لئلا تفوت الفرص

مرتضى معاش

2022-04-04 06:41

"ترك الفرص غصص"، رسول الله (ص)

الفرصة هي تلك اللحظة التي تكون جاهزة للإنسان من اجل ان يحقق تحولا في حياته يسير به الى الامام، يضفي عليه تقدما نوعيا تتراكم فيه فيرتقي تدريجيا نحو التكامل.

لذلك لابد ان يكون متحركا جادا مستعدا من اجل اغتنامها، وفي اغلب الأحيان لابد ان يسعى هو لتوفير كل المقدمات اللازمة لخلق الفرصة.

هناك فرق بين الفرص المادية والمعنوية، فالمادية تحقق له التقدم في حياته المعيشية، وتحقيق الرفاه لنفسه، والفرص المعنوية هي استثمار الزمان والمكان من اجل بناء النفس وترويضها من اجل انبعاث الفضائل وتحجيم الرذائل وتحصينها من الوقوع في دوامة المعاصي والذنوب.

وشهر رمضان زمان متجدد يوفر الكثير من الفرص لتحقيق الذات وصياغتها وتعدينها وتربيتها. وشهر رمضان رحلة سياحية في ترفيه الروح وتغذية الذات، في توقف للزمان عن حركته العادية والدخول في بعد زماني آخر تنفتح فيه مختلف أنواع الفرص الكبرى لعملية تجديد الذات وإيقاف الطغيان الاناني الاعمى، وتطهير الانسان من شوائب المعاصي والمفاسد، لمن كان مخلصا في إرادة ذلك. فعن فاطمة الزهراء (عليها السلام): (فرض الله الصيام تثبيتا للإخلاص).

لايستطيع الانسان ان يستثمر الفرص المادية ان لم يعمل على بنائه المعنوي، فمع الفراغ المعنوي والتلوث النفسي والتضعضع الأخلاقي تتحول الفرص المادية الى سلوك تدميري يحرك عناصر النفاق والانتهازية والتملق واللصوصية، وتنفجر من اعماقه الرذائل حيث لا رادع يردعه عن تحويل الفرص الى سلاح يسحق به الآخرين من اجل الوصول الى طموحاته المنفلتة.

كل الفرص المادية والمعنوية تحتاج الى استعداد دائم واجتهاد مستمر وسعي يتغذى بالإيحاءات الذاتية الإيجابية، فالفرصة أمل من اجل الحياة، وغاية من اجل الوجود، وشعور بالانسجام مع الحياة. الاستعداد يحتاج الى مهارات ذاتية لابد ان يعمل الانسان على توفيرها في نفسه حتى يستطيع ان يستثمرها جيدا.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (من انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته، لأن من شأن الأيام السلب، وسبيل الزمن الفوت).

اغتنام الفرص، حب للحياة وتطورها ورؤية مبصرة للإمكانات التي يختزنها الانسان فيتحرك وحركته حينئذ هي جوهر وجوده وتوافقه النفسي مع الحركة الكونية.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (انتهزوا فرص الخير، فإنها تمر مر السحاب).

اغتنام الفرص هو وعي عبر تفكير نافذ بالثروات التي تكتنزها الحياة فيستخرجها ويحولها الى طاقات كبيرة تحقق الابتكار والاستكشاف نحو عوالم جديدة ومستقبل مفعم بالتغيير والعلوم الجديدة.

اغتنام الفرص، من اجل بناء حياة يعيشها الجميع معا، فالفرصة التي يحتكرها الانسان لنفسه عبثية جرداء فارغة من الغايات، فالغاية كل الغاية ان أشارك الفرص مع الآخرين لبناء حياة مشتركة، فالأنانية في احتكار الفرص إصحار وتصحير.

اغتنام الفرص، ان لا يكون كل مبلغك هو الدنيا واكسسواراتها، فالدنيا ضيقة على الانسان وسجن لأحلامه ومستنقع لأوهامه، فالفرص الحقيقية للإنسان تكون بحجم الكون ومدياته اللانهائية.

اغتنام الفرص، ان يكون كل يوم من أيامك يوما جديدا قد حققت فيه انجازا او فعلت فيه خيرا فلم يكن مجرد يوما عبثيا من الأيام الماضية تقضيه في اللعب واللهو والمتعة. فلا تجعل اليوم ينفلت منك ويذهب سدى، وعن الامام علي (عليه السلام): (من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها). فالفرصة كل الفرصة للعاملين المجتهدين.

اغتنام الفرص، ان تجعل كل لحظة من حياتك شكرا على انعم الله، فكل شكر لله هو فتح لفرصة جديدة.

اغتنام الفرص، ان يكون بالطرق المشروعة، فالانتهازيون أناس فاشلون وضباع همجيون يعيشون على آلام الناس ومعاناتهم وتدميرهم، لذلك تصبح الفرص للمخادعين جحيما يحرق حياتهم ويبدد احلامهم الى أوهام.

وعن الإمام الحسن (عليه السلام): (يا بن آدم! إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإن المؤمن يتزود، والكافر يتمتع).

اغتنام الفرص، بتأكيد التوكل على الله سبحانه وتعالى حيث يتحرك الانسان نحو المستقبل بثقة في كسب المزيد من نعم الله تعالى.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من فتح له باب من الخير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه).

اغتنام الفرص، التسليم الى سبحانه تعالى تسليما كاملا ونزع اغلال القلق وآصار الانانية وقيود الطمع واستئصال الخوف من الفقر. فأعظم الفقر هو عدم الثقة بالله سبحانه وتعالى.

شهر رمضان شهر التقدير والفرص العظمى لترميم الروح وإصلاح النفس وتغذية القلب بمشاعر العطاء والإحسان والتضحية، وتحويل التفكير الى ثمار إيجابية.

والفرصة الكبرى هو التغيير الذاتي والبحث عن آفاق جديدة تحركها ترنيمات الايمان واليقين بالله سبحانه وتعالى والاطمئنان الى عدالته وتقديره والالتحاف بأمانه.

ولنعلم ان كل الفرص المادية ستكون غنية ما دمنا نعيش غنى النفس.

وان إضاعة الفرص ستصبح غصة وحسرة وندما في إضاعة اعمارنا في التوافه، خصوصا عندما تأتي اللحظات الأخيرة من حياتنا ونراها صفحات خالية لم نكتب فيها انجازاتنا الصالحة واعمالنا الخيرة.

(أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)الزمر56-58.

الأول من شهر رمضان 1443

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا