العشائر العراقية وتحديات إعادة بناء الدولة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2019-06-20 05:48

الأمم والشعوب تفخر بتاريخها المشرق، وتسعى لإظهار حلقاته الناصعة لشبابها بالدرجة الأولى، حتى تعرف هذه الشريحة الأهمّ من حيث الحيوية والكمّ، ذلك التاريخ الناصع، وتستلهم منه العِبَر والدروس لبناء الحاضر، والانطلاق منه نحو مستقبل مضمون متميز.

من هذه الناحية هناك ظلم طال ثورة العشرين، تلك الثورة التي أظهرت مدى صلابة العراقيين، وأهمية دور العشائر في حماية وصيانة الأرض والعرض والمقدسات، حدث هذا حينما حاولت الجيوش البريطانية المحتلة إذلال العراقيين، لكنها جوبهت (بدرع العراق الصلب).

ونقصد به العشائر العراقية التي وصفها سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، بهذا الوصف المتميز (درع العراق)، وانطلاقا من هذا الوصف الكبير، يطالب سماحته كل المعنيين من كتّاب ومؤرخين وشيوخ عشائر ووجهاء بتعريف الشباب بهذه الثورة العملاقة، فيقول سماحته في إحدى كلماته التوجيهية القيمة:

(عرّفوا الشباب بثورة العشرين المجيدة لكي يبقى العراق عراق الأعاظم).

أما كيف يُحمى العراق ويُصان ويُبنى، فإن هذه المسؤولية لا تقتصر على شريحة أو فئة أو مجموعة بعينها، إنما هي مسؤولية جميع العراقيين، كل بحسب إمكانياته الفكرية والإبداعية والمادية، لكن التركيز هنا على عشائرنا، لأنها تمتلك التاريخ الناصع والحضور المؤثر، لهذا هي مطالَبة بالنهوض بهذا الدور المهم الذي يضاهي دورها الكبير في ثورة العشرين، فالمسؤولية هي شاملة وبالغة الأهمية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(مسؤولية - حماية وبناء العراق- تقع على الكل، كل بحجم طاقته وقدراته).

وطالما أنّ عشائرنا لهذا السفر الأصيل في بلد مستهدَف كالعراق، فلابد أن تتمسك بدورها هذا، وتواصل التصدي لهذا الدور، بما ينسجم مع جسامة الأحداث وحساسيتها، ومن الأهمية بمكان أن تحافظ العشائر المؤمنة على هذا التوصيف المتميز الذي أطلقه عليها سماحة المرجع الشيرازي باستحقاق، نظرا لما قدمته عبر تاريخها، ولما يتوجّب عليها من التزامات في هذه المرحلة الحرجة. لذا يرى سماحته (دام ظله): (العشائر المؤمنة الموفّقة في العراق المظلوم هي درع العراق ودرع الشيعة، سواء في كربلاء أو في جنوب العراق أو وسطه وغيره).

العشائر العراقية درع المرجعية

هناك وصف آخر مهم وكبير، أطلقهُ سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على عشائرنا، حين قال، العشائر درع المرجعية، ومثل هذا التوصيف يكتسب أهميته من الدور العظيم الذي تتصدى له المرجعية الشريفة في مواجهة الملمّات، والمصاعب والمنعطفات الخطيرة التي تمر بالعراق والعراقيين، ولا يُخفى ذلك الدور العظيم الذي تصدّرته المرجعية الشيرازية في مواجهة المحتل البريطاني، وقيادتها للجماهير العراقية وإلحاق الهزيمة المرة بالمحتل المعتدي.

كما أن مساندة العشائر للمرجعية الدينية ليس وليد اليوم، فهي كذلك قبل ثورة العشرين، وأثنائها، وبعدها، ولا تزال هي درع المرجعية.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (العشائر درع المرجعية، كانت وهكذا لا تزال، من قبل ثورة العشرين المجيدة وبعدها، ولحدّ اليوم).

ومع كل هذا التاريخ الناصع لثورة العشرين، وما حققته من نصر كاسح على قوات الاحتلال آنذاك، لكنها في الحقيقة تبقى مظلومة، لأن معظم شبابنا غير مطّلع بدقة ووضوح وتفصيل تام لمجريات هذه الثورة العظيمة التي قدم فيها العراق آلاف الشهداء الذين تصدوا ببسالة قلّ نظيرها للمحتل، فطالما بقي الشباب في عزلة عن هذه الثورة، فإنها تبقى تواجه الظلم، وهذا يستدعي القيام بتسليط الضوء عليها بقوة ووفق أساليب وطرائق علمية منظّمة تستخدَم فيها جميع وسائل الإعلام كي يعرف الشباب العراقي تاريخهم القريب الذي يضم في طيّاته ثورة عملاقة كثورة العشرين.

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إنّ ثورة العشرين المجيدة لا تزال مظلومة، والعراقيون الذين خاضوا هذه الثورة المجيدة وقدّموا الضحايا والتضحيات بالألوف، لا يزالون مظلومين. لأن أكثر شباب العراق لا يعرفون عن هذه الثورة المجيدة إلاّ القليل).

إن التركيز القوي من لدن سماحة المرجع الشيرازي على ثورة العشرين من جهة، وعلى الشباب من جهة أخرى، ينطلق من رؤية سماحته لأهمية وحتمية الدور الحاسم للشباب في حماية العراق وبناء حاضره ومستقبله، لاسيما أن بلدنا الجريح لا يزال حتى هذه اللحظة يعاني مما يضمره الأعداء ويخططون له، أولئك الذين يغذون الفساد في البلاد، ويسعون إلى زعزعة أمنه واستقراره، حتى يبقى بعيدا عن ضفة التقدم والتطور التي يستحقها.

كيف هزم العراقيون قوات المحتل؟

حين يدعو سماحته العشائر إلى البقاء على دورها كدرع للعراق وللمرجعية الدينية، ويدعوها إلى تنوير الشباب، ورفع الأغطية التي تسعى لإخفاء معالم ثورة العشرين، إنما ليصبح الشباب العراقي على وعي بتاريخه الكبير، وحتى يكون الجميع وخاصة الشباب على أهبة الاستعداد لكبح ولجم هذه الموجة الشرسة التي تستهدف العراق أرضا وشعبا وتاريخاً مشرِّفاً.

لذلك يذكّرنا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بأن: (بريطانيا هجمت على العراق بأقوى سلاح لديها في ذلك الوقت، ومنها القنابل التي ضربوا بها مدينة بالعراق سميّت بعدها وتُعرف إلى اليوم بالرارنجية. ولكن مع ذلك انتصر الشعب العراقي الذي كان أقلّ من خمسة ملايين على أكثر من ألف مليون).

أما لو أننا تتبعنا الأسباب التي قادت إلى هزيمة المحتل، ومن الذي هيّأ الظروف المناسبة لتحقيق النصر في هذه المواجهة، وكيف انتهت إلى هذه الهزيمة الساحقة للمعتدين، على الرغم من عدم تكافؤ الكفّة العسكرية للطرفين، بل لا يمكن المقارنة بين جيوش إمبراطورية تصل أعدادها إلى ألف مليون جندي وتسيطر على العالم، وبين ثوّار العشائر وقيادة المرجعية الشيرازية لها، والتي أسفرت عن كسر شوكة الاحتلال وهزيمتهم شر هزيمة، فالمتتبع لخيوط ما جرى في ثورة العشرين، والأسباب التي حدت إلى انتصار الثوار، سوف يجد أن هناك مقومات عظيمة لتحقيق الانتصار وصفها سماحة المرجع الشيرازي بقوله:

إن (ذلك النصر كان نتيجة العزم، ونتيجة التضحية، ونتيجة الدرع أي العشائر).

وبعد هذا السِفر الكبير لدرع العراق والمرجعية الشريفة، فإن المسؤوليات تضاعف اليوم، حيث يحاول العراق ويسعى إلى اجتياز أصعب مرحلة سياسية واجتماعية واقتصادية في تاريخه، فهذا البلد مستهدَف في ثرواته وسيادته وأمنه وشبابه، لذلك هناك مسؤوليات كبيرة جدا تقع على عشائرنا المؤمنة، كونها تقف اليوم في الصدارة لأنها الدرع الذي يحتمي به العراق، لذا دورها سيكون كبيرا يضاهي حجم مسؤولية إخراج العراق من حساسية وخطورة المرحلة.

أما الطريقة أو الأساليب والخطوات التي يمكن من خلالها إنقاذ العراق مما يمر به من ظروف معقدة ومتداخلة، فإنها تتمثل بتصدي العشائر لدورها البالغ الأهمية في جمع شمل الشباب العراقي، ولملمة هذه الطاقات العظيمة، البنين والبنات، فهذه الشريحة الشبابية الواسعة، هي المستهدفة قبل غيرها، لذلك وجب حمايتها والاهتمام بها، وهناك قدرة للعشائر على القيام بهذا الدور، كونها كانت السباقة في التاريخ إلى مثل هذه الأدوار الكبيرة.

العشائر انطلاقا من كونها تمثل (درع العراق)، يقع عليها اليوم تسليط الاهتمام التام بالشباب أينما وُجدوا، في المدارس والجامعات، في الدوائر، في العمل، في المنظمات، وفي جميع محافل الحياة، هذا ما طلبه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) من عشائرنا المؤمنة حين قال:

(أرجو منكم، العمل بكل تأكيد وإصرار، على لملمة شباب العراق كلّهم، بنين وبنات، سواء في الجامعات والمدارس والوظائف والأسواق والكسبة وغيرهم، حتى يستمرّ هذا الدرع في مستقبل التاريخ، كما كان في سابق التاريخ. وهذه هي وصيّتي لكم جميعاً).

هذه هي مكانة عشائرنا في العراق، وهذا هو دورها المشرّف، واستنادا إلى هذا التاريخ الكبير بأحداثه، لابد أن تواصل هذه العشائر المؤمنة دورها الكبير والحاسم في حماية وبناء العراق.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي