وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (١١)
نـــــزار حيدر
2022-04-14 06:55
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}.
غريبٌ أَمر البَعض، إِنَّهم يعتاشُونَ على الكذِب ويُؤَسِّسون مشاريعهُم وتجارتهُم عليهِ، إِن كان على مُستوى المال والإِقتصاد أَو على مُستوى السِّياسة والإِعلام أَو على مُستوى التَّربية والتَّعليم أَو على أَيِّ مُستوىً آخر.
وهُم المُستعجلُونَ في كسبِ [الأَرباح] على حسابِ المُجتمعِ وقِيَمهِ وثوابتهِ واستقرارهِ ونجاحهِ ومُستقبلِ أَجيالهِ، على اعتبارِ أَنَّ الكَذِب هوَ أَقصر الطُّرُق وأَسرعها للوصُولِ إِلى [المَكسبِ] ولكنَّهُ في نفسِ الوقتِ هو أَشدُّها وأَقساها عُرضةً للفضيحةِ ولدَمارِ صاحبهِ.
ولذلكَ ترى أَنَّ فضائِح الكذَّابين مُجلجِلة تهزُّ كِيانهُم وسُمعتهُم واعتبارهُم في المُجتمعِ.
إِنَّ صعودَ المرءِ بالكذِبِ سريعٌ جدّاً إِلَّا أَنَّ هبُوطهُ وسقُوطهُ كذلكَ سريعٌ جدّاً ومُدوِّي.
فقد يكونُ ظاهِر الكَذِب أَمراً حسناً يُحقِّقُ مكسباً [مادِّيّاً] سريعاً مثلاً أَو أَنَّهُ يُساهم في تخديرِ الرَّأي العام وتضليلهِ ليُحقِّق الكذَّاب مآربهِ، إِلَّا أَنَّ عاقبتهُ سيِّئة مهما طالَ الزَّمن، في الدُّنيا قبلَ الآخرة.
ولذلكَ يلزَم أَن يحذرَ الإِنسان فلا يخدعُ نفسهُ بظاهرِ الأَعمالِ دونَ عواقبِها، فإِنَّ مِن أَسوءِ الخِداع هو خِداع الذَّات عندما يُزيِّن المرءُ لنفسهِ الأَعمال السيِّئة وكأَنَّها حَسَنة {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ} {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ} لأَنَّهُ في هذهِ الحالةِ سوفَ لا يجدُ مُبرِّراً لنفسهِ لمُكافحةِ الخطأ والإِنحرافِ على اعتبارِ أَنَّهُ بالأَساسِ لا يرى في عملهِ سُوءاً ليُكافِحهُ أَو يُصلِحهُ!.
طبعاً، هذا قبلَ أَن يصِلَ إِلى مرحلةِ الإِستدراجِ لكَثرةِ ما يكذِب {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} فعندها {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}.
وإِنَّ أَبسط إِختبار ذاتي يُبصِّرنا حقيقة العمل وما إِذا كانَ صحيحاً بالفعلِ أَو أَنَّهُ خِداعٌ وسَرابٌ {يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَآءً} هو عرضهِ على الآيةِ الكريمةِ {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقولهِ تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.
فكُلُّ عملٍ تشكُّ في أَنَّهُ قد يكونُ مِصداقاً للآيتَينِ كالكذِبِ مثلاً فتأَكَّد بأَنَّهُ خِداعٌ ينبغي التوقُّف عندهُ ومُكافحة آثارهِ وهو بعدُ في بِداياتهِ.
وهُنا نحنُ بحاجةٍ إِلى أَن ننتبِهَ إِلى أَمرَينِ في غايةِ الأَهميَّةِ؛
الأَوَّل هو أَنَّ من الآثار الخطيرة المُترتِّبة على الكذِب هو التردُّد والشَّك وعدم القُدرة للوصُولِ إِلى مرحلةِ الثَّبات واليقين في كُلِّ شيءٍ، فيما يُعَد اليقين أَو السَّعي إِليهِ واحدة من أَدوات المعرِفة التي يصلُ إِليها المرءُ بالتَّفكُّر، وعكسها [اللَّاأَدريَّة] {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}.
أَمَّا الصِّدق فهوَ حجر الزَّاوية في بناءِ اليقينِ والثَّبات والإِستقرار في التَّفكيرِ والإِستنتاج {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.
الثَّاني؛ يلزمنا دائماً الإِنتباه حتَّى لا نُساهم في مشاريعِ الكذَّابين ولَو بالتَّأييدِ والتَّصديقِ، وهذهِ واحدةٌ من أَخطر أَدوات الكذَّاب في المُجتمع، فهو يعتمِد على تصديقِ الرَّأي العام بهِ، فكُلَّما صدَّقهُ النَّاس كُلَّما تقدَّم خُطوةً بمشرُوعهِ والعكس هو الصَّحيح إِلى أَن يحصلَ على حالةِ التَّصديقِ بهِ للدَّرجةِ التي تصفها الآية الكرِيمة {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} كيف؟!
يقولُ تعالى {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.
ولذلكَ حذَّرنا القُرآن الكريم من تصديقِ الكذَّاب، لأَنَّ تصديقهُ نَوعٌ من الإِستدراج لمشارِيعهِ التي ينصبَها كفِخاخٍ للسذَّج وشِباكٍ يصطادَ بِها المُغفَّلين {{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ* وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}.
يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حال الذين صدَّقُوا الكذَّاب طاغِية الشَّام مُعاوِية بقولهِ {أَلَا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
وهذهِ هي أَسوء النَّتائج التي تترتَّب على تصديقِ المُجتمع للكذَّاب، أَن تكونَ نحُورهُم ودِماءهُم وأَرواحهُم ثمناً لمشاريعهِ الفاسِدة.
لا تستغرب من ذلكَ، ولا تتساءَل مع نفسِكَ؛ وهل يُعقل ذلكَ اليَوم ونحنُ في القرنِ الواحدِ والعشرينَ في عالَمِ القَريةِ الصَّغيرةِ والذي باتَ فيهِ كُلُّ شيءٍ واضِحٌ لا يسترهُ شيءٌ! فسأَقولُ لكَ؛ وماذا تُفسِّر هِتافات البعض [علي وياك علي] خلفَ مواكِب الكذَّابينَ والفاسدينَ والفاشلينَ؟! أَلم يجعل هذا النُّموذج منَ الهتَّافينَ {نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}؟!.
يقولونُ لا ندري؟! والله تعالى يُكذِّبهم ويفضحهُم بقولهِ عزَّ وجلَّ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.