اضرحة البقيع: كيف يعيد المسلمون بناءَها؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2018-06-21 07:50
يعيش المسلمون هذه الأيام ذكرى غاية في الألم ألا وهي ذكرى هدم قبور الأئمة في البقيع، حيث تصادف هذه الفاجعة في الثامن من شوال، ستبقى آثاره قائمة ودليلا على تخطي الحدود المسموح بها والتجاوز على حرمة رسول الأمة الإسلامية صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال الإساءة إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، عن طريق تهديم قبورهم في البقيع دون أيما مبرر أو حجة شرعية أو أخلاقية، ما يظهر مدى البغضاء التي يكنها الفاعلون للنبي (ص) وآل بيته الأطهار.
فمنذ اللحظة التي غادر فيها الرسول الأكرم (ص) هذه الحياة، بدأت ألاعيب المغرضين، وحيكتْ الدسيسة تلو الأخرى ضد أئمة أهل البيت وكل من يمت بصلة للرسول الأعظم (ص)، حيث بدأت وقائع الأذى من مؤامرة السقيفة، لتستمر حتى يومنا هذا، وما واقعة هدم قبور البقيع إلا فعلة شنيعة من عشرات الأفعال التي تنمّ عن حقد وكراهية غير مبررة للدوحة المحمدية المباركة وامتدادها الكريم.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في أحد دروسه وكلماته التوجيهية المباركة:
(منذ أن غمّض رسول الله صلى الله عليه وآله عينيه مودّعاً للدنيا وآذناً أهلها بالرحيل، تضافرت جهود الأبالسة وشياطين الإنس والجن على إعفاء آثار الرسول الكريم وإقصاء أهل بيته الطاهرين عن المناصب السماوية التي عيّنها الوحي لهم وعرّفها الرسول الكريم بإصرار وتكرار للناس والتاريخ).
لذلك تتجدد هذه الفاجعة بكل عام في مثل هذه الأيام، لكي تستمر الإدانة والاستنكار لما قامت به الأيادي والعقول الآثمة من أعمال هدم غير مبرر مطلقا لقبور الامتداد النبوي الذي أضاء الكون بالهداية والنور ومنح المسلمين بل الإنسانية أجمع الخلاص والسؤدد، وما أن تمر هذه الذكرى الفاجعة حتى تبدأ مظاهر الاحتجاج والرفض لهذا الفعل الشنيع ومن يقف وراءه، في حالة رفض إسلامي جمعي، لا يمكن له السكوت على ما جرى لقبور أئمة البقيع الغرقد، وذلك مواساة للرسول الأكرم (ص) وآل بيته وماجرى من تطاول شنيع على حدودهم ومكانتهم التي حددها لهم الله تعالى، وهي معروفة للبعيد قبل القريب، وللمؤيد قبل المضاد، فكيف تجرؤ قلوب المعادين على هذه الواقعة الشنيعة وهم ينسبون أنفسهم إلى الإسلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(إن الثامن من شهر شوال المكرّم لعام ألف وأربعمائة وخمس وعشرين هجرية، هو يوم تجديد الذكرى الأليمة لفاجعة هدم قبور أئمة البقيع، وكان دأب العلماء والمراجع في العراق تعتيم الحوزة العلمية، وتعطيل الدروس الدينية، حداداً على آل الرسول وما جرى من ظلم في حقّهم أقرح قلب جدّهم الرسول الكريم وأوجع فؤاده في أهل بيته وذريته).
الله أمر بمودّة أئمة أهل البيت
لذا نستغرب صمت المسلمين على هذا التجاسر الشنيع، ولا يمكن أن يبقى الصمت على هذه الجريمة إلى الأبد، خصوصا أننا نعيش هذه الأيام تفاصيل هذه الفاجعة ونشعر بشدة وطأتها، لاسيما أنها تمثل تجاسرا سافرا على أربعة أئمة من أبناء الرسول الأكرم (ص) من خلال هدم قبورهم مع سبق الإصرار، خصوصا أن هذا التجاسر يعد من أشنع حالات التطاول الصارخة على الذات الإلهية، حيث أمر الله سبحانه الموّدة بالقربى في نص قرآني صريح لا يقبل التأويل الغامض.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(إن يوم الثامن من شهر شوال المكرم يصادف يوم هدم قبور أئمة البقيع وذلك قبل أحد وثمانين عاماً، وهذا التجاسر السافر والتجرّؤ الصريح على هدم قبور أئمة أربعة من أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين هو في الواقع تجاسر على الله تعالى الذي أمر بمودّة أهل البيت صلوات الله عليهم وطاعتهم وإكرامهم).
كذلك يمثل هذا الفعل الشنيع تجاوزا فادحا على حرمة القرآن الكريم، ففي هذا الكتاب المبارك، وردت آية قرآنية بالغة الوضوح والمعنى، تنص على مودّة أئمة أهل البيت باعتبارهم أبناء الرسول الأعظم (ص)، لكن كل هذه التوجيهات والتحذيرات والأدلة القاطعة لم تمنع المرضى في قلوبهم من الإساءة إلى (الله ورسوله وكتابه) وأبناء الرسول من خلال تهديم قبورهم في البقيع.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن هدم قبور البقيع هو (تجاسرٌ على القرآن الحكيم الذي صدع بقول الله سبحانه في الآية الثالثة والعشرين من سورة الشورى: «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، وتجاسرٌ على الإسلام العظيم الذي عظّم أمر أهل البيت وجعلهم امتداداً للرسول الأمين، وتجاسرٌ على الرسول الكريم الذي جعل أهل بيته المعصومين عِدل القرآن الحكيم).
متى وكيف تزول آثار هدم البقيع؟
والآن وبعد مرور هذه الفترة الزمنية الطويلة على حدوث هذه الواقعة الأليمة، ألم يحن الوقت لنعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ونعيد الاعتبار لمن وقعت عليهم الإساءة، خصوصا أنها تمس مقدسات المسلمين جميعا، وتمس أبناء رسول الأمة (ص)، أليس مطلوباً اليوم أن يبادر الجميع للمطالبة بإعادة ما تم هدمه من قبور لأربعة من أبناء رسول الله (ص)، أم أن المسلمين يبقون في حالة صمت وسبات تجاه أشنع فعلة تلحق الأذى بالدوحة المحمدية المباركة، وتسيء للذات الإلهية، وللكتاب الكريم، وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟.
إن سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، يؤكد بصورة قاطعة وفي أكثر من مناسبة، بأن آثار هذا الاعتداء الصارخ لا يمكن أن تزول إلا بزوال الآثار التي طالت قبور الأئمة عليهم السلام، لهذا ينبغي أن يعاد بنائها بصورة سريعة وحاسمة، من خلال ضغوط صارمة يبادر بها جميع المسلمين كونها لا تخص فئة معينة، لأن النبي (ص) نبي المسلمين جميعا، وإذا صح انتماء المسلمين، ينبغي أن يبادروا إلى معالجة الآثار التي ترتبت على فعل الهدم، وأن يكون الاحتجاج والمطالبات والضغوط جماعية تشمل كل من يؤمن ويقول بأن النبي محمد (ص) نبيه وينتمي إلى دينه.
لذلك فإن إعادة بناء قبور الأئمة التي طالتها الأيادي الحاقدة، هو الفعل الوحيد الذي يمكن له أن يزيل الآثار التي ترتبت على فعل الهدم، الذي شكل تجاوزا صارخا على الإسلام والمسلمين، من خلال التطاول على نسغ الرسول الأعظم (ص)، على أننا نعلم بأن عملية إعادة البناء لاقت وسوف تلاقي عدم قبول الإعادة من قبل امتداد الأيادي والعقول التي قامت بفعل التهديم، لهذا ينبغي أن تكون هناك إرادة جماعية إسلامية صارمة لتحقيق هذا الهدف الذي وحده سوف يزيل آثار هذه الجريمة بحق الرسول الأكرم (ص) وآل بيته عليهم السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
إن (هذا التجاسر البذيء مازال باقياً ومستمراً مادام البقيع على حاله موحشاً، وقبور أئمة أهل البيت فيه مهدّمة، ولا يزول هذا الوهن ولا يعالج إلا بزوال آثاره المفجعة، وبقاياه المؤلمة، وذلك بإعادة بناء المراقد الشريفة والقباب المنيعة وتشييد الأضرحة الكريمة والمآذن الشامخة).
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على قضية بالغة الأهمية، وهي تتلخص بأن قضية معالجة آثار هذه الفاجعة، لا يمكن أن تتم إلا من خلال جهود جمعية يشترك فيها جميع المسلمين، باعتبارها لا تتعلق بشخص أو فئة معينة، وإنما تتعلق برسول الله، وهو نبي المسلمين جميعا، لهذا ينبغي أن تكون المطالبة بمحو آثاره الفاجعة وإعادة بناء قبور الأئمة بصورة جماعية وليست فردية، كونها تخص وتهم نبي المسلمين جميعا، كما أنها تمثل تجاسرا بذيئا وتطاولا سافرا على الذات الإلهية وعلى الرسول والإسلام والقرآن وعلى كل القيم الحميدة.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(مسألة معالجة هذه الفاجعة المؤلمة ورفع هذا التجاسر البذيء المتطاول على الله والرسول، والاسلام والقرآن، والقيم والاخلاق، لابد وأن يكون من جميع المسلمين بل من جميع الناس الأحرار على نحو العام المجموعي، يعني: العلاج يحتاج إلى تضافر جهود الجميع وتضامن نشاطات الكل: في إبداء الآراء المطالبة بالتعمير، وإنجاز المساعي الحميدة لإعادة البناء).