شهر رمضان منطلقا لإصلاح المؤسسات العمومية

جميل عودة ابراهيم

2024-04-01 08:26

 تلتزم الحكومة بتقديم خدماتها للمواطنين من خلال مؤسساتها العمومية، كل مؤسسة بحسب الخدمة المكلفة بها. بعض الخدمات العمومية تقدم مباشرة من المؤسسة الحكومية القطاعية، مثل خدمة حفظ الأمن، وخدمة الصحة، وخدمة التعليم، وغيرها، وقد تكون خدمة مجانية أو مقابل أجور محددة سلفا مثل بعض الخدمات الصحية. وبعض الخدمات تقدم من مؤسسات القطاع الخاص مباشرة، ولكنها تخضع لإشراف المؤسسات الحكومة القطاعية، مثل خدمة استيراد المواد الغذائية أو الإنشائية، وخدمة الاتصالات، وغيرها.

من الناحية الواقعية دائما يشعر المواطن أن الخدمات العمومية التي تقدمها المؤسسات الحكومية، لا ترتق إلى مستوى الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، لا من حيث الجودة، ولا من حيث التعامل، ولا من حيث الوسائل، لا من حيث الوقت، حتى ولو كانت هذه الخدمات تقدم مقابل أجور محددة.

بينما يجد المواطن سهولة واضحة في الحصول على الخدمات التي تقدمها مؤسسات القطاع الخاص التي تسعى في كل وقت للحصول على رضا المواطن وجذبه ليكون زبونا دائما لها. وبعض شركات القطاع الخاص تجري استبيانا بين الحين والأخر لمعرفة مدى رضا المواطن عن جودة خدماتها، وأخذ ملاحظاته بنظر الاعتبار لتحسينها وتطويرها.

في الواقع؛ تظل الخدمات العمومية خدمات أساسية للمواطن رغم عدم رضاه عنها، خاصة في الدول التي تحتكر الخدمات الأساسية، ولا تسمح للقطاع الخاص بالدخول إليها، وهي رغم ضعف جودتها بشكل عام إلا أنها تكلف الدولة أمولا كثيرة، وموظفين كثر، ووسائل عديدة، ووقت أطول. 

فعلى سبيل المثل رغم وجود المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية التي تقدم خدمة الرعاية الصحة إلا أن المواطنين في الغالب يلجؤون إلى عيادات الأطباء الخاصة، وإلى المستشفيات الخاصة للحصول على خدمة العلاج مع أنها في الغالب تكون مكلفة جدا. ورغم وجود الروضات والمدارس والمعاهد والكليات والجامعات الحكومية إلا أن المواطنين يرسلون أبنائهم إلى الروضات والمدراس والكليات الأهلية حتى يحصلوا على تعليم جيد، يعتقدون أنه غير متوفر في المؤسسة التعليمية الحكومية، مع أن التعليم الأهلي مكلف جدا أيضا.

ولما كانت الحكومة تقدم تلك الخدمات للمواطن مجانا أو شبه مجاني، ولما كان المواطن مضطرا لقبول هذه الخدمة، إما لأن الحكومة تحتكرها؛ وإما أنه لا يستطيع ماليا أخذها من القطاع الخاص، ولما كانت هذه الخدمات تشكل عبئا كبيرة على خزينة الدولة لما تحتاج إليه من أموال وموظفين ومؤسسات وأدوات وأثاث، فان من واجب هذه المؤسسات، ومن مسؤولية رؤساءها أن يجهدوا أنفسهم لتقديم خدمة تحظى برضا المواطن، ولو كانت الحكومة تتقاضى عليها أجرا مقبولا. فهل يمكن أن يكون شهر رمضان منطلقا للإصلاح المؤسسات الحكومية الخدمية؟

الجواب نعم، فشهر رمضان بما يحمله من معاني الهداية والصلاح والإصلاح، فهو شهر إصلاح الذات، وشهر إصلاح المجتمع، وشهر إصلاح المؤسسات العامة منها والخاصة. وعليه؛ قد يكون شهر رمضان فرصة كبيرة للمؤسسات العمومية الخدمية ولمسؤوليها وموظفيها أن يعيدوا النظر في طبيعة الخدمات التي يقدموها، وفي آليات تقديمها، ومن يقدمها، وكيفية تقديمها للحصول إلى رضا المواطن الممزوج برضا الله. 

 يُعد شهر رمضان من الأشهر التي تشهد عمليات إصلاح نفسية واجتماعية وتعليمية واقتصادية كبرى، تقودها المؤسسات الدينية والمجتمعية، كون أن المسلم في هذا الشهر يكون أقرب إلى القيم والمبادئ، وأقرب إلى المجتمع، وأقرب إلى الله... لذلك يكون لديه استعداد كامل لتقبل خطة الإصلاح، وخطة تقدم المساعدة وخطة التعاون... وعليه فإنه من دواعي الاستغراب أن تترك الحكومات الإسلامية في الدول الإسلامية شهر رمضان ليمر مرور الكرام دون وضع خطط لإصلاح مؤسساتها وتهيئة موظفيها وتأهيلهم لأجل الوصول إلى خدمات مقبولة لدى المواطنين.

ففي الوقت الذي تعلن فيه بعض الحكومات تعطيل الدوام الرسمي للعديد من مؤسساتها في شهر رمضان، أو تعلن فيه بعض الحكومات تقليص الدوام الرسمي لمؤسساتها، فإنها تهمل إلى حد كبير مراجعة أهداف مؤسساتها وبرامجها ونشاطاتها وإجراءاتها، بل قد تتراجع تلك الخدمات إلى أدنى مستوياتها في شهر رمضان بحجة الصيام وأداء أعمال شهر رمضان.. وفي الوقت الذي يدعو فيه الإسلام أن يكون شهر رمضان شهر الإصلاح يكون عندنا شهر الفساد، وفي الوقت الذي يدعو فيه الإسلام أن يكون شهر رمضان شهر العطاء يكون عندنا شهر الخمول، وفي الوقت الذي يدعو فيه الإسلام أن يكون شهر رمضان شهر التكافل الاجتماعي يكون عندنا شهر الانزواء والوحدة. تماما كما دعانا الإسلام للصيام والامتناع عن تناول الطعام في شهر رمضان، فانه يكون عندنا شهر يكثر فيه تناول الطعام، وشهر يكثر فيه اللهو. 

إذا كانت الحكومات الإسلامية جادة في إحداث التنمية المجتمعية، والحد من ظواهر الفساد والأمية والجهل، وتوسيع قنوات العلم والإبداع، وتطوير خدماتها والارتقاء بأداء موظفيها فان حتما ستختار شهر رمضان منطقا أساسيا في كل خططها وبرامجها السنوية. لذلك أدعو إلى ما يأتي:

1- أن تعلن الحكومات في البلاد الإسلامية شهر رمضان منطلقا زمانيا لإحداث التغييرات الإدارية والاقتصادية والتربوية في مؤسساتها، ويكون كل شهر رمضان القادم مقياسا لمعرفة التقدم الحاصل في أي خطة تنموية.

2- أن تعلن الحكومات في البلاد الإسلامية شهر رمضان شهر لإصلاح الخدمات الحكومية وتطويرها وإصلاح إجراءاتها، وتأهيل موظفيها من خلال تقليص ساعات العمل اليومي، وزيادة الدورات التدريبية اللازمة لتصحيح مسار تلك الخدمات والارتقاء بها إلى مصاف الخدمات التي تقدمها المؤسسات الخاصة.

3- أن تعلن الحكومات في البلاد إسلامية أن شهر رمضان بما له من ميزات إنسانية وأخلاقية واجتماعية فانه سيكون الشهر الأكثر انضباطا والأحسن تعاملا مع المواطنين المتلقين للخدمات العمومية.

4- أن تعلن الحكومات في البلاد الإسلامية أن شهر رمضان هو شهر مميز في تعزيز مفهوم الشراكة بين المؤسسة الحكومية من جهة؛ والمؤسسة الخاصة والمؤسسات التطوعية والمتطوعين من جهة ثانية.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي