لماذا يستورد العراق كل شيء؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2020-07-30 03:04

(في العراق حاجة ماسّة إلى برامج تثقيفية وتوجيهية) المرجع الشيرازي

اعتماد أي بلد على الاستيراد سوف يجعل منه مستهلكا دون إنتاج، وهذه الحالة تُشبه إنسانا محطّما، لا قدرة له على الخلق، يقايض الآخرين بما يمتلكه من ثروات، فيبيع للآخرين ممتلكاته حتى يمكنه مواصلة العيش، وهذا يحدث الآن في العراق، وهي ظاهرة لا تليق بهذا البلد العريق في العلم والصناعة والزراعة.

يرتبط التقدم الاقتصادي بتقدم المجتمع، فإذا كانت العقول متمكنة تقتفي الخطوات العلمية في الذهاب إلى أهدافها، فإننا نكون قد حققنا نجاحات شاملة في السياسة والثقافة والعلوم وغيرها، والعراقيون يعيشون في بلد يتوافر على شروط ومقومات التقدم، لكن ما يحدث من عدم إنصاف للمواطن العراقي، سببه سوء إدارة الموارد وعدم استثمار مقومات الغنى والاكتفاء التي يمتلكها بلد كالعراق.

هذا الواقع الذي لا يتناسب مع ما موجود في العراق من موارد طبيعية وبشرية، هو واقع مختلَق، فهناك من يسعى لإدامة هذا الواقع الفوضوي المشوّه تحقيقا لمآربه، وهذا ما ينبغي أن يفهمه المخلصين والمسؤولين الشرفاء، هناك فرص كثيرة وكبيرة يمكنها إنقاذ العراق من واقعه، وجعل المواطن العراقي مرفّها يعيش في كرامة، عبر استثمار الفرص كافة في عملية تخطيط علمي منقذ.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيمة حول العراق:

(على جميع المؤمنين تعبئة كافة الطاقات وبذل الجهود واغتنام الفرص والعمل الجاد طبقاً للموازين الشرعية وفي شتى الأصعدة، لإنقاذ الشعب العراقي المؤمن المظلوم من هذه المظالم القائمة، التي لم تزل ومنذ عقود يقاسيها ويعانينها أشدّ المعاناة).

هل بات نهوض العراق ممكناً؟

وما يجعل مهمة النهوض بالعراق والعراقيين ممكنة، وجود المستلزمات المطلوبة للتطوير، فالثروات تكاد تعبر الأرقام الموجودة في البلدان المجاورة، بل هناك معلومات نفطية متخصصة تثبت بأن العراق يمتلك ثاني احتياطي نفطي بالعالم وهو رابع دولة مصدّرة للنفط بالعالم، هذا ما يؤكد القدرة المالية الهائلة للعراق والتي تعد من أعظم مقومات البناء الاقتصادي للبلدان.

لكن الفقر لا يزال يعيث فسادا بالناس، على الرغم من أن هذا البلد يتميز بمزايا معنوية ومادية تجعله متقدما على البلدان الأخرى، المشكلة سياسية بالدرجة الأولى، تتمخض عن فشل إداري للدولة وثرواتها ومواردها، لتؤول إلى زمر حاكمة همّها الأول ضمان مصالحها وحماية سلطاتها، وهو ما كابد وعانى منه العراقيون على مدار الحكومات المتعاقبة.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(إنَّ العراق بلد الخيرات، وهو بلد غني بكل شيء، وقد فضّل الله سبحانه وتعالى هذه المنطقة وهذه القطعة من الأرض معنوياً ومادياً، ولكن مع كل ذلك حدثت هذه المظالم وهذه المشاكل وصارت الإدارة بيد هذه المجموعة الطاغية التي ترون، فتحوّل العراق، إلى بلد فقير يستورد كل شيء).

العراق يحتاج الجميع، ليس القادة وحدهم، ولا المسؤولين المتنفذين فقط، فلكي يُبنى هذا البلد بالصورة الصحيحة كدولة مكتملة، على الجميع المشاركة في هذه المهمة، ونقل البلد من ظاهرة الاستيراد إلى الإنتاج، والقضاء على النزعة الاستهلاكية التي فتكت به، فحين يتحول الإنسان من منتج إلى مستهلك فقط، سوف يفقد ثقته بنفسه وتتبخر طاقاته وتذهب هباءً، لذا فمسؤوليتنا في بناء العراق لا تقل عن مسؤوليتنا إزاء عائلاتنا.

يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حين يقول:

(يلزمنا جميعاً العمل على بناء العراق الجديد بأن نمسك بزمام المبادرة، ونعمل بنفس تلك الدرجة من المسؤولية التي نحسّها بإزاء أسرنا وأبنائنا، لضمان مستقبل العراق).

خطوات لترسيخ ثقة الإنسان العراقي بنفسه

الهدف الأول إعادة الثقة للعراقي بنفسه، وتهيئة الظروف اللازمة كي يصبح منتجا، ولا يغرق في بحار الاستهلاك المادي المدمِّر، هناك خطوات مادية وأخرى فكرية تعليمية، الكلمة لها دورها هنا، ومن يمتلك القدرة على مساعدة الآخرين في نبذ الأنماط الاستهلاكية، فلا يجب أن يبخل بذلك على العراقيين، بل عليه أن يتحول إلى شمعة تضيء ظلام الناس وتنير لهم الدروب التي تقودهم إلى التحول من إنسان مستهلك إلى منتِج، ومن دولة مستورِدة إلى منتجة ومصدّرة.

(مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلى جهود كثيرة وكبيرة، فكل إنسان من الممكن أن يكون شمعة في هذا المجال... وكل كلمة لها قيمتها، وكل عمل، فإنها مثل قطرات المطر؛ فإذا كثرت القطرات يتولّد عنها السيل الجارف). هذا ما أكدّ عليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله).

إذ دعا سماحته مرارا وتكرارا، إلى اعتماد الخطط العلمية في نقل الدولة من النمط الريعي الاستهلاكي، إلى النمط الإنتاجي الذي يحقق ذات الإنسان، ويعيد له ثقته بنفسه، ويحفّز طاقاته المخبوءة على الظهور والتحول من الضمور إلى الطاقة الخلاقة الفاعلة.

الخطوات التي تنقذ العراق من مشكلة انتشار الأنماط الاستهلاكية واضحة ومعروفة، يدركها علماء الاقتصاد والإدارة، حتى القادة السياسيون باتوا على علم بالعلل التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، الخلل هو في الإرادة السياسية التي يمكنها إعادة كفتيّ ميزان الاستيراد والتصدير إلى التكافؤ، فلا يصح أن تبقى كفة الاستيراد والاستهلاك متفوقة كثيرا على كفة الإنتاجية.

مع كل ما يمتلكه العراق من ثروات سوف تبقى بلا جدوى إذا لم يدرْها المسؤولون بصورة علمية تخصصية سليمة، هذا الأمر بات كمن تنهمر عليه المليارات من الدولارات لكنه لا يعرف كيف يديرها بأساليب اقتصادية علمية ناجحة، حينئذ سوف يهيمن عليه الفقر، بسبب هذا العجز الذي يعتمد على قرار ذاتي مستقل.

هذا ما يجري في العراق اليوم، هناك تشويه مستمر للاقتصاد، ودفع مستمر للدولة نحو النمط الريعي، وجعل الاستيراد العمود الفقري لاستمرارية حياة العراقيين وزرع النمط الاستهلاكي الخطير في طريقة عيشهم وحياتهم، وهذا أخطر ما خطط له وأدامه أعداء العراق.

الخطوات العملية الجريئة تكمن في المبادرات التي تجمع بين التخصص والتخطيط، وبين الثقافة العامة التي يجب أن يساهم فيها كل العراقيين من خلال طرد ووأد الثقافة الاستهلاكية التي دمرت حياتهم، فإذا امتنع العراقي عن الاستهلاك وسيطر أمام مغريات الأسواق والإعلانات والترويج لمختلف البضائع، فإنه يكون قد خطا الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح الذي يوقف عجلة الاستيراد ويشلّها.

التعاون الجماعي في نشر ثقافة الإنتاج والكف عن الاستهلاك، في غاية الأهمية اليوم، والقيام بالمشاريع الفردية والجماعية يسهم في تطوير الإنتاج الخاص والعام، ولابد أن يرافق ذلك لجان متخصصة للتخطيط، تأخذ على عاتقها تطوير الإنتاج، ومحاصرة السلع المستورة بعد درء خطر ثقافة الاستهلاك.

سماحة المرجع الشيرازي يقول حول هذه النقطة:

(نؤكّد أهمية أن يبادر الإخوة المؤمنون في العراق إلى إنشاء لجان تتألّف من شخصين أو ثلاثة أو أربعة أشخاص، تأخذ على عاتقها مهمة التخطيط وتهيئة الأموال اللازمة والعمل بسرعة، من أجل بناء العراق الحرّ).

وفي كل الأحوال، فما يعاني منه العراق اليوم معروف، ولا غموض في ذلك، ويُقال إذا عُرف السبب بطل العجب، وطالما أن قادرة العراق يعرفون أن العلّة اقتصادية ثقافية استهلاكية ريعية، فإن الحلول تكمن في اتخاذ الخطوات العلمية الفعلية التي لا تجرؤ على اتخاذها سوى الإرادة السياسية الحرة، هكذا يمكن أن يتحول العراق من بلد مستورِد إلى منتج، وحينئذ سوف يثق العراق بنفسه ويصبح منتِجا لا مستهلِكاً.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي