الوعي والإرادة القوية لإقامة الشعائر الحسينية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2020-09-24 08:33

(أقيموا مجالس العزاء على الإمام الحسين سلام الله عليه فإن فيها بركات عظيمة) سماحة المرجع الشيرازي

منذ أن استشهد الإمام الحسين عليه السلام في واقعة الطف، واجهت الشعائر الحسينية مصاعب هائلة، وتعرّض من يديم هذه الشعائر ويحييها إلى الكثير من الأذى والتخويف والترهيب الذي وصل حدّ القتل أو الإعدام أو التفجير بالمفخخات والأحزمة الناسفة، وهذه وقائع مثبتة لم نأتِ بها من فراغ، إنما هناك شواهد لا تقبل التكذيب أو الشك وبعضها حدث في سنوات قريبة.

جميع أو معظم السلطات والحكومات الدكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراق، تعرّضت لزوارّ أبي عبد الله الحسين عليه السلام وحاولت بأقصى ما تستطيع منعهم من الوصول إلى المرقد الشريف وإحياء الأربعين الحسيني، إلا أن التصميم والإرادة والإيمان القطعي بالقضية الحسينية جعل من جميع أهداف الطغاة تذهب سدى.

فيما بقيت الشعائر متوهجة في قلوب المؤمنين وهم يواصلون ويصرّون على إقامة مجالس العزاء على قدم وساق، ولم يستطع جبروت الظلم، وجميع أساليب القمع والترهيب، أن يحدّ من اندفاع الزائرين الكريم من العراق وبقاع العالم كلّه، ومواصلة إقامة هذه الشعائر بشكل مضاعف وبإصرار منقطع النظير.

اليوم ونحن نقترب من زيارة الأربعين، ندخل في الامتحان الأصعب، وهو الإصرار على إحياء الشعائر الحسينية، لاسيما أننا نمرّ في نوع من الإعاقات التي لا تقل خطورة عن قمع الطغاة، ونعني بذلك الجائحة التي تجتاح العالم كله، فهل تقلّ عزيمة المؤمنين، وهل تضعف إرادتهم وهم الذين واجهوا شتى أنواع الموت وجها لوجه؟، هذا الامتحان من طراز آخر وعلى محبّي سيد الشهداء تخطيه بنجاح.

لماذا الإصرار على النجاح في هذا الاختبار؟، في الحقيقة ليس أمام المؤمنين السائرين في الخط الحسيني خيار آخر، إنها قضية صراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الانتصار للإنسانية أو خذلانها، لذلك وُصِفت عملية إدامة الشعائر الحسينية بالامتحان الصعب الذي يجب أن نجتازه بجدارة لأننا لا نمتلك خيارا بديلا، كوننا نواجه الشر والظلم وننتصر للحق والخير، وعلى المؤمنين أن يستمدوا الإرادة القوية من إيمانهم بالله تعالى.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيّمة:

(نحن أمام امتحان صعب, وهو الامتحان في إحياء القضية والشعائر الحسينية المقدّستين, فيجب أن نطلب العون والمدد من الله تبارك وتعالى ونتوسّل إليه بأهل البيت صلوات الله عليهم كي ندخل هذا الامتحان بعزم قوي وإرادة قوية, وننجح فيه).

التشجيع على إقامة الشعائر

ولعل الخطوة الأقوى في هذا السياق تتمثل بتأسيس العزاء الحسيني، وتشجيع الآخرين على إقامته والتمسك بالشعائر، على أن يتصدى الفقهاء المتخصصون – مراجع التقليد- لقضية الفرز بين الحلال والحرام في هذا المجال، فهم وحدهم يمتلكون القدرة على الفرز والتحديد، ومن ثم توجيه الذين يقيمون مجالس العزاء بما هو صحيح ومناسب.

كما يجب عدم السماح لغير المتخصصين بالتسلل إلى هذا المضمار، وعدم السماح لهم في إبداء مقولات وتصريحات تربك المؤمنين المناصرين لقضية الإمام الحسين عليه السلام، وعلى المؤمنين أن يمتنعوا عن سماع من لا يحق لهم بالتدخل في قضية الشعائر وكيفية أدائها، فالفقهاء المتخصصون – مراجع التقليد- هم وحدهم من يعالج هذه القضية وتضمن تأسيس وإقامة المجالس بما يضمن تأثيرها الفاعل بالآخرين.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا: (علينا تأسيس عزاء الإمام الحسين سلام الله عليه وتشجيع إقامته بمختلف أساليبه وأشكاله المشروعة، والفقهاء المتخصّصون في معرفة الحلال والحرام ـ وهم مراجع التقليد ـ يُحدّدون ما هو جائز منها وحسب، ولا ينبغي الاستماع لغيرهم، أو القول دون علم).

إصرار المؤمنين على إحياء الأربعين الحسيني والمناسبات الدينية الأخرى ما هو إلا دليل على وعيهم بقضية الإمام الحسين عليه السلام، وإصرارهم على مواجهة الظلم، وهم واثقون بأن هذا الصراع لن يتوقف وأن الطغاة الظالمين يتواجدون في كل العصور، وأن الفكر الحسيني والتمسك بالقضية الحسينية هي سبيلهم لمواجهة الطغاة بكل أنواعهم وأشكالهم وتوجهاتهم.

من دون رحمة الله تعالى ومعونته لا يمكن للإنسان أن يجابه جبروت الظلم، والإمام الحسين عليه السلام له المكانة الإلهية الأعظم والشفاعة التي يحتاجها المؤمنون في مواجهة القهر والشر بأنواعه، فمن يريد المواجهة عليه أن يحصل على الرحمة الإلهية، والإمام الحسين عليه السلام هو بوابة الحصول على هذه الرحمة التي يحتاجها كل الذين يقررون مواجهة الشرّ والقمع على مرّ الزمان.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكدّ على: (إن الإمام الحسين سلام الله عليه هو باب رحمة الله الواسعة، ومجالس العزاء والمواكب والحسينيات والشعائر الحسينية هي كلّها جزء من هذه الرحمة الإلهية، فاسعوا أن تكونوا ممن تناله هذه الرحمة الإلهية وذلك بالخدمة والعمل في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه).

تنوّع خدمات المواكب الحسينية

إقامة المواكب الحسينية وتقديمها لمختلف الخدمات لزوار أبي عبد الله الحسين، تعد من الأركان الأساسية لإحياء الأربعين الحسيني، كما أن الحرص على تطوير عمل المواكب ورفده بالتنوع الثقافي وتطوير الوعي، يعد من الأهداف المهمة للمواكب الحسينية، وقد حفلت زيارة الأربعين بهذا النوع المتميز من المواكب النوعية التي قدّمت خدمات ثقافية فكرية فنية متميزة.

وجميع هذه الخدمات تدخل في إطار إحياء الشعائر الحسينية المقدسة، ولا تقتصر المواكب على تقديم خدمات الإطعام والشراب والمنام على الرغم من الحاجة الكبيرة للزوار لهذا النوع من الخدمات، وهذه المهمة تحتاج إلى نوع من التنسيق بين القائمين على إدارة المواكب الحسينية ونوعية المهام التي تقدمها.

إن تقديم محاضرة دينية متخصصة في الموكب، أو عرض عمل مسرحي مشحون بالفكر الحسيني المناهض للظلم والفساد، أو إلقاء مجموعة قصائد حسينية تضخ الأفكار النيرة في عقول الزائرين والحاضرين، أو التشجيع من قبل المواكب على تقديم الأعمال التطوعية وتعليم الشباب عليها، كل هذه الفعاليات وسواها يمكن أن تقدمها المواكب الحسينية وتشجع الناس على أدائها.

فهي بالنتيجة تصب في المخرجات التي تخدم القضية الحسينية، وتدعم فريق الخير والإصلاح ضد فريق الشر والتخريب والطغيان، فكل نشاط صالح ومفيد وكل عمل وكل منطوق أو أفكار أو خدمات يتم تقديمها عبر المواكب الحسينية، تصب في النتيجة في صالح القضية الحسينية، وتسند الشعائر وتشجع على إحيائها، وهذا بالنتيجة يؤدي إلى النجاح في امتحان إحياء الشعائر المقدسة.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (إن كل الروايات التي وصلتنا من أهل البيت صلوات الله عليهم تؤكّد أن الشعائر الحسينية المقدّسة كلها هي شعائر الله تعالى, وهذا أمر لا يرتاب فيه أي عالم وفقيه, بل حتى من له باع قليل في العلم).

ها أننا مقبلون على زيارة الأربعين، ومن المؤكّد أنّ إحياء هذه الشعيرة المقدسة يقع على عاتقنا جميعا كمؤمنين سائرين في الخط الحسيني، فمن يؤمن بقضية الإمام الحسين عليه السلام وينتصر للحق والخير والإنسانية، عليه أن يدعم المواكب والمجالس الحسينية، ويحيي بقوة وإصرار هذه الشعائر التي عُدَّت إلهيّا (من تقوى القلوب).

إننا في حقيقة الأمر نحتاج إلى الإرادة القوية، وإلى الإصرار القاطع على التمسك بالشعائر المقدسة، وإحيائها بديمومة لا تقبل التلكّؤ، فالمؤمنون الحسينيون الذين واجهوا شتى المخاطر بقلوب عامرة بالإيمان، سوف يبذلون أقصى جهودهم في إحياء زيارة الأربعين، وسوف يثبتون للعالم كله بأنهم مع القضية الحسينية العالمية قلبا وقالباً إلى يوم الدين.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي