة والكبيرة، عبر التاريخ والى يومنا هذا، ولا يزال شعبه صامدا وصابرا، ومع ذلك يمدنا سماحة المرجع الشيرازي بالتفاؤل والنظر نحو الافضل والأسمى دائما، إذ يؤكد سماحته على ان العراق مقبل على الحرية ليعم الخير ربوعه، ويعيش الجميع في امان وسلام وتطور مستمر، ليس في العراق فحسب، وانما العالم أجمع.
كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة نفسها: (المظالم التي يشهدها الشعب العراقي المظلوم المضطهد الصابر الصامد، ستكون إن شاء الله آخر المظالم، ويقبل العراق إن شاء الله وسائر بلاد الإسلام على الحرية التي أينما أتيحت بمعناها الصحيح، عمّ الخير الجميع وكانت الأخلاق الحسنة تحكم الجميع).
علما أن العالم يحتاج الى ثقافة الاخلاق والتضحية، بعدما انحدرت هاتان الخصلتان الى الحضيض، بسبب الصراعات والمصالح والتناقضات الصارخة التي تعاني منها البلدان، بسبب التهافت على المنافع والمصالح والامتيازات بعيدا عن معايير الاخلاق بصورة شبه مطلقة، فضلا عن تراجع التضحية من اجل الاخر الى اقصى حد، مما استدعى الامر ان ينبّه سماحة المرجع الشيرازي الى مراقبة ومراجعة هذا الخلل ومعالجته من خلال التمسك بثقافة اهل البيت عليهم السلام، كونها الثقافة النظيفة التي يمكن ان تعيد للعالم وجهه الانساني السليم.