لا مداهنة ولا تراجع أمام الإرهاب

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2017-03-02 06:40

لا تداهنوا ولا يرعبكم الاستهداف والإرهاب وعليكم بوحدة الصفّ، بهذه التوجيهات القيّمة بدأ سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، كلمته التوجيهية للمسلمين وللشيعة بوجه الخصوص، من أجل توحيد صفوفهم ومواجهة الإرهاب وتحدي المصاعب كافة، مع أهمية استنهاض الهمم والطاقات الكامنة في نفوس وقدرات الجميع لبناء الأمة والدفاع عنها وعدم التراجع أو الخوف من أساليب الترهيب التي عادة ما يلجأ إليها صانعو الإرهاب.

وقد ركّز سماحته على جانب مهم تنطوي عليه شخصية الإنسان، ألا وهو إصراره على تثوير الطاقات الكامنة في أعماقه، وحذر سماحته من أن الإنسان لا ينبغي أن يبقى خاملا أو حياديا، بل عليه أن يعرف ذاته، ويبحث دائما عن الأسباب التي تمنحه الإلهام والقدرة على تحريك منابع الخير في أعماقه، لاسيما أن الطبيعة التكوينية للإنسان تضم بين طياتها عوامل الخير ولكل شخص منا قريحة ينبغي أن نسعى لاستخراجها من أعماقنا بشتى الأنشطة المتاحة.

فقد قال سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه: (كل إنسان عنده قريحة، ولكن هذه القريحة بحاجة إلى استخراج، وبحاجة إلى إثارة على قول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فالله سبحانه وتعالى أودع في النفوس جذور لكل الخيرات).

علما أن القرائح ودفائن العقول لا يمكن تثويرها إلا من لدن إرادات وعقول كبيرة ترقى الى مستوى الأنبياء، بمعنى حتى الإنسان قد يعجز عن معرفتها وتحريكها بنفسه، لهذا أرسل الله الأنبياء للإنسان كي يساعدوه على معرفة ما تنطوي عليه طبيعيته التكوينية من كنوز.

لهذا أكد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته قائلا: (كان عمل الأنبياء عليهم السلام مع الناس وكما قال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (ليثيروا لهم دفائن العقول). وهي دفائن دفنها الله تعالى في عقول الناس).

وقد ضرب سماحته مثلا تاريخيا ورد في في مصادر عديدة متَّفق على صحتها، تتحدث عن شخصية الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، وسيرته، وكيف تحول من السلب الى الإيجاب، وما هي العوامل التي ساعدت على هذا التحول، فالمزايا والكنوز الإنسانية النادرة بل العظيمة مدفونة في أعماق هذه الشخصية الكبيرة، ولكن مهمة تحريكها واستخراجها كان يحتاج الى فاعل متميز نادر وقوي.

فقد أكد سماحة المرجع الشيرازي على: (أنّ أبا ذر كان يعيش في الصحراء في قرية وفي عشيرة بني غفار، الذين كانوا من المشركين. وذكرت بعض التواريخ أنّ أبا ذر كان من قطّاع الطرق قبل الإسلام كما هو مذكور في كتاب أعيان الشيعة. ولكن كان مدفوناً في عقل أبي ذر أن يكون الرجل العظيم. فرسول الله صلى الله عليه وآله تكلّم مع أبي ذر قرابة ساعة أو أكثر أو أقل، فأظهر دفينة أبي ذر).

المداهنة تعني مسايرة الظلم

إن الإنسان المبدئي لا يداهن سلطةً أو شخصا ما، ولا يمكن أن يكون متذبذبا في آرائه ومواقفه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضايا العقائدية، والأخلاقية وما شابه، ولذلك نلاحظ أن جميع الناس الذي يحملون مواقف مبدئية غير قابلة للتلاعب أو التذبذب أو التغيير، نلاحظ أنهم دائما هدفا للعدوان والتعذيب والمطاردة والقتل، والسبب دائما أنهم لم يداهنوا سلطة (أية سلطة كانت)، ولا يداهنوا حاكما ظالما، ولا يتراجعوا عن مبادئهم.

هؤلاء الناس الثابتين على عهودهم لا يداهنون أحدا أو جهة ظالمة، ولهذا السبب هم معرَّضون للاضطهاد والظلم والإقصاء دائما، أما أولئك الذين لا يقفوا موقفا واضحا من الظلم، ويسايرون القوة الغاشمة والاعتداء على حدود الله ويتجاوزون على حقوق الآخرين وحرمة الناس، فإذا بقي هؤلاء في حالة صمت، ولم يعلنوا مواقف واضحة رافضة للظلم، هذا يعني أنهم يداهنون الظالم، ويغضّون الطرف عن ظلمه، لذلك إذا لم يتعرض أحد أو جهة للمؤمن بهجمة أو إلحاق الأذى به، فهذا يعني بأنه معرّض للاتهام بالمداهنة.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إذا لم أتعرّض أنا، ولم تتعرّض أنت، ولا يتعرّض المؤمن لهجمة، فلنتهم أنفسنا بالمداهنة).

علما أن هنالك فارقا كبيرا بل شاسعا بين المجاملة والمداهنة، فالمجاملة لا تعني أن تصمت أمام الأفعال الخاطئة التي ترتكبها السلطات الغاشمة أو الجهات أو الأشخاص الظالمون، بل لابد أن يكون لديك موقفا بيّنا منها، يرفضها رفضا باتّاً، نعم المجاملة شيء جيد نقدم فيه قبولنا وإعجابنا بما يفعل الآخرون، ولكن عن استحقاق، وليس عن مراءاة أو مداهنة، لذلك فالأخيرة تعني أن تكذب في موقفك وتحابي الخاطئ، ولا تريد أن تعلن موقفا رافضا للظلم وفاعله، هنا يكون الأمر مداهنة، والمداهنة مرفوضة.

لهذا يفرّق سماحة المرجع الشيرازي في توصيفه للصفتين أو المفردتين عندما يقول سماحته في كلمته نفسها: (إنّ المجاملة جيّدة، ولكن المداهنة مرفوضة).

استمرار استهداف الشيعة

من هنا كان الشيعة على مر الأزمان هدفا للعدوان، حيث تتحدث صفحات التاريخ وحيثيات الواقع عن تعرض الشيعة الى حالات استهداف منظمة أقل ما يُقال عنها بأنها إجرامية بشعة، وإذا ما بحثنا عن الأسباب التي تكمن وراء هذا الاستهداف التاريخي المستمر، فإننا سوف نكتشف بأنهم لم يداهنوا ظالما على مر التاريخ، أما الواقع فإنه يثبت بأن أكثر من يتعرض للإرهاب المنظم هم الشيعة، لماذا؟ السبب واضح وبسيط، لأنهم لم ولن يداهنوا سلطة أو ظالما، ولا ينبغي لهم أن يداهنوا ما بقيت الحياة.

لهذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (الأعداء لماذا قتلوا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ ولماذا قتلوا السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها؟ ولماذا قتلوا الإمام الحسين صلوات الله عليهم؟ أتدري لماذا؟ الجواب: هو لأن الشيعة كانوا هم المستهدفون. كما هو الحال في العراق اليوم).

نعم ما يجري في العراق اليوم من استهداف دائم لشعبه وحقوقه، وما يتعرض له من ظلم منظّم، إنما يجري في سياق حملة الإرهاب التي يتعرض لها الشيعة لأنهم يرفضون أن يداهنوا الظالمين، ولن يتراجعوا أمام ماكنة الإرهاب لأنهم تعلموا المبدئية من إسلامهم المحمدي المبدئي، ومن مواقف وأفكار وأعمال أئمتهم عليهم السلام.

كما أن سماحة المرجع الشيرازي يوصي الشيعة وكل المبدئيين أن يتخذوا الخطوات الصحيحة لديمومة مواقفهم المبدئية الثابتة، وأن يحزموا أمرهم على مواصلة رفضهم لمداهنة القوى الشريرة بكل أنواعها وأشكالها ومصادرها، وهذا يمكن تحقيقه من خلال خطوات فكرية عملية تساعد الشيعة على البقاء أقوياء أشداء، ويمكنهم ذلك من خلال وحدة الصف الشيعي، فهذه الوحدة كفيلة بردع الإرهاب ومن يقف وراءه، تخطيطا وتمويلا وتنفيذا.

وبهذه الطريقة لا بغيرها، أي من خلال الموقف الموحد الثابت المبدئي، الرافض لأسلوب مداهنة الظالم، يمكن أن يتحقق النصر على القوة الظلمة الغاشمة في العراق وفي أصقاع المعمورة، وينبغي أن يعرف الإرهابيون صناعاً ومنفذون، أن العراقيين والشيعة لا يخافون الإرهاب وسوف يواصلون وقوفهم بالضد منه، ولن يداهنوا أحدا مطلقا.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: (المهم على الشيعة في العراق وفي باقي العالم، أن لا يرعبهم هذا الاستهداف أبداً. وأنا أوصي الشيعة كافّة، وفي كل مكان بتوحيد الصفّ الشيعي).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي