لماذا يتمسك الإنسان برأيه؟

عزيز ملا هذال

2025-08-23 02:45

لسان الإنسان هو أحد أوضح هوياته الدالة عليه، فقد قيل "تكلم حتى أراك"، وكما يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام". ومن خلال الكلام، يمكنك الحكم على المتكلم وماهيته وماذا يملك من عقل وكيف يفكر. فبعض الناس يقبلون تبادل الأحاديث والاختلاف مع الآخرين، بينما يرفض البعض الآخر أي رأي يقاطع رأيه. فما هي الطبيعة النفسية للإنسان المعتد برأيه، وما هي الدوافع وراء التمسك بالرأي؟

من الحياة:

جميعنا لابد وأن اجتمع يومًا ما بأحدهم الذي يتسيد المجلس ويحاول أن يدير الحديث حيثما تشتهي رغبته. فيُسكت من يخالفه ويُمازح الآخر بهدف تسفيه رأي، متخذًا من السخرية والمزاح طريقًا لتحقيق ما يريد. وفي النتيجة، يُسكت ذلك المعتل نفسيًا الكثير من أصحاب الآراء السديدة والمنطقية، ويصطف معه جمع من المتملقين الذين يفتقرون إلى امتلاك القدرة على تقرير الحق من الباطل والصواب من الخطأ. وما أكثر مثل هذه المواقف التي تزخر بها مجتمعاتنا قليلة الوعي والفهم.

بحسب الدراسات النفسية:

هذه الحالة المرضية منتشرة لدى الرجال أكثر من النساء، خاصة كبار السن أو الذين تعرضوا لمواقف حياتية معقدة، مما ينعكس على علاقتهم بأولادهم، والذين يفضلون أن يعيشوا بعيدين عن آبائهم إذا كانوا معقدين. فالناس المخالطون للمعقد عُرضة للإصابة بأمراض نفسية؛ وذلك بسبب الضغوط التي يعيشونها نتيجة عشرتهم له، خاصة المقربين منه.

يقول استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد: "إن الإنسان المعقد هو نمط لشخصيته وطبيعتها، فالأشخاص المعقدون هم الذين يخلو تفكيرهم من المرونة. وهناك نوع من الصرامة والتذمر والتطرف في فكرهم دائمًا، بل ويرون أنفسهم أنهم على صواب والآخرون على خطأ. وتتميز هذه النوعية من الشخصيات بقلة الصداقات، وضعف في علاقاتهم بالآخرين"، كما لا يجدون من يستمع إلى كلامهم ولا يفضل أحد الاشتراك معهم في أحاديث إلا حين يكون مُكرهًا أو مضطرًا.

يتمسك الإنسان برأيه لعدة أسباب نفسية ومعرفية. من بين هذه الأسباب ما يلي:

الغرور والتعصب: يتمسك بعض الأفراد بآرائهم بسبب الغرور وعدم قدرتهم على الاعتراف بالخطأ، أو بسبب التعصب الأعمى لآرائهم. ومرد ذلك إلى طبيعة التربية التي تلقاها في بيئته الأولى (المنزل) والتي تعاقبه أو تحاسبه حين يخطئ، لذا هو يريد أن يكون دائمًا على حق لتجنب تلك العقوبات.

تجنب الشعور بالحياء: يميل الإنسان إلى التمسك برأيه لتجنب الشعور بالحياء، سيما إذا كان النقاش أمام مجموعة من الناس، مما يُعد الاعتراف بالخطأ منقصة أو عيبًا. وهذا ما نراه في المجتمعات العشائرية حيث يتجلى بصورة أوسع. فكثير من الناس في مثل هذه البيئات المغلقة فكريًا يتمسكون بآرائهم وإن كانت ليست جزءًا من قناعاتهم الراسخة.

تأثير التفكير الجماعي: يميل الأفراد إلى تبني آراء المجموعة التي ينتمون إليها، وقد يجدون صعوبة في الخروج عن هذا الإطار رغم عدم القناعة بالآراء. والتمسك بالرأي في مثل هذه الحالة هو إهانة للعقل وجحود بنعمة العقل التي وهبها الله للإنسان بهدف تميزه عن سائر مخلوقاته.

في الختام: عزيزي القارئ، أوصي نفسي وأوصيك بأهمية تقبل الآراء المختلفة وإدراك حقيقة أن رأيك قد يكون عُرضة للخطأ. ومن خلال التفكير المرن، يمكن للإنسان أن يتعلم ويتطور، وأن يتجنب الوقوع في أخطاء بسبب التعصب لآرائه. فالأفضل هو أن نكون منفتحين على الآراء المختلفة، وأن نكون على استعداد لتغيير آرائنا إذا اقتضت الضرورة ذلك.

ذات صلة

البرامج الانتخابية للكتل السياسية العراقية ٢٠٢٥نهاية يونامي في العراق: بين استرداد السيادة وفراغ الرقابةالإمام الحسن المجتبى (ع) راعي حقوق الشيعةالعبودية الفكرية.. ثقافة الخنوعالعدالة المفقودة في توزيع الثروات