كيف تتغلَّب على مشاكلك المستدامة؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2021-01-21 07:52
حياة الإنسان عبارة عن سلسلة متلاحقة من المشاكل، وحين يحلَّ مشكلةً سوف تحتل مكانها مشكلة أخرى، ولا يوجد خلاص من مشكلات الحياة التي لا تنتهي، فإذا لم تهزمهُ المشاكل فإنه سوف يكون إنساناً عظيما، وهكذا نحن أمام معادلة يتشكل طرفاها من تحديات كبيرة وكثيرة، وكلٌ منهما شاق وعصيب، فالمشاكل لا تغيب عن حياة الإنسان، وعليه في نفس الوقت أن يواجهها حتى لا يتعرّض للهزيمة.
نستنتج من هذا التقديم بأن الإنسان مطالَب بالمواجهة وليس الانهزام، وأنه غير مخيّر في هذه المواجهة، إلا إذا كان من النوع الذي تهزمه الحياة، لأن معيار نجاح الإنسان يعتمد على مدى إمكانياته في تحييد المشاكل، وتجريدها من أضرارها عليه وعلى محيطه الأقرب والمجتمع، لذلك يُقال إن من يتغلَّب على مشاكله يستحق أرفع الصفات.
لدينا تساؤل يُطرَح بالصيغة التالية: هل يستحق الإنسان الذي ينتصر على مشاكله صفة العبقرية؟، الجواب يستحق ذلك فعلا، لسبب واضح، فقد خُلِقت البشرية لهدف كبير، وهذا الهدف لن يُنجَز بيسر وسهولة، بل هناك معيقات لا تنتهي طالما كان الإنسان على قيد التنفّس والتأمّل والنشاط، فمنْ يُهزَم فهو ليس جديرا بفرصة الحياة.
إذاً على الإنسان أن يستعد لمعركة الحياة، فهل هي معركة بالفعل؟؟، الجواب يمكن أن نحصل عليه من مجريات الواقع، فطريق الإنسان ليس مفروشا بالورد، حتى أولئك الذين ينشأون في عائلات غنية، ودول متقدمة لا يمكنهم العيش بلا مشكلات، فالأخيرة هي واقع حال البشرية في كل مكان وزمان، بمعنى أنها لا يمكن أن تتلاشى من حياة الفرد، سواءً كان غنيا أو فقيرا، قويا أو ضعيفا، إنه يقف في مواجهة هذا الاختبار العسير، وفي ضوء نتائج هذه المواجهة يحصل على الجزاء الحياتي والإلهي أيضا.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في محاضرة قيّمة ما نصّهُ:
(المشكلات صعبة ومؤلمة وتضع الإنسان تحت ضغوط كثيرة، ولكنَّ الله جعل كل ذلك لأجل معرفة مدى تحمّل الإنسان، وعلى هذا الأساس تُعطى المرتبة للإنسان، ويعطى الجزاء للإنسان).
بعضهم يتهرّب من مسؤولية المواجهة
مَنْ تتغلب عليه حالة الاستسلام، تجده غير مهيّأ للمواجهة، وتجدهُ أيضا فاقدا لرغبة المواجهة، وميّالا للخنوع والهزيمة، فيسعى لإيجاد الذرائع، كي يتهرب من مسؤولية الهزيمة، فقد يتذرّع بقلّة الحيلة أو المال، أو اعتلال الصحة، وهناك الكثير من الأعذار التي تفشل في تغطية أو تبرير العجز، لكي يتهرّب الإنسان من مسؤولياته في مواجهة المشكلات، ولذلك هذا النوع من البشر، تجده ليس مؤمنا بقدراته ونفسه، وغالبا ما يكون مهزوزا ومهزوما.
توجد أمثلة كثيرة عن أولئك الأبطال (من ذوي الاحتياجات الخاصة)، الذين يواجهون مشاكلهم بجرأة وبسالة وإصرار منقطع النظير، لذلك نلاحظ أن بعض الناس يتذرّع بعدم ما يمتلكه الآخرون، من الناحية العضوية الجسدية أو غيرها، ولكن النجاح في اختبار المواجهة المحنّكة للمشكلات والمعوّقات لا علاقة له بمثل هذه النواقص، لأن النقص المادي أو الجسدي وإن كان يؤثر على الإنسان معنويا، لكن في هذه النقطة بالذات تكمن قوة البشر.
بمعنى أن الإنسان حين يعاني من نقص مادي أو جسدي أو حتى نفسي، عليه أن يتغلّب على ذلك، لكن يوجد من لا يعاني من النقص العضوي، في حين تنقصهُ قوة الروح، وإرادته تخذله، وثمة طبيعة بشرية لابد أن يراقبها الإنسان في نفسه، فهو دائما يقارن نفسه وقدراته وممتلكاته بما يوجد لدى الآخرين، وهذا قد يهزمه معنويا ويدفع به إلى الاستسلام، لذا عليه أن يحذر من هذا النوع من المقارنة، كونها قد تهزّ ثقته بنفسه وقدراته.
ابتكار السبل الكفيلة بحلّ المشكلات
لذا يتّضح أن الإنسان لا يمتلك طريقا آخر سوى مواجهة المشكلات التي تحيط به، وتتوالد في كل يوم، لدرجة أنها لن تنتهي، طالما كان حيّاً، هذا يستدعي منه مواصلة المواجهة بصبر وحكمة، والعمل المستمر على تقليلها وحلّها، وابتكار كل الطرق والسبل الفكرية والعملية التي يمكن أن تساعده على عبور العوائق، حتى يتمكن من مواصلة حياته بنجاح، واحتفاظه بعناصر القوة في مواجهة جميع المشكلات التي لن تتوقّف.
يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) قائلاً:
(على الإنسان أن يسعى لرفع المشاكل وإزالتها، سواء كانت مشاكل اجتماعية، أو سياسية، أو عائلية، وغيرها، وفي الوقت نفسه عليه أن يعلم بأن المشاكل إما لا ترفع أصلاً، أو إذا رفعت فستحلّ محلّها مشاكل أخرى. وهذا كلّه امتحان للإنسان).
هكذا إذن علينا أن ندرك بأن المشكلات تتوالد وتتناسل، فما أن تقبر إحداها بعزيمتك وحكمتك، حتى تنبثق أخرى تعترض طريقك، وهذا يعني أنك في مواجهة مستدامة طالما كنتَ على قيد الحياة، فمن يستمر بالتحدي، ويتمسك بالصبر والتعقّل والحكمة، سوف تكون فرصته أقرب من غيره للنجاح والثواب.
من المفارقات الغريبة أن خيارات الهزيمة متعددة أمام الإنسان، أما خيار الانتصار فلا بديل له، فالهزيمة يمكن أن تحدث عبر الخنوع، أو استسهال الأهداف والنتائج، أو الرضوخ للترغيب والإغراءات، وهنالك الكسل والبحث عن الراحة، كل هذه الخيارات وسواها يمكن أن تقود الإنسان إلى الفشل والهزيمة، لكن الانتصار لا يتحقق إلا بطريقة واحدة، هي المواجهة والصبر والتعقّل والحكمة.
من المحال أن نجد إنسانا ناجحا إلا وكان يمتلك خزينا فريدا من المصاعب، والتجارب الفريدة من نوعها، ولنا أمثلة تاريخية وواقعية تؤكد ما ذهبنا إليه، فجميع الأحرار على مر العصور واجهتهم مشكلات خطيرة، سواء مع الطغاة أو الأشرار بجميع أصنافهم، وفي الأغلب الأعمّ يكون التوفيق الإلهي حليفهم.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يطالب الإنسان:
(بأن يستمر في حياته ويداوم حتى مع وجود المشاكل. فالذي يتحمّل ويداوم حياته مع المشاكل سيحظى بمنزلة عند الله تبارك وتعالى وعند أهل البيت صلوات الله عليهم، وسيحصل على نتائج أكثر من أعماله).
قضية التصدي لمشاكل الحياة، لها علاقة مباشرة بمدى إصرار الإنسان، وقوة إرادته، وبدرجة العزم التي يتحلّى بها، وإذا كان عزمهُ محسوما كبيرا متواصلا، ستكون المرتبة التي ينالها بمستوى العزم الذي يُظهره في مواصلة تفتيت وتفكيك عناصر المشكلة أيّاً كان نوعها أو حجمها، ودرجة تعقيدها، لذا ينبغي أن يضع كل شخص نصب عينيه أولوية ترويض المشاكل، والتعامل معها على أنها جزء لا يتجزّأ من مسيرته.
يخاطب سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) الناس بالقول: (كل واحد منكم صاحب عزم، والعزم له مراتب، ومهما كان للإنسان من عزم وإرادة وتصميم فليحاول أن يكون في مزيد، وأن يكون عزمه في صعود، ويحاول أن يكون يومه خيراً من أمسه، وغده خير من يومه).
إذاً فرصة التغلب على مشكلات الحياة تُناط بالإنسان نفسه، فهو الذي يمكنه تدريب نفسه، وتطوير قدراته، كي يكون مستعدا وقادرا على التعاطي مع أنواع المشاكل التي تتوالد على نحو مستمر في مسيرته، وعليه أن يؤمن بنفسه، ويقرّ بأنْ لا حياة بلا مشكلات، وأن حسن عاقبة الإنسان تكمن في مقدرته على تجاوز مشكلات حياته والانتصار عليها.