شهر رمضان وتقليص التفاوت الطبقي
علي حسين عبيد
2023-04-02 07:33
هناك مجتمعات يكثر فيها التفاوت الطبقي، لاسيما في ظل الأنظمة الاقتصادية التي تعتمد على حرية العمل والتجارة والسوق، وهي أنظمة رأسمالية، يحدث فيها التفاوت بين الطبقات بشكل لافت، فتجد فيها الغنى الصارخ والفقر الشديد.
ويرى المعنيون أن نظام الطبقات هو عبارة عن مجموعة من المفاهيم في العلوم الاجتماعية والنظرية السياسية، تركز على نماذج من التراتب الاجتماعي الذي يتم من خلاله تصنيف الناس إلى مجموعة من الفئات الاجتماعية الهرمية. وأكثر الطبقات شيوعاً هي: الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة والطبقة العاملة.
لذا فإن موضوع الطبقات اساسي للدراسة والتحليل عند علماء الاجتماع وعلماء السياسة وعلماء الأنثروبولوجيا والمؤرخين الاجتماعيين. مع ذلك ليس هنالك رأي محدد بشأن تعريف كلمة طبقة والمصطلح يشمل تعاريف مختلفة. وبلغة عامية فإن مصطلح "طبقة اجتماعية" عادة ما يكون مرادفا لـ "طبقة اجتماعية اقتصادية" والذي يمكن تعريفه بأنه "اشخاص يملكون نفس الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو التعليمي.
بعبارة واضحة تعني جملة التفاوت الطبقي وجود طبقة غنية في أعلى السلّم الاقتصادي والمعيشي، يقابله وجود طبقة فقيرة في أسفل السلّم نفسه، وما بينهما الطبقة المتوسطة التي تفلت من قبضة الفقر، لكنها لا تستطيع بلوغ الطبقة الذهبية أو التي ترفل بالغنى والرفاه، لاسيما في الأنظمة التي تعتمد الرأسمالية منهجا ومدرسة وتطبيقا في إدارة اقتصادها.
مشكلات التمايز الطبقي
هذا الفقر الواضح بين الطبقات له أسبابه ويصنع مشكلات كثيرة للناس، وللنظام السياسي والاقتصادي الحاكم، كما أنه له جذور تاريخية تمتد عميقا في الزمن وتعود إلى بواكير نشوء التجمعات البشرية، حيث كان بينهم الثري القوي والفقير الضعيف، وفيما بينهما طبقة متوسطة لا تميل للغني ولا للفقر.
من المشاكل الخطيرة التي تنتج عن التفاوت الطبقي، تلك الهوة الطبقية الواضحة التي تقسم المجتمع الواحد إلى طبقات، وهذا ينعكس على الثقافة والأخلاق والالتزام وطرائق العيش أيضا، فهناك طبقة متنعمة لا تعرف من الفقر سوى أسمه، تعيش كما يحلو لها، لا عوائق في السكن ولا في الطعام ولا في الملبس.
تهنأ الطبقة العليا أو الغنية بالعيش الرغيد، والترفيه، والسفر، والفوز بأعلى الفرص التعليمية، وبأرقى الوظائف ذات المناصب الكبيرة، فيما يبقى الفقراء تحت سقف الفقر، بالكاد يسدّون رمقهم، مع غياب مستمر لفرص العمل المرموقة التي تبقى حكرا على الطبقة المتنفذة، حتى الطبقة المتوسطة لا يمكنها الحصول على فرص تماثل الأغنياء الذين غالبا ما يكونوا مصدرا أساسيا لصنع القرار السياسي والاقتصادي.
إذَا تعود أسباب التفاوت إلى ثقافة المجتمع، وإلى الأفكار التي يؤمنون بها، وطالما أن التفاوت الطبقي حالة غير عادلة، وبالتالي تعد من الحالات الاجتماعية المرضية، فلابد من التصدي لهذه المشكلة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتداخلة، لكي تتوافر فرص امتصاص المشكلات التي يتسبب بها التفاوت الطبقي.
شهر رمضان يمكن أن يكون فرصة لتقليص هذه الفجوة الطبقية، لاسيما في الجانب التثقيفي، أي يمكن الاستفادة في هذا الشهر من خلال زرع ثقافة المساواة والعدالة في الفرص المختلفة في هذا الشهر الكريم، مثل توزيع فرص العمل بصورة عادلة وامتثالا للمؤهلات، ونبذ المحسوبية الحزبية أو الواسطات والمعارف ودفع المبالغ الطائلة.
حلول مقترحة لمواجهة الطبقية
الفقراء الذين يفقدون فرصة العمل اللائقة أصلا، لا يمكنهم دفع الأموال للتوظيف، ولذلك تبقى حكرا على الأغنياء والأقوياء، وهذا الأمر يجعل التفاوت قائما وصارخا، ويزيد من تغوّل الطبقة الثرية أصلا، وبالعكس تهبط الطبقة الفقيرة أسفل خط الفقر المدقع، وهذا ليس في صالح الدولة ولا المجتمع، من هنا لابد من استثمار الفرص المناسبة لتخفيف الفجوة الطبقية، ومنها وضع خطط في شهر رمضان تقلل الفارق الطبقي:
- التثقيف المستمر على القيم الإنسانية التي تسعى لنشر العدالة والمساواة بين الناس، بغض النظر عن طبيعة الانتماء بكل أنواعه.
- التركيز على الجوانب الأخلاقية المعنوية الدينية وتحفيزها عند الناس في هذا الشهر الكريم.
- شروع المؤسسات الدينية والخيرية والمنظمات الثقافية، في برنامج رمضاني يثقف الناس على القيم والأخلاقيات التي تقلل الفوارق الاقتصادية بينهم.
- فتح أذهان الناس وعقولهم وتوعيتهم، والحذر من موجات الحداثة المادية التي تكتسح حياتهم اليومية، سواء في الأسواق أو المطاعم، ونشر السلع المادية في كل مكان.
- وضع خطط تسعى لمواجهة السيول الإعلانية الهائلة التي تضاعف من الطبقية الاقتصادية.
- السعي الرسمي والمدني للضغط على الجهات ذات العلاقة لتشريع القوانين العادلة، ومراقبة تطبيقها مع التعميق المستمر للقيم الإنسانية في هذا الشهر المبارك.
- إقامة ندوات تثقيفية دينية وغيرها، حضورية، وإعلامية منتظمة لتوعية الناس على أهمية الالتزام بالقيم المعنوية، والسعي بشكل جماعي نحو الحياة العادلة.
لابد من الإقرار بأن مشكلة التفاوت الطبقي أزلية، وهي ليست وليدة عصر بعينه، لكنها آخذة اليوم بالتوسع والتطور بدفع من الشركات التي تحرك الاقتصاد العالمي وتسيطر عليه، كي تديم المنهج المادي وتجعله متحكما بالعالم، لكن على المستوى المحلي (داخل كل دولة) لابد من التصدي لهذه النزعة، لذلك يمكن أن يكون شهر رمضان عاملا مساعدا في التثقيف والتوعية والتطبيق أيضا، لمواجهة السيول المادية الصارخة.