مَعَ الصَّادِقِينَ
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (٤)
نـــــزار حيدر
2022-04-07 06:46
{وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
إِذا كانَ الله عزَّ وجلَّ قد أَمرنا أَن نكونَ مع الصَّادقينَ فلماذا يصطفُّ البعضُ معَ الكاذبِينَ؟!.
لماذا يستوحشُ إِذا كانَ في زُمرةِ الصَّادقينَ ويرتاحُ عندما يُصاحِبُ الكاذِبينَ؟!.
أَوليسَ الصَّادقُونَ هم الفائزينَ في الآخرةِ، كما في قولهِ تعالى {قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}؟!.
فلماذا، إِذن، يتمرَّد كثيرُونَ على الصِّدقِ ويصطفُّونَ معَ الكاذِبينَ؟!.
قبلَ الإِسترسالُ في الحديثِ ينبغي أَن ننتبِهَ إِلى مُلاحظةٍ في غايةِ الأَهميَّة، وهيَ؛
تارةً يكونُ الإِنسانُ كذَّاباً وتارةً يكونُ ممَّن يُعينُ على الكذِب أَو يُشارك ويُساهم فيهِ.
وأَن يكونَ المرءُ كذَّاباً فهذا شيءٌ معرُوفٌ، ولكن كيفَ يكونُ مُعيناً على الكذِبِ؟!.
يكونُ مُعيناً عندما ينشغِلُ باستنساخِ ولصقِ الأَخبار والمنشوراتِ الكاذِبةِ التي يختلقَها الكذَّاب لأَغراضٍ خاصَّةٍ والتي تنتشِر في مُختلفِ وسائلِ التَّواصلِ الإِجتماعي عن طريقِ الذُّبابِ الأَليكتروني، والتي هدفها عادةً التمجيدِ بفاسدٍ أَو تسقيطِ مَن يتصدَّى لفضحهِ وتعريتهِ!.
إِنَّهُ بهذا المجهُود يُسجَّلُ كذَّاباً حتَّى إِذا لم يُفبرِك الكِذبة بنفسهِ.
فكما أَنَّ الظالِم ملعُونٌ وملعُونٌ معهُ مَن يُعينهُ على الظُّلمِ ومَن يسكُت على ظُلمهِ، كذلكَ فأَنَّ الكذَّابَ ملعُونٌ وملعُونٌ مَن يُعينهُ على الكذِبِ بتداوُلِ أَكاذيبهِ ومنشُوراتهِ الصَّفراء التي تَصل في أَغلبِ الأَحيان إِلى حالةٍ من حالاتِ إِنتهاك الأَعراض والخُصُوصيَّة.
إِنَّ تداوُل أَكاذيب الكذَّاب تدخُل في أَغلبِ الأَحيانِ في إِطارِ مفهُوم الآيةِ الكريمةِ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
هل استوعبنا الآن خطُورة إِستنساخ ولصْقِ ونشرِ وتداوُلِ الأَكاذيبِ والإِفتراءاتِ والمنشُوراتِ الصَّفراء المُضلِّلة التي يصنعها الكذَّابُون والمُفترُون؟!.
هل يُمكنُ أَن يتصوَّرَ أَحدٌ أَنَّ تداوُل الكِذبة أَقلُّ جريمةً من صانعِها مثلاً؟!.
أَبداً، فالأَمرانِ سِيَّانِ لا يقِلُّ ضرَرَ أَحدهِما عنِ الآخر.
ولذلكَ ينبغي أَن نكونَ دقيقينَ جدّاً وحذرينَ عندما نقرأُ خبراً أَو منشوراً يتعرَّض لأَحدٍ بسوءٍ وفيهِ معلومات لم أَتثبَّت منها إِن كانت صحيحةً أَم لا!.
طبعاً؛ إِن كانت صحيحةً وساهمتَ في نشرِها فتلكَ هي عمليَّة [إِشاعة الفاحِشة] كما في قولهِ تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أَمَّا إِذا لم تكُن صحيحةً وقُمتَ بنشرِها وتداولِها فذلكَ هو البُهتان العظيم كما في قولهِ تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا} وقولهُ تعالى {وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا}.
نتيجةً أُخرى يأخُذنا إِليها الكذِب أَلا وهوَ الظُّلم، فكثيرٌ من الكَذبِ يتسبَّب بظُلمِ النَّاسِ والتَّجاوز على حقوقهِم.
إِنَّ ظُلمهُم يكونُ تارةً بكِذبةٍ تُضيِّع إِنجازهُم وتُقلِّل مِن شأنهِم وقيمتهِم، وتارةً نظلمهُم بكِذبةٍ نُشيعها ضدَّهم منِ دونِ أَن تكونَ فيهِم قد تُضيِّع مُستقبلهُم من خلالِ تضييعِ أَشياءهُم على حدِّ وصفِ القُرآن الكريم وهو من الفسادِ فط الأَرضِ {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.
إِنَّ هذا النَّوع من الكَذِب الذي يتسبَّب بظُلمِ إِنسانٍ ما هو الآخر قد يُساهم فيهِ كثيرُونَ بالنَّشرِ والتَّداوُل فقط.
لننظُرَ كيفَ يربُط الله تعالى الكَذِب بالظُّلم في الآيات الكريمة كقولهِ تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} و {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} و {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ}.
ومِن الكَذِب كذلكَ حالات الخلْط بينَ الحقِّ والباطل لتضييعِ الحقِّ وتشويههِ، سواءً كانَ رأياً أَو موقِفاً أَو قِراءةً أَو تحليلاً أَو حتَّى خبراً.
يقولُ تعالى مُحذِّراً {وَلَا تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
ولأَنَّ خلفَ الوعدِ من نتائجِ الكَذِب ولذلكَ فهو ينتهي بصاحبهِ في أَحيانٍ كثيرةٍ إِلى النِّفاق كما في قولهِ تعالى {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.
بعدَ كُلِّ هذا؛ لماذا يصطفُّ البَعض مع الكذَّاب ولا يشعُر بالرَّاحةِ معَ الصَّادقِ الأَمينِ؟!.