ونحن نودع شهر رمضان

باسم حسين الزيدي

2022-05-01 05:48

يقول تعالى في محكم كتابه الكريم: (وأن ليس للإنسان الا ما سعى)، وسعى الانسان إذا (جد، نشط، حاول، عمل) لتحقيق مرامه او هدفه خلال مسيرة حياته.

وقد يبذل الانسان جهده في هذه الدنيا من اجل الحصول على مكاسب محدودة الثمار كالمال والجاه والمنصب والشهرة وغيرها، بينما يسعى آخرون لمكاسب اعلى، مكاسب لا حدود لها، مكاسب يمتد أثرها الطيب في هذه الدنيا وصولاً الى الاخرة التي ينبغي التأسيس لها خلال رحلة الانسان في هذه الدنيا: (ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار، أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب).

ولأن عملية التأسيس لحياة طيبة قائمة على الحق والسلام والخير وبذل الجهد والعمل في سبيل أداء ما كلف به الانسان من اعمال البر والتقوى والابتعاد عن الرذائل والمنكر والباطل، غالبا ما تواجهها العقبات والصعوبات نتيجة لتراكم الأخطاء الذاتية والانحراف الحاصل لدى الكثير عن جادة الصواب نحو اتباع المصالح والمغانم، لذا جاء شهر رمضان الكريم كفرصة عظيمة للتصالح مع الذات ومع الاخرين لما فيه من قدرة وطاقة كبيرتين لتحفيز الفرد على إيقاف الهدر في الوقت والجهد، وإعادة الجد والنشاط للعمل والسعي نحو خير الدنيا وحسن ثواب الاخرة.

شهر رمضان له قدرة غير اعتيادية على إعادة تفعيل القدرات الكامنة في النفس البشرية واحيائها بعد ركودها او موتها، وهذا الحافز كفيل بان يغير واقع الانسان بنسبة (360) درجة، الاستدارة الكاملة نحو حياة جديدة يسعى فيها الانسان نحو اهداف جوهرية يمكن ان يغير من خلالها ليس واقعه فحسب، بل يمكن ان يغير من خلالها واقع المجتمع ككل، او يمكن ان يتحول الانسان بصوته وطاقته الإيجابية وافعاله الى مجتمع (امة) قائم بذاته، كما كان نبي الله إبراهيم (عليه السلام)، يقول الامام السيد محمد الشيرازي (رحمه الله): "في شهر رمضان تترجم الأفكار إلى وقائع، وتتحول الحروف إلى حركة والكلمة إلى حياة، يتحول الإنسان إلى أمة كإبراهيم (عليه السلام) حيث كان أمة قانتاً لله. يكون أُمة بتقدمه في هذا الشهر، فهو يعبد الله ما يعادل عبادة سنة، وهو في المجتمع ليس فرداً، بل أفراداً متعاونين متآخين، وهو في الكون بذرة تبعث الحياة في كل ركن من أركان الدنيا، فشهر رمضان شهر الحركة والبركة".

لذا كان الجميع يغتنم هذه الفرصة في تحقيق أفضل النجاحات التي لا تتحقق بسهولة الا من خلال أيام وساعات هذا الشهر الكريم المليء بالعطايا والثمار: "أفضل فرصة لخدمة العقيدة الإسلامية والتبليغ الديني على مستوى العالم، وإيقاظ المسلمين وتوعيتهم، هو في موسم محرم وصفر، وشهر رمضان، وموسم الحج".

ونحن نودع هذا الشهر الكريم مع اقتراب أيامه وساعاته من نهاياتها لابد ان نعيد التفكير بمقدار النجاح الذي حققناه في سعينا نحو التكامل مع الذات والتصالح مع الاخرين، وهل كان لنا نصيب جيد في حصاد الخير الذي سنجنيه في نهاية الشهر؟ وما هو المطلوب منا بعد ان ينتهي هذا الشهر؟ وكيف ستكون انطلاقتنا الجديدة بعده؟

كلها وغيرها أسئلة تدور في مخيلة الانسان الحريص على تحقيق النجاح والحفاظ عليه من الضياع والهدر، وهي أسئلة مهمة ينبغي ان تطرح للنقاش والمداولة.

الجواب ببساطة يمكن ان يلخص بالآتي: ان صعود القمة أسهل من البقاء عليها، وللمحافظة على المكاسب التي وصل اليها الانسان بجهده ونشاطه وسعيه، والبقاء على القمة ينبغي على الانسان المحافظة على وتيره عمله وجهد الذي بذلة في هذا الشهر الفضيل، واعتبار كل أيام السنة ولياليها هي كأيام وليالي شهر رمضان الكريم في العطاء والبذل والسعي نحو الخير والخدمة.

ان اعمال هذا الشهر الكريم لا حصر لها ولا حدود، لكنها تندرج نحو قسمين رئيسين هما:

1. اعمال تتعلق بالجانب الروحي والتكامل الإنساني.

2. اعمال تتعلق بالجانب المادي الخيري.

وكل مسعى فيهما هو لخير وسعادة الانسان والمجتمع هو مسعى ممدوح وجميل ومهم، ومن هذه المساعي يمكن ذكر أهمها بشقيها المادي والمعنوي:

1. التفكر والتدبر وقراءة القرآن الكريم.

2. طلب العلم والسعي نحو المزيد من المعرفة والحكمة.

3. الامتناع عن الرذائل والمحرمات والأمور المنكرة وتحصين النفس من خلال كسب المزيد من الفضائل والأخلاق.

4. احياء لياليه وايامه بالعبادة والدعاء، خصوصاً ليالي القدر العظيمة التي لها بالغ الأثر في الانسان واحياء الانفس من جديد.

5. السعي في اعمال الخير كافة، وصلة الارحام بلا استثناء، والعفو عمن ظلمك، وتقديم المساعدة لمن يحتاجها مع قدرتك على ذلك.

6. خلق الطاقة الإيجابية والتحفيز لمن حولك في الاستمرار بالعطاء والسعي نحو الخير خلال هذه الشهر وما بعده.

في الختام ينبغي ان ندرك ان الفرص تمر مر السحاب، وعلى الانسان الواعي المدرك ان يغتنمها ويحقق اقصى النجاحات من هذه الفرص التي قد لا تتكرر كثيراً، وشهر رمضان من أعظم هذه الفرص التي يمكن ان تغير حياة الفرد بطريقة كاملة نحو الأفضل.

لذا يمكن للإنسان الذي يسعى بصدق نحو التغيير الإيجابي ان يحقق غايته خلال أيام هذا الشهر الكريم من خلال:

1. ان يعقد العزم على التغيير الحقيقي والسعي بجد وإخلاص لاستثمار الفرص التي منحت له في هذا الشهر الكريم والاستفادة منها بصورة كاملة.

2. العمل في أبواب الخير الكثيرة التي فتحت في شهر رمضان، بحسب قدرته على ذلك.

3. عدم الاستسلام لليأس او الذنوب او الكسل في تحقيق ما يصبو اليه من مطالب، فكلها اعذار واهية امام الفرص العظيمة لهذا الشهر.

4. الاستمرار بذات الجد والنشاط حتى بعد انقضاء أيام شهر رمضان، حتى يمنع رجوع النفس الى الكسل وركونها الى الخمول.

5. برمجة حياة الانسان وتنظيم حياته والتخطيط لها من اهم الخطوات التي يمكن من خلالها رسم مسيرة حافلة بالعطاء والتقدم والنجاح.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2022
http://shrsc.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي