العنف الاموي وتشكيل صورة الاسلام
قبسات من أفكار المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2015-03-12 08:28
من الامور التاريخية المتَّفق عليها، أن العنف رافق مسيرة البشرية منذ نشوئها، ولا يزال قائما حتى الآن على الرغم من التطور المعرفي الهائل بين إنسان عصور النشوء الأولى، وإنسان العصر الراهن، فمع كل ما تحقق من وعي وثقافة ومعرفة للانسان، لا تزال هناك مؤشرات كبيرة على تواجد العنف بين البشر، ويؤكد العلماء المختصون أن هناك علاقة طردية بين العنف والجهل، أي كلما كان الفرد والجماعة أكثر جهلا، كلما كان عنفها إزاء الآخرين أكثر.
وعندما نطالع التاريخ الاسلامي، فإننا نلاحظ ظاهر العنف قد رافقت العصور التي تلت عصر الرسالة النبوية مباشرة، حيث بدأت بوادر العنف بالتصاعد المضطرد، في العصر الأموي وما تلاه، كما حدث (في العصر العباسي)، وعندما ندقق في ما حدث بالعصر الأموي من أعمال عنف مصدرها السلطة السياسية (الحكومة)، فإننا نستطيع أن نجزم بأن جوهر الاسلام الانساني والمبادئ الإسلامية كانت بعيدة عن هؤلاء الحكام!، فقد كان العنف والبطش والقسوة (الحكومية) من أكثر المؤشرات وضوحا في هذه الحقبة منذ نشوئها، ونعني بها الحقبة الأموية او العصر الأموي، وهذا الرأي لا نطلقه جزافا، إنما جميع المدوَّنات التاريخية تؤكد هذا العنف بما في ذلك ما جاء في المصادر الموالية للأمويين أنفسهم.
وقد ذكر سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة الموجَّهة الى المسلمين، ما يؤكد هذا العنف ويدل عليه، استنادا الى كتب العامة، إذ يقول سماحته: (لقد ذكرت كتب العامة بأن آخر سلطان من سلاطين بني أمية الذين كانوا يسمّونهم بخلفاء الله وخلفاء رسوله، وهو مروان، قد غضب على رجل، فطلبه، وأحضروه عنده، فقام – مروان- بقلع عيني ذلك الرجل بأصابعه).
إن نزعة العنف التي رافقت حكام وحكومات هذا العصر، لا أحد يستطيع إخفاءها، مهما أوتي من حجة، بل هنا من يذهب الى التباهي بقسوة الأمويين، فيقول أنه العصر الأقوى سياسيا من سواه، منطلقا في ذلك من تجبّر الحكام الطغاة في العصر الأموي الذي أوغل حكامه كثيرا في استباحة دماء المسلمين أنفسهم، من هنا قدم هؤلاء الحكام نماذج سلبية (دموية) للآخر، فإذا كان قادة المسلمين (خلفاء الرسول الاكرم صلى الله علية وآله، كما يدّعون)، يتّصفون بهذه النزعة الدموية ضد شعبهم المسلم، فكيف تكون صورة الاسلام عند الآخرين، وكيف يمكن أن لا ينفروا من الاسلام وهم يرون حالات استباحة الدماء والعنف؟.
من هنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي ويجيب عن هذه الظاهرة بقوله: (ربّ سؤال يطرح وهو: لماذا ابتعد الناس عن الإسلام وتنفّروا منه؟ والجواب الحقّ على ذلك هو: أسلوب وتعامل بني أمية وبني العباس، هو الذي أدّى إلى ذلك).
معاوية يذبح آلاف المسلمين
من الأمثلة التاريخية التي تؤكد قسوة الحكام الأمويين، ومرافقة العنف وسفك الدماء لعصرهم، ما تذكره مصادرهم وكتبهم، بل يذهب هؤلاء الى التبجح بهذا التاريخ الدموي الذي كان ولا يزال، سببا لانتقادات واسعة (للاسلام)، باعتبار ان هذا العصر يمثل جانبا من الاسلام، كما يدّعي قادته، بل يسمّي هؤلاء أنفسهم بـ (خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله)، وهم أبعد المسلمين عن نهجه المسالم، الذي استطاع أن يبنى دولة الاسلام الكبرى في غضون عقدين، لتضاهي أقوى الدول والامبراطوريات القائمة آنذاك، حضارة وانسانية، ومع ذلك فقد بقي الأمويون دمويون قساة، ولم تجد الرحمة طريقا لقلوبهم، بدءاً بمعاوية نفسه.
لذلك قال سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (بعضهم سمّى نفسه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله، ومنهم معاوية، الذي قام وخلال يوم أو يومين أو ثلاثة وعبر مبعوثه بسر بن أرطاة إلى اليمن، بذبح أكثر من ثلاثين ألفاً من الأبرياء في اليمن، كان فيهم الرضّع والشيوخ والحوامل والأطفال).
إن الحاكم الذي يسمح ويأمر بذبح هذا العدد الهائل من المسلمين بدم بارد، وهو النموذج الأعلى لمن جاء بعده وتمثّل به، لا يمكن إلا أن يكون مثارَ عار وخزي في التاريخ الذي يُنسَب للاسلام، وإن كان لا يسير وفق منهجه وتعاليمه، لهذا كانت مثل هذه النماذج مثالا لحكام غابرين ومعاصرين، بعد أن ترسَّخ العنف في نفوسهم، وصار يعيش معهم ليل نهار، وانسلخت الرحمة والعدل والانسانية من نفوسهم وقلوبهم، ولعل هذه المبالغة بالعنف، وتقديم الصور البشعة التي تصل حد التمثيل بجثث المسلمين، تشكل جذورا لما نلاحظه اليوم من صور واحداث للمد العنيف الذي يجتاح واقع المسلمين أنفسهم، بل انتقل هذا النموذج الى العالم اجمع، عبر الارهاب المنظم لجماعات وتنظيمات تنسب نفسها للاسلام، الامر الذي يمثّل تشويها متعمَّدا للمنهج النبوي السلمي.
وقد يتساءل كثيرون عن أسباب دوامة العنف التي عصفت ولا تزال بالمسلمين، كما لاحظنا ذلك عبر التاريخ (الاموي العباسي) وصولا الى التاريخ المنظور والقريب، حيث الحكام الطغاة القساة، الذي تأثروا بالعنف الاموي وطبقوه بحذافيره، فضلا عن التنظيمات المتطرفة، ومثالها داعش وعصاباته، وما قامت به من حالات الحرق وحز الرؤوس والقتل بدم بارد، ولا شك أن الاجابة عن ذلك تكمن في جذور العنف، والنماذج القيادية الاموية التي تعاملت مع شعوبها بصورة يندى لها الجبين.
فقد قال سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: (نقلوا، بأن معاوية كان يأمر بقطع أيدي وأرجل السجناء بالساطور، ثم بقلع أعينهم أيضاً، مما كان يؤدّي ذلك إلى موت السجين بعد ساعات معدودة).
حكّام العار
ما تقدم، يتيح لنا فهم الاسباب التي تقف وراء المد العنيف الذي يجتاح العالم الاسلامي اليوم، ويتمدد الى اجزاء اخرى من العالم أجمع، فقد تجذّر العنف الاموي في نفوس وقلوب التنظيمات الارهابية التي تُنسب نفسها للاسلام، وتسيء له أشد الاساءة، كونها تقدم نموذجا مشوها وإرهابيا للاسلام، فإذا كان معاوية نموذجهم، ومروان مثالا لهم، فإننا لا نستغرب حالات التوحّش التي نراها تتلبس الدواعش والارهابيين الاخرين، فهؤلاء أحفاد سفّاكو دماء المسلمين في الماضي، وهم النموذج الآني الممتد من ذلك الجذر المتوحش للعنف، والمعضلة الأشد في هذا المجال، تكمن في ادّعائهم بأنهم يمثلون الاسلام ومبادئه ويلتزمون بسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ولكنهم في الحقيقة هم احفاد معاوية ومن لفّ لفه، أما الآخرون في العالم الغربي وسواه، فيتصورون أن هؤلاء يمثلون الاسلام فعلا، وأفعالهم الارهابية تقع في لبّ الاسلام، لكن الحقائق كلها تؤكد أنهم أحفاد العنف الاموي المتجذر في نفوسهم ولا علاقة للاسلام بهم.
ولكن عندما لايطلع العالم على حقيقة التاريخ الاموي، ويصدمهم الارهاب الراهن باسم الاسلام، فإنهم يظنون أن الاسلام يمثله هؤلاء الارهابيون احفاد معاوية، لاسيما أن الاعلام يتغاضى في كثير من الحالات عن الجوهر الحقيقي للاسلام الذي يمثله الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله، والأئمة الاطهار من أهل بيته عليهم السلام، من هنا يكون هناك رد فعل للغربيين ضد الاسلام والمسلمين بسبب الاعمال الارهابية التي يقوم بها بعض المتلبسين بإسم الاسلام.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي هذا الامر في كلمته قائلا: (كما سمعتم ورأيتم أيضاً، أنه اُقيمت العديد من المظاهرات في دول الغرب، مناهضة للإسلام، وطالبوا برفض الإسلام ورفض بناء المساجد في بلدانهم. والسبب في وقوع وحصول هذا الرفض وهذه المناهضات هي الصورة المشوّهة التي يراها العالم اليوم عن الإسلام من بعض المتلبّسين باسم الإسلام).
ولعلنا نتفق جميعا على أن تاريخنا مع الحكام ليس مشرفا، بل يشي بالخزي والعار، باستثناء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، فقد صارت الصورة بالغة الوضوح لنا، حول العنف وطغاته، إنهم سليلو أرباب القسوة والبطش من امثال معاوية ومن شابهه في الفكر والفعل، لهذا يتردد المسلمون من عرض هذا التاريخ المخزي على العالم كونه ينضح بالعار بسبب دمويته.
كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (إذا عرّفنا للعالمين أيّ حاكم ممن حكموا في البلاد الإسلامية، عدا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فسيكون ذلك مدعاة على العار والخجل).