المكتسبات الرمضانية وطبيعة الاختلاف في البشر

الشيخ عبدالله اليوسف

2024-04-13 04:44

بعد أن وفقنا الله سبحانه وتعالى لصيام شهر رمضان المبارك، وقيام لياليه، وتلاوة كتابه، واكتساب شحنة إيمانية مهمة، والتزود بطاقة معنوية هائلة طوال شهر كامل؛ علينا أن نحافظ على تلك المكتسبات المعنوية من النفاد، والروح الإيمانية من التبدد فيما يأتي من أيام بعد شهر رمضان العظيم.

إن التحدي الأكبر بعد انتهاء شهر رمضان هو الحفاظ على ما اكتسبناه من فوائد وثمار طيبة في عالم المعنويات والروحانيات، والتصدي لمحاولات الشيطان ومكائده الخبيثة في إفساد وتدمير تلك المعنويات، فإذا نجحنا في ذلك فقد انتصرنا على الشيطان وجنوده؛ وأما إذا نجح الشيطان في مكائده وحيله ومكره فقد خسرنا المعركة معه، وفقدنا كل ما ادخرناه من مخزون معنوي ثمين.

للإنسان في شخصيته بعدان مهمان: البعد المادي ويتمثل في الشهوات والملذات والغرائز وغيرها مما يرتبط بالماديات في الدنيا، والبعد المعنوي ويتمثل في العبادة والدعاء وتلاوة القرآن والصوم والحج وغيرها من الأعمال المرتبطة بعالم الروحانيات والمعنويات.

إن أول شيء ينبغي عمله للحفاظ على المكتسبات الرمضانية هو حسن النية، بأن ينوي المرء الاستمرار في الإتيان بالأعمال الصالحة من عبادة وحضور للمساجد وأداء للصلاة جماعة وتلاوة للقرآن وقراءة للأدعية المأثورة وغيرها.

وثاني الأعمال: مراقبة النفس ومحاسبتها، حتى يحافظ المؤمن على المخزون المعنوي في شخصيته عليه أن يراقب نفسه ويحاسبها باستمرار، وأما غياب المراقبة والمحاسبة فيؤدي به إلى الوقوع في الغفلة، والابتعاد تدريجيًا عن طريق الحق والخير.

وثالث الأعمال: المسارعة إلى أداء الصلوات في أوقاتها، فقد كانت آخر وصايا الأنبياء والأوصياء الحفاظ على الصلاة، وأنها عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها.

ولابد من الحذر من خطوات الشيطان وحيله، فقد يتسلل بمكائده الخبيثة وحيله الماكرة فيحبط الأعمال الصالحة، ويفسد ما عمله المسلم في شهر رمضان من أفعال خير وصلاح، ويدمر ما اكتسبه طوال شهر رمضان من أجواء إيمانية وطاقة معنوية؛ ولذا يحذر القرآن الكريم من اتباعه لأنه عدو للمؤمنين، قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ فمن مهام الشيطان تزيين الباطل، وتلبيس الحق، وتحوير المفاهيم، وتقليب الحقائق.

ان طبيعة الاختلاف بين الناس في تفكيرهم وآرائهم وأفكاره، يعد أمرًا طبيعيًا، وذلك لاختلاف عقولهم وأفهامهم ونظرتهم للأمور والأشياء.

إن رضا الناس أمر لا يدرك، وإجماعم على أمر معين أمر لا يتحقق، فالاختلاف بين البشر من سنة الحياة، قال تعالى مشيرًا إلى ذلك: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾.

ونقد الأفكار والآراء والنظريات العلمية هو الذي يثري العلم، ويطور الفكر، وينمي المعرفة؛ ولولا ذلك لما تطورت العلوم، ولا تقدم العلم خطوة واحدة، ولا صححت أو عدلت الكثير من النظريات التي كان ينظر إليها سابقًا على أنها نظريات علمية قطعية، ثم تبين أنها نظريات خاطئة.

ودعا إلى الانفتاح على مختلف الآراء والأفكار ومناقشتها علميًا ونقدها بالدليل والحجة والبرهان، والأخذ بأحسنها تطبيقًا لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

إن التحلي بأدب النقد وأخلاقيات الاختلاف، والابتعاد عن التجريح أو المس بكرامة الآخرين ممن يختلف معهم في الرأي أو الفكر أو التفكير أو المنهج من أخلاق الإسلام التي ينبغي الالتزام بها.

* من خطبة عيد الفطر في يوم الأربعاء غرة شوال 1445هـ الموافق 10 أبريل 2024م

ذات صلة

أثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويدلماذا كل هذا الصمت؟