كيف نحقق الأهداف الحسينية في واقعنا المزري؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2020-08-20 05:00

الانتماء إلى الإمام الحسين عليه السلام حتى يكتسب المشروعية الكاملة، يستلزم العمل الجاد على فهم أهدافه واستجلائها بصورة جيدة، ومن ثم العمل بكامل طاقتنا لتطبيق الأهداف الحسينية في واقعنا، أما الانتماء بالكلام وحده، أو رفع الشعارات وحدها، فهذا من شأنه جعل انتماءنا منقوصا، إذ لابد أن يرافق الكلام والشعارات عمل واقعي بما ينسجم مع النهضة الحسينية بالمسلمين حتى يتحقق شرط الانتماء كاملا وغير منقوص.

كثيرون لا يعرفون الأهداف الحسينية بشكل دقيق، وهناك من تعوزه المعرفة أو الإطلاع على تلك الأهداف، بل هناك من يجهل الفكر الحسيني بشكل شبه تام، وهذا يشكل خللا كبيرا لا يصح التهاون فيه، إذ تقع مسؤولية التنوير ودفع الظلال عن الناس، على الذين يؤمنون فكرا وقولا وعملا بالإمام الحسين عليه السلام.

أي أننا مطالَبون بإفهام وتعريف الفكر الحسيني ومبادئ النهضة الحسينية لكل من يجهلها، ليس لمن تعيش مهم في منطقة واحدة أو بلد واحد، بل تقع علينا مسؤولية التنوير الحسيني للعالم أجمع، وحتى لو قمنا بهذا الدور الأساسي والكبير كأشخاص حسينيين، سوف يبقى هنالك ما يكمّل انتماءَنا الحسيني، فتعريف الآخرين بأهداف النهضة الحسينية أمر جيد وعظيم، لكن لا بد أن يقترن بسعينا لتطبيق ومتابعة تلك الأهداف في واقعنا، حتى نقطف ثمار سعينا وانتمائنا للإمام الحسين عليه السلام.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمة توجيهية قيمة، ضمّها كتاب (من عبق المرجعية):

(من جملة مسؤوليتنا تجاه قضية الإمام الحسين سلام الله عليه هي أمران: الأول: التعريف بالحسين سلام الله عليه وقضيته وجعله عَلَماً بحيث يراه كل إنسان في شرق الأرض وغربها. والثاني: وهو الأهم، بل جُعل الأمر الأول طريقاً إليه، فهو متابعة أهداف الإمام الحسين سلام الله عليه).

تحرير العقول من الجهل والأغلال

أول وأكبر وأهم أهداف النهضة الحسينية هو ردع الجهل وأسبابه، والقضاء التام على مصادره، فهناك من يسعى لتجهيل الناس، لاسيما محبو السلطة والمغرمون بها، وهؤلاء في غالبيتهم طغاة، تغريهم القوة والنفوذ والمال، ويسحرهم الكرسي فينسون حقوق الناس ويدوسون عليها دونما مراعاة أو خوف من حساب دنيوي أو أخرويّ، فيزيد الذي عاث فسادا في الأرض، ورافقه الفسق والمجون، أهان الإنسان واستباح حقوق وحرمته، وجعل من التجهيل والتضليل منهجا له.

فتصدى له الفكر الحسيني المضيء، وأنار العقول التي عشّش فيها الجهل، وكشف أغطية الضلال، وفضح يزيد وبطانته ومعاونيه على حقيقتهم، فكانت هذه الوقفة الحسينية العظيمة بداية النهاية لهذا الحاكم المستهتر، بل نهاية للعصر الأموي برمّته، فيما ظلّ شعاع الفكر الحسيني ساطعا في عقول الناس، مهدّدا عروش الظالمين إلى يومنا هذا، حرمة للإنسان ومراعاة لحقوقه كافة.

هذا هو هدف الإمام الحسين عليه السلام من ثورته التي بدأت فكرية ولا تزال تخاطب العقول إلى يومنا هذا، لكي تُزاح عنها حُجب الجهل والظلال، ولهذا فإن الواجب الأهم بعد معرفة الفكر الحسيني، هو السعي الجاد المؤمن المخلص الذكي لتحقيق أهداف النهضة الحسينية واقعيا، لتحسين حياة الناس، وتطوير رؤاها وأفكارها وعقولها وتمكينها من مواكبة الحياة المحدَّثة.

ولهذا يركّز سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أن: (هدف الإمام الحسين سلام الله عليه هو إنقاذ الناس من الجهالة والضلالة. فعلي كل فرد منّا وبمقدار استطاعته أن يسعى في تحقيق هذا الهدف).

هناك وسائل يمكن لكل إنسان يؤمن بالنهضة الحسينية ويدعمها، فأي هدف يحتاج إلى أدوات ووسائل وطرق تتم عبرها الخطوات المتتابعة نحو الأهداف، إقامة المجالس الحسينية أحد هذه الوسائل التي تقرّب الناس وتجعلهم أكثر تأييدا وأهلية لدعم الفكر الحسيني والإيمان به والإصرار على تطبيقه في حياتهم الواقعية.

المجالس الحسينية هي بمثابة منصات يعتليها مفكرون حسينيون وخطباء أجلاء، يوضحون للجميع فحوى النهضة الحسينية وما ترومه من مكانة للإنسانية كلها، لاسيما محاربة الظلم والتعصب وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم بما يضمن حقوق الأخير ويجعل الحياة أكثر تنظيما وجودة وعدلا.

مساعٍ كبرى لنشر الفكر الحسيني

يُضاف إلى ذلك الأنشطة الأخرى الداعمة للنهضة الحسينية من أفكار ومقالات وكتب يتم نشرها وتوصيلها إلى أبعد نقطة تخلو منها في داخل بلاد المسلمين أو في العالم كله، فهذه الخطوات الكبيرة ما هي إلا مساعٍ كبيرة لدعم وتوصيل ونشر الفكر الحسيني المناهض للطغاة والفاسدين في كل مكان وزمان.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إن مجالس العزاء والبكاء وما يكتب وينشر، هي كلّها مقدّمات لتحقيق هدف الإمام الحسين سلام الله عليه من نهضته المقدّسة).

هناك مرتكزات عملية علمية مبدئية يستند إليها دعم النهضة الحسينية واستلهام الفكر الحسيني، تبدأ أولا في النشاطات التي تغرس حب الإمام الحسين عليه السلام في القلوب والنفوس، هذا المرتكز من الأهمية بمكان بحيث يستند عليه محور آخر هو المحور الفكر.

فالمعروف أن محبتك لإنسان ما سوف تقودك إلى استقبال أفكاره، والعمل بها، واحترام مبادئه وتطبيقها، لذا المرتكز الأول هو أن نسعى لنشر حب الإمام الحسين في قلوب الجميع، وإذا تحققت هذه الخطوة سوف يجد الفكر الحسني ومبادئه الخلاقة طريقها إلى العقول والقلوب والنفوس.

وهذا ما يدعو إليه سماحة المرجع الشيرازي حين يطالبنا بالقول: (اسعوا إلى نشر حبّ الإمام الحسين، وبعده فكر الحسين صلوات الله عليه ثم السعي للعمل وفقهما).

أداء الشعائر يجب أن يقترن بفكر وسلوك يتناسب مع رقيّها وعظمتها، فإحياء شعائر الإمام الحسين عليه السلام ليست أداء شكلي يقومون به محبو الإمام، إنه سياق روحي إيماني عميق يصاحب هذه الشعائر ويقترن بها، كي يتحسن فكر الإنسان وأخلاقه وحتى تتشذب أفعاله من كل ما يحطّ من قيمتها وقدْرها، الشعائر هي ممحاة للخطايا البشرية، وهي التي تنظّف الإنسان من أدران الشر كلها.

من يؤدي الشعائر عليه أن يقرن بها الفضيلة والأخلاق السامية، وأن يصبح الإنسان الشعائري الحسيني إنسانا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فمجرد أن يؤمن الإنسان بأنه حسينيّ، ويتمنى أن تناديه الناس بهذا الانتماء، عليه أن يتحلى بالأخلاق الحسينية الواضحة للعيان.

وهذا ما أكد عليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله: (إن مما يرضي الإمام الحسين سلام الله عليه، هو أن نصحب الشعائر التي تقام باسمه بالفضيلة والأخلاق الإسلامية في كافّة المجالات).

لماذا هذا التأكيد على وجوب اقتران فكر الإنسان ولفظة وسلوكه بانتمائه الحسيني؟، ولماذا الإصرار على أن يكون الإنسان الحسيني نموذجا للآخرين في نشاطاته الحياتية المختلفة؟، الإجابة واضحة، ومع ذلك نؤكد على أن هذا النوع من التلاصق بين الصفة الحسينية والانتماء، والالتزام بالمبادئ الحسينية في حياتنا، أمر لا يمكن التنصّل منه، فالحسين عليه السلام قام لينقذ الناس من الجور والظلم وسلب الحقوق، الإنسان الحسيني هو الذي يلتزم بهذه الأهداف الحسينية العظيمة.

(على المؤمنين إتّباع الإمام الحسين سلام الله عليه في التحلّي بالفضيلة, والالتزام بها في كافّة ممارساتهم في الحياة الاجتماعية مع جميع الناس).

نحن على مشارف شهر محرم، وسندخل في عاشوراء، وهي ذكرى تتجدد على مدار الأزمنة، فما علينا إلا إحياء مراسيم هذه الذكرى، مع السعي الإيماني القاطع على دعم النهضة الحسينية من خلال ما ورد في أعلاه، فالحسينيون شغوفون بتجدد هذه الذكرى العظيمة، وهذا الشغف لا يكتمل ما لم يتحقق شرط تلاصق الانتماء الحسيني بالأخلاق وتطبيقها عمليا في معترك الحياة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي