مستقبل العراق وحماية الحقوق المدنية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2017-07-13 06:00

مع الانتصارات التي يحققها العراقيون الأبطال تباعا، وهم يحررون الأرض من دنس الإرهاب، تنفتح آفاق كبيرة، وتتسع تطلعات العراقيين نحو مستقبل مضيء وحاضر مكلل بالسلام والانشغال بمستلزمات التطور والاصطفاف الى جانب الشعوب والدول المتقدمة، فالمؤهلات الثقافية والدينية والاقتصادية والقدرات العلمية والعقلية تمنح العراق ميزة اللحاق بالدول التي تتصدر قيادة العالم، وما هو مطلوب اليوم كيفية استثمار العراق لما تحقق من انتصارات باهرة بفعل التضحيات الكبرى والدماء التي سالت من أجل حماية العراق.

وبعد هذا الذي تحقق بالتضحيات والأرواح والدماء والنفائس، من الظلم والإجحاف أن لا يستفيد العراقيون من هذه اللحظة العظيمة التي تحطم فيها الارهاب ومن يقف وراءه، لينتقل هذا البلد وشعبه الى مرحلة العيش الهانئ القائم على التشريعات الدستورية الحامية لديمقراطية وتعددية النظام السياسي، حتى نضمن عدم العودة الى الدكتاتورية، بالإضافة الى الحفاظ على حقوق الأقليات والمكونات المختلفة في المجتمع العراقي وعدم إغفال حقوق الأكثرية.

من هنا يؤكد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتباه القيم الموسوم بـ (إضاءات مرجعية) على: (أن مستقبل العراق ـ بإذن الله تعالى ـ سيكون بخير، شرط تحقق أمور، ومنها: أولا: عدم هضم حقوق أية مجموعة من الشعب، وإعطاء الأكثرية حقوقها كاملة غير منقوصة، وكذلك إعطاء الأقليات حقوقها، قال الله تعالى «لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ» سورة البقرة: الآية 279(.

إذاً نحن نقف بإزاء مرحلة محورية بعد الانتصار التاريخي الذي تكلل بطرد داعش الإرهابي من أرض العراق، ومطلوب أن يتحول هذا النصر الكبير الى بداية عظيمة تتساوى في قيمتها مع التضحيات والأرواح والدماء العظيمة التي سالت فوق أرض العراق كي تحميه من دنس الدواعش والإرهاب عموما، لذلك من أهم المبادرات والخطوات السياسية التشريعية الفعلية التي ينبغي أن يحافظ عليها العراقيون ويتمسكون بها ويعملون على تثبيتها هي إحقاق الحقوق المدنية كاملة غير منقوصة للأكثرية وللأقليات على حد سواء حسبما يكفله الدستور والنظام الديمقراطي التعددي الضامن لسد الأبواب والثغرات التي قد يتسلل منها النظام الدكتاتوري المركزي، فالمهم هنا حماية حقوق الأقلية والأكثرية في نفس الوقت.

كما يؤكد على ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: إن (مستقبل العراق سيكون بخير شرط إعطاء الأكثرية حقوقها كاملة وكذلك الأقليات).

جرائم استهداف المدنيين العزَّل

أمر متوقع عندما لا تتم حماية وصيانة حقوق المواطنين من السلطة التنفيذية وسواها، فإن البلبلة والفوضى سوف تعم البلد، وتنتعش النواقص هنا وهناك، ومنها ما يتسبب بإحداث ثغرات أمنية يتسلل منها الإرهاب الذي يبحث عن الأهداف الرخوة، خصوصا بين المدنيين، فيؤدي ضعف النظام السياسي وأجهزة الدولة الى تعريض المواطنين للإرهاب، وجعلهم لقمة سائغة له، لذلك يتم الربط دائما بين الفساد السياسي والإداري من جهة وبين ازدياد استهداف المدنيين من جهة أخرى، فالفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة.

مع أن سماحة المرجع الشيرازي من دعاة السلم حيث يرى سماحته أن السلم يمنح الجميع فرصة لتثبيت الحقوق المشروعة للشعب، على العكس من انتشار الأجواء العدائية فهي تسمح للمتصيدين بالماء العكر بالتسلل من الثغرات لإيذاء الأبرياء كما حدث في الكرادة والمدن والأهداف غير المحمية من الإرهاب، وفي كل الأحوال يبقى استهداف المدنيين مرفوضا جملة وتفصيلا.

وحينما تم توجيه سؤال لسماحة المرجع الشيرازي حول أعمال العنف التي تستهدف المدنيين العراقيين وهل هناك مسوغات فقهية تبيح مثل هذه الأعمال؟ قال سماحته: (نحن من دعاة السلم، وبه يمكن الوصول إلى الحقوق المشروعة، والعنف على الأغلب لا يؤدي إلى نتيجة، وأما استهداف المدنيين العزل وقتلهم فإنه جريمة لا يرضاها عقل ولا شرع، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً» سورة البقرة: الآية 208).

لذلك عندما أخطأت الحكومات والأنظمة السياسية المتعاقبة في العراق بحق مواطنيها، فإن النتائج السلبية والخسائر الجسيمة تحملها المواطنون وليس الحكومات، مع أنها حدثت نتيجة أخطاء حكومية متراكمة، وأهمها عدم مراعاة الحقوق المدنية، وإهمال متعمَّد لهذه الحقوق، فلا الأكثرية حصلت على حقوقها، ولا الأقليات أيضا، فضلا عن عدم توافر الحماية اللازمة لها، لذلك يركز سماحة الرجع الشيرازي على أهمية الحفاظ على الحقوق المدنية للأثرية والأقليات في نفس الوقت.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه: (إن الأوضاع المأساوية التي حدثت في العراق طوال العقود الماضية وما ترتب عليها مما نشاهده الآن، إنما هي نتاج ممارسات لا مسؤولة وأخطاء متراكمة، ومن أسوأ تلك الأخطاء: التفريط بحق الأكثرية عشيّة تأسيس الدولة العراقية في القرن الماضي، وتحت شعارات براقة، مع أن الشريعة المقدسة والنهج الديمقراطي يشرعان صون حقوق الأكثرية).

الدور التاريخي للمثقفين والجامعيّين

بطبيعة الحال سوف تبقى حالة التجاهل مهيمنة على الأوضاع السياسية ما لم يبادر الشعب والنخب وقوى الضغط ومنظمات المجتمع المدني والناشطين المدنيين والجمهور على نحو العموم، بالمبادرة والمطالبة بربط حالات النصر المتحققة في سوح القتال، وجعل تأثيراتها واضحة على مقارعة الفساد وأسبابه، مع أهمية تثبيت المنهج الديمقراطي الأصيل في اختيار ممثلي الشعب وأعضاء مجالس المحافظات، ومحاصرة الفاسدين الذي يتسللون الى السلطة لإلحاق الأذى بالشعب.

وعندما يتم التمسك بنتائج الانتخابات، ولا يتم التنازل عن حقوق الأكثرية، فإن مثل هذه الخطوات تساعد على حماية الحقوق المدنية وعدم السماح بالتجاوز عليها أو هدرها من قبل أية سلطة كانت، ومهما كانت الأسباب التي تقف وراء ذلك.

كما نلاحظ فيما ورد بقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (من الواضح أنه لا يحق لأية جهة من الجهات التنازل عن حقوق الأكثرية، لأنه تنازل عن شيء هو ملك لجميع الأمة).

علما أن الوصول الى هذه النتائج ليس أمرا سهلا أو هيّنا، لذا ينبغي بذل الجهود الكافية، ووضع الخطوات المدروسة التي يشارك فيها المثقفون والجامعيون والنخب بأشكالها وأصنافها كافة، حتى يبادر ويشارك الجميع في تجمل مسؤوليته التاريخية التي تدعم إقامة النظام التعددي الديمقراطي في العراق، حتى تكون الدولة قادرة على حماية حقوق مواطنيها، إن كانوا ينتمون الى الأكثرية أو الأقلية، فالمهم هنا شكل النظام السياسي والركائز المدنية والحقوقية التي يكون قادرا على تلبيتها، وهذا المنهج سيكون الطريق الوحيد لبناء عراق آمن مستقر متقدم يتلفع بدولة ديمقراطية تعددية حامية لحقوق الجميع أكثرية أو أقلية من دون تفرقة أو أو ظلم أو لا عدالة.

أما ماهيّة الدور الملقى على الجامعيين والمثقفين وقادة النخب الأخرى، فهو يتمثل في بث الوعي السياسي والديني والثقافي لدى عموم العراقيين، فهذا الوعي كلما ارتقى في المستوى والنوع كلما كانت النتائج السياسية والاجتماعية راقية متطورة، فالمواطن الواعي سوف ينتخب قائدا أو ممثلا سياسيا واعيا، وهكذا يتحدد دور النخب بأنواعها كافة بتقديم النصح وزيادة الوعي لدى عموم الناس، حتى يكون الناخب العراقي مؤهلا لانتخاب من يصح انتخابه من أجل الوصول الى نظام سياسي ديمقراطي مؤهل وقادر على حماية الحقوق المدنية.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (على أهل العلم والجامعيين والمثقفين القيام بواجباتهم الدينية ومسؤولياتهم التاريخية بتثقيف الناس وتعليمهم مسائل دينهم وأمورهم السياسية والزمنية).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي