وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الثّالِثَةُ (١٣)
نـــــزار حيدر
2016-06-22 01:46
{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
٧/ تكريس الوعي وحُرمة التّضليل والغشّ في المعلومة كما في قولهِ تعالى {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
فالقراءات التي تُراهن على جهل النّاس وغياب البصيرة والوعي، او تكرّس ذلك لتحقيق أَجندات مشبوهة هي أَبعد ما تكون عن الاسلام الذي يقول فيه تعالى {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أو كما يقولُ أَميرُ المؤمنين (ع) {وإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتي، مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي، وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ} ان مثل هذه القراءات مرفوضة ولا ينبغي ان تشيعَ وتنتشر في المجتمع أَبداً لانّها تنتهي به الى ان يكونَ لُقمةً سائغةً إمّا بيد السّلطة التي تسخّر الدّين لشرعنة ظلمها وجبروتها واستئثارها، او بيدِ الارهابيّين الذين يسخّرون الدّين كذلك لتدمير البشريّة وتشويه سمعة الدّين الحنيف.
انَّ واحدة من الأدوات الخطيرة التي طالما وظّفها الطّاغوت لبسطِ نفوذهِ وديمومةِ سُلطتهِ الظّالمة هو التّضليل المدعوم بسحر الاعلام الطّائفي {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} وهو على انواع:
* فتارةً يعتمد القراءات النّاقصة، كما في قولهِ تعالى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
* وتارة يعمد الى التحريف والتبديل والتغيير كما في قوله تعالى {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.
* وتارةً يعتمد اخفاء ما لا يروق له وتسليط الضّوء على ما تستهويه ميولهُ وأهوائهُ، كما في قولهِ تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
* وتارةً يعتمد الكَذِب الصّريح كما في قولهِ تعالى {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وقوله عزّ وجلّ {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
* وتارة يعتمد الولاء المتقلّب والمتغيّر حسب الظّروف، وهو ما يسمّى بالنّفاق وازدواج الشّخصية، كما في قولهِ تعالى {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}.
لقد ابتُلي أَميرُ المؤمنين (ع) بقتال من ضّللهم الضالّ المضلّ مُعاوية ابْنُ هند آكلة الاكباد، حتى قال يصف الحال {أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
كما ابتُلي الامام السّبط الحسن المجتبى (ع) [ولادتهُ يوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك] بنفس الامر، عندما قاد جيشاً من المضلَّلين الذين نجح الطّاغية مُعاوية في شراء ذممِهم فبانت شخصيّتهم المزدوجة بشكلٍ كبير، فيما ظلّ مُعاوية يحاول تضليل الامّة لشرعنة سلطتهِ التي ظلّت مكشوفة حتّى النهاية.
لقد حاول مرة مثلاً تضليل الامّة بادعائهِ ان الامام الحسن (ع) رَآه اهلًا للخلافةِ اكثر من نَفْسه فتنازلَ له عنها، الا ان الامام السّبط (ع) لم يكن ليقبل ان يمرَّ مثل هذا الادّعاء الكاذب والتقوّلات الخطير مرور الكرام، لمعرفتهِ بمدى ما تتركهُ مثل هذه الأفكار من أثرٍ سلبيٍّ في تشويه الحقيقة والعبث بعقائد النّاس وثوابتَهم وتضليل بصيرتهم، ولذلك كان ردَّه شديداً ورادعاً بلا مُجاملة او مُواربة.
فقام الإمام الحسن (ع) وخطب خطبةً مطوّلةً رد فيها على معاوية بمجلسهِ بقولهِ {أيّها النّاس إن الله هداكُم بأوَّلِنا، وحقنَ دماءَكُم بآخِرِنا، وإنَّ لهذا الأمرِ مُدَّةً، والدُّنيا دُوَل... وإنَّ مُعاوية زعمَ لكُم أنّي رأيتهُ للخلافةِ أهلاً، ولم أرَ نفسي لها أهلاً، فكذَبَ مُعاوية، نَحْنُ أولى النّاسِ بالنّاس في كتابِ الله عزَّ وجلَّ وعلى لسانِ نبيِّهِ، ولم نزل أهل الْبَيْتِ مظلومينَ منذُ قبضَ اللهُ نبيَّهُ، فالله بيننا وبينَ مَن ظلمَنا، وتوثَّب على رِقابِنا، وحملَ النَّاسَ عَلينا، ومنعَنا سهْمنا من الفَيء، ومنعَ أُمَّنا ما جعل لها رَسُولُ الله (ص) وأُقسمُ بالله لو أَنَّ النَّاسَ بايعوا أبي، حينَ فارقهُم رسول الله (ص) لأعطتهُم السّماءَ قطْرها، والأرضَ بركَتها، ولما طمِعتَ فيها يا مُعاوية... فلمّا خرجَت الخلافة من معْدنِها، تنازَعَتها قُريش بينها، فطمعَ فيها الطُّلقاء وأبناء الطُّلقاء، أنتَ وأصحابُك. وقد قال رَسُولُ الله (ص): ما ولَّت أمةٌ أمرَها رجُلاً وفيهم مَن هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، إلا لم يزلْ أمرهُم يذهب سَفالاً حتّى يرجِعوا إلى ما تركوا (يقصد الجاهلية)}.
ثم دارَ بوجههِ إلى مُعاوية قائلاً {أيّها الذاكرُ علياً، أنا الحسن وأبي عليّ، وأنت مُعاوية وأبوك صخر، وأمّي فاطمة وأمُّك هند، وجدّي رَسُولُ الله وجدُّك عُتبة بن ربيعة، وجدّتي خديجة وجدَّتُك فتيلة، فلعنَ اللهُ أخملَنا ذِكراً وأَلأَمنا حسَباً وشرَّنا قديماً وحديثاً وأقدمَنا كُفراً ونِفاقاً).
ولقد استمرَّ التّضليل كأَخطر اداة بيد الظّالمين الى اليوم، فلقد رأينا كيف سعى الطائفيّون والإرهابيّون ومَن يقف خلفَهم خاصةً نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية وكذلك قطر وبما يمتلِكون من أموال البترودولار وفتاوى فقهاء التّكفير ومُختلف وسائل الاعلام الطّائفي، سعَوا جميعهُم للتّشويش على عمليّات تحريرِ الفلّوجة، وتشويه سُمعة المقاتلين الأبطال خاصَّةً في الحشد الشَّعبي المغوار، وكلّ ذلك لتضليل الرّاي العام، ولكن وبحمدِ الله تعالى فلقد كان النّصرُ حليف الحقّ والصّدق والوطنيّة الحقيقيّة فيما انهزمَ المضَلِّلون الذين خانوا بلدهم واهلهم وعشائرهم وأعراضهم وشرفهم مُقابل حفنة من بترودولار السّحت الحرام، كما انهزمت كلّ الأصوات التي ظلّت تنعق بالاكاذيب، لانّ حبلَ الكَذِبِ قصيرٌ قَصير.
انّهم باعوا شرفهُم بدرهَمٍ حرامٍ، ففضحهم النّصر المؤزّر {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
ينبغي ان يُعيدَ النظر كلّ من صدَّق شيئاً ولو يسيراً من أكاذيبهم ودعاياتهم الرّخيصة، حساباتهُ، حتى لا تتكرَّر عِنْدَهُ الحالة مرّةً اخرى فيصدّق مقالاً (داعشيّاً) ملفَّقاً عن (أسباب توقّف عمليّات تحرير الفلّوجة) مثلاً عندما كانت في أَوْجها! او يثِق بصورةٍ مفبركةٍ او فيلماً مزوَّراً او ما الى ذلك، فالمشوار أمامنا طويلٌ وصراع الحق والباطل لم ولن ينتهي أَبداً، ولذلك ينبغي علينا جميعاً ان نتعلّم الدّرس حتى لا نكون في كلّ مرّة ضَرع الارهابيّين المحلوب وظهرهُم المركوب، عندما نتحوّل الى اداةٍ من أدواتهِم ننشر أكاذيبهُم ونوزّع ما يلفّقونهُ من أَخبارٍ وكأنّها حقائقَ مسلّمة.
في ساحات المواجهة والتحدّي، فانّ الحقيقة لن ترحم المغفّلين كما انّ التّاريخ لن يرحمهم هو الآخر، ولذلك فانّ من المعيب جداً ان تتحوّل مجموعات التّواصل الاجتماعي عندنا الى أدواتٍ لصالح الارهابيّين تنشر أكاذيبهم من حيث لا نُريد او لا نشعر، في الوقت الذي ينبغي ان تكونَ هذه المجموعات ساحات حقيقيّة لمواجهةِ الباطل وأكاذيبهِ والارهابِ وتضليلهِ، فالحربُ على جبهةِ الاعلام لا تقلّ اهمّيّةً وخطورةً من الحربِ في جبهاتِ القتال، فبالاعلامِ الذّكي يتحقّق {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} على طول جبهات الحرب المقدّسة.