كيف تحمي نفسك من حماقة الكلام؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2021-01-28 08:17

(إن الأحمق سريعُ الكلام، يطلقهُ قبل أن يفكر فيه) سماحة المرجع الشيرازي

الموازنة بين الصمت والكلام، والقدرة على تحقيق ذلك، تُعدّ من علامات نضوج الإنسان وحكمته المقرونة بالذكاء، فهناك مواقف ولحظات لا يليق بها الصمت، وبالوقت نفسه قد يشكّل الكلام في غير محلّه إساءة للقائل أو المتكلم، إذن هي عملية موازنة دقيقة يجب أن يتدرّب عليها الإنسان قبل أن يطيح به الكلام الفائض، وقبل أن يسيء له الصمت المبالَغ بهِ.

عليك قبل أن تطلق الكلمة أن تفكّر بها مليّا، فالإمام علي عليه السلام يقول (المرء مخبوءٌ تحت لسانه)، وقيل أيضا أن الكلام صفة المتكلّم، بمعنى أن ما تطلقهُ من كلمات، سوف تعبّر عن شخصيتك وأفكارك، ولذلك ينظر الآخرون إليك ويقيمونك من خلال ما يلفظهُ لسانك، وقد وُصِف سريع الكلام بأنه أحمق، دلالة على أنه لا يهضم معنى كلماته ولا يتفكّر بها ولا يفهمها قبل إطلاقها من فمه.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، وضّحَ الفارق بين الإنسان المتأمِّل في كلامه، وبين المتسرّع في إطلاقه، فقال سماحته في ذلك:

(عن الإمام علي سلام الله عليه أنه قال: «لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه» أي أن الأحمق سريع الكلام يطلق القول قبل أن يفكر فيه، خلافاً للعاقل فإنّه يفكر في الكلمة قبل أن يقولها).

ليس للكلمات حق التراجع بعد نطقها

مما يثبت سلامة الصمت ومزاياه الكبيرة حين يحدث في وقته، أن جميع الناجحين في حياتهم من علماء ومفكرين ومثقفين ومهندسين وأطباء وغيرهم، أنهم يمتازون بصفة التأمّل والصمت، وعدم إطلاق الكلام جزافا، بل أن الميزة التي يتميز بها هؤلاء عن غيرهم، هي التريّث كثيرا في إطلاق القول، وعدم التسرّع والركون إلى التأمّل والتفكير، وهو ما يحمي هؤلاء من زلل الكلام ومخاطره.

وقد قال أحد المفكرين ما مفاده (إن الكلمات تستحق أن نقولها في وقتها حصرا، لأنها إذا خرجت من الأفواه، فليس لها الحق بالتراجع)، وبالفعل حين تُنطَق الكلمة تصبح ملكاً للآخرين، ولم تعد ملكا لمن يقولها، لهذا علينا أن نحمي الكلمات من القول الخاطئ، ولا نطلقها في غير محلها، وإن من يلتزم بذلك هم الناجحون من العلماء والمبدعين والمفكرين.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(لو ألقيتم نظرة على ما حولكم ترون أن أكثر من بلغوا المراتب العالية في الدنيا والدين والعلوم الدينية وغيرها، كالطب والهندسة والتجارة، هم أناس مفكرون يركّزون على التفكير والتأمّل، ولهذا عُدّ الصمت من فضائل الأخلاق).

الصمت يمتّ بصلة قوية للأخلاق، لأنه لا يدخل في الرغبات، بمعنى يحتاج الإنسان إلى قدرة خاصة كي يلتزم الصمت، أما القدرة على إطلاق الكلام فلا تحتاج من صاحبها الكثير، لأن الكلام عُدَّ من الرغبات أو الشهوات، وهنا يكمن الفارق بين من يحكم نفسه بالصمت، وبين من يحوّل الكلام إلى نوع من الثرثرة الفارغة التي تغتال الكثير من وقت الإنسان دونما طائل.

الكلام قد يكون مطلوبا أكثر من الصمت في مواقف بعينها، وقد يكون الصمت معيباً إذا كان بسبب المحاباة أو الجبن أو المصلحة، لذلك ليس صحيحا أن يتغلب الصمت دائما بأفضلية على الكلام، ولكن المقصودة تحديدا الثرثرة التي تهدر وقت المتكلم بلا منفعة، في هذه الحالة يجب أن يرتبط إطلاق الكلام بالفائدة، وإلا فإن الصمت هو الذي يتفوّق ويصبح حاجة مطلوبة تكبح الثرثرة، وتنبّه الثرثار على التوقف عن الكلام، والتزام الصمت لأنه يصون كرامة المتكلّم المثرثر.

حول هذه النقطة يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(ليس المقصود بالصمت عدم الحديث مطلقاً، فكما أن الثرثرة ممقوتة فكذلك السكوت حيث يعود الكلام بالنفع على الذات أو المجتمع. إن المطلوب أن لا يبذر الإنسان وقته في الحديث غير النافع، لأن الوقت أغلى من المال، والمال قد يعوَّض أما الوقت فغير قابل للتعويض).

برنامج تدريبي للتعلّم على الصمت

يوجد أناس لا يعنيهم هدر الوقت، ولا يعبأون بأعمارهم حتى لو تسرّبت سنواتها من بين أصابعهم بلا جدوى، بل هم لا يعرفون وربما لا يعترفون بقيمة التأمّل في الأشياء، في حين أن العلماء والمفكرون والأناس المتميزون، يتّخذون من التأمل سبيلا لفهم العالم وظواهره من حولهم، لذا فإن الذي يضبط كلامه، ويتحكم به، ولا يتركه قيد الثرثرة، فإنه يعدّ من أوائل من يحترم الوقت، ولا يهدره في الهذيان أو الهذر الذي لا يفيد الإنسان بشيء، بل ينتقص من شخصيته.

يجب أن نتنبّه إلى نقطة مهمة أشار إليها سماحة المرجع الشيرازي، تتعلق بالمقارنة بين الوقت والثرثرة، فمن يجد في اللسان المهذار ضالته، سوف يهدر سنوات عمره سدىً، ومن يكف لسانه عن الهذر سوف يحافظ على وقته، ولا يمنحهُ إلا للكلام النافع الذي يفيد الناس والذات معاً.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أكدّ هذه الخاصية حين قال:

(حريّ بالإنسان أن يستفيد من ساعات عمره أقصى ما يستطيع، كما يفكّر باستثمار أمواله على أحسن نحو ممكن، فتراه لا يبذّرها بل لا ينفقها إلا حيث يجب، ولا يعطي منها أكثر مما يجب، وإذا أراد شراء حاجة ماكس في سعرها حتى يخفضه إلى أقلّ ما يستطيع. هذا مع أن المال سهل التحصيل نسبةً، ولا يودي ذهابه بحياة الإنسان، أما وقت الإنسان فهو ثروته الحقيقية، ولذلك يجب عليه أن يعرف كيف ينفقها).

ولأن الكلام نوع من أنواع الشهوة أو الرغبة التي يتمسك بها الناس، فإن اعتياد الصمت قد يحتاج إلى إرادة قوية، ونوع من التدريب اليومي على الصمت، نعم علينا أن لا نستغرب حاجة الإنسان إلى تعلّم الصمت، فهو نوع من التدريب المتدرّج الذي يمكّن الإنسان من الكفّ عن الكلام في غير محلّه.

التدريب على الصمت يساعد الإنسان على عدم إهدار وقته، ويحفظ له مكانته المحترمة بين الناس، لأنه بعد أن يتعلم الصمت لن يتكلم إلا حين يكون كلامه نافعا للجميع، وبذلك فهو يكسب احترام ومحبة الآخرين، على العكس من الإنسان الثرثار الذي يكون محط انتقاد وتذمّر الآخرين منه.

يقدّم سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، برنامجا تدريبيا يتيح للإنسان فرصة تعلّم الصمت، هذا البرنامج يلخّصهُ سماحته بما يلي:

(فلنقرّر من الآن أن نتعوّد على الصمت والاستفادة من الوقت، وهذا لا يتحقّق دفعة واحدة، بل يأتي عبر المران والترويض ويبدأ بالقليل ثم يزداد شيئاً فشيئاً، وذلك بأن يصمّم المرء أن يكون منتبهاً لنفسه كلّ يوم في ساعة معيّنة فلا يتكلّم إلا بعد أن يتأمّل ويشخّص أنه نافع، ويستمرّ على هذه الحالة لمدّة أسبوع مثلاً، بعد ذلك يزيد المدة إلى ساعتين وهكذا لمدة أسبوعين أو شهر مثلاً، ويستمرّ يزيد عدد الساعات التي يراقب نفسه فيها بمرور الزمن، حتى تصبح الحالة ملكة عنده).

في الخلاصة علينا أن نوازن بين الصمت والكلام، فلا نلتزم الصمت حين يكون النطق واجبا، كما في مناصرة الحق، ولا نطلق الكلام حين لا يلتزم الأمر تضييعا لوقتنا في كلام لا ينفع أحدا، بهذه الطريقة يمكن أن نحمي أنفسنا من حماقة الكلام، ويمكن أن يصبح الصمت مَلَكة تحمينا من الزلل، وتضمن لنا مكانة كبيرة ومحترمة في المجتمع.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي